أقلام حرة

يحيى حسين زامل: لماذا لا يُلِّقح العراقيون؟

بداية لابد من سرد تجربة شخصية مرت بي وأنا أريد أخذ اللقاح في واحد من المراكز الصحية في أحدى ضواحي مدينة بغداد، إذ دخلت على موظف التسجيل فطلب مني الجنسية، فاعتذرت له بأني لا أحملها ولكن أحمل هوية رسمية فيها رقم الجنسية وتاريخها، فلم يقبل متحججاً بأنه يحتاج إلى رقم الجنسية وتاريخها، فكررت عليه أن رقم الجنسية وتاريخها موجود في هذه الهوية الرسمية، فرفض أيضاً، فطرحت عليه سؤالاً: هل الجنسية أهم أم اللقاح؟، فقال مؤكداً: الجنسية، فغادرته متأسفاً على فشل هذه التجربة المهمة والخطيرة في نفس الوقت على حياتنا وصحتنا ونحن نعاني هذه الأزمة الوبائية الكبيرة، وهذه الإجابة تعبر عن الرؤية المعرفية للكوادر الصحية في العراق، ولا سيما إذا عرفنا أن الكثير منهم لم يأخذ اللقاح، ولا يثق به، فكيف بالمواطن العادي الذي يكون في الغالب ضحية الإعلام والحرب النفسية والإشاعات في وسائل التواصل الاجتماعي.

أسوق هذه التجربة ونحن بصدد طرح السؤال الآتي: لماذا لا يُلِّقح العراقيون؟ ولماذا هذا العزوف عن أخذ اللقاح، ولماذا كل هذا التشكيك في اللقاح؟ ، وللإجابة عن هذه التساؤلات يتطلب بعض التفصيل في الكلام، ولا سيما وأن الموضوع معقد ويتعلق به مصير ملايين الأرواح.

في الجانب الصحي كان الناس ينتظرون الدواء أو اللقاح بفارغ الصبر، ويضعون باللائمة على الحكومات في عدم توفير اللقاحات، وحين توفر اللقاح تراجع الناس بحجة عدم كفاءته أو تأثيراته السلبية على الملقحين، وحتى موتهم أو تغيير جيناتهم (بحسب ما يشاع)، فأصبح الناس بين مجازف أو متردد أو ممتنع، والواقع يشير إلى المشاركة الخجولة من أفراد المجتمع في هذا اللقاح، ففي العراق 500 ألف شخص ملقح نسبة إلى أربعين مليون تعد نسبة ضئيلة جداً.

وفي الجانب الإعلامي، ولا سيما في وسائل التواصل الاجتماعي هناك تشكيك واتهام في جدوى اللقاح، فضلا عن إنه يشكل خطورة بحد ذاته على الفرد العادي من تأثيرات جانبية من أخذ اللقاح، وفي نفس الوقت يغيب التثقيف الصحي لإيجابيات اللقاح في هذه الوسائل، مع أن الحكومة قادرة على استثمار الإعلام الى جانبها من خلال استثمار الشخصيات العلمية والأدبية والفنية والرياضية في إحداث الوعي الصحي، مع تغطية مباشرة لهذه الشخصيات وهي تأخذ اللقاح.

وفي "الجانب الديني" الذي يمكن استثماره بشكل كبير في التأثير على الناس، من خلال كاريزما الشخصيات الدينية، وتأثيرها على المجتمع، ولا سيما أن المجتمعات الشرقية والعربية تتأثر بشدة بالإرشادات والشخصيات الدينية التي لها الدور الكبير في توجيه المجتمعات، إلا من محاولة واحدة للسيد "مقتدى الصدر" في أخذ اللقاح أمام الإعلام والدعوة إلى المتأثرين به إلى أخذ اللقاح.

وفي ذات الموضوع وجهت "المرجعية الدينية العليا" ما نصه: (في مثل هذه الحالات، ينبغي الاعتماد على ما يشخّصه الأطباء المتخصصون من ذوي التجربة في هذا المجال، أما من الناحية الشرعية فإنما يجب استخدام اللقاح الحائز على الترخيص المطلوب فيما إذا كان احتمال الإصابة بفيروس كورونا والتعرض لخطر يهدد حياة الشخص أو لضرر كبير غير قابل للتدارك يفوق بدرجة معتد بها على احتمال وجود مضاعفات شديدة لاستخدام اللقاح)، ومثل هذا النص يجب استثماره في التثقيف لأخذ اللقاح، ولا سيما أن أكثر الناس غير مطلع عليه.

لذلك يمكن استغلال هذه الجوانب الاجتماعية والاعلامية والدينية في زيادة نسبة المشاركة من خلال الاستثمار الأمثل في وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة، ولأحراز الثقة المطلوبة بين أبناء المجتمع.

 

يحيى حسين زامل

 

 

 

في المثقف اليوم