أقلام حرة

بديعة النعيمي: الحرب على غزة (74): عاما ولا زالت طور التكوين

لطالما كانت دولة الاحتلال النموذج الأمثل في قائمة الشذوذ كدولة غير مكتملة الأركان. فبالرغم من مرور ٧٦ عاما على قيامها إلا أنها ما زالت طور التكوين. فهي الدولة الوحيدة التي لم توضع لها حدود نهائية إلى اليوم. فكم من الحروب خاضت كانت تعبيرا صادقا لأطماعها في توسيع حدودها. ولا زالت تخوض لنفس الهدف.

وليس أدل على ذلك من نظرية موشيه ديان القائلة "شرم الشيخ بدون سلام أفضل من سلام بدون شرم الشيخ".

ومقولة ديفيد بن غوريون "وصمة عار" عدم احتلال جبل الخليل في حرب ٤٨. حيث أرسلا وقتها من خلال هاتين المقولتين برسالة إلى الأجيال القادمة من أجل الاستمرارية في الحرب بهدف التوسع وكسب المزيد من الأرض.

وقد توسعت بالفعل. غير أن الأرض التي استولت عليها يسكنها شعب أصيل. فما الذي فعلته للتخلص من هذه المعضلة؟

لقد طردت الآلاف ثم حبست من ظل منهم داخل سجن تحت حكمها العسكري البغيض. فضمت وقمعت ونسفت البيوت واعتقلت وقتلت، فأية دولة هذه؟

إنها الدولة المشوهة الشاذة التي لم تكتمل ولن تكتمل أبدا.

وكيف لها أن تكتمل وقادتها منذ قيامها لم يكتملوا ولم يكونوا يوما ناضجين ، فجنون العظمة والقوة أعمتهم وحجبت تفكيرهم.

فمن بن غوريون الذي تم تهميشه لولا ورثته الذين حولوه إلى رمز، إلى مناحيم بيغن الذي خرج من حرب لبنان ٨٢ منزويا بنفسه بعد فشله هناك، إلى ليفي أشكول وحربه في ٦٧ بجيشه الهجومي والاستيطاني وما افرزه من حركات استيطان أشهرها ما تسمى "أرض إسرائيل الكاملة" من حزب العمل العلماني وحركة "غوش إيمونيوم" المتطرفة دينيا.

ثم غولدا مائير التي اتُهمت بالتقصير في حرب ٧٣ وصولا إلى بنيامين نتنياهو من اليمين المتطرف ونظريته "الأرض كلها" والسعي خلف تطهير الأرض. وأي عملية تطهير لا تتم إلا بالترحيل الإجباري والإبادة وهذا يعني الحرب ولا غيرها.

غير أن جميع الحروب التي خاضتها دولة الاحتلال لم تنتهي بترحيل شامل ولا تطهير عرقي ، لذلك فهي بعد كل حرب لا تنتصر ، والسبب صمود الفلسطيني. لكن هل اعترفت هذه الدولة بأنها هُزمت؟ طبعا لا، والجواب بسيط لأنها دولة تفتقر إلى النضج والتفكير السليم والتقييم الصحيح.

فالفلسطينيون يتكاثرون ويحتفظون بذاكرتهم التي تحفظ أماكن قراهم ومدنهم برغم تدميرها ومحوها وعبرنتها.

واليوم جاءت الحرب على غزة بعد عملية طوفان الأقصى حرب غير مخطط لها. فبنيامين نتنياهو ظن أنها لن تستمر أكثر من أسابيع ، يكون خلالها قد أنهى المقاومة الفلسطينية ونجح في قتل وطرد أكثر من مليوني شخص من سكان قطاع غزة، لكن ظنونه خابت وجيشه منهار ودولته تلفظ أنفاسها الأخيرة. بالرغم من مئات المجازر التي ارتُكبت ويعتبرها نتنياهو انتصارا إلا أن الحقيقة أن ما أنجزته دولة الاحتلال في غزة لا يعتبر انتصار ، والسبب أنهم لم يستطيعوا النيل من عزيمة أهل غزة ومقاومتها. فها هي الحرب تدخل شهرها السادس ويدخل خلالها شهر رمضان المبارك على القطاع وسط القتل والدمار وسياسية التجويع ، غير أنه ما زال صامدا أمام هذا العدوان. فاحتفل بالشهر الفضيل واستقبله بتزيين الخيم وصامت الأجساد الصائمة بالأصل إلا من الماء والإيمان سحورا وفطورا. فهل يُهزم شعب كهذا؟ وهل كانت دولة الاحتلال ستبقى لولا دعم الولايات المتحدة الأمريكية لها والوقوف خلفها؟ وهل سيطول هذا الوقوف قبل أن تتعب الأقدام وترتمي مخلفة نتنياهو ودولته التي لم تكتمل ولن تكتمل يوما ، تصارع البقاء الذي بات واهنا وبعيدا. فأنى لدولة قادتها لم ينضجوا أن تنضج يوما أو يكتمل تكوينها.

***

بديعة النعيمي

في المثقف اليوم