أقلام حرة

محمد المهدي: بأية حال عُدتَ يا حُــزيران..!

محمد المهديكل عام تمرّ بنا ذكرى نكسة حزيران (يونيو1967)، و نحن غير آبهين بما تمثله من حمولة في تاريخ الوطن العربي، و بما تُثيره ذكراها من شُجون في نفوس الأجيال و الناس الذين عايشوها، والذين يَلُـونَهم من أجيال الستينيات والسبعينيات. وكما هو معلوم، فنكسة حُزيران، وتسمى أيضا "حرب الأيام السِّتة"، و هي الحرب التي درات بين دولة الكيان المحتل الصهيوني وكل من مصر وسوريا والأردن ما بين الخامس و العاشر من حزيران/يونيو 1967، وانتهت كما هو معلوم باحتلال الكيان الصهيوني لشبه جزيرة سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان، وتعتبر ثالثَ حرب ضمن الصراع العربي الصهيوني.. لقد شكلت نكسة كبيرة أدّى العرب ولا يزالون حصادَ زَرعهـا و جَنيَ غرسها غاليا، من أَمنهم وقُوتِهم و وحدتهم واستقرارهم، و كل ما يرتبط بحياتهم الآنية والمستقبلية..!!

لكننا مع كل ذلك، و كَكُلّ عام تمرّ علينا الذكرى و تَمضي ونحن على نفس الحال من التفرق والتشظي، والتخلف والتردّي، لا نُبالي بالذي يجري من حولنا، ولا بالذي يُحاك ضِدّنا، و قد ابتلانا الله بتَـــتَـرٍ جُدُد من بني جلدتنا، يَأتون على الأخضر واليابس، يَسْفِكون دماء المسلمين باسم الدين، ويُحِلُّون ويُحَرّمون ما تهوى أنفسهم باسم الدين، يُضَلّلون شبابنا باسم الدين، و كل ذلك خدمةً لأغراض أعدائنا و أعداء الدين، سواء من الغرب أو من الشرق؛ و قد وجد البعضُ ضالّتَه في هذا الوباء الخبيث، الذي استشرى في الآفاق، و تَمَنّع عن الدّواء..إنّـه سَرطان الإرهاب الخبيث. فاتّخَذوا منه ذريعة للانفراد بالحكم، وتصفية الحسابات مع المعارضين، والتنكيل بالمخالفين، ولو أدى الأمر إلى إبادة شعب بأكمله، كما يحدث اليوم باليمن وسوريا والعراق وليبيا وبعض دول الجوار.

تَمرُّ ذكرى النكسة الأليمة دون أن تتحرك فينا نخوة العروبة أو حَمِيّة الدين أو نَزق الانتماء الى هذا الوطن الكبير، وها نحن نرقبُ شبابنا و هم يمتطون قوارب الموت، مُقدمين أنفسهم قُوتًا لحيتان البحر، سعيا نحو حلم مفقود، و لا نستطيع أن نكفّ عنهم أذى المغامرة، ولا عن أوطاننا نزيفَ الأدمغة و الكفاءات. يحدُثُ كل ذلك و نحن لا نزال نُـكابِر ونُداري الحاضر، نكساتٌ تتلو نَكسات و نكباتٌ تتلو أخرى أشد وَقْعا، وأكثرُ إِيلامًا من النكسة الأم، و الواقع أصدقُ أنباءً من الكتب..!!

هل هناك نكسة أكبر من نكسة تدمير العراق، وتقديمه على طبق من ذهب إلى أمريكا و إيران ليعبثا فيه، و ليُمْعِنا في أهله تَقتيلا و تَنكيلا و تَرحيلا ؟. هل هناك أشدّ من نكسة تخريب سوريا والجوار، و تلغيم الشام بشتى أنواع الألغام الطائفية والدينية و العرقية، ابتداء من سرطان داعش وانتهاء بعصابات الحشد الشيعي المجرمة؟؟.

هل هنالـك نكسةٌ أكبر من تشظي اليمن السعيد "الذي ما عاد سعيدا"، وتدميرِ بُنَاهُ التحية المترنحة أصــلا، وجعله حديقة خلفية لتصفية الحسابات بين قوى المنطقة من جهة، وبين القوى الكبرى من جهة أخرى؟. هل هناك نكسةٌ أكثر من بَلْقَنَة ليبيا و نهب ثرواتها بعد تخريبها و إطلاق أيادي الشّرّ فيها لتعبث بأمنها و مستقبلها؟؟

بل وما أشد نكستنا، حينما سُرِقَت من الشعوب العربية ثَوراتُهـا وانتفاضاتها الشعبية، و تم - بفعل فاعل - تحويل وجهتها إلى غير الوجهة التي قامت من أجلها (الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية)..فأين نحن من هذه الشعارات، وأين نحن من تحقيق هذه الغايات؟؟

أَلَم تُفَوِّت بعض الأحزاب وبعض القادة على شعوبهم، فرصة تاريخية للتغيير ؟ فرصة لن تتكرر إلا بعد حين من الدهر. أم إن الشعوب نفسها لم تكن في مستوى اللحظة التاريخية، حين لم تُـحسِن التصرف حيال الأمر، تاركة فِعلها التاريخي المجيد فريسة للمُتَربصين من حراس الدولة العميقة، وزعماء الثورات المضادة، الذين سارعوا إلى السيطرة على زمام الأمور بدهائهم ومكـرهم المعهود، مُستعملين القوة تارة، وتارة الإعلام المأجور، والدعاية الخبيثة ضد قوى التغيير .

لقد طبَّعنـا مع النكسات و الهزائم، وتعايشنا معها كأنها قدرٌ  مَقدور، فصرنا لا نرى أنفسنا إلا مهزومين، مما طبع على كينونة الانسان العربي طابع الذل و الهوان. وما ذلك إلاّ نتيجة طبيعية لسياسات التدجين و التطويع التي مُورست على شعوب المنطقة لفترة طويلة، من طرف أبواق الدعاية الإعلامية، مما خَلَق نوعا من الإحساس بالإحباط والتذمر المُفضيان أحيانا إلى التطرف الذي بدأت الأنظمة نفسها، تجني ثماره القذرة، وتتلظى بنيرانه المستعرة، لتبقى الشعوب وحدها – في آخر المطاف – هي الخاسرة، فيما يُسْرِع أعداء الأمة ــــ وفي مقدمتهم “الكيان الصهيوني” ــــ الخُطى نحو المستقبل، بكل ثقة وعزم على تحصين المواقع، وتمتين الدوافع، وتفادي النكبات والمواجع، مُهتدين في كل خطوة بما استخلصوه من التــاريخ من عبر، واضِعين المستقبل المُتسارع بكل تحدياته نصب الأعين، لأنهم بالفعل قرأوا التاريخ، وأحسنوا القراءة، وبالتالي أحسنوا الخُلاصات، و وقفوا على الهفوات والزّلات فتخطّوها، وأَقرّوا بالخلافات والعداوات و تناسوها، أما نحن “العرب” – مع الأسف - فقد أخذتنا الحَمِيّة المقيتة، واستهوتنا الطائفية والعرقية المُميتة، فأبدعنا في الاقتتال فيما بيننا، و أَبْهَـرْنا العالم بكل أنواع التنكيل والإِذلال لبعضنا البعض، فأضحى الطريقُ إلى الجنّة عندنا، مُعَمَّــدا بدِماءِ الأهـل و الإِخوة والعَشيرة، ومَعْبَـرًا إلى تدمير كل مَظاهر التمدن و الحضارة.

فمتى نُوقِف مَسيرة التطبيع مع النكبات، والاستئناس بالنكسات والخيبات..؟؟.

سؤال سيبقى يُؤْرِقُنا ما دُمْنا لِعِبَـرِ التاريخ مُهْمِلين، وبِضُعفِنا وبنَقائِصِنا راضِين قانعين، و للعدا خاضعين منبطحين، وعلى عداوة إخواننا مُصرّين.

و كل ذكرى و “وطننا الكبير ”

في نشاط و ضجر،

بين ضرب بسيف

أو ذبح بخنجر،

أو هَزّ بوط وقرع طبلة

و دَنُّ صهباءٍ و صفير مِزمَـــر!!.

***

محمد المهدي ــ تاوريرت - 05\06\2021

المغرب

 

 

في المثقف اليوم