أقلام حرة

البكاء علي اللبن المسكوب

محمد سعد عبداللطيففي الذكرى العاشرة للربيع العربي بين مفاهيم الثورة والفوضي البناءة والفوضي الخلاقة ؟

اتدرون لماذا البكاء .لانه أول من يعبر عن ألم يعير عن جروح وهموم امة جريحة .تعيش بين ركام معارك وبين أرواح تزهق .ودماء تسيل . واعراض تنتهك.. وبيوت تهدم . والبيت الأبيض يضحك بكاء علي امة نائمة . لاتستفيد من الحياة .دموع أقرب الي تصرخ مستغيثا باحثا عن حلمك العربي والإسلامي .تستغيث .ولامجيب والمسلمون يذقون الويلات والانهزامات والاتقسامات ..أحيانا البكاء يعانق حبر قلمي ودموع علي الخريطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ان الثورات العربية .شابت الرؤية والخطة للقوي الأقليمية الداعمة لهذه الشعوب في ربيع ثوراتهم ثم كان الخذلان الفظيع من عموم الشعوب ففي سوريا سرعان ما تحولت الي حرب اقليمية ودولية شاملة ليس لها من سوريا سوي المكان ولا من الثورة سوي العنوان..في اليمن السعيد أصبح تعيث بين الكهوف والفقر والامراض وفي ليبيا ثورة بلا عنوان ولاهدف .الكل ينتظر .الكعكة من عملية إعادة المعمار والحصول علي النفط .وفي السودان خرجت من عباءة العرب الي التطبيع .تلاحق حظيرة الهرولة ناحية تل آبيب والعراق لاحول له ولاقوة بين المذهبية والعرقية والطائفية . والإنقسامات وألأطماع الدولية والأقليمية . كذلك لبنان والسعودية ضمن خريطة التقسبم تونس مازالت في اول التجربة . ومصر الولادة متعثرة .وشرخ داخل نسيج المجتمع يحتاج لعقود .لإعادة .شعارها (حرية .عدالة إجتماعية .مساواة.) وهذا النموذج المثالي للفوضى لا يرقى فوق المحاذير القاتلة للفوضى.

هناك من يقفز فوق التاريخ. والصراعات والبشر .والأقتصاد والسياسة والعالم بطريقة مرفوضة.

وهناك جزء من العالم لايهمة امرنا في شيء راح يصفق لة وهناك جزء من العالم العربي يراقب بسلامة وكأن

الآمر لا يعنية وذهب الي التطبيع والجزء الاخر مضلل في كل ما يحدث غابت عنة الحقائق. . وجزء دخل في سبات شتوي طويل .خوفا من جحافل

ومعتقلات المعاقل من جمهوريات الخوف الجديدة . ومازال إنفعالي الشديد في كل ذكري

انفعال يتدفق منة الإحتدام دموع من دموع الإخفاق .للآسف الشديد .دموع بلآ بكاء .. لنتذكر كل عام اصل المثل "لا تبكي على اللبن المسكوب وهي قصة قديمة .ولكنها حقيقة لما حدث في عالمنا العربي . يقال أن أحد التلاميذ الإنجليز كان يأوي إلى فراشه كل ليلة ليتذكر ما وقع فيه من أخطاء، وكان هذا يصيبه وهم وقلق كبير،، وذات يوم فوجئ هذا التلميذ وأصدقاؤه بالمعلم يدخل عليهم الفصل،ومعه كوب من اللبن وضعه أمامهم، وتعجب التلاميذ وأخذوا يصرفون أبصارهم تجاه كوب اللبن والأستاذ ساكت لا يتكلم.. وفجأة ضرب الأستاذ كوب اللبن بيده فكسره، وسال اللبن على الأرض، ثم أمر المعلم تلاميذه أن ينظروا إلى هذا اللبن السائل، وقطع الزجاج المبعثرة علي الارض، وقال لهم إنكم لن تستطيعوا أن تعيدوا هذا الكوب إلى ما كان عليه، وما عليكم إلا أن تلملموا هذا الزجاج المكسور، ثم تواصلوا العمل مرة أخرى،

