أقلام حرة

هل إنتحر إبن رشد؟!

صادق السامرائيالإنتحار قد يكون من وسائل الإيقاظ المدوية في حياة الأمم والشعوب، وفي هذا القرن أيقظ الأمة من نومتها إنتحار البوعزيزي التونسي بإحراق نفسه!!

فهل إنتحر إبن رشد ليوقظ أمة ألغت العقل واسقطت العِقال فتمادت بالضلال؟

إبن رشد من سلالة فقهية علمية معرفية باسقة لها دورها ومقامها الرفيع في عصرها، فجده فقيه الفقهاء وأبوه وكذلك هو الحفيد الذي يكنز موروثات ذات قيمة حضارية متميزة، تراكمت فيه وأورقت وتفتقت أزهارها وفاح عطرها، فكمم العرب أنوفهم فخابوا، وعبق منها الغرببون فسادووا.

هذا المفكر الفيلسوف الطبيب الإنساني الكوكبي التطلعات، أدرك جوهر العلل، ومنبع التداعيات، وأصل الويلات، وقرأ المستقبل وإستحضره بعقله الثاقب، فأيقن أن العلة في إغفال العقل ونفيه ومنعه من القيام بوظيفته التي أودعها الله فيه وهي التفكير، الذي يبدو كفريضة ملزمة على كل مسلم ومسلمة.

كما أبصر أن عليه التصدي لمحنة أجيال وأجيال من بعده، ستتوحل وتتكبل بما يخزيها ويهينها ويؤذيها من رؤى وتصورات ذات وبال.

والكلام كبيرعن عالِم متبحر بالدين والشريعة والفلسفة والعلوم الطبية واللغوية، ومستغرق في البحث عن أجوبة لأسئلة كونية وتحديات مصيرية تواجه أمة، ويرى خارطة مسيرها وما ستنتهي إليه، إن هي إنحرفت عن سكة التفكر والتدبر وتجاهلت مهارات يتعقلون.

بهذا الإدراك الحيوي الفعّال تجشم إبن رشد عناء التحدي والتصدي والإقدام، وإمتشق أنوار العقل وأطلقها ساطعة في دياجير الحندس والإظلام، التي يسهم في ديمومتها الفقهاء الحافون من حول كراسي النعمة والسيادة والجاه، الذين يتعبدون في محاريب الإستجداء والتقرب لذوي القوة والسلطان، ويتناسون أنهم خلقوا أحرارا ولهم رب عليهم أن لا يعبدوا سواه.

فقفز إبن رشد إلى هذا المحتدم المتأجج بكامل قواه وإرادته وإيمانه بأن الحق ينتصر والباطل ينهزم، ووفقا لطاقة الإيمان المُبصرة الفاعلة فيه، أطلق أفكاره التي تيقن من جوهر حقيقتها وضرورتها للقوة الحضارية والرفعة العربية، التي تتمسك بجوهر الدين القويم  ومعانيه الداعية للوصول إلى مقامات الإنسانية السامية العلياء.

ومن البديهي أنه كان يعرف عواقب إقدامه وما ستجلبه عليه أفكاره ورؤاه، وفي ذات الوقت يعرف بأنه يخاطب أجيالا وعصورا آتيات، فعليه أن يعمل بما يرى ويعلن الحقيقة عارية وواضحة، لكي تساهم في بناء الرؤية الحضارية الواعدة للإنسانية.

ويمكن القول أنه تصور عواقب الأمور، ووثب إليها إختيارا، وكأنه أراد أن يقول بأن موته سيلهب ثورة عقلية تعيد للأمة كرامتها الحضارية وذاتها النورانية السمحاء.

فالأمة بالعقل تنهض، وبإرادة إقرأ عليها أن تكون!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم