أقلام حرة

حشاني زغيدي: أحن لجلسة جدتي

حشاني زغيديمازلت أذكر رسمك جدتي في مخيلتي، مازلت أذكر ترانيم ذلك الزمن الجميل، حين كنت تحيطيننا بحبك وعطفك، كنا نرتشي أعذب الألحان من ثغر جدتي الباسم، كنا نتلهف لسماع صوتك الرخيم، الساكن بين جنابات غرفة جدرانها من طين، وسقفها من سدّات جريد النخيل، أذكر حين كنا نتدفأ من فرن الغرفة الذي تعلوه مدخنة، يجملها دخان أبيض عثيم، هناك تحلو الحكايات والأحاجي، حكايات لها من الخيال الرحب جمال خاص، فكنا نسافر مع تلك الحكايات الجميلة، نحلم في الأفق، كأننا فراشات.

كانت جدتي تروي الحكايات من نبض خيالها الرحب الفسيح، تحكي فيتلبسنا خوف مهول، حين نسمع حكايات أمنا الغولة، وفي ومضات أخرى نعيش الفرحة والسرور مع حكايات وطرائف حجا . كيف ننسى جمال تلك الجلسات ؟ التي كانت تعوضنا جلسات التلفاز وأفلام الكرتون، حقا كانت لنا أيام نعدها أجمل الأيام، كنا نستمتع بتلك اللحظات الجميلة، التي كانت تنعش الخيال وتغذي العقل، وتهذب السلوك، كانت تلك الجلسات، تقوي الروابط والوشائج  العائلية، جلسات تجمع الكبير والصغير، تجمع أبناء العمومة والأخوال، كنا نقضي أيامها في زهو وفرح ومرح،  نعرف أنها لن تعود، فالأيام الجميلة الحلوى عدمناها في زمن الشبكات والهواتف، وغابت معها أسمار العائلة، في كنف بيت العائلة الكبير .

أننا اليوم أصبحنا نعيش اختلالا واضحا، غاب فيه طيب جلسة جدتي التي كانت تسامرني في في صحوي وفي منامي، كانت جلسات جدتي كالنسمة الطيبة، نسمة تختلف عن نسمات زماننا، حيث تعد لتلك الجلسات المخفية أثر، غير قيل وقال، وغابت معها الحكايات المشوقة، وغابت عنها حكايات زمن جميل .

غابت جلسة جدتي التي كانت تؤنسني وها قد كبرت اليوم، وأصبحت كهلا، ولم أعد صغيرا كما كنت ؛ لكن أحلامي مازالت تحفظ الكثير ومازالت تذكر الكثير من أسمار جدتي، التي كانت مصدر متعة مصنوعة من وحي خيال جدتي .

مازالت صورة جدتي والدة أبي تعيش في مخيلتي رغم مضي الأعوام إلا أن ذكراها مازالت حية في قلبي، تراجعني ذكرياتها كل حين .

 

الأستاذ حشاني زغيدي

في المثقف اليوم