أقلام حرة
نهاد الحديثي: المشاهير.. نحن من نرفعهم إلى القمة

صناعة المشاهير الحمقى؛ ظاهرة يعاني منها الغرب ومجتمعاتنا العربية بشكل متزايد وبمعدل يدعو للقلق، فبتنا نصنع من حمقى مجتمعاتنا مشاهير ونجوم نحتفي بحماقاتهم، تفاقمت هذه المشكلة مع تطور واستحداث مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي، مما فتح الباب على مصراعيه لفارغي وفقيري المحتوى والمغزى للوصول الى أعلى قمم الشهرة، لا أعتقد أننا نختلف في حب الشهرة على اختلاف صورها لدى البعض؛ فمنهم من يشتهر لعلمه وأخر لكرمه والبعض لموهبته والقليل من يشتهر لاختراعاته، بيد أنهم اجتمعوا على توظيف شهرتهم لإفادة غيرهم. فكانوا مثال لقولٍ جميل "الشهرة وسيلة وليست غاية". أما المشاهير الحمقى فغايتهم هي الشهرة وأي وسيلة تحقق لهم ذلك يتّبعونها مهما كلّف الأمر فليس من الضروري أن يملكوا موهبة أو علم أو اختراع أو حتى فائدة عامة قد يُستفاد منها
صدقوا أو لا تصدقوا.. نحن من صنعناهم
وسائل التواصل ساعدت على إبراز هؤلاء التافهين لكنا نحن من صنعناهم وجعلنا لهم قيمة وقدرا من خلال متابعتنا لهم وليومياتهم ومقاطعهم التي لا تقدم أي فائدة أخلاقية أو دينية أو ثقافية!،، وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها، هي وسيلة هؤلاء في البحث عن الشهرة وتحقيق النجومية والثراء السريع من خلال أساليبهم القائمة على الاستخفاف بالعقول، وكلما ازداد عدد المتابعين ازدادت تفاهتهم ليجتذبوا المزيد والمزيد حتى تصل أرقام المتابعة لمئات الآلاف وربما الملايين. وهنا تبدأ نجوميتهم في السطوع فتنهال عليهم طلبات الاستضافة في المهرجانات والحفلات ليضمن القائمون عليها اجتذاب الزوار وتحقيق الأرباح المادية المرتفعة، كما تبدأ بالتهافت عليهم طلبات الإعلانات عن المنتجات وتسويقها بأسعار خيالية، وفي خضم كل هذا سيترسخ في أذهان أجيالنا من الشباب والمراهقين المتابعين لهم أن تحقيق الأهداف والشهرة والنجومية والثراء يكون عن هذا الطريق الذي سلكه مثل هؤلاء الأغبياء-- وهنا تكمن الكارثة الأخلاقية وهو في جعل التفاهة صناعة،،واعتياد الأجيال على التفاهة التي يصنعها هؤلاء سيسهم في إدارة عقول الشباب نحو تحقيق "الأنا" بعيدا عن أي نفع مجتمعي أو إنساني وستدفعهم نحو تحقيق الشهرة بأي وسيلة غير عابئين بالأعراف والتقاليد والأخلاق
لقد أصبحت الشهرة معيارًا مستقلًا للنجاح، لا يشترط معها أي إنجاز حقيقي أو قيمة مضافة؛ فمجرد الظهور المتكرر، أو إثارة الجدل، أو ركوب موجة (الترند)، قد يجعل من الشخص قدوة أو مرجعًا شعبيًا، حتى لو خالف المنطق، أو أهان الذوق العام، أو أسهم في ترسيخ الرداءة كسلوك مقبول ومُحتفى به،، والحقيقة التي نتجاهلها أننا نحن من نصنع هؤلاء المشاهير الفارغين بمتابعتنا لهم، وإعطائهم من وقتنا وانتباهنا ما لا يستحقون.. إن كل مشاهدة، وكل تفاعل، وكل مشاركة تسهم في تضخيم صورتهم وإبرازهم كنجوم، حتى وإن كانوا مجرد واجهات خالية من المعنى، فنحن من نرفعهم إلى القمة، ثم نتذمر من تفاهة القمة، دون أن نراجع دورنا في صناعتها
المحتوى الهابط – وباء تفشى في المجتمع، ربما من اسبابه انعدام وسائل الترفيه في مجتمعاتنا للشباب بوجه خاص على اختلاف طبيعته، وهو تضليل واستخفاف بعقول الشباب والاطفال، فلا اريد ان اتابع امرأة متخلفة لمجرد انها تملك ذوق رفيع في انتقاء ملابسها، تقلد حياة الاغنياء بالترف والسيارات الفارهة، نحن امة ماخلقنا لهذا ولم نخلق لنعيش بالظلام، ليس هذا طموحنا وهدفنا بالحياة – يجب ان نؤمن أننا نحن من نصنع من أنفسنا مذنبين في جريمة ضياعنا وضلالنا من جهة وفي جريمة صناعة مشاهير حمقى،، هذه الظاهرة في نظري هي وباء اجتماعي قاتل، ينتشر كالسرطان في الجسد، لا يُشعر به أحد؛ بحثت في أسبابه، فإن عرف السبب بطل العجب. البعض أعزى هذه الظاهرة لاختلال العدالة وتكافؤ الفرص في مجتمعاتنا العربية وأحيانا انعدامها، فصاحب الموهبة والعلم والفائدة لا يملك منبراً أو من يدعمه، وصاحب "اللاشيء" يُدعَم ويُحفّز ويُشَجّع لكونه محظوظ بمعارفه من الأشخاص ذوي النفوذ
دعونا نقول بلسان واحد///" ابدأ من نفسك" توقف عن متابعة الحمقى و توقف عن مشاركة صورهم، توقف عن إبداء إعجابك بكل ما ينشروه - أنت وكيانك وعقلك ومستقبلك وعائلتك ومجتمعك أولى بما تنفقه من وقت ومال ودعم واقتداء بحمقى من دونك أنت لا يملكون شيء لنتوقف عن جعل الحمقى مشاهير
***
نهاد الحديثي