أقلام حرة

تخافت التهافت!!

صادق السامرائيالذي هيمن على الوعي الجمعي العربي وحدد مسارات الرؤى والتصورات، ربما كتاب الغزالي في القرن الحادي عشر المسمى "تهافت الفلاسفة" الذي كتبه بأسلوب حواري، ردا على الفلاسفة العرب، وإنتهى بتكفيرهم لأنهم إعتمدوا على الفكر اليوناني الذي يراه وثنيا، مما أدى إلى إعتبار ما جاؤوا به كفرا.

والفلاسفة المعنيون بالتكفير هم الكندي والفارابي وإبن سينا، لكن الغزالي ترك الحبل على غاربه في موضوع قتلهم بعد تكفيرهم.

وقد تصدى للغزالي بعد قرن العلامة الفقيه الطبيب الفيلسوف " إبن رشد" في كتابه " تهافت التهافت"،  الذي أعاد فيه للعقل قيمته ودوره الحضاري المنير.

والمشكلة في الكتابين أن الأول ساد والثاني مات، فكتاب "تهافت الفلاسفة" حي يُرزق ومعمول به حتى يومنا هذا، وكتاب تهافت التهافت مات في وقته أو تم وأده، بموجب إرادة فقهاء ذلك العصر الذين يتحكمون بقرارات السلطان.

فلا قرار في مسيرة حكمنا الطويلة أصدره خليفة أو سلطان، إلا وقد نال إستحسان الفقهاء وفتواهم وتبريكاتهم، فهم في حقيقة الأمر الذين يصدرون الأحكام ومثلما يريد السلطان .

"تهافت الفلاسفة"، إنبثقت عنه مجاميع ومشاريع وفرق وأحزاب، وغيرها من الحركات التي تستمد فكرها ورؤيتها منه، بل وبرز فقهاء ومفكرون مؤثرون ولدوا من رحمه.

أما كتاب "تهافت التهافت"، فأنه أحْرِقَ وتم تكفير صاحبه وإتهامه بالزندقة، وتحقق نفيه والإمعان بالقسوة عليه.

ولم يلتفت العرب له ولغيره من كتبه منذ القرن الثاني عشر وحتى اليوم، لكن أوربا في القرن الثالث عشر إنتبهت إلى كتبه وترجمتها، ويُؤكد الكثيرون أن الثورة الإنبعاثية أو التنويرية قد إنطلقت بسببها.

فالعرب كانوا أمام تهافتين، فاختاروا الذي أزرى بهم وتهافتوا به، وما أدركوا قيمة تهافت التهافت ومعانيه، وما فيه من أفكار حضارية ذات قدرات تنويرية مطلقة، ولو أنهم عملوا ببعض ما إحتواه من أفكار لكانوا سادة الأمم وقادتها منذ قرون بعيدة.

واليوم ما أحوجنا إلى إحياء الأفكار التنويرية الداعية إلى إعمال العقول وتحفيزها والعمل بمقتضيات معطياتها المعاصرة، وهي ذات الدعوة التي إنطلقت في قرطبة في القرن الثاني عشر بقيادة إبن رشد.

فهل نستطيع أن نعيد للعقل سلطانه؟!!

 

د. صادق السامرائي

...........................

تهافت:  تساقط، إنهيار. وتهافت الآراء: نقض بعضها بعضا لتبيان ضعفها.

 

في المثقف اليوم