أقلام حرة

علي علي: حذارِ حذارِ!

"حتى أنت يابروتس!"

من الطعنات التي تم تصنيفها كأبشع طعنة في التاريخ، هي طعنة (بروتس) في حادثة اغتيال القيصر يوليوس، وقد حدثت لحظة اغتيال يوليوس قيصر إمبراطور روما، وكانت لحظة عصيبة حين خانه كل من وثق بهم يومًا، واجتمعوا واتفقوا جميعا عليه، وانهالوا عليه بالطعنات، وهو مازال واقفا لم يسقط رغم كل الطعنات التي تلقاها، حتى رأى صديق عمره بروتس، نظر يوليوس نحو صديقه وهو متخبط بدمائه، وفي عينيه التمعت نظرة رجاء وارتياح، واعتقد أن صديق عمره جاء لينقذه، وضع يده على كتفه ينتظر منه العون، إلا أن بروتس محق آماله كلها، إذ قام هو الآخر بطعنه، هنا قال يوليوس قيصر جملته الشهيرة وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة (حتى أنت يا بروتس إذن فليمت قيصر) وسقط قيصر ميتا. لقد كانت طعنة بروتس هي الطعنة القاتلة، بخلاف كل الطعنات الأخرى، لم يطعنه في جسده وإنما في شخصه، في إرادته، في آماله، هنا فقط سقط قيصر، راضيا بالسقوط معلنا انهزامه.

هنا سؤال يطرح نفسه بإلحاح، كم من بروتس يجول حولنا، له اليد الطولى في الإضرار بنا حد النفي والقتل، وهو ممن كنا نُحسن به الظن؟ وهل ما فعله بروتس يعكس سموًا أخلاقيا وشيمة حسنة أم العكس؟ وإن تمكنا من الإجابة عن هذا التساؤل، أنتخذ منه موعظة وعبرة لقادم الأيام؟ فنتعامل وفقها مع أناس يتقمصون شخصية بروتس، ويتلبسون موقفه مع قيصر بكل فخر وتباهٍ وتبجح.

من المؤكد أن أشخاصا مثل بروتس متواجدون على نطاق واسع، لاسيما في الأوساط التي تكثر فيها أدوار الرأس والمرؤوس، والراعي والرعية، وضررهم لا يكمن بفعلهم مع الرأس فحسب، بل هو يمس المرؤوسين في الصميم أيضا، إذ لا حول بيد الأخيرين ولا قوة غير الرأس -بعد الله طبعا- وهذا ما نراه في أحداث سردتها لنا أسفار التاريخ، فكم من حزب تقطعت أوصال هيكله بزوال الرأس الحاكم فيه! وكم من مجموعة تشرذم أفرادها فصارت ضعيفة مستباحة، حتى آل بها المآل إلى الزوال!

ولو أردت الإطناب في حديثي عن الموعظة الواجب اتخاذها من تجارب السابقين، لتطلب الأمر مني صفحات بل مجلدات لوصفها، وتبيان دورها في تجنب الضرر، واستباق الحلول قبل الوقوع في المأزق، وما أكثر المآزق التي يمر بها بلدنا العراق اليوم، فضلا عن تلك التي كان يُحشر في أتّونها المواطن حشرا، إبّان حكم الدكتاتور بنظامه البعثي الدموي.

ومادامت أطراف الحديث قد تجاذبت مآزق بلدنا اليوم، أرى في مثلنا الدارج (اتحزّم للواوي بحزام سبع) خير ناصح ومذكِّر ومحذّر، للرأس والحاكم والقائد والمسؤول على حد سواء، وألفت الانتباه هنا إلى سبل الخلاص التي أشار إليها المثل، حيث لم يفته وضع خارطة طريق، وتنسيق جدول أعمال، ورسم خطى تضمن السلامة، وتحديد الأولويات في ردود الأفعال، لتفادي أي تهديد داخلي أو خارجي، يمس الجميع ويؤثر بهم وعليهم سلبا، بدرجات قد تفوق التصورات والحسابات في أضرارها، من أشخاص لا تؤتمن جوانبهم، وإن أبدوا جميل التعامل، وأظهروا حسن النيات، وأرَوا حلاوة من أطراف ألسنتهم، فيما هم يروغون روغان الثعلب، وأبدَوا لين الملمس، وهم يضمرون في أنيابهم شر منقلَب، فحذارِ حذارِ من هؤلاء يا أرباب الحكم في بلدنا.

"عندما أصابت الرصاصة قلبي لم أمت، لكنني مت لما رأيت مُطلقها". جبران خليل جبران

***

علي علي

 

في المثقف اليوم