ومن يومهـا تعلم هذا الصبي ألا يندم على أخطائه إلا بالقدر الذي يفيده في المستقبل من دروس فمتي نتعلم نحن العرب من الدروس آننا نردد مصطلحات قيلت في سيقها وللآسف نستخدمها بلا وعي ونرددها رغم أنها حدثت في ظروف مختلفة .وفي أزمنة ووضع عالمي .مختلف فمثلا .الفرق بين الفوضي البناءة والفوضي الخلاقة .التي حدثت عبر تاريخ من الشعوب مثل الثورة الفرنسية .وما جاء بعد أكثر من قرنين في سياق حديث (كوندليزا رايس) وإدارة بوش الأبن .ربما كانت الثورة الفرنسية أولى سيرورات الفوضى البناءة القابلة للطرح النظري كمرجعية للمقارنة. وهي إنطلقت من شعارات (حرية- عدالة – مساواة) وهذا النموذج المثالي للفوضى لا يرقى فوق المحاذير القاتلة للفوضى. وإذا كان التوظيف المخابراتي لمبدأ الفوضى البناءة يستوجب وقفة تحليلية معمقة لفوضى الثورة الفرنسية .وماقيل وحظرت منة أمريكا فإننا في سياقنا نكتفي بالتذكير والآثار الجانبية الضارة لتلك الثورة وفي مقدمتها التالية:سيطرة الرعاع التي سرعان ما إنقلبت الى فوضى غير منظمة.عدم ثبات المرجعيات الفكرية والسياسية لدى الرعاع بما أدى الى أن تأكل الثورة أبناءها والى إعادتها للملكية الى فرنسا.لذلك تجد أن الثورة الفرنسية نجد ملامحها في كل الثورات اللآحقة التي كرست شعار: “الثــورة تـأكل أبنــاءها”. فكل الثورات أكلت أبناءها خلال فوضاها أو بعدها خلال إعادة ترتيب البيت. كما حدث في الميادين العربية من أختفاء الثوار الحقيقين وغالباً ما عاد الرئيس او الملك أو حاشيته الى السلطة بقناع أو بآخر. وهذا ما يفسر عودة النظم الديكتاتورية ولكن بالملابس الرسمية

ولو نحن أردنا العودة الى الفوضى المضادة لوجدنا في عودة الملك لحكم فرنسا بعد الثورة أولى تجارب الفوضى المضادة فإن المثال المناسب قد نجده في تحضير المخابرات الأميركية للإنقلاب على حكم مصدق في إيران وإعادة الامبراطورية الي الشاه الى الحكم. وهو ما فشلت فيه تلك المخابرات عقب الثورة الإسلامية فإنتقلت الى فوضى الإحتواء المزدوج فكانت الحرب العراقية – الإيرانية..كذلك الثورة المضادة في رومانيا حكمت عشر سنوات وكذلك عندما يطرح كلمة تورات الربيع العربي .يحدث جدلا واسع علي أنها مؤامرة وفوضي . رغم ان كلمة ثورة في علم الأجتماع بأنها التغييرات الجذرية في البنى المؤسسية للمجتمع، تلك التغييرات التي تعمل على تبديل المجتمع ظاهريا وجوهريا من نمط سائد إلى نمط جديد يتوافق مع مبادئ وقيم وإيديولوجية وأهداف الثورة، وقد تكون الثورة عنيفة دموية، كما قد تكون سلمية، وتكون فجائية سريعة أو بطيئة تدريجية ويعرف عالم الاجتماع (كرين برنتون) الثورة إنها عملية حركية دينامية تتميز بالانتقال من بنيان اجتماعي إلى بنيان اجتماعي آخر وعرفها (هاري ايكشتاين) بأنها محاولات التغيير بالعنف أو التهديد باستخدامه ضد سياسات في الحكم أو ضد حكام أو ضد منظمة .(ويرى بيتر أمان) أن الثورة هي ” انكسار مؤقت أو طويل الأمد لاحتكار الدولة للسلطة يكون مصحوبا بانخفاض الطاعة ” وضع مفهوم محدد للثورة أمر صعب للغاية، بسبب تنوع الفهم للمصطلح وتنوع إقترابات المفكرين منه، كل حسب إيديولوجيته وحسب اختصاصه، فالثورة هي وسيلة لتغيير الأوضاع والبنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية. تؤدي إلى انهيار النظام القائم وصعود نظام جديد ويفترض أن يكون أفضل من السابق، ويفترض أن يكون التغيير فيها جذرى وشامل، ويترتب على نجاح الثورة سقوط الدستور وانهيار النظام السياسي القائم، على أن لا يمس مؤسسات الدولة وكادرها في مختلف المجالات، ولا يؤدي التغيير إلى إنهاء العمل بالتشريعات السابقة بطريقة فوضوية، وخاصة الإيجابية منها وذات الصلة بالحياة العامة. لقد لعبت المخابرات الامريكية في اوروبا بعد الحرب العالمية الاولي فوضي خلاقة بضم اجزاء عرقية الي دول مثل رومانيا . وفوضي بناءة في نفس البلد مع إنهيار حلف وارسوا وبعد سقوط الشيوعية إنتقلت المخابرات الأميركية الى الفعل الفوضوي البناء. إذ طالما آلمتها حركات العنف الثوري الماركسية وأوجعتها. ولطالما أعجبت بهذه الحركات دون أن تتمكن من تقليدها. وجاءت الفرصة بسقوط جدار برلين فكانت التجربة العملية الأولى للفوضى البناءة الأميركية في مظاهرات مدينة تيميشوارا الرومانية. التي سرعان ما إمتدت الى العاصمة بوخارست وأسقطت نظام الرئيس شاوشيسكو الأقوى في الكتلة الشرقية. ومن يعرف بنية النظام الروماني يكاد يجزم بإستحالة إزاحته. ومن هنا نموذجية الفوضى الأميركية المصطنعة في رومانيا وأهميتها لكونها إتخذت قالباً لتفجير الفوضى في البلدان الأخرى. ومنها البلدان الربيع العربي إن ملامح الضعف في بعض البلدان العربية من

الخلل (الجيوبوليتيكي) الناجم عن وجود قوميات عرقية ومذهبية وطائفية لعبت عليها قوي خفية ساعد علي الفوضي الخلاقة وغياب الديمقراطية لعبت عليها القوي الخارجية في عدم نجاح الثورات العربية ..ونجاحها في بلدان اوروبا الشرقية وفشلها في فنزويلا متلا

ففي مظاهرات جورجيا واوكرانيا وغيرها نجد أن تهديد القوة الأميركي هو العنصر الحاسم في نجاح هذه المظاهرات التي مثلت شرارة الفوضى البناءة الأميركية. وحدها مظاهرات فنزويلا أفلتت من نظام الفوضى الأميركي لأن جماهير الفقراء هي التي كانت تقوم بالمهمة فتقمع المظاهرات الإستعراضية المبرمجة مخابراتياً. وكانت النتيجة لجوء الأميركيين الى عملياتهم القذرة وهي محاولة إغتيال الرئيس الفنزويلي شافيز. بما يؤكد أن التظاهرات التي تطلقها الفوضى الاميركية المنظمة او “الهايد باركات” الأميركية لا تملك البدائل ولا هي تستند الى قواعد شعبية حقيقية.ولكن ظهرت مع بداية الحراك السوري في شرق نهر الفرات لتخلق وضع أخر من الفوضي . في منطقة جغرافية هشة وحدودية .لتخلق الفوضي الخلاقة . إن إنتقال السياسة الخارجية الأميركية من لعبة الإحتواء المزدوج أيام الإتحاد السوفيتي الى لعبة أمركة العالم بالقوة وتغيير جغرافيته وأنظمته عن طريق الفوضى البناءة أو الإحتلال لو إقتضى الأمر فالردع غائب وعولمة نظام السوق الأميركية فرصة وواجب يتصدى له كل رئيس على طريقته الخاصة. فقد بدأ ريجان بحرب النجوم لتهويل القوة التي تهدد بها أميركا العالم واخيرا ترامب بتهديد كراسي الحكم في الخليج العربي وفرض حماية . والأن حروب الجيل الخامس .. من الاجهزة المخابراتية

 

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب مصري وباحث في الجغرافيا السياسية

 

في المثقف اليوم