أقلام حرة

علاء اللامي: مختارات أخرى من مفردات عربية فصيحة في اللهجة العراقية اعتُبِرَت مندائية خطأً (10)

كلمات هذا الجزء: "-ناهي - نسر - ناطور- نفط – سفيفة - سترة - سعلوة - سُفط - سماگ – سميد". ترتيب الفقرات أدناه كما يلي: رقم الفقرة ثم الكلمة كما تلفظ في اللهجة العراقية ثم علامة مساواة وبعدها لفظ الكلمة في اللهجة المندائية بين قوسين ثم معنى الكلمة في المندائية فمعناها في العراقية فرأيي الشخصي بهذا التخريج مع التوثيق المعجمي.:

663-ناهي =(ناهي) وتعني في المندائية هادئ وساكن. ويقول المؤلف أن ناهي من الأسماء المعتمدة للرجال في العراق". ويرى أن هذا الاسم يتأسس على الجذر المندائي وليس العربي من النهي بل من الهدوء والسكينة ويختم بالقول " فالناهي هو هو الهادئ الساكن المريح". والواقع أن اسم ناهي يكثر في البيئة العشائرية الجنوبية العراقية حيث تنتشر عادات عشائرية متخلفة منها "النَّهَوَة". وبموجب هذه العادة أو التقليد ينهى ابنُ العم أيَّ شخص آخر سواه عن زواج من ابنة عمه دون موافقته، وهنا يبطل زواج ابنة العم، وقد ينتهي الأمر بشجار وصدام مسلح. والشخص الذي يمارس "النهوة" هو الناهي، أي المانع من القيام بالفعل - فعل زواج ابنة عمه من غريب - كما تعني كلمة (ناهي - ناهٍ) كاسم فاعل من الفعل نهى ينهى تماماً في العربية الفصحى.

673- نسر =(نسر) وتعني الكلمة في المندائية يمزق. ويقول المؤلف أن اسم الطائر المعروف بالنسر هو تأسيس على الفعل المندائي نسر أي يمزق.. عجبي! والكلمة عربية عريقة ومعجمة. نقرأ في لسان العرب نقرأ: "طائر معروف، وجمعه أنسر في العدد القليل، ونسور في الكثير، زعم أبو حنيفة أنه من العتاق، قال ابن سيده: ولا أدري كيف ذلك. ابن الأعرابي: من أسماء العقاب النسارية شبهت بالنسر". وفي معجم المعاني (النَّسْرُ: طائر من الجوارح حادُّ البصر قويٌّ من الفصيلة النَّسْريَّة من رتبة الصَّقريّات، وهو أَكبر الجوارح حجمًا).

676- ناطور=(نطر) يحرس يحفظ يحمي. والكلمة جزيرية قديمة ومشتركة في عدد من اللغات السامية كالأكدية بلهجتيها والعبرية القديمة - توجد منظمة عنصرية صهيونية متطرفة تسمي نفسها "ناطوري كارتا" أي حراس المدينة – والكنعانيات والآراميات بالمعنى نفسه. وهذه الحقيقة يعرفها المعجميون العرب القدماء فقال ابن منظور في معجمه لسان العرب (النَّاطِر والنَّاطور من كلام أَهل السَّواد "العراقيين": حافظ الزرع والتَّمر. والكَرْم، قال بعضهم: وليست بعربية محضة، وقال أَبو حنيفة: هي عربية؛ قال الشاعر:

تُغَذِّينا إِذا هبَّت علينا........وتَمْلأُ وَجْهَ ناطِرِكم غُبارَا

قال: النَّاطِر الحافظ. وجمع النَّاطِر نُطَّار ونُطَراء، وجمع النَّاطُور نَواطِير، والفعل

النَّطْر والنِّطارة، وقد نَطَر يَنْطُر".

679- نفط =(نفط) ويسجل المؤلف أن الكلمة معربة ولكنه يزعم أن أصلها من الفعل المندائي "فطا" الذي يعني ينبثق، يكسر، يحل. وهذا تخريج ضعيف وخارج الموضوع، فالكلمة موجودة في أقدم المعاجم العربية وهو لسان العرب حيث نقرأ: "النَّفْطُ والنِّفْطُ: دُهْن، والكسر أَفصح. وقال ابن سيده: النِّفْط والنَّفط الذي تُطْلى به الإِبل للجَرب والدَّبَر والقِرْدانِ وهو دون الكُحَيْلِ. وروى أَبو حنيفة أَن النفط والنفط هو الكحيل. قال أَبو عبيد: النفط عامَّةُ القَطِرانِ، وردّ عليه ذلك أَبو حنيفة قال: وقول أَبي عبيد فاسد، قال والنفط حلابة جبل في قعر بئر توقد به النار، والكسر أَفصح. والنَّفَّاطةُ والنَّفَاطة: الموضع الذي يستخرج منه النفط".

694- سفيفة= (من جذر سف). ويعتبرها مندائية بمعنى "تشكيل من خوص النخيل بحياكة خاصة"، والكلمة عربية وموجودة في اللهجات الشامية فقد أوردها للشيخ أحمد رضا في "قاموس رد العامي إلى الفصيح"، كتب "السفيفة = كل ما يسف من خوص النخيل قبل أن ينسج. أما في الصحاح فنجدها مذكرا، ونقرأ (السَفيف: حِزامُ الرَحْل. من خوصٍ: نسيجةٌ من خوصٍ)، وفي معجم المعاني فنقرأ: "السَّفَيفة: نَسِيجَةٌ مِنْ وَرَقِ النَّخْلِ"؛ وأيضا "شَرِيطٌ رَهِيفٌ مِنْ حَرِيرٍ أوْ قُطْنٍ، أو كتَّانٍ خَفِيفٍ، ألْوَانُهُ زَاهِيَةٌ، يُزَيِّنُ حَوَاشِيَ الْمَلاَبِسِ النِّسَائِيَّةِ، أوْ يُجْعَلُ لِرَبْطِ خُصَلِ شُعُورِهِنَّ". وفي العباب نقرأ (وسَفِيْفَةٌ من خوضٍ: نسيجة منه، وقد سففت الخوص أسُفُّه -بالضم- سَفّاً: أي نسجته. والسُّفُّةُ -بالضم-: السَّفِيْفَةُ يجعل مقدارا للزبيل أو الجُلَّةِ). نلاحظ هنا صاحب العباب الزاخر يؤكد أن (الزبيل) و(الجُلة - الروث الجاف للوقود) كلمتان عربيتان فصيحتان.

700- سترة =(صُدرا) وتعني سترة في المندائية، والمؤلف يرفض أن تكون الكلمة العربية بذات المعنى من الستر فهو يكتب؛ لأن "كلمة سترة فهي تشير إلى الجاكيت أي ما يغطي منطقة النصف الأعلى من الجسم...أما كلمة صُدرا المندائية فهي تشير تماما إلى الصدرية وما يغطي الصدر والظهر)! ولا أدري بم أعلق على هذا الكلام! فالسترة سواء كانت من الستر أو من الصدر فهي صدرية وكلتا الكلمتان عربية وإذا كانتا موجودتين في المندائية فهما كلمتان مشتركتان بين لغتين من عائلة لغوية واحدة، فما الجديد والخارق في هذا؟!

706- سعلوة =(إلوا) وتعني في المندائية الشبح وروح الميت. والكلمة عربية فصيحة وتلفظ "السعلاة" وفي العامية العراقية "السعلوة". نقرأ في الصحاح (والسعْلاةُ: أخبث الغيلان، وكذلك السِعْلاةُ: يمدُّ ويقصر؛ والجمع السَعالي)، وفي معجم المعاني (السِّعْلاةُ – ج، سعالي: السِّعْلَى، غول، حيوان ثدييّ من مرتبة القرديّات ضمن رتبة الرئيسيّات ومن أقرب الحيوانات للإنسان". وفي معجم مختار الصحاح:" السِعْلاة أو السِعْلاء والجمع: سَعَالى (بالعامية: سِعْلُوَّة) هي شخصية شيطانية أنثوية، السعلوة شكلها غريب ومخيف، فجسمها مليء بالشعر كأنها قرد، لكن لديها قدرة على التحول في شكل امرأة جميلة حسناء الشكل طويلة القد، ومرتبة الهندام، تُغري الرجال ثم تفتك بهم وتقتلهم".

711- سُفط =(سفط) وتعني في المندائية يقيد، يربط، يضبط. ويقول المؤلف إن "الكلمة لا ترد الكلمة في العامية كما ترد في اللغة العربية بمعنى الطيب بل تأتي تماما كما في المندائية بمعنى ربط وقيد وضبط". والمؤلف لم يكن أمينا في النقل هنا فالسفط في العربية ليس الطيب بل وعاء يوضع فيه الطيب. لنقرأ ما ورد بهذا الخصوص في معجم المعاني: "السَّفَطُ: وعاء يوضع فيه الطِّيبُ ونحوُه من أَدوات النساء". وفي لسان العرب نقرأ:" السَّفَطُ: الذي يُعَبَّى فيه الطِّيبُ وما أَشبهه من أَدَوات النساء، والسَّفَطُ معروف". وهو أيضا " قُفّة، وعاء مصنوع من أغصان الشجر أو القصب تُوضع فيه الفاكهةُ ونحوُها سَفَط لنقل الفواكه". ويمكن أن نفهم فعل سفط من تعبئة الأشياء وترتيبها في السفط بمعناه العربي والكلمة مستعملة في الجزيرة العربية والخليج وتلفظ بالسين المفخمة المتماهية مع الصاد. يقولون في السعودية والكويت مثلا "ركن السيارة" أي سفطها.

