أقلام حرة

مزهر جبر الساعدي:حل الدولتين.. استثمار الوقت لصالح الاطماع الاسرائيلية

 ليس مفاجئا أن تقوم أمريكا بإفشال قرار وقف إطلاق النار في غزة، وليس مفاجئا أيضا المشاركة الأمريكية الفعالة في المجازر الصهيونية في غزة أرضا وشعبا؛ بحكم الارتباط الاستراتيجي بين أمريكا والكيان الصهيوني. وفي الوقت ذاته؛ يدعو المسؤولون في أمريكا والغرب إلى عدم تمادى إسرائيل في قصفها العشوائي، وأن تأخذ في الاعتبار؛ المحافظة على حياة المدنيين من سكان غزة، وأن دولة الاحتلال الإسرائيلي إذا استمرت ـ حسبما قال وزير الخارجية الفرنسي مؤخرا ـ في قتل المدنيين من دون وضع حدود؛ تُقيدها وتحمي المدنيين، وإبرام هدنة إنسانية مستدامة، (رغم أنه لم يأت على ذكر إيقاف المجارزة كليا والانسحاب من القطاع) سوف تفقد الدعم الدولي، علما أن إسرائيل مدانة تقريبا من كل المجتمع الدولي.

نتنياهو قال مؤخرا؛ بأن ليس في وارد إسرائيل حل الدولتين، وإنه حتى الاتحاد الأوروبي يشاركها في هذه الرؤية في السر، على عكس ما يصرحون به في العلن، وإن الفلسطينيين من الممكن أن يسمح لهم بإدارة مناطقهم، إدارة غير سيادية، وهو الحاصل منذ أكثر من ثلاثة عقود، إضافة إلى أن المسؤولين الأمريكيين يتحدثون ويتشاورون مع مراكز القرار في المنطقة العربية وحتى مع السلطة الفلسطينية؛ حول مرحلة ما بعد المقاومة الفلسطينية، ومن يحكم القطاع؛ هل سيكون ائتلافا عربيا، أم السلطة الفلسطينية؛ وكأن الأمر محسوم لصالح جيش الاحتلال الإسرائيلي في مناقضة صارخة؛ لما يقوم به أبطال المقاومة من تصد وقتل للغزاة من منطقة الصفر، وتكبيد جنود الاحتلال خسائر وأثمانا باهظة، حسب اعتراف المتحدث الرسمي لجيش الاحتلال. في خضم هذه الإبادة الإجرامية، وفي التصريحات التي كثر تداولها في الأيام الأخيرة؛ تتم إعادة الروح إلى حل الدولتين، في تناقض مع تصريح نتنياهو الأخير حول هذا الحل، علما أن هذه التصريح لم يرد عليه أي من المسؤولين الغربيين، أو الأمريكيين لا نفيا ولا قبولا حتى الآن؛ مما يثير لدى كل متابع، الكثير من الشكوك والأسئلة حول الموقف الحقيقي الأمريكي والغربي من موضوع حل الدولتين، ما يرسخ قول نتنياهو الأخير في الذي يخص حل الدولتين، تثبيتا ووجودا على أرض الواقع الحقيقي والمدفون تحت السطح. كل العالم تقريبا، أدان ما تقوم به إسرائيل من جرائم في غزة، لكن أمريكا والغرب صما آذانهم وكأن فيها وقرا؛ عن كل هذا الذي يجري منذ اكثر من 3 أشهر في غزة من محارق ومذابح يندى لها جبين الشرف الإنساني وأخلاق البشر. هذه الجرائم الصهيونية ليس لها مثيل في كل العصور، إذن لماذا أصم الغرب وأمريكا آذانهم عن هذا الذي يجري؟ حتما يقف وراء هذه المواقف مصالح ذات أبعاد استراتيجية، هذه الآصرة الاستراتيجية بين امريكا والكيان الصهيوني؛ هي ما تفسر بوضوح استخدام أمريكا حق النقض (الفيتو) لإفشال إصدار قرار لوقف إطلاق النار في غزة، أي وقف المحرقة الصهيونية، متجاوزة كل ما سوف يلحق بها من أضرار سياسية وأخلاقية، وها قد تضررت في الاتجاهين، ولا تزال هذه الأضرار تتوسع وتتعمق، شعبيا ورسميا، في الداخل الأمريكي، وفي جميع بقاع المعمورة. عليه، ليس غريبا وقوف أمريكا والغرب مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، على الرغم من الرفض العالمي لهذه الجرائم. أصوات مسؤولي الغرب وأمريكا التي ترفض القصف العشوائي، وحماية المدنيين، وتطالب بهدن مستدامة، وليس وقفا لهذه الجريمة شاملا وكاملا، مع الانسحاب الكامل، وهناك فرق كبير وكبير جدا، بين الهدن الإنسانية المستدامة، والوقف الشامل والكامل، والانسحاب، أما مسؤولو المقاومة فأكدوا مؤخرا، أن لا تبادل للأسرى إلا بالوقف الشامل والكامل، والتبادل الكامل للأسرى والانسحاب.

