أقلام حرة

الماضي المُستعمِر لوجودنا!!

صادق السامرائيمجتمعاتنا مُستعمَرة ومُستعبَدة، والمُستعمر والمُستعبد هو الماضي الذي يقبض على عنقها ويخنق أنفاسها، ولا توجد أمة مُستعمَرة بماضيها مثل أمتنا!!

ويبدو أن هناك قوى تدفع لترسيخ وتعزيز هذا الإستعمار وتمريره وتغرير الأجيال وإستغفالهم، وإيهامهم بأن الماضي رائع جدا ولا يمكنهم أن يأتوا بشيئ قريب منه، فهم في إنكسار وإنتكاس ورقدة عدم لا حياة بعدها، فالماضي المرصّع بالنجوم المضيئات قد ولى ومعه ذهبت إرادة أمة وتطلعات أجيال.

ولا يمكن الجزم بأن الذي يدور في أروقة أيام الأمة غير موجّه ومبرمج ومخطط له، وقد لعب المستشرقون دورا كبيرا في دفع الأجيال بهذا الإتجاه التدميري للحاضر والمستقبل.

وعندما ننظر أحوالنا على مرّ العقود منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وحتى اليوم، يتضح إنغماسنا بالإجترار الوسواسي لماضينا، وإمعاننا بتضخيم صوره رموزه والإنتقال بهم إلى مصاف الآلهة العظام، بعيدا عن الواقع المدروس والمعقول.

فما هي فائدة الماضي؟

المجتمعات تعتبر بماضيها وما إعتبرنا، وتتعلم منه وما تعلمنا، وترجع إليه في أزماتها وملماتها وما فعلنا، فكأن مجتمعاتنا دواليب ناعور تمتليء وتسكب ما فيها، وما أنبتت زرعا ولا روت أرضا.

الماضي تحوّل إلى تركة ثقيلة تعطل عقولنا وتقصم ظهورنا، وفقا لما هو مخطط ومرسوم للإستيلاء على وجودنا وثرواتنا.

ومن الواضح أن أمتنا ملعوب بها وعليها، ومأخوذة إلى حيث يريد الطامع بها، وهو يجتهد في دحرجتها لتسقط في بالوعة رغباته وتطلعاته، وقد تبرمَجت الأجيال لتكون قِوى ذاتية الحركة تساهم في تحقيق مصالح الآخرين فيها.

فكراسي الأمة الحاكمة أدوات لتحقيق أطماع الآخرين بأنواعهم وقدراتهم الإقليمية والعالمية، ولا يوجد مَن يفكر بمصالح وطنه ومواطنيه بالفعل والعمل، لكنهم يُلَقَنون بأقوال لتأكيد بقائهم في الكرسي وتحقيق إرادة أسيادهم والمؤازرين لسلوكياتهم المناهضة للوطن.

فهل نستطيع التحرر من هذا الإستعمار المبيد؟!!

 

د-صادق السامرائي

 

 

 

في المثقف اليوم