أقلام حرة

حشاني زغيدي: الأبعاد الروحية والإنسانية في الإسلام

حشاني زغيديقرأت بتأمل وتفحصت سيرة خير الأنام فوجدت فيضا من ايضاءات بعثت في سريرتي الاطمئنان، وعمقت نظاراتي في فهم الإسلام، أكدت لي حاجتنا لفقه الإسلام من مصدره الصحيح لا من الصور المشوهة التي طمست حقيقة الإسلام، في غياب فهم الصحيح في أبعاده المختلفة، ونفض غبار الجهل لأبعاد التربية الروحية والإنسانية في الإسلام والتي كانت سببا أدى بالكثير إلى من الأمراض ؛ الفوضى، والاضطراب والتأخر، والقلق والهزيمة،والتراجع، واليأس، والقنوط .

 ومن هنا كان لزاما علينا الوقوف عند هذه الجوانب المهملة في التربية بوضعها تطبيقاتها على محك الواقع، حتى تيسر لكل من يريد طريق الرفعة وينشد العلو والتقدم في هذه الحياة أن يسير وفق طريق التغيير الذي بناه الرسول انطلق أساسا من لبنة أساسية اعتمدت على الإهتمام بالإنسان الرسالي، فخصه بتربية فردية مميزة، فكانت مدرسة الأرقمهي أول نواة الانطلاق، حيث صاغت الرواحل صياغة متكاملة، يطبعها سمت إيماني وأخلاقي متفرد ؛سماته، قوة عزيمة لا تقهر، تعلوه قدرة هائلة على الحركة والانطلاق، فكان كل صحابي مدرسة في حد ذاته، كثلة نشاط متفرد ..

و لم يكتفي بهذا فحسب بل عمق في تلك التربية القيم الروحية، فصغرت للدنيا في عيون الصحابة الكرام، فكان رضى الله خير غاية وأفضل مقصد، وكانت الجنة ونعيمها أفضل مطلب، فزينت التربية الصحيحة كل معاملتهم، فكانت كل حياتهم تجارة مع الله، فربح البيع وحصلت الغنيمة، ورجح كيل التجارة .

 فكان كل الفريق يبذل الجهد سيرا نحو الهدف المرسوم، سيرا نحو التغيير الايجابي يرافق الغاية المحددة، مستعينا بالوسائل المشروعة ؛ فكان الواحد منهم ينفق كل ماله في سبيل مشروعه المنشود، لكن حين يسأل ما تركت لأهلك، وماذا أبقيت لهم يقول وعيون الرضى تملأ قلبه(تركت لهم الله ورسوله) .و نماذج تلك التربية اكتفينا بمثال واحد للتدليل فقط .

و أما إذا وقفنا عند البعد الإنساني في هذا التغيير، الذي رسم صورا جمالية رائعة، عجزت كل التغييرات التي جاءت بعده أن تأتي بمثل تلك القيم واللطائف والذوقيات الرائعة، حيث المبادئ لها ترجمانها التطبيقي على أرض الواقع، فلم تبنى تلك التربية على التنظير والترف الفكري ؛ بل جسدت كل أبعاد التربية الإنسانية في جوانبها العملية، فكان صاحب الرسالة في بيته النموذج الرائع لأهل بيته (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله) فكانت العواطف الإنسانية تخرج دون مشقة، ودون تكلف، كان يظهر حبه لزوجاته تصريحا لا تلميحا، بل تمتزج تلك المعاملة بالمشاركة في أعباء البيت خدمة طوعية، فكان حقا نموذجا للأسرة الرسالية القدوة .

فمهما عرضنا الصور المضيئة للمبادئ الإنسانية التي حملتها رسالة الإسلام للإنسانية، يكفي أن نستعرض جملة اختزلت كل المعاني والقيم، جملة قالها النبي صلى الله عليه وسلم عندما مرت به جنازة فقام لها، فقيل له إنها جنازة يهودي، فقال: (أليست نفسا) كلمة تستوقف أولئك الذين نصبوا العداء والشبهات، وحاولوا طمس تلك الروائع في التعامل الإنساني، كلمة تستوقف صناع الحروب، الذين يقتلون الأجنة، ويستبيحون حرمة النفس المكرمة، قتلا وتمثيلا وتشريدا، نقول لهم أليست نفسا؟!

إن رسالة الإسلام تجاوزت كل الأبعاد فأقرت حق الحيوان في الحياة، فحرمت حبسه أو تعذيبه، أو حمله مالا يطيق من الجهد، فما بالك بالإنسان المكرم.

إن ما تحمله رسالة التغيير في الإسلام أكبر بكثير مما يصوره البعض من اختزاله في صورة معزولة، أو جزئية منفصلة، فالإسلام رسالة هداية ومنهج حياة، يسع الدنيا والآخرة، يسع السلم والحرب، فهو رسالة محبة وإخاء وتعايش وسلم، كما هو رسالة بناء وحضارة، كما هو في الوقت ذاته روح تسري بالعطاء، يد تزرع وتبني وتعلم وتداوي وتضمد، فهو بذلك منهج متكامل شامل..

 

الأستاذ حشاني زغيدي

 

في المثقف اليوم