أقلام حرة

شاكر عبد موسى: السؤال الممنوع والتغيير المرفوض

ابتليت مذ نعومة أظافري، مثلما أبتلى معي الكثير من أبناء وطني بالكثير من المرويات الكاذبة والملفقة، التي نقرئها ونسمعها من رجال معممين يطلقون على أنفسهم (رجال دين) الهدف منها تشويه صورة العرب والمسلمين الأوائل، واكتساب الجاه والمال والتسلط، لنشر الجهل المقدس المرتبط بمرويّات الدين الملفقة والمصطنعة من قبل المنتفعين وسماسرة الكسب الديني ومعتقدات الناس الساذجة، الذي يُحرم السؤال في أي شأن من شؤون العقائد، بحجة أن السؤال يفضي للتشكيك بالدين، وما عليك سوى السمع والطاعة، تعزيزاً للمقولة الشائعة شعبياً: (ارمِها برأس عالم واطلع منها سالم) .

لكن الاخطر والاكثر بلاءً ووبالاً أن ترى المرويات المقدسة يمنع المساس بها واعتبارها مرويات سماوية، والويل كل الويل من يضع علامات استفهام وتعجب وتشكيك في مضامينها.

ويتهم معارضوها بالألحاد والعلمانية والشيوعية، والانحراف عن الخط الطائفي الذي يروج له هؤلاء الصغار، ممن يسوقون بضاعته للعقول الفقيرة .

ليست المشكلة أن تؤمن بالخرافة، فهذا شأنك، وأنت حر بذلك، لكن أن تبني عليها اعتقادًا ينعكس أفكار وممارسات في الحياة العامة، فتصبح أهدافك تكفير غيرك، واليأس من الحياة، والتفكير بأن الله سوف يبعث لك مخلص دون أن تخلص نفسك من الظلم والجور الذي يحيط بك، هنا تقع الطامة الكبرى.

لقد فُّرض علينا أن نتبع كتب التراث والعقيدة مثلما كتبت منذ صدر الإسلام حتى يومنا هذا عن طريق النقل والاستماع من الإخباريين والأصوليين دون نقاش أو جدال لطريقة تفكيرهم ومنهجهم وفهمهم للعقيدة والدين والتأريخ الإسلامي، والطروحات المروية قبل أكثر من ألف عام، والتي لا تجاري الفكر المتطور للإنسان الجديد في زمن العولمة والتقنية والتكنولوجيا والتطور العلمي.

وتنتابني الحيرة عندما أقرأ عن المذاهب الإسلامية وتمسك الناس بأفكارها الاجتهادية القديمة، مثلما هي عليه، القائمة على تخليد تاريخ الخلفاء والحكام، ويثار داخلي سؤال: لماذا لم يظهر مذهب أسلامي جديد يوحد المسلمين على اختلاف اتجاهاتهم في عصر الثورة الرقمية؟ بدلاً من نقد القديم ومحاولة ترميم الأفكار السابقة التي عفا عليها الزمن .. هذا السؤال متروك للجميع.

السبب الوحيد برأيي الشخصي هو سيطرة الأنظمة الحاكمة المتعاقبة ومنذ العهد الأموي على مقاليد الحكم الوراثي وبالتالي سيطرتهم على ما يُسمّى بالعلماء والفقهاء (وعاظ السلاطين)، فجعلت منهم مطيّة يسيرون على أفكار ومصالح النظام الحاكم، سواء كان ملكي أو جمهوري، ديمقراطي أم شمولي .

لقد دفعت الشعوب العربية والإسلامية عشرات بل مئات الملايين من القتلى والجرحى والمهجرين نتيجة تلك الاجتهادات والأفكار الوضعية منذ سقوط الخلافة الراشدة في مدينة الكوفة حتى الآن.

لا أعتقد ان الدين سوف تقوم له قائمة مادام الحكم في بلادنا منهوب ومسلوب ووراثي وسنبقى نجترّ القديم ونبكي على التاريخ ورجالاته وحكومات سادت ثم بادت، لأننا نخاف من التجديد والتنوير وكل مجدد في نظرهم اليوم كافر وزنديق، يجب حجره في غرفة مظلمة ووضعه تحت الإقامة الجبرية.

لذلك أمست المذاهب عبارة عن فتاوى علماء ورجال دين اجتهدوا في تفسير احكام وشرائع الدين وفق مقاسات اعتقدوا بانها الاصوب والأرجح على العموم، وكل ذلك جرى في زمان يختلف تماما عما يحدث الان، مما جعل رجال الدين هؤلاء يعتمدون على مبدأ القياس للتفسير، ومن هنا نرى أن ايجاد مذهب جديد يساير الواقع المعاش هو أفضل من مذهب قائم على تعديل النصوص الواردة فيه بين فترة وأخرى، بعد رفع القداسة عن ثوابته القابلة للتغير.

بعض العلماء والفقهاء المتنفذين وأصحاب الحوزات الدينية الكبرى في بلادنا احتكروا الدين والمذهب والسياسة على حد سواء، كذلك لم يتركوا اي موضع قدم لأي فكر تنويري مجدد أن يدلوا بدلوه، سوى أصوات ضعيفة تنطلق من بلاد الغربة خوفاً على أنفسها من التصفية الجسدية أو السجن والتعذيب والمطاردة .

لذلك نجد هناك حملة شعواء تُقاد ضد حملة الفكر المجدد للتراث الموروث من قبل بعض رجال الدين وكثير من المؤسسات الدينية التي لا ترضى بهذا التجديد كونه يهز عروشها ومصالحها ومناصبها الدنيوية .. وكما قال المفكر النيبالي بوذا 563-483ق.م (أعبد حجراً لو شئت، لكن لا ترمني به).

***

شاكر عبد موسى/ كاتب وأعلامي

 

في المثقف اليوم