أقلام حرة

نهاد الحديثي: ثقافة الاعتذار

الاعتذار هو من الأخلاق النبيلة الّتي يصدرها شخص ما ليسوّغ خطأً اقترفه بحقّ شخص أو مجموعة من الأشخاص، وربما بحقّ شعب بأكمله، فارتكاب الأخطاء هو سمة من سمات البشر، فالكمال لله وحده سبحانه وتعالى، وللأسف لا يجيد العديد من الأشخاص تقديم الاعتذار، وذلك لجهلهم بأهميّة هذا التّصرّف وما قد يعقبه من راحة للنّفس، فقد يؤدّي عدم الاعتذار لعواقب غير محمودة من شأنها زيادة الأحقاد والضّغينة بين النّاس, الاعتذار ليس خطأ بل سمو للشخصية الآنسانية

وللأسف الكثيرون بدل أن يقدّموا الاعتذار، يسوّغون لأنفسهم ما ارتكبوه من خطأ بطريقة أو بأخرى، ويرون أنّ الاعتذار هزيمة، أو ضعف، أو انتقاص من مقامهم وشخصيّتهم، وللأسف ما من ثقافة اعتذار تتبنّاها المجتمعات في العديد من دول العالم، والتّسليم بأنّهم يخطئون تارةً ويصيبون تارةً أخرى.

في حين نجد أنّ الاعتذار هو أحد سمات الثّقافة في المجتمعات الغربيّة ومجتمعات الشّرق الأقصى، فهم يملكون الشّجاعة لمراجعة الذّات والاعتراف بالخطأ، وقد يكون ذلك أحد أسباب تقدّمهم وازدهار بلادهم، وكما ذكرنا فلا يقتصر الاعتذار على الأشخاص، فقد تعتذر دولة لدول أخرى قد أخطأت بحقّها واحتلّتها سابقًا، كما فعلت اليابان مع دول جنوب شرق آسيا

إنّ الإنسان السّويّ هو الّذي يقبل أعذار الآخرين ويتعامل معهم بتسامح ويتسلّح بخلق العفو عند المقدرة، وقبول اعتذار المعتذِر ليس قبولًا بالأمر الواقع أو ابتلاع الإهانة، بل هو سلوك المتسامحين المنصفين الّذين يعرفون قيمة الصّفح والتّسامح.

أمّا الّذين يرفضون الاعتذار ولا يقبلون أعذار الآخرين ولا يقدّرون الظّروف الصّعبة التي دفعتهم إلى التّجاوز والإساءة فهم عاجزون عن التّسامح بسبب أحقادِهم.

وقد ورد الاعتذار في القرآن الكريم في عدّة آيات:

﴿قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي ۖ قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76)

﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57)

﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ ۖ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52)

﴿وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164)

ويدعو عالم السُّنَّة النّبويّة د. أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر المسلمين جميعًا إلى التّخلّق بخلق القرآن الذي دعا رسول الإنسانيّة إلى العفو والرّحمة بمن خرجوا على طاعته، فاعفُ عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر»، كما ينصح كلّ مسلم بأن يقتديَ برسوله الكريم في التّخلّق بخلق العفو، ويقول: "العفو عند المقدرة من الفضائل الكريمة الّتي تدلّ على نبل صاحبها وسماحته، وعلى أصالة معدنه وطيب سجاياه.

***

نهاد الحديثي

 

في المثقف اليوم