أقلام حرة

صادق السامرائي: دولة الخلافة وأمّة الخرافة!!

صادق السامرائيالعرب والمسلمون تعوّدوا وبتكرار متواصل على أن تكون هناك دولة على رأسها خليفة أو سلطان تتبعه، أو تأتمر به المجتمعات التي تدين بالإسلام.

وتواصلَ هذا الحال منذ دولة المدينة وحتى سقوط الدول العثمانية، أو الخلافة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، أي في الربع الأول من القرن العشرين.

وعاش العرب والمسلمون على مدى قرن بلا دولة خلافة، كان مشحونا بالإضطرابات وبظهور الحركات والأحزاب،  التي تنادي بدولة الخلافة كل على منهجه ورؤيته، ونشطت  تعصبات وطائفيات ومذهبيات قاسية التفاعلات.

وبعد سقوط الدولة العثمانية نشأت ثمان وستون دولة تسمي نفسها (إسلامية)، وهي في حالات من التقارب والتباعد والإحتراب أحيانا، وقد تحقق توظيف الفروقات المذهبية والتأويلات الجماعاتية، وتحويلها إلى أدوات للتصارع الدامي  بينها.

فهذه الدول المتمخضة عن الحرب العالمية الأولى، لا تزال في مضطرب، فلم تتوصل إلى صيغة تفاعلية، أو هيئة سياسية ذات تأثير وحضور في واقع العرب والمسلمين، مما أتاح للحركات المتطرفة أن تتكون وبسرعة ودوغماتية مرعبة، وجميعها تشترك في أنها تسعى لصناعة دولة الخلافة وفقا لرؤيتها.

 ويبدو أن المجتمعات المسلمة والعربية تعيش في محنة فراغية وتعطيلية، وكأنها الصدمة التي تتسبب بإطلاق الأوهام والتصورات السلبية، التي أسهمت في القول بأن الإسلام هو الحل، وأن التأخر سببه عدم وجود هذه الدولة الأثيرية التي يتغنى بها العرب والمسلمون، ويرون أنهم كانوا قادة الدنيا وقبلتها بسببها وحسب.

وهذا ما يذهب إليه معظم الناس لقلة في المعرفة ولتأثير خطابات المتاجرين بالدين، الذين يسعون إلى تعطيل العقل وتدمير الوجود الحضاري، وتحويل الناس إلى قطيع يأخذونه إلى حيث تتطلب تجارتهم.بينما الحقيقة الساطعة أن سبب التأخر هو إهمال العلم والبحث العلمي، والإمعان بالتجهيل والتضليل وفقدان قيمة العمل، وتدمير التعليم وإخضاعه لمناهج التجارات الدينية التي تحسب البشر أرقاما، وتصادر قيمة الإنسان وتدفعه للموت لكي ينال الحياة الأخرى.

ولا يمكن التحرر من قبضة دولة الخلافة إلا بتأسيس هيئات فاعلة ومؤثرة، وقوة سياسية تلتزم بها جميع الدول المشاركة، وعليها أن تكون ذات آليات عملية وعلمية، وليست مؤتمرات ومقررات لا وجود لها إلا على الورق.

كما أن الإهتمام بالعلم والتعليم والعمل الجاد المجتهد، وإعلاء قيمة الإنسان وأهميته ودوره في صناعة الحياة الأفضل، من الأساسيات اللازمة للخروج من قبضة هذا الوهم المدمر، والتحول إلى طاقة إيجابية مشاركة في بناء الحاضر الزاهر والمستقبل الباهر!!

وعليه فأن خرافة دولة الخلافة أشبه بالهذيان، لأن الداعين إليها يريدون قطع الأمة عن روافد العصر، والعودة بها إلى ما لا يمكن العودة إليه، فالأرض تدور وتفعل فعلها بالموجودات التي تحملها، وتصيبها بتغيرات وتبدلات تلزمها بالخضوع لها والإستسلام لإرادتها، وبهذا تتقدم الحياة، وتتجدد العصور.

فكيف لثمان وستين دولة أن تؤسس هذه الدولة الخرافية وهي غير قادرة على بناء دولها وفقا لمتطلبات الحياة المعاصرة، وفيها الناس يعيشون في شظف ومقاساة مناهضة لأبسط الحقوق الإنسانية، وعندها الملايين من الذين يرفعون رايات الدين، وما تمكنوا من بناء الحياة الحرة السعيد لأهل الدين، بل أنهم يطبلون للموت ويعزفون ألحانا جنائزية في خطبهم وتصريحاتهم، وما يقولونه للناس الذين يستحوذون على عقولهم ونفوسهم.

فلنتحرر من هذه الخرافة، ونبني دولة الحياة المستطابة!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم