أقلام حرة

صادق السامرائي: أسماء الخلفاء المقرونة بالله (2): أبو جعفر المنصور

عبد الله بن محمد بن علي بن عبدالله بن عباس (95 - 158) هجرية، ومدة حكمه (22) سنة، (136 - 158) هجرية.

تولى الخلافة في عمر (41)، بعهدة من أخيه أبو العباس السفاح.

"كان فحل بني العباس هيبة وشجاعة وحزما ورأيا وجبروتا، كامل العقل، جيد المشاركة في العلم والأدب"

"قتل خلقا كثيرا حتى إستقام ملكه"

"وكان غاية في الحرص والبخل فلقب (أبا الدوانيق)"

"أول ما فعله قتل أبا مسلم الخراساني"

نجا من سطوته عبدالرحمن بن معاوية بن هشام فدخل الأندلس سنة (138) هجرية، ولقبه بصقر قريش، وهو عبد الرحمن الداخل.

"بنى مدينة بغداد المدورة (140 - 149) هجرية.

بدأ التدوين والترجمة والتأليف سنة (143) هجرية

"أول من أوقع بين العلويين والعباسيين" بعد خروج حفيدي الحسن بن علي عليه (145) هجرية، فقتلهما ومَن أفتى معهما بالخروج عليه، وقتل خلقا كثيرا من ذرية علي بن أبي طالب.

خلع عمه عيسى بن موسى سنة (147) هجرية، وعهد لإبنه المهدي.

"أول من قرّب المنجمين، وعمل بأحكام النجوم، وأول خليفة ترجمت له الكتب، وأول خليفة إستعمل مواليه على أعماله وقدمهم على العرب"

قيل له: "لقد هجمت بالعقوبة كأنك لم تسمع بالعفو، فقال: لأن بني مروان لم تبل رممهم، وآل بني طالب لم تغمد سيوفهم، ونحن بين قوم قد رأونا أمس سوقة، واليوم خلفاء، فليس تتمهد هيبتنا في صدورهم إلا بنسيان العفو وإستعمال العقوبة"

ومن وصيته لإبنه المهدي: " يا أبا عبدالله الخليفة لا يصلحه إلا التقوى، والسلطان لا يصلحه إلا الطاعة، والرعية لا يصلحها إلا العدل، وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة، وأنقص الناس عقلا من ظلم من هو دونه، لا تبرمَّن أمرا حتى تتفكر فيه، فإن فكرة العاقل مرآته تريه قبيحه وحسنه".

جمع أبو جعفر المنصور تناقضات عجيبة وكأنه صورة أخرى للحجاج بن يوسف الثقفي .

إذ كان حازما شديد البأس، ويدرك أنه يؤسس دولة ذات شأن، فكان قاسيا على مَن يقف بوجهه، حتى على أقاربه أو أبناء عمومته، وفي زمنه حصلت قتلات شرسة، كمقتل أبو مسلم الخراساني وإبن المقفع، وأمعن بإبادة معارضيه بقسوة فائقة.

ومع ذلك هو محب للعلم، فأطلق مسيرة الترجمة، وجمع الكتب، وأول من أدخل الموالي في الدولة، وبنى مدينة بغداد، ووضع الأسس الرصينة لدولة إستمرت بعده لأكثر من أربعة قرون، ورفع رايات التدوين، وطلب من إبن إسحاق كتابة السيرة النبوية ليقرأها إبنه المهدي، ومن ثم لخصها إبن هشام.

فكان يحمل السيف بيد والفكر باليد الأخرى.

وعاش في صراع بين الكرسي والعقل، وحاول الموازنة بينهما، ومن الصعب الإقتراب من شخصيته، لأنه كأي بناة الدول لابد من إجتماع العديد من التناقضات فيه، ويبدو أن أخلاق الكرسي وإملاءاته ربما طغت على الكثير من سلوكه، ورسمت مسيرة الحكم من بعده.

ولم يكن مغترا بالدنيا، ويميل للبناء بالطين، فما بقي من آثاره ما يشير إلى مرحلته.

كان قائدا وعالما ومجاهدا في سبيل إرساء دعائم دولة ذات قوة وعزة وشموخ.

ولولا خارطة الطريق العتيدة التي وضعها، ما إستطاع الخلفاء من بعده أن ينجزوا ما أنجزوه، فأطلق بواعث العصر الذهبي للدولة العباسية، الذي إنتهى بمقتل المتوكل وهيمنة الآخرين على الحكم.

وبإختصار، طغت على شخصيته إرادة بناء الدولة، فوضع الأسس الصالحة لديمومتها، ولا توجد مثالب كبيرة في شخصيته، وإنما توجهات إحترازية وتطلعات لوضع الركائز المتينة لدولته، وهو من المثقفين المطلعين على آليات الحكم ومهارات صناعة الدول، وتواصل مع معارف الدنيا في زمانه، وترجم أمهات كتب الحضارات السابقة.

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم