أقلام حرة

بديعة النعيمي: الحرب على غزة (52): إنسانية عارية

وسط الحصار، الموت، الجوع، البرد، تقف غزة اليوم أمام العالم عارية من أي متطلبات للحياة تواجه الآلة التدميرية لدولة لا تشبع من دماء ضحاياها ودول تحتضنها من الخلف تتناوب على مناولتها المبضع كلما قارب على فقدان قدرته على الذبح.

اليوم وقد دخلت الحرب على غزة شهرها الخامس، لن أسأل عن التدخل الإنساني الذي لا يوجد تعريف قانوني رسمي له، تدخل إنساني قاعدته الأساسية أن من حق الدول الخارجية في بعض الظروف التدخل لحماية أناس يقعون ضحايا في بلدان أخرى. غس أن في غزة الأمر مختلف فليس هناك ضحايا تقع إنما هناك إبادة حقيقية ولا وجود لأي تدخل إنساني.

وفي حين نجد أن حقوق السكان المدنيين تفوق وزنا أية اعتبارات أخرى نجدها في غزة لا تساوي شيئاً فلا حقوق ولا وزن. فحتى التدخلات الإنسانية من طرف الأمم المتحدة ومنظمات الغوث الإنسانية ملغية عندما يتعلق بغزة. وهذا حال هذه المؤسسات التي قائدها الولايات المتحدة الأمريكية التي تريد الموت لغزة. فهذه الولايات هي رأس الشيطان بلا منازع. أليست هي من وضعت ثلاثة نماذج من التدخلات في الشؤون الداخلية بعد انتهاء الحرب الباردة من ضمنها" تدخل الولايات المتحدة الأمريكية المدعوم بشرعية الأمم المتحدة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول تحت غطاء حماية حقوق الإنسان وإرساء الديمقراطية أو أن الوضع الإنساني في هذه الدول يهدد السلم والأمن الدوليين ويتم ذلك عن طريق التدخل العسكري" فأين هي اليوم من هذا النموذج وهي القادرة على إيقاف الحرب على غزة بكبسة زر؟ أم أنها تلجأ لهذا النموذج فقط تحت واجهة التدخل الإنساني لتدمير الدول التي لا تنتهج طريقها، مثلما حصل في العراق وغيرها؟.

واليوم غزة خُذلت بكل ما تحمل الكلمة من ألم، خُذلت من إخوة يسيطر عليها رأس الشيطان لصالح حليفتهم المدللة"دولة الاحتلال "، فصمتوا وتغاضوا عن دماء أهلها وجوعهم وصراخ أطفالها ونسائها. غزة اليوم لا تبكي القصف والدمار والفقدان والتشرد، لا تبك برودة الخيم البلاستيكية ولا أكفان الموت. غزة اليوم تبك تآمر الأخوة..غزة المعزولة التي تحدق بعينيها فيتراءى لها الجسر البري الذي يمر من عقر دارهم يحمل المساعدات الإنسانية لدولة الظلم وهي التي تقف خلفها دول عظمى ولن تشكو الجوع والبرد ومرارة الموت يوما. غزة اليوم تتألم بقلبها، فكيف يكون التدخل الإنساني لصالح عدو سينقضّ بأنيابه يوما على الأخوة فيكونوا ذلك الثور الأبيض.

***

بديعة النعيمي

في المثقف اليوم