الرئيسية
رمبرانت: ملك المثابرة وساحر الضوء .. لمحات مضيئة من تاريخ الفن (53)
(مهداة للصديق الفاضل البروفسور عدنان الظاهر)
ولد فان راين رمبرانت Van Rijn Rembrandt عام 1606 في مدينة لايدن الهولندية الواقعة على نهر الراين بين امستردام ودنهاخ، لعائلة متواضعة الحال يعيلها والده الذي كان يعمل في مطاحن المنطقة.
درس في مدارس المدينة ودخل جامعة لايدن لكنه لم يكمل الدراسة فيها بل فضل ان يتتلمذ على ايدي رسامي المنطقة المحترفين.وهكذا بدأ العمل في استوديو الفنان ياكوب فان سواننبرخ Jacob Van Swanenbburch، ثم انتقل ليعمل مع الفنان بيترلاستمن Pieter Lastman الذي بقي معه الى ان افتتح استوديوه الخاص حين بلغ الثامنة عشرة عام 1624 والذي عمل فيه سبع سنوات لينتقل بعد ذلك الى امستردام عام 1631.
هناك تمكن رمبرانت من ان يتعرف على هندرك يولنبرخ Hendrick Uylenburgh متعهد المعارض والمبيعات فيعمل معه ويشاركه السكن، الامر الذي مكنه من التعرف بسرعة على ساسكيا Saskia ابنة عم يولنبرخ التي احبها وتزوجها عام 1634.
عاش رمبرانت مع ساسكيا راضيا سعيدا متمتعا بنجاح كبير فانجبت له اربعة اطفال خلال ست سنوات الا ان المأساة سرعان ماضربت العائلة السعيدة بقوة والتي تجسدت بفقدان ثلاثة من الاطفال، الواحد تلو الاخر، لينجو من هذا الموت المبكر طفلهما الرابع تايتس Titus.
وفي لجة الحزن اصيبت ساسكيا بالسل الذي لم يمهلها طويلا فتوفيت عام 1642 بعد سنة واحدة من ولادة تايتس، ولم يمر على زواجها من رمبرانت سوى ثمان سنوات! اضطر رمبرانت ان يجد مربية لابنه لكن هذه المرأة، وبعد فترة قصيرة، اقدمت على سرقة مجوهرات زوجته وقاضته في المحكمة مدعية انه حنث بوعده من زواجها فتمكنت من استلام نفقة شهرية منه بعد ان تركت عملها كمربية.
وجد رمبرانت نفسه باحثا مرة اخرى عن امرأة تساعده في تربية ابنه وادارة شؤون البيت فوجد المرأة الشابة الجميلة هنريكة ستوفل Hendrickje Stoffels التي احبها والتي انجبت له طفلة اسماها كورنيليا Corneliaعلى اسم اختيها اللتين توفيا بعمر مبكر. الا ان سوء الطالع لم يترك رمبرانت لينعم بالحياة حيث قامت الكنيسة باحالة هنريكة الى القضاء بتهمة الانجاب بدون زواج شرعي.
بعد ذلك توالت الازمات التي ابتدأت بأفول شعبيته وقلة موارده وتراكم ديونه ودخوله في ضائقة مالية لم تترك له متنفسا الا باعلان الافلاس عام 1656 والذي افقده بيته واجاز للمحكمة عرض كل ممتلكاته في المزاد من اجل تسديد الديون.
كما قام اتحاد الفنانين بمنعه من بيع وشراء اللوحات فاضطر ابنه تايتس وعشيقته هنريكة لفتح وكالة باسميهما عام 1660 من اجل ان يتمكن رمبرانت ان يعمل مستخدما لديهما.
لكن هنريكة لم تلبث ان تتوفى بعد ثلاث سنوات عام 1663 اعقبتها وفاة تايتس عام 1668 عن عمر 27 سنة، الامر الذي انذر بنهاية رمبرانت المحتومة والتي جاءت بعد اقل من سنة من وفاة ولده الذي اعتمد عليه طيلة سنوات المصاعب. وهكذا انتهت حياة هذا الفنان الفذ الحافلة بالمآسