أقلام حرة

صادق السامرائي: الإبداع الناضب!!

صادق السامرائينضب: جفَّ، غارَ، شحَّ، قلَّ، غابَ، نفدَ.

الإبداع الحقيقي أو الأصيل ينبوع لا ينضب، لأنه من مكنونات صاحبه ومنغرس فيه ومهيمن على نشاطاته، فالعقل المبدع حالة خاصة وخالصة، وليس كل مبدع يمتلك عقلا مبدعا، فالإبداع الينبوعي متأصل متدفق لا ينقطع، بل يتجدد ويكتنز ويثابر ويجتهد، ويستزيد من موائل لا تحصى ولا تعد .

فالعقل المبدع فيه ضرب من الجنون الحميد إن صح التعبير، أما إدّعاء الإبداع فنشاط يمارسه الكثيرون، ويتسم عطاؤهم بالخواء والنضوب بعد حين.

فالأغصان المقطوعة من الشجرة تجففها حرارة الشمس، وتحيلها إلى يباس مستعد للتحول إلى رماد، وطعام لآفات التراب.

فالمبدع الذي لا يعرف لماذا يكتب، عليه أن يترجل عن حصان السطور، ويحترم اليراع ويركنه جانبا ويستريح.

الكتابة رسالة إنسانية تستدعي المكابدة والتضحيات، والصبر والمطاولة والبحث والدراسة، فالذي لا يقرأ عليه أن لا يكتب، والذي يحسب أنه يعرف عليه أن لا يكتب.

فالكتابة بحث دائب عن المعرفة، والإجابة على ألف سؤال وسؤال، وليست نزهة، وإراقة لعصائر النرجسية في أقداح التباهي والتعالي والإستلاب.

الكتابة عناء يفوق عناء جلجامش في بحثه عن شجرة الخلود، وتسلقه لسفوح وعرة مزدحمة بالعثرات والآفات.

والينبوع الناصب لا قيمة له حتى ولو كان في قمة الجبل، والقيمة للينبوع الدافق وإن كان في بطن الوادي.

وما دمنا نعيش في عصر الإدّعاءات الفتانة، والمحاولات الرنانة، والأضواء الطنانة، فعلينا أن نتأمل المسيرة، فهي كالخيل في حلبة السباق وسيتعب مَن يتعب ويسقط مَن يسقط، والفوز للحصان الأصيل المتوثب، الذي يجيد مهارات التسابق ويؤمن بالفوز المجيد.

وفي عالم متاهي الطباع والتفاعلات، ويخلو من المعايير والمواصفات، وتنطلق فيه الكلمات وكأنها الهباء المنثور، وكل يرى أنه شاعر وكاتب ومفكر وأديب، وإياك أن تنكر ما يدّعيه مَن خط سطرا، وقال وما قال على صفحات المواقع، التي يحتشد فيها إبداع الهراء والتضليل والتشويس، والتبويق لإرادات مغرضة وتطلعات مناهضة لجوهر أمة ذات سموق، وعطاء علمي حضاري إنساني شَموخ.

 

د. صادق السامرائي

9\8\2021

 

في المثقف اليوم