الموقف الأمريكي والغربي يشكل دليل إدانة واضحا وصارخا لأصحابه؛ فهم لم يرفضوا، أو يدينوا المذابح رفضا تاما من الأساس، بل يرفضون الطريقة بالوصول إلى الهدف أي هدف تصفية المقاومة الفلسطينية ليس في غزة فقط، بل في كل الأرض الفلسطينية المحتلة في الخامس من يونيو عام 1967. وزير خارجية روسيا مؤخرا قال؛ يبدو أن الغرب لا يريد إقامة دولة فلسطينية. أقول، على ما يظهر من خلال الجريمة الإسرائيلية الجارية في غزة حتى الآن؛ إن الغرب لا يريد إقامة دولة فلسطين، بل الحقيقة هي أن الغرب وعلى رأسه الإمبريالي الاستعماري، أمريكا؛ ليس في أجندته الخفية، سواء الآن أو قبل الآن بعقود؛ إقامة دولة فلسطينية على ما تبقى من أرض فلسطين، قبل يونيو 1967، بل كما قال نتنياهو؛ منزوعة السلاح والسلطة السياسية، أي حكما ذاتيا ملمعا باسم دولة.. وحسب مراقبين لما يجري في غزة من عدوان اسرائيلي؛ أن هناك مساعي أمريكية وغربية وعربية؛ لعقد مؤتمر للسلام؛ تتم فيه مناقشة حل الدولتين. مستشار الأمن القومي الأمريكي، زار مؤخرا، تل أبيب ورام الله؛ والتقى خلالهما بمسؤولين إسرائيليين، وعلى رأسهم في تل أبيب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، وفي رام التقى بمحمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية؛ حسب التسريبات الإعلامية؛ تمت في اللقاءين مناقشة الأوضاع في غزة بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية عليها. رئيس السلطة الفلسطينية؛ أبلغ مستشار الأمن القومي الأمريكي؛ أن السلطة الفلسطينية تعتبر الضفة الغربية والقطاع والقدس؛ أرضا لدولة فلسطينية واحدة، غير قابلة للتجزيء. أما في تل أبيب، وبعد مغادرة المسؤول الأمريكي؛ فقد صرح المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي؛ بأن الحرب في القطاع (الإبادة) على مراحل، وها قد دخلنا في المرحلة الثالثة؛ وسوف تكون الحرب أقل وطأة وعنفا في المراحل اللاحقة، لكنها وفي جميع الأحوال سوف تستمر حتى تحقيق كامل أهدافها. هذا التصريح يعني؛ أن الهدنة المستدامة، مجزءة، أو متواصلة، من المحتمل جدا، إن لم أقل سوف تتم ليس في الأيام القليلة المقبلة، بل أكثر من حساب الأيام قليلا. عزام الأحمد وفي تزامن مع هذه التحركات والتصريحات التي نتجت عنها؛ قال؛ إنه قد تلقى أمرا من محمود عباس للاتصال مع قادة المقاومة الفلسطينية، وقال مسؤولو البيت الأبيض؛ المهم والضروري، تجديد السلطة الفلسطينية.. حسين الشيخ القيادي في السلطة الفلسطينية، وفي منظمة فتح معا، قال مؤخرا، أو ملخص ما قال؛ إن منظمة فتح هي الممثل الوحيد لفلسطين، وإن المهمة الآن هي وقف الحرب، وإن المحاسبة سوف تأتي لاحقا، ومن المهم تجديد السلطة الفلسطينية.

في رأيي وباختصار، ومن خلال كل هذا، أولا أن هناك طبخة ما، لما بعد المجازر الصهيونية. وثانيا أن الحرب أو الأصح الجريمة الصهيونية في غزة سوف تأخذ منحى آخر مختلفا، أي تسكين القتال، إنما سيظل جيش الاحتلال الاسرائيلي في القطاع لخنق مدن غزة وشعبها. ثالثا أن المقاومة ستستمر في مقارعة هذا الغول الصهيوني المجرم. رابعا أن جيش الاحتلال الاسرائيلي سيحاول القيام باغتيالات في القطاع وخارجه، وربما في البعض من الدول.. خامسا وفي التوازي سوف يجري ضخ دماء الحياة في موضوع حل الدولتين.. سادسا أن القتال بين جيش الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، سوف يستمر إلى زمن ليس بالقصير. إن هذه العملية إذا ما تمت طبقا للإرادة الأمريكية والغربية والصهيونية، وغيرهم.. ستكون أولا طوق نجاة لجيش الاحتلال الإسرائيلي. ثانيا ستساعد دولة الكيان الصهيوني الاحتلالي الاستيطاني في تحقيق أهدافه الخفية، التي عجز عن تحقيقها بالصواريخ والمدافع. ثالثا ستساهم مساهمة فعالة؛ لزيادة مساحة منطقة الفراغ بين السلطة الفلسطينية والمقاومة الفلسطينية، سواء في القطاع او في الضفة الغربية. رابعا أن المقاومة الفلسطينية، سواء في القطاع، أو في الضفة الغربية ستتوسع وتتعمق في عقول ونفوس الشعب الفلسطيني، وعلى الأرض؛ لأنه سيكتشف، ليس لاحقا، بل في اللحظة التي تبدأ بها هذه الطبخة، أن اتفاقات أوسلو، التي مرّ عليها أكثر من ثلاثة عقود، كذبة، لم تطبق إسرائيل أيا من بنودها، بل على العكس تمادى نتنياهو ورفضها رفضا تاما.

***

مزهر جبر الساعدي

 

في المثقف اليوم