أقلام حرة

الحسين بوخرطة: الخصوصية المغربية؟

امتد مسار تحديث المجتمعات الأوروبية الغربية من القرن 16 إلى 19، أي دام أكثر من 3 قرون. هذا التحديث حقق فعلا التفوق الذي ترجم عمليا وجيوستراتيجيا إلى حركة إمبريالية عالمية، اعتمدت في مرحلة أولى المنطق العسكري بأسلحته المتطورة (الاستعمار)، ثم بعد ذلك تحول إلى غزو اقتصادي تحت شعار "العولمة والنظام العالمي الجديد". عرف المسار في شموليته منذ مطلع القرن الواحد والعشرين إشباعا تخللته أزمات مالية واقتصادية، وتمخضت عنه خيارات طرحت من جديد إشكالية القطبية في قيادة العالم. وقع عالم اليوم في منعطف طريف للغاية، وأجبرت الخبرة السياسية لدى القوى العالمية على تعميق التأمل والتفكير في تجديد مقومات الدبلوماسية، وبالتالي استخلاص الدروس والعبر لخدمة المستقبل تحت إكراه إجبارية تجنب الوقوع في حرب عالمية ثالثة.

في هذا السياق التاريخي الذي امتد لأكثر من 6 قرون دوليا و12 قرنا وطنيا، صمود الحضارة المغربية ترجم عبر محطات معلومة إلى معارك بارزة تاريخيا، توجت في نهاية المطاف بالحماية الفرنسية وتواجد اسباني شمالا وجنوبا. لم يخضع المغرب الأقصى للإمبراطورية العثمانية. التحديث في مسار هذه الدولة الحضارية لم يعرف انطلاقته الفعلية إلا ابتداء من منتصف الخمسينات من القرن العشرين. تراكمت المكاسب بسرعة فائقة. آمن المغاربة بحنكة وتبصر وحكمة الملكية المغربية. في ظرف لم يتجاوز 70 سنة، أصبحت للمملكة المغربية خصوصية ناعمة اعترف بها العالم بأسره. لقد برزت كونيا في العهد الجديد المقاصد الحقيقية ل"ثورة الملك والشعب".

فلنفتخر جميعا بوطننا الرائد شعبيا ومؤسساتيا في ظل العرش العلوي المجيد. فلنقل جميعا : فداك روحي وأمي وأبي يا مغرب الأبرار.. البصمة المغربية نُحِتَتْ باستحقاق في سجل التاريخ البشري زمن العولمة والشمولية والتكنولوجيات الحديثة..

نظرا لمنطق التحولات وحجم المكتسبات المتراكمة، الكل يتحدث اليوم أن المغرب دخل مرحلة المرور إلى الجودة في الإنتاج في كل القطاعات.. السياسات العمومية انتصرت على ثقل التعودات المعرقلة للنماء، وقيادة التغيير تتم بحكمة وتبصر...  استراتيجية إحداث التحولات الضرورية ببلادنا تحمل بواعث الثقة في المستقبل.. أكدت التطورات تحت القيادة السامية للملك محمد السادس نصره الله أن المملكة المغربية لا تحتاج إلى قرون، كما حدث غربيا، للمرور إلى المراحل الأكثر تقدما. إنه سحر التنوع الحضاري بمكوناته الأمازيغية والحسانية والعربية ... الذي مكن المغرب الأقصى من إبراز خصوصيته الحضارية في منطقة عربية شاسعة تمتد من المحيط إلى الخليج. إنها خصوصية انتصرت ثقافيا للتسامح والتعايش والتعاون مع الآخر السلمي كيف ما كان انتماؤه القطري عالميا.

ولنختم هذا المقال بالقول أن في التصريح الأخير لدومينيك ستراوس كان، الشخصية الفرنسية الفذة، عبرة ودلالة تاريخية.

***

الحسين بوخرطة

في المثقف اليوم