716- سماگ =(سماقا) وتعني في المندائية أحمر، حمرة. وفي العامية العراقية هو مسحوق السماق الأحمر المعروف بطعمه الحامض والذي يستعمل كنوع التوابل توضع على اللحوم المشوية كالكباب وغيره. والكلمة عربية ممعجمة وبهذا المعنى تحديدا نقرأ في معجم المعاني (السُّمّاقُ: شجرة من الفصيلة البُطميَّة، تستعمل أَوراقه دِباغًا، وبذوره تابلاً، وينبت في المرتفعات والجبال)، وفي الوسيط والرائد والغني نقرأ (نبات: شَجَرٌ مِنْ فَصِيلَةِ البُطْمِيَّاتِ، مَهْدُهُ الأَصْلِيُّ مِنْطَقَةُ البَحْرِ الأبْيَضِ الْمُتَوَسِّطِ، ثَمَرُهُ شَدِيدُ الحُمُوضَةِ، تُسْتَعْمَلُ أوْرَاقُهُ دِبَاغاً، وَبُذُورُهُ تَابِلاً). وجذر الكلمة هو في المعاجم القديمة كلسان العرب (سَمْقُ النبات إذا طال، سمَق النبتُ والشجر والنخل، يَسْمُق سَمْقاً وسُموقاً، فهو سامِق وسَمِيقٌ: ارتفع وعلا وطال) وفي غيره (سَمَقَ النباتُ والشَّجرُ وغيْرُه سَمَقَ سَمْقًا، وسُمُوقًا: ارتَفَعَ، وعلاَ، وطَالَ).

717- سميد=(سيميدا) طحين ناعم. والكلمة غير شائعة في اللهجة العراقية بل في لهجات عربية أخرى مشرقا ومغربا على حد علمي، أو لا وجود لها في جنوب العراق على الأقل، فهم يستعملون كلمة طحين لكل أنواع الطحين. ولكن المؤلف قيس مغشغش السعدي يكتب (ومن المعروف أن كلمة "سميد" معروفة ليس في العراق فحسب بل في بلاد عربية أخرى ويظهر أن أساس الكلمة قديم جدا". والكلمة، مع ذلك، ورغم كونها غير مستعملة في اللهجة العراقية على حد علمي، فهي عربية ممعجمة ونقرأ عنها في معجم المعاني والمحيط والمعاصر (السَّمِيدُ: طَحينٌ أَبْيَضُ خَشِنٌ). وفي الغني (طَعَامٌ مِنْ سَمِيدٍ: طَعَامٌ مِنَ لُبَابِ الدَّقِيقِ). أما في المعاجم القديمة فالكلمة تلفظ بالذال "سميذ" وبذات المعنى؛ نقرأ في القاموس المحيط (السميذ: السميد). وللشاعر كشاجم (ت. 360هـ/970م) بيت شعر قال فيه:

 ودقيقِ السّميذِ يُعْجَنُ بالمَا........ وَرْدِ عُلَّ بمسكِهِ المسحوقِ.

أما صفي الدين الحلي (677 - 752 هـ / 1277 - 1339 م) فقال في السميذ:

ولدينا شادٍ، ونقلٌ، ومشمو...... م، وطَيرٌ يُشوَى، وخبزٌ سَميذُ

للاطلاع على هذه الاجزاء السابقة من المفردات انقر لطفا على هذه الوسمة:

#لهجة_عراقية_اللامي   يتبع

***

علاء اللامي

...........................

* مختصرات المراجع والمعاجم التي ورد بعضها في فقرات المعجم أعلاه:

العين: كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي البصري وهو أول معجم لغوي في اللغة العربية (718م 786م)

اللسان: لسان العرب لابن منظور

التاج: تاج العروس في جواهر القاموس للزبيدي

المصباح: المصباح المنير لأحمد بن محمد بن علي الفيومي.

المقاييس: مقاييس اللغة لأحمد بن فارس القزويني الرازي

الجمهرة: جمهرة اللغة لابن دريد الأزدي

الصحاح: الصحاح في اللغة ويعرف أيضا بـ (تاج اللغة وصحاح العربية) لابن حماد الجوهري.

العباب: العباب الزاخر واللباب الفاخر للحسن بن محمد الصغاني

القاموس: القاموس المحيط للفيروزآبادي

المختار: مختار الصحاح لمحمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي وهو معجم مختارات من معجم الصحاح في اللغة للجوهري.

الوسيط: المعجم الوسيط تأليف نخبة من اللغويين بمجمع اللغة العربية بالقاهرة الرائد: معجم ألفه اللبناني جبران مسعود.

الغني: معجم الغني الزاهر، ألفه المغربي الدكتور عبد الغني أبو العزم.

المعاصر: سلسلة المعجم العربي المعاصر للعراقي هادي العلوي

المعاصرة: معجم اللغة العربية المعاصرة للمصري أحمد مختار عمر

الفصيح الدارج: من معجم الفصيح الدارج في اللهجة العراقية المحكیة في محافظة كربلاء – للعراقي خالد عباس حسين السياب

في المثقف اليوم