أقلام حرة

هل يستحق آبي أحمد الأثيوبي جائزة نوبل؟

محمود محمد عليآبي أحمد علي (مواليد 15 اغسطس 1976) هو رئيس الوزراء في جمهورية إثيوبيا عين في 27 مارس 2018، وهو أول رئيس وزراء من عرقية أورومو وهو مسيحي خمسيني. والده مسلم من عرقية أورومو، وأمه مسيحية من عرقية أمهرة. نال جائزة نوبل للسلام عام 2019 لجهوده في حل النزاع الحدودي مع إريتريا. وتهدئة الأوضاع مع الدولة الجارة، وإنهاء واحدًا من أطول الصراعات في إفريقيا وإدخال إصلاحات سياسية شاملة، لكن المشاكل الداخلية والصراعات والانقسامات تشهد تصاعدًا مستمرًا، بحسب وكالة "أسوشيتد برس".

وقالت الوكالة إنه من المتوقع أن تتفاقم الاضطرابات العنيفة، التي تقوم في بعض الأحيان على أسس عرقية وذلك قبل الانتخابات المزمع عقدها بإثيوبيا في مايو، كما اندلع جدلاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول ما إذا كان آبي يستحق الجائزة أم لا.

وعندما تم الإعلان عن جائزة السلام في وقت سابق من هذا العام، قالت رئيسة جائزة نوبل، بيريت ريس أندرسون، إن بعض الناس قد يعتبرونها مبكرة جدًا في منحها لآبي، لكن "أصبحت جهود آبي أحمد الآن بحاجة إلى اعتراف وتستحق التشجيع".

إن "الأسباب التي رجّحت ترشيح رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد للفوز بجائزة نوبل للسلام كثيرة... فالرجل، وهو على رأس الجهاز الحكومي في بلاده، جمع بين التوجهات الداخلية والخارجية التي من شأنها تكريس السلام على الصعيدين الاجتماعي الداخلي والسياسي الخارجي"؛  علاوة علي أنه  قام بسرعة بإصلاحات سياسية واقتصادية حقيقية ووسع الحريات، بدئا من تغيير رئيس الاركان ومدير جهاز الأمن والمخابرات الوطنية، في تعديلات هي الاولى منذ ١٨ عاما، ومكن النساء مسندا لهن نصف حقائب الحكومة وعين عائشة محمد موسى كاول سيدة لحقيبة الدفاع في تاريخ البلاد، كما قدم لاحقا السفيرة السابقة سهلى ورق زودي كأول رئيسة للبلاد، كما قام بدمج بعض الوزارات وأنشأ اخرى، كما اطلق سراح المعتقلين والسجناء المعارضين، وإسقاط وصف ارهابية عن حركات معارضة مسلحة ورحب بعودة قياداتها من المنفى، واعترف بالانتهاكات التي وقعت في الماضي، كما اجرى مصالحات بين القوميات والشعوب في الاقاليم المختلفة في اثيوبيا، ونجح في استعادة الود مع اريتيريا، بعد قطيعة عقدين في "إعلان المصالحة والصداقة" تم بموجبه إنهاء أطول عداء في أفريقيا وفتح السفارات في البلدين وتطوير الموانئ واستئناف رحلات الطيران، كما سعى لتحسين العلاقات مع القاهرة.

كما تعامل آبي أحمد مع مشكلة "سد النهضة" ؛ حيث ألغى عقد شركة "ميتك" الإثيوبية التابعة للجيش، والمنفذة للأعمال الهيدروميكية في مشروع سد النهضة"، وأقر خلال مؤتمر صحفي في أديس آبابا بتأخر أعمال بناء سد "النهضة"، التي كان مقررا أن تنتهي في 2017، بسبب إخفاقات شركة "ميتك" الإثيوبية. وعُثر بعدها على جثة مدير مشروع سد النهضة سمنجاو بقلي مقتولا في سيارته وسط أديس آبابا، وأعلنت الشرطة لاحقا أنه انتحر بمسدس خاص كان موضوعا داخل سيارته. وعين "كيفلي هورو"، خلفا لسيمنجاو مدير لمشروع سد النهضة وقال إن اكتمال العمل في بناء سد النهضة سينتهي بحلول عام 2022.

كما سعى "آبي أحمد" إلى تحسين موقفه والحزب الحاكم، فمنذ وصول "آبي أحمد" للسلطة حقق خطوات على طريق الإصلاح السياسي على المستويين الداخلي والخارجي، وهو ما جعل مجلة "التايم" الأمريكية تختاره ليكون ضمن قائمة القادة والزعماء الأكثر تأثيرا في العالم، لكن الإصلاح السياسي يحتاج لإنجازات اقتصادية تدعمه وتدعم موقفه للبقاء في السلطة، وإرسال رسالة طمأنة للخارج حول مستقبل الاستقرار الداخلي، كما حاول "آبي أحمد" خلق توازن في الشراكات الدولية من خلال بناء علاقات خارجية أكثر تنوعا من خلال إشراك دول أوروبية مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا في مشروع سد النهضة خلال زيارته الأوروبية في أكتوبر 2018، بالإضافة لمحاولة إثيوبيا أن تجعل من سد النهضة أيقونة للدول الإفريقية المشابهة لها في الظروف الاقتصادية في إنشاء مشاريع قومية دون الاقتراض الدولي، وهو ما يعزز صورة إثيوبيا كدولة رائدة على المستوى الإفريقي.

بيد أن أزمة سد النهضة التي تعرضت لها مصر خلال الأيام الماضية من قبل آبي أحمد؛ خاصة بعد أن أعلنت وزارة الري المصرية عدم التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي خلال جولة المفاوضات الأخيرة التي استضافتها إثيوبيا على مدى الأيام الماضية، حيث ذكر بيان لوزارة الري المصرية أن أطراف التفاوض الثلاثة، مصر والسودان وإثيوبيا "لم تتمكن من الوصول إلى توافق حول التصرفات المائية المنطلقة من سد النهضة في الظروف الهيدرولوجية المختلفة للنيل الأزرق".

جوهر ما جاء فى هذا البيان أنه لم يكن فقط رداً على المغالطات فى بياني وزارتي الخارجية والري الإثيوبيتين، ولكن للرد على كل المغالطات الإثيوبية منذ بداية التفاوض.. البيان المصري قال بوضوح إن مواقف أبي أحمد متعنتة ومغالى فيها، وتحاول فرض الأمر الواقع، وبسط سيطرتها على النيل الأزرق، وملء وتشغيل سد النهضة دون أدنى مراعاة للمصالح المائية لدول المصب خصوصا مصر، بما يخالف التزامات إثيوبيا وفق المعاهدات والأعراف الدولية.

من أهم النقاط في بيان الخارجية المصرية قوله إن رفض أبي أحمد تصريف الإيراد الطبيعي أثناء عملية تشغيل السد، يرجع إلى نيته توظيف هذا السد، الذى يفترض أنه يستهدف فقط توليد الكهرباء، لإطلاق يد أثيوبيا في القيام بمشروعات مستقبلية واستغلال موارد النيل الأزرق دون الاكتراث بمصالح مصر المائية وحقوقها.

في البيان نفت مصر أن تكون اقترحت ملء السد في فترة تمتد من 12 - 21 عاما، كما تزعم إثيوبيا، وأنها لم تحدد سنوات معينة للملء، بل إن الدول الثلاث اتفقت منذ عام على ملء السد على مراحل تعتمد سرعة تنفيذها على الإيراد السنوي للنيل الأزرق، بمعنى أنه يمكن ملء السد فى 6 أو 7 سنوات، إذا كان إيراد النهر متوسطا، وفى حالة حدوث جفاف يمكن للسد توليد 80 ٪ من الكهرباء بما يعنى تحمل أبي أحمد أعباء الجفاف بنسب ضئيلة.

وقال البيان أيضا إن مصر اقترحت وضع آليات وقواعد للتكيف مع التغيرات الهيدرولوجية وللتعامل مع سنوات الجفاف التى قد تتزامن مع عملية ملء سد النهضة، إلا أن تتحمل مصر بمفردها أعباء الجفاف، وهو الأمر الذى يتنافى مع قواعد القانون الدولى. الملفت أنه كلما طالبت مصر بالاتفاق على خطوات فعالة للتعامل مع سنوات الجفاف، يلوح أبي أحمد باستعداد أثيوبيا لملء السد بشكل أحادى، وهو ما يخالف القانون الدولي وإعلان المبادئ فى 2015. والخطير أن أثيوبيا تصدر صورة مغلوطة جدا لمواطنيها وللرأى العام مفادها أن مصر تحاول الاستئثار بمياه النيل!

