أقلام حرة

خطبة الوداع!!

صادق السامرائيخطبة حجة الوداع يستهلها الرسول الكريم بعد المقدمة بالقول: "إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم، ....."

وما أن توفى حتى كأنّ كلمة حرام إنقلبت إلى حلال!!

ويبدو أنه كان يستشعر بأن المسلمين سيقتل بعضهم بعضا، وربما كانت لديه دلائل وإشارات بهذا التوجه الذي كان يتأجج ويستقيد.

فماذا حصل؟

إبتدأت الحروب ما بين المسلمين، واشتدت الصراعات السياسية الدامية، وقتل المسلمون من المسلمين ما لم يقتله منهم أعتى أعدائهم، وما مضت على وفاته إلا بضعة عقود.

فأول فترة بعده أفتتحت بحروب ضد المسلمين، وآخر فترة بحروب بين المسلمين، وتواصلت الحروب وسقطت المحرمات، وما عاد هناك ما يردع من النيل من أي مسلم مهما كان مقامه ودوره وقيمته، وتأكد ذلك بمقتل عمر ومن ثم عثمان وعلي وما جرى بعد ذلك من سفك للدماء وإنتهاك لحرمات المسلمين بواسطة المسلمين أنفسهم، ولا يحتاجون للفتك بالمسلم إلا لتكفيره أو رميه بتهم تجيز قتله والفتك بأهله.

هذه المتوالية الدامية المنطلقة بعد وفاة الرسول الكريم، أسست لمسيرة طويلة من التناحر والفرقة، وبنيت عليها إتجاهات وتأويلات وتصورات تحولت إلى مذاهب وفرق وجماعات تقاتل بعضها وتفتك بالإسلام والمسلمين، ربما طمعا بالسلطة والمال وغيرها من محببات الدنيا وغنائمها.

فعندما نقرأ التأريخ بهذا المنظار الدامي، نكتشف أن ما حصل فيه من عظائم الأمور إنما تحصيل حاصل، لهذه التفاعلات التي أضاعت ضابطها، وفقدت معاييرها ومقاييسها السلوكية والأخلاقية.

فحرمة سفك دم المسلم ما عادت تعني شيئا، والتذكير بخطبة الوداع لا يغير من السلوك الدامي، فلكل فعل تبريره وفتواه وتأويله وما يعزز تكراره، حتى تحولت الحرمات إلى سلوكيات تعبيرية عن الدين والإنتماء الصادق إليه.

أي أن المعايير إنقلبت، والدين صار ضد الدين، والقرآن حروف مرسومة وأصوات مرتلة، ولا قيمة إلا للقوة وسفك الدماء.

وعاش الدين الذي به يتقاتل المسلمون!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم