تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

نهاد الحديثي: الشهادة الفخرية

الشهادة الفخرية هي شهادة بدون رسالة أو مناقشة وتعطى للشخص تقديرا لجهوده في مجالات معينة، منح درجة دكتوراه "شرفيّة" لشخصيات معينة كتعبير عن الشكر أو العرفان بالجميل أو الإنجازات العلمية أو الاجتماعية، وذلك حتى لو لم يكن الحائز عليها ذا تكوين أكاديمي. في ألمانيا مثلاً مُنح هذا اللقب لفرديناند بورشه، وفي مصر منحت لسوزان مبارك، ويمكن للشخص أن يحصل على أكثر من درجة دكتوراه واحدة. وكانت الشهادة الفخرية تمنح لشخصيات لم تتمكن من متابعة تحصيلها الاكاديمي الكلاسيكي، وتركت اثراً ونتاجاً أهم بكثير من عدد من الأطروحات بإعطائها هذه القيمة التي تستحق علمياً، إذ ان قيمة الإنسان العلمية ليست بلقب الدكتوراه الاكاديمي الذي يحصل عليه بل بنتاجه المعرفي والثقافي والسياسي والاقتصادي وبدوره في الحياة. لذا هي عملية تكريم للشخص والمؤسسة التربوية المانحة، معنوياً، والدكتوراه الفخرية هي مسألة تقدير واعتراف بالجهود والأعمال التي قدمها المكرّم أو سيقدمها للمجتمع أو لمؤسسات في المجتمع، منها المؤسسات التعليمية. كل ذلك كان من الماضي الجميل كما حصل مع العملاقين الراحلين نجيب محفوظ ومحمد عبد الوهاب

القانون يعترف بلقب الدكتوراه الفخرية، لكنها لا تمنح الا من خلال مؤسسات اكاديمية رصينة معترف بها لاشخاص اعتباريين، قدموا خدمات وتركوا بصمات في مجالات سياسية كانت ام اجتماعية ام علمية ام غيرها، ويمكن منحهم تلك الالقاب الفخرية، مع الاعتراف بانهم لا يمكن ان يمارسوا اي عمل تحت مظلة تلك الشهادة الفخرية، الا ان الشهادات الفخرية الحالية، هي للاسف شهادة عشوائية وخداع علمي - اجتماعي بامتياز، خداع مجتمعي بامتياز ولا يمكن السكوت عنه تحت اي ظرف ولا بد من تضافر كل الجهود لوقف عمل تلك المراكز والمؤسسات التي لا بد من مقاضاة اصحابها ومن يقبل ان يحصل على تلك الشهادات مقابل للاسف مبالغ من المال ايضا، حيث لا يمكننا مشابهة هذه الفئة لمن يحملون شهادات الدكتوراه الفعلية التي درسوا سنوات ليحصلوا على لقب باي تخصص يستحقونه بالفعل وهم رواد العملية الاكاديمية، لا يمكن باي حال مشابهتهم بتلك الفئة غير المشروعة.

وهنا لابد من الاشارة الى اني توقفت امام رفض الزعيم الكردي مسعود بارزاني منحه شهادة دكتوراة فخرية من جامعة دهوك، قائلا / أنا لست دكتوراً و لم أدخل الجامعة لحظة واحدة في حياتي، و هذا سيقلل من قيمة الجامعة ووسيقلل من قيمتي وسيفسر بشكل أخر، مضيفا انا زميل لكم ومستعد ان اكون حارسا لجامعتكم، ونرى في كلام البارزاني احترامه الراقي للعلم والعلماء رغم تفاديه بما يفعله سياسيو الصدفة من التهافت وراء الحصول على شهادات مزورة اطاحت بهم

في العراق، بعد الاحتلال 2003، تجد آلاف الأشخاص ممن يحمل هذه الشهادة والتي لا تُضيف لصاحبها سوى حرف الدال، الذي يقلل من شخصيته ولا يزيد عليها شيء، متمنين على الجميع ان يدركوا إن الإنسان ليس بشهادته المزيفة بل بأخلاقه وثقافته، متذمراً من كل شخص عراقي اشترى شهادته الفخرية من هذه المواقع، والتي تشبه المواقع الساقطة في غايتها، نعم هكذا تكون اللهجة مع الذين يحاولون إسقاط القيّم الخُلقية والمعرفية ويحاولون أن يُدمروا ما بقي عامراً في العراق،، وكم من مسؤول في الدولة العراقية تبوء منصب وزير ووكيل ومستشار ونائب ومدير وهو يتخفى بشهادة لا قيمة لها اشتراها من ماله الحرام، ليبقى متربعاً في منصبه يسرق وينهب من خيرات وثروات العراق دون حساب أو رقيب، والمصيبة الكبرى أن المانح لهذه الشهادات وخاصة الدكتوراه الفخرية لا يحمل أي شهادة علمية

وأخيراً وليس آخراً .. لو كان في العراق نظام حقيقي يحمي العِلم والعُلماء والمثقفين من هذا البلاء الخطير، فعليه أن يُلاحق ويُلقي القبض على جميع أصحاب الشهادات الوهمية المزيفة من دكتوراه وبروفيسور والتي كثرت في أيامنا بجميع مفاصل الدولة والمتزامنة مع تزايد الفساد الأخلاقي والمالي والديني.

***

نهاد الحديثي

في المثقف اليوم