كما أكد البيان بأنه كان هناك اجتماع في 26 فبراير وكان من المفترض ان يشهد توقيع المسودة التي أعدها الأمريكان أو مشروع الاتفاق الذي أعده الأمريكان بعد مشاورة الدول الثلاث.. لكن أبي أحمد أعلن أن أثيوبيا لن تحضر للتوقيع وأنها تحتاج وقت أطول إلي ما بعد الانتخابات التشريعية في مايو المقبل .

إن غياب أثيوبيا عن المفاوضات فجّر تساؤلات عدة فسرها البعض بأن أثيوبيا من خلال أبي أحمد لا ترغب في التوقيع على الاتفاق النهائي الذي ترعاه الولايات المتحدة والبنك الدولي، وتريد فرض سياسة الأمر الواقع بعد اكتمال تشييد السد وملئه وفقاً لاستراتيجيتها المائية من دون النظر إلى شركائها الآخرين، وهو ما اعتبره مختصون في مجالي المياه والقانون انتهاكاً لإعلان المبادئ المتفق عليه، فضلاً عن أنه يكشف عن سوء نواياها في التعاطي مع هذا الملف، مؤكدين أن من حق مصر والسودان اللجوء إلى مجلس الأمن لحسم هذه القضية لما تمثله من تهديد للأمن والسلم العالميين ؛ خاصة وأن تغيبها يعتبر انتهاكاً، لما جاء في البند الخامس من إعلان المبادئ الذي يلزم أثيوبيا بأن يكون استمرار تشييد السد بالتوازي مع استمرار المفاوضات. بالإضافة إلى المطالبة بأن يكون التفاوض على أساس المبادئ الـ 15 الواردة في المادة الثالثة من اتفاقية "عنتيبي"، والتي وافقت عليها جميع دول حوض النيل بما فيها أثيوبيا بشهادة 13 جهة دولية بما فيها أميركا والبنك الدولي والأمم المتحدة .

إن هذا الموقف المتنعنت من قبل أبي أحمد تجعلني أطالب بسحب جائزة نوبل منه لكونه رجلا متعصبا لا يدعو إلي السلام ، بل يريد أن يدخل بلاده في صراعات عسكرية لا قبل لبلاده بذلك .. إن أبي أحمد كشف بفعله هذا أنه لا يهمه رد الفعل الأمريكي تجاه فشل اجتماعات واشنطن، وهى ست جولات، وإعلانه أن أى موقف غير الموقف الإثيوبي يعتبر تدخلاً فى أمور أثيوبيا الداخلية.. وأن أثيوبيا ماضية فيما اعتزمت عليه، وحتى قبل أن تبدأ الوساطة الأمريكية.. مما يعنى تحدياً من قبل آبي أحمد  للرئيس الأمريكي نفسه، الذى تبنى الوساطة.. حتى لا تشتعل الأزمة أكثر.. وأكثر.. بينما العالم مشغول بكارثة وباء كورونا! والناس يتساءلون: ترى ماذا يكون رد الفعل الأمريكي، والأهم بماذا ترد مصر على هذه الخطوة الإثيوبية الغبية التي أججها أبي أحمد بتصرفه الغبي والأحمق، وما هى القوة، أو القوى، التى تقف وراء التعنت أو التذمر الإثيوبي؟

ولكن هل يبقى السؤال معلقاً  (كما يقول عباس الطرابيلي في مقاله مصر وإثيوبيا.. ماذا بعد؟!)، وهو ما يعنى ماذا تفعل مصر تجاه الموقف الإثيوبي.. وهل تلجأ القاهرة - هذه المرة - متسلحة بالدعم الأمريكي للموقف المصري- إلى التحكيم الدولي.. خصوصاً أن الجو العالمي حالياً يرفض أسلوب الحرب.. وهل نصل إلى المطالبة بفرض عقوبات دولية، وحصار عالمي لردع أديس أبابا.. وهل تقبل إفريقيا فكرة الرد العسكري على التشدد الإثيوبي؟..  دعونا ننتظر ما تسفر عنه الأيام القادمة .. وللحديث بقية في المقالات اللاحقة حول هذا الموضوع.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم