أقلام حرة

خلقكَ شقيا!!

صادق السامرائي"يا بُني والله إني لأظن أن الله عزّ وجل خلقكَ شقيا"!!

هذه مقولة والد الحجاج بإبنه في حادثة معروفة ومدونة في كتب التأريخ، بعد أن أفصح له عن موقفه ووجهة نظره عمّا يدور في الواقع السياسي والإجتماعي آنذاك.

ويمكن قراءة شخصيته وفقا للآتي:

أولا: العصبية:

وهي الميل إلى القبيلة والعشيرة والطائفة والإمعان بتأكيد الإرادة الذاتية والجمعية، وقد عبّر عن ذلك بقوة وإدمان في سلوكه، الذي تفتق بعد أن تسنم مواقع قيادية في الدولة الأموية، التي كادت أن تنهار لولا إقدامه وإصراره على تثبيت أركانها وإعلاء لوائها، وفقا لمفاهيمه القيادية الحازمة التي لا تقبل القسمة إلا على نفسها.

وقد ترجم بسلوكه صدق ولائه وإنتمائه للنهج الذي تبناه الخليفة عبد الملك بن مروان، والذي بموجبه تم تأسيس الدولة الأموية القوية القادرة على التمدد والهيمنة على أصقاع الدنيا، وذلك بالقوة والإقدام الشديد الذي لا رجعة فيه أو إلتفاتة إلى الوراء، فالحجاج إنطلق كالصاروخ نحو أهدافه المتنوعة المتنامية بإرادة فولاذية حازمة.

ويبدو أنه قد سئم من حكم عبدالله بن الزبير الذي يُقال أنه كان قاسيا، فترك الطائف وإلتحق بالشرطة الأموية في دمشق.

ثانيا: النرجسية:

من الواضح أن الحجاج يتمتع ببعض الصفات النرجسية، لكنه لم يصل إلى درجة تعظيم الذات والخروج عن كونه إنسان من عباد الله الذين يجاهدون في سبيل إعلاء كلمته وإقرار الحق والقضاء على مناوئيه، فقد أبدى الكثير من المواقف التي تشير إلى أنه متواضع أمام خليفته، ويذعن لأوامره وينفذها مهما كانت صعبة ومذلة لشخصه، لكنه يمتلك حب الذات والقدرة على الإفتخار بكونه قد أنجز وحقق ما لم يحققه غيره، ويرى أنه أهم أعمدة الدولة الأموية، وعنده عزة وكبرياء وإعتداد بأصله وفصله.

ثالثا: الغاية تبرر الوسيلة:

الحجاج مارس هذا السلوك بقوة وشراسة، فغايته القضاء على معارضيه وإخماد الفتن والإضطرابات، وقد إتخذ لذلك الهدف جميع الوسائل المتاحة التي توصله إلى ما يريد، ولا يعنيه في الأمر إلا الوصول إلى الغاية المنشودة.

وتتضح هذه القاعدة السلوكية في مواقفه المتنوعة، وقراراته القاسية التي ينفذها بآليات فورية قاصمة ومرعبة، وكأنه السلطان المطلق الصلاحيات، والذي ينفذ أوامر ربه بدأب وإصرار وعزيمة متوقدة.

فهو يشرعن قتله للآخرين ويستحضر لهم حجة ودليل، ولا يقتل حبا في القتل وحسب.

رابعا: السايكوباثية:

لا توجد أدلة ومواقف تؤكد هذه الشخصية، فطفولته وصباه مشحونتان بالعلوم القرآنية والعربية، وكان معلما ومؤدبا، وقد أدبه وعلمه أبوه الذي كان معروفا بالتفقه بالقرآن، ويبدو أنه كان صاحب منزلة عند بني أمية، وعلى علاقة بالخليفة.

والحجاج صاحب بينة وحجة ويقتل وفقا لحجة وسبب واضح، فأول مَن قتل في الكوفة شخص كلمه فسألوه هل يعرفه فنفى، وعندما أخبروه بأنه هو الذي ركل جثة عثمان بن عفان وكسّر أضلاعه، أمر بقتله فورا.

وقتله سعيد بن جبير كان لأنه كان معارضا وخارجا عن طاعة الخليفة وقد حاججه ونفذ أمر قتله.

فهو يقتل مَن يعارض ولا يعنيه شأنه أو مقامه، فحالما تثبت عليه تهمة المعارضة والخروج عن الخليفة ينفذ حكم الإعدام فيه.

ولهذا كثر قتله لأسباب سياسية بحتة.

وشأنه كأي قائد يريد تثبيت أركان دولة، فلا تأخذه لومة لائم بما يفعل.

وفي الختام فأن الحجاج كان قائدا يبرر سلوك السيف ويبحث له عن حجة وبينة، لكي يكون فاعلا ومنفذا لأمر رؤيته التي ملخصها، أما أن تكون معي أو أنت عدوي، ووفقا لذلك مضى أكثر من عقدين على ذات المنهج التفاعلي مع الرعية، فصار مرهوب الجانب، مرعوب الذكر، تتنافر من أمامه الرجال حفاظا على أرواحها ومبررات حياتها، ومات كأي مستبد بذل ضغطا شديدا على الناس، فتنفسوا الصعداء من بعده، وتشظى وجودهم وتدهورت أحوالهم، وهكذا دبّ الضعف في الدولة الأموية، كما دبّ فيها بعد وفاة مؤسسها، لكن هذه المرة تواصل وتعاظم حتى إنتهت قبل أن تتم عشرة عقود في الحكم.

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم