تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

صادق السامرائي: تأريخ وتاريخ.. مفاهيم!!

تأريخ: تسجيل الوقائع وأسبابها

تاريخ: الأحداث التي تحصل

القول بأن تأريخ الأمة كان عظيما  يستند على بعض المرتكزات، والقول بأن الأمة حققت إنجازات علمية فائقة، قابل للنقاش، فالأمة ما تبنت العلم كوسيلة للقوة والقيادة، ووجدت في الدين ضالتها لتأمين الحكم والسيطرة على الناس.

وهي لا تختلف عن غيرها  من الأمم التي نالت فرصتها  من القوة والهيمنة، وربما كانت الأمة مؤهلة للقيام بدورها، وموعدها مع الثورة الدينية بقيادة محمد قد يكون مصادفة، إذ حضر الدين في زمن نهوضها وبدايات بزوعها فمنحها طاقة توثبية فائقة.

لم تنقل المدونات عن نشاط علمي في زمن الخلفاء الراشدين، وكان النبي من الذين يعزّون العلم وخصوصا الطبي، وهو الذي أنشأ أول مستشفى ميداني في المسجد النبوي أثناء معركة الخندق، وكانت تديره رفيدة الأسلمية.

وفي العصر الأموي تركز الإهتمام على علم الفلك لضبط مواعيد الصلاة وإتجاه القبلة.

وأول مَن إهتم بالعلم هو خالد بن يزيد بن معاوية، الذي إنشغل بالكيمياء وترجمة بعض الكتب العلمية.

وكان النشاط العلمي ضعيفا بالمقارنة بما حصل في العصر الذهبي للدولة العباسية (750 - 847) ميلادية (132 - 232)  هجرية، الذي وضع أسسه الخليفة الثاني أبو جعفر المنصور(714 - 775) ميلادية، وحكم (22) سنة، ورسّخها حفيده هارون الرشيد (149- 193)، ومن ثم جاء المأمون (170- 218) فأوقدها وتوهجت بعصره، أما الأمين (170- 198) فتأريخه مطموس ومشوّه ولا يُعرف عن إنجازات علمية في زمانه.

فالنشاط العلمي الحقيقي كان في زمن المأمون، لأنه ركز على تفعيل العقل ووضعه في المقدمة، لكنه قضى عليه بإتباعه مناهج المعتزلة وفرضها على الناس بالقوة.

ومنذ وفاة المأمون هدرت إرادة الأمة العلمية وفقدت بغداد مكانتها ودورها، وعندما جاء المعتصم نقل العاصمة إلى سامراء.

وعلى مدى ستة عقود عانت بغداد من الدمار والخراب، وبيت حكمتها تعرض للإهمال، ويُقال أصابه بعض الإهتمام في زمن الواثق، وبعده فقد قيمته ودوره، لأن بغداد إنشغلت بحروب تدميرية وعمها الخراب أكثر من مرة، وأبشع الدمارات التي أصابتها أثناء الصراع بين المعتز بالله والمستعين بالله.

وعندما جاء هولاكو لم يجد بيت حكمة كما يُصوَّر لنا، فهل تصدقون أن بيت الحكمة قد صمد دون رعاية مركزية وإهتمام بالعلم منذ وفاة المأمون حتى سقوط بغداد (9\8\833 – 29\1\1258)؟!!

وهل يُعقل أن ما فيها قد نقلت إلى نهر دجلة، وهل لديهم الوسائط  لنقل آلاف الأطنان من الورق، أم من السهل حرقها في مكانها؟

حرق بغداد كان للوقاية من الأوبئة لكثرة الجثث المتفسخة فيها، فأعداد الأبرياء الذين قتلوا عشرات أو مئات الآلاف، في غضون عشرة أيام.

ومن غرائب المنصور أنه كان مولعا بالبناء بالطين، ومعظم ما شيّده أودت به الفيضانات، ولا أظنها لم تصب  بيت الحكمة بأذى طيلة عمره.

فالموت العلمي الذي أصاب الأمة بدأ قبل دخول المغول إليها بأكثر من أربعة قرون، فبعد مقتل المتوكل (31\3\822 - 11\12\861) ميلادية، تحول الخلفاء العباسيون إلى رموز كالدمى ومنهم مَن قتلوهم وسملوا عيونهم.

فكم نسبة الصحيح في التأريخ؟!!

*هذا المقال محاورة مع التأريخ وليس نيلا منه.

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم