أقلام حرة

صادق السامرائي: النسبي والمطلق وأمة تُحْرَق!!

صادق السامرائيالنسبي يتغير والمطلق يتحجر، والدنيا تتفاعل مع النسبي وبعض المجتمعات تغرق في المطلق، والمطلق أصولي النزعات والتوجهات ومتمسك بمنطلقات لا يجوز المساس بها والإقتراب منها، والنسبي حالة أخرى مناقضة ومنفتحة على الواقع بمفرداته وعناصره الفاعلة فيه.

ومن المعروف أن الأنظمة العقائدية بأنواعها دينية أو دنيوية ذات توجهات مطلقة وتنكر النسبي، وتأبى أن تتفاعل مع مكانها وزمانها، وتفرض إرادتها بالقوة والجبروت، فتزري بذاتها وموضوعها ولا تأتي بما ينفع الناس.

وبعض المجتمعات معتقلة بالمطلق ومسلماته وآلياته، التي تمنع العقل من التفكير وتحكم عليه بالتعطيل التام، فكل شيئ ثابت ولا يحتاج إلى نظر أو تفكير، ولا يوجد فيه ما يستوجب التفاعل المعاصر معه، فالمطلق لا يتأزم ولا توجد فيه مشاكل،  والنسبي يتأزم ويبحث عن حلول ومخارج ذات قيمة حضارية نافعة لمسيرة الرقاء بالحياة.

ومجتمعات المطلق تتمتع بالتبعية والخنوع، وتحمل على أكتافها نداءات السمع والطاعة، وتستأنس بحياة القطيع والإستسلام، وإستلطاف الجور والحرمان والقهر والإمتهان.

ويتسيد المطلق في المجتمعات بعقيدة ما أيا كان نوعها ومصدرها، تفرض نفسها عليه بشتى الوسائل، وترى أنها الصائبة الصالحة المطلقة الأبعاد والتطلعات، ولا يضاهيها غيرها في أي مجال وميدان، وترتكب الجرائم والمآثم من أجل ترسيخ تصوراتها إلى حين.

والكثير من المجتمعات تعرضت لخسائر فادحة ومروعة بسبب العقائد المتمسكة بمنطلقاتها التي تراها مطلقة، وما عادت إلى عقلها ومحصتها وقيَّمت دورها وتأثيرها وصلاحيتها لمكانها وزمانها، بل تخلق من بينها أساطين ورموز يعبرون عنها بدوغماتية فتاكة.

بينما واقع الحياة ومسيرتها يتجلى فيه النسبي الضروري للقوة والنماء والتجدد والبناء، ولا توجد دولة مقتدرة ومؤثرة لم تتخذ من النسبي منارا لها، ومنهجا لتفاعلاتها المتواكبة مع التغيرات القائمة فوق التراب.

وكلما تولدت حالة مطلقة في أي مجتمع، فأن الثمن الذي سيدفعه سيكون باهضا جدا، ومدمرا لآليات وجوده وتفاعله مع ذاته وموضوعه.

وقد أظهرت لنا العوامل التي أدت إلى الحرب العالمية الثانية الفرق بين المطلق والنسبي، وما جرى في القرن الحادي والعشرين من تداعيات قامت بها العقائد المتمسكة بمطلقات عفى عليها الدهر، وتحولت إلى أوهام راسخة في رؤوس المذهونين بها.

فهل من رؤية نسبية للأمور لكي تولد الحياة؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم