أقلام حرة

نلوم الآخرين والعيب فينا!!

صادق السامرائيهاتفني مازحا ويلقي باللائمة على فلان الفلاني الذي جاء بمفهوم المحاصصة، وأسس لنظام التحاصص مثلما هو الحال في لبنان، فقلت له : لماذا تلومه، ولا تلوم الذين تراقصوا على أنغام المحاصصة ومضوا على نهجها، وما حاولوا أن ينظروا فيها ويعدّلوا سلوكهم، ويميلوا إلى مفهوم الوطن والمواطنة؟

لكنه بدلا من الإعتراف بالعيب، أصر على أن ذلك الفلان هو السبب!!

وهذه معضلة سلوكية عاصفة في مجتمعاتنا ، خلاصتها أننا نميل إلى تنزيه أنفسنا ونبحث عن قميص نعلق عليه عيوبنا، ففينا ما يعزز تواصلنا بسلوكنا الذي نرفضه، ونمارسه بقوة وتمسك متكرر وشديد.

فالذين يلعنون المحاصصة بأقوالهم، لا يمكنهم أن يتخلوا عنها بأفعالهم، وإنما حققوا إستثمارا مروعا فيها، فأفسدوا الدولة وأوصلوا البلاد إلى مصاف أعلى درجات الفساد وفقا للمعايير العالمية، وبإسم المحاصصة أسسوا دولة فاشلة، فاقدة الهيبة والسيادة والقانون، تعبث في ربوعها العصابات والمليشيات المسلحة المؤدلجة بعقائد سوداء، والمحروسة بفتاوى نكراء.

المحاصصة التي يلعنها صاحبي يتمسك بها، وكأنه يريد القول بأنها ناعور يدور وعلينا العمل بموجبها والإيمان بها، لكن من الواجب القول ضدها لأنها جلبت علينا الويلات وإستدعت الخطوب والتداعيات.

فلماذا هذا السلوك المتناقض تجاه واقع مرير ووطن أسير مضرج بالوجيع والدماء، التي يتحقق هدرها بقهر وظلم وعدوانٍ متوحشٍ؟

يبدو أن الموضوع لا علاقة له بالوطن والمواطنين، وإنما بالكرسي والسلطة وما تجلبه من غنائم وإمتيازات، فما دامت المحاصصة قد وفرت ذلك فأنها الباقية، فعلينا أن نواصل العمل بموجبها، ونخادع الناس بأننا ضدها بأقوالنا وهجماتنا الصاخبة عليها.

ولهذا فهي باقية والناطقون بما هو ضدها يخادعون، لأنهم مستفيدون منها، ومتمكنون بموجبها، وقد تحول الوطن إلى بضاعة في عرفهم العقائدي الذي لا يعترف بوطن، وإنما يدين بالتبعية والولائية للذين يقلدون وعلى خطاهم يسيرون.

فيا صاحبي لا تقل لي السبب فلان الفلاني، وقل إن السبب فينا، فنستلطف عيوبنا، لأنها تلبي شهواتنا وأطماعنا، وتمنحنا ما نريد من قدرات الإستحواذ على ثروات البلاد والعباد.

فما أروع المعاصصة في زمن التحاصص المعمم بالثريد!!

 

د. صادق السامرائي

1\2\2020

 

في المثقف اليوم