أقلام حرة

صادق السامرائي: المعرفة والتحريف!!

صادق السامرائيالبشر يميل لتحريف المعارف وتطويعها لتخدم أهواءه وتطلعاته مهما كانت غير متوافقة مع إرادة الحياة.

وبسبب هذا الميل الغريزي تعددت الروايات حول موضوع واحد، وتناقضت وفقا للفترة التي تروى بها، فكلٌّ يغني على ليلاه، والحقيقة مطمورة في الغثيث المتناثر في دروب الأجيال.

ولهذا فالإعتماد على ما ورد في كتب التأريخ، مهما إقتنعنا بمصداقيته، فلن نقترب من الحقيقة، وإنما سنستنتج ما يوحي برأي أكثر معقولية من غيره وحسب، أي أن ما نتوصل إليه من خلاصات ونتائج لا يمثل حقيقة الحالة التي بحثنا فيها.

ويمضي البشر في مسيرة التحريف، حتى تنتهي إلى ما هو محرّف تماما، ولا يتصل بالحقيقة والواقعة، لكنه يدور حولها، ولا يعرف آليات الإقتراب الأمين منها.

والعجيب في الأمر أن الأحداث المعاصرة تعرّضت لتحريف مروّع، فبما كتبه الكتاب والباحثون  تم تقديمها وفقا لرؤية كل قلم تناولها، أما حقيقتها فإندثرت بين ركام الكتابات المتناقضة المتقاطعة مع بعضها، فكيف بأحداث جرت قبل قرون بعيدة؟!

إن نوازع التحريف العاصفة في دنيا البشر تدفع به إلى النكران والتصور والتعبير عمّا يتوافق ورؤاه، وما فيه من المشاعر والإنفعالات، ولا يمكنه أن يكون مجردا ونزيها في تناوله لأي موضوع.

فما أن يتفاعل البشر مع حالة ما ، فأنه يرسمها كما يراها لا كما هي عليه، فلكل شخص عدسته التي يرى بها الأشياء، وبهذا فهو يرى ما تبدو عليه خلال عدسته، مما يعني أن الصورة مشوهة وبعيدة عن حقيقة الموصوف.

فهل أن النسبة الكبيرة من التأريخ محرّفة، ومعبّرة  عن رؤى وتصورات أصحابها الذين تناولوها، وفقا لما أملته عليهم حالتهم النفسية وإنفعالاتهم ومواقفهم وتوجهاتهم، وما فيهم من الأشياء الأخرى الفاعلة والمؤثرة فيما يكتبون.؟!!

علينا أن نكون حذرين عندما نقرأ التأريخ، ولابد من عدسات الشك في النظر إليه!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم