أقلام حرة

حشاني زغيدي: التماسك المجتمعي في الإسلام

حشاني زغيديإذا كانت الطبيعة تتأثر بتقلب المناخ لها انعكاسات خطيرة، فإن بعض البشر يسايرون تقلبات المناخ، لا يستقر لهم حال ثابت، تقلب في المواقف، نوبات حادة في المواقف عند الفشل، طموح جامع يتجاوز أخلاق التعامل، الخروج عن الإجماع التوافق والفجور عند الاختلاف، الجنوح للأساليب الغير طبيعية في التنافس، عدم القبول الهزيمة، افتعال الأزمات، نسيان الفضل، هدم جسور المودات، تلك الطبيعة البشرية تقلد أزمات الطبيعة الغاضبة، فتنهار عشرة عمر طويلة في ساعات غضب مغلق، تنهار مشاريع كبيرة سهر من أجلها أعواما طويلة تنهار في ساعات قليلة ؛ يحصل كل ذلك في لحظات متعة زافة، يحصل كل ذلك تمكينا لحظ النفس الأمارة .

لعل ما يقف عند الدارس في التربية الإسلامية تخصيصا في صناعة الفرد، اهتمامها بالصحة النفسية، فكان الاستقرار النفسي هدف منشود، تبنى عليه جميع ركائز المشروع الإسلامي، فحرص الإسلام أساسا على توفير مناخ طبيعي للأسرة القدوة، وجعل ذلك التواصل الاجتماعي داخلها ؛ ليقوم على عنصر السكن والاستقرار النفسي

يقول الله تعالى :

﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ(21)﴾

(سورة الروم)

فالحياة المستقرة تقوم على أساسين مهمين هما : المودة والرحمة، فكل بناء لا يقوم على هذين الأساسين فهو بناء هش، سرعان ما تهدمه أضعف التقلبات الجوية .

ولا تدوم العشرة بين النسيج المجتمعي إلا كانت محمية بسياج أخلاقي عقائدي متين، قوام ذلك السياح دستور الأخلاق الذي يحمي البنيان، لهذا كانت توجيهات الإسلام مركزة على صيانة اللحمة المجتمعية مقدمة على بناء العمران، فكانت مهمة الرسول القائد مهمة مركزة في صناعة الإنسان الذي يقود الحياة بالعدل، يقود الحياة بزرع الفضيلة والقيم .

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)

[أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما]

يبني الإسلام النسيج المجتمعي على الأخوة الإسلامية التي تذوب فيها كل العوامل الأرضية، أخوة ترتقي على العرق والجنس، ترتقي على أخوة الجهوية والقطر فهي أخوة لها جذور في الأرض لكن أصلها في السماء.

حقا لقد خلد الإسلام نماذج صور حياتية مستقرة رائعة، جسدها تلاحم مجتمعي فريد، تلاحم ذابت كل الفوارق، فتناغمت الأجناس البشرية في بناء قوي، تشابكت فيه كل الأواصر، خلد مجتمع كان مثل الجسد الواحد، أمثلة صورها حديث نبوي جامع مانع لخص مثانة ذلك البناء المجتمعي المستقر .

فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

(مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى)

[أخرجه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير]

ومن أجمل ما حفظنا من الأدب الراقي لأعمدة الأدباء أبيات راقية للفيلسوف الشاعر الهندي المسلم محمد إقبال، صور جمال البناء المجتمعي في الإسلام في قصيدته بنور الوئام

فكانت كلمات تستحق الحفظ والعمل بمعانيها العاصمة.

يقول في مطلعها :

بنور الوئــــام وبشرى الإخاء

نزف إلى المســـلمين النداء

هلموا جميعاً فرب السماء

بتوحيده وحــــــد المسلمين

توحدنا في الصــفوف الصلاة

وتجمعنا في الجهـــاد الحياة

إلى الإتحاد دعانـــــــــا الإله

لإنشاء دنيا وإعـــــــــــلاء دين

لقد خلد الدين فينا مــــــثالا

نزيـــــــــد به إلفة واتـــــــصالا

فآخا صهيباً وآوى بــــــــــلالا

ونادى بسلمان في الأقربـين

حياة الأخوة مــــــــجد رفيع

وعيش التفرق موت ســـريع

لدين الجماعة نادوا الجميع

وعيشوا بــإيمانكم أجمعين

و قد راقت لي هذه الكلمات المقتطفة من موسوعة الأستاذ الدكتور عبد السلام النابلسي تلخص حالنا المرير، يحق لكل غيور أن يقف عنده يأخذ العبر .

يقول الأستاذ :

{أخواننا الكرام، من باب الأحلام، أنت تصور أحدث رقم سمعته قبل أيام أن المسلمين صار عددهم مليار وثمانمئة مليون، أي أكثر من ربع سكان الأرض، يتربعون على منطقة إستراتيجية تعد أول منطقة في العالم، عندهم ثروات باطنية، هي أغلى ثروات في الأرض، ومع ذلك هم أفقر الشعوب، وبينهم مناحرات، وعداوات، بل وحروب، بل إن أعداء المسلمين يتعاونون وبينهم خمسة بالمئة قواسم مشتركة.}

 

الأستاذ حشاني زغيدي

 

 

في المثقف اليوم