أقلام حرة

الحراسة الشخصية على العقل

الشخصيات VIP المهمة من رؤساء ووزراء ورجال أعمال كبار يحتاجون إلى حراس شخصيين مدربين على مواجهة أي خطر، متيقظين لاي حركة، إذا كانت الشخصيات المهمة تحتاج إلى حماية ألا تعتبر عقلك أهم من كل شيء يحتاج إلى حماية خاصة؟ حتى لا تتسرب إليه عناصر خطرة تدمره أو تزوده بمعلومات خاطئة يتغذى منها ثم تكون أحكامه الصادرة في غير محلها، توجه بوصلة الحياة نحو وجهة مجهولة لأن كل مشاكل الإنسان العويصة من تعصب وانغلاق وسودوية وأحادية فكر وضبابية الرؤية وتشوه الروح نابعة من أمرين اثنين لا ثالث لهما:

الأمر الأول: معلومات ناقصة.

الأمر الثاني: معلومات مغلوطة وخاطئة.

فالذي يترك عقله بلا حراسة فكرية عميقة أساسها العلم الصحيح والفكر العميق والرؤية الاستشرافية للمستقبل يضل ويتيه ويكون عالة على مجتمعه وأمته فالتشوهات الفكرية الخاطئة التي تصيب العقل تدمر الشخص نفسه قبل مجتمعه ولاحظنا ذلك في فكر التطرف والانغلاق وإلغاء الآخر واحتكار الحقيقة وعدم الانفتاح على ثمرات الفكر الإنساني فالإنسانية مهما اختلفت معتقداتها فهي تستفيد من بعضها البعض وتتبادل التجارب والخبرات فلا بديل لها من أجل عالم يسوده السلم والأخوة إلا بالاتفاق على المشترك الإنساني الذي يجمعها حتى تنأى عن التعصب الأعمى الذي سيخلق أزمات طاحنة ومدمرة..

يقول د.أسامة جابر العبد: "إن تغليب سيادة العادة والهوى، وتبنّي الخرافات، والترويج للشائعات، والانشغال بالأغاليط والتمسك بالتبعية الفكرية والتعصب الأعمى يقود إلى أزمات في الفكر والاعتقاد، ويملأ النفوس باليأس والقنوط، ويسهّل الخضوع لعوامل الهزيمة النفسية التي نجحت أن تُدخل في روعهم لفراغ عقولهم أن الانحلال من ضروريات المدنية والتحضر، فاستهوتهم مظاهر الحياة الغربية.

كم من مصائب ونكبات، وهزائم وانتكاسات، أصابت الأمة في مقتل جرَّاء الانحراف الفكري الذي أصاب العقول نتيجة لفراغها من محتوى ثقافي يحفظها، ومصادر معرفية تستند إلى مرجعية إسلامية، وتثبت في منهج تلقي العلم وتوثيق المعلومات وإثبات الحقائق.

لا نريد لعقولنا أن تأخذ موقف التبعية والتقليد الأعمى، أو تتبنّى ثقافة الاستسلام للموروث الثقافي، وتنتهج مناهج الغير المنحرفة دون تأملٍ ونظرٍ واستدلال.

كم ساعدنا الدول الغربية بعقولنا المسلمة الفتيّة، ثم قصرت تلك العقول عن النهوض بأمتنا، فتقدم الغرب وتخلّفنا، فلا إنجاز يُذكر، ولا مبادرة تُحمد.." (1).

ومن الحراسة الشخصية على العقل حتى يستفيد من تجارب الأيام ومواعظها أن يقرأ الإتسان كتب المذكرات للشخصيات المؤثرة التي تركت بصمة في الحياة فقراءة سير العظماء ومذكراتهم هو تحصين للعقل من الوقوع في الأخطاء والزيغ عن الطريق السوي فهذه القراءة المثمرة النافعة تنضج العقل وتمده بخبرات متراكمة تنير له الطريق وتمنحه الحكمة والبصيرة ..

وقد صدق الأسناذ عبد الله بن عبده نعمان العواضي حينما قال: "ومما ينفع الإنسان: أن ينظم حياته الدينية والدنيوية، وأن يسير على خطط واقعية مرسومة بعيدة عن الفوضى والعشوائية، وأن يستفيد من أخطاء الماضي؛ لئلا يعود إليها في المستقبل، وأن يستفيد من مواعظ الأيام ومرور الزمان ومن تجارب الآخرين وعقولهم؛ لتزداد فضائله وتنتظم أمور معاشه.

وكتبُ المذكرات والذكريات الحياتية النافعة للشخصيات الصالحة، والتاريخ وأحداثه، والواقع ومجرياته معارف مغذية للعقول التي يريد أهلها أن تتشكل تشكلاً صحيحاً لتنتج نتائج صحيحة.

والعقل منظم الحياة، فإذا تشبع بمعارف صحيحة وإضاءات سليمة كانت مخرجاته وآثاره كذلك، والعكس بالعكس"(2) .

فما أحوج امتنا أن تعلم ابناءها كيف يحرسون عقولهم ويحمونها من الضلال والانحراف فهذه الحراسة الشخصية على العقل تمكنهم من اتخاذ قرارات صحيحة تجعلهم ينجحون في حياتهم فيبدعون ويبتكرون، ينفعون أنفسهم وأسرهم ومجتمعهم فهذا أعظم استثمار تستثمره الدول في أبنائها...

***

الكاتب والباحث في التنمية البشرية

 شدري معمر علي

.....................

 هوامش:

1- د.أسامة جابر العبد، حراسة العقل، موقع شبكة الألوكة.

2-عبد الله بن عبده نعمان العواضي،الحفاظ على نعمة العقل،موقع الخطباء.

في المثقف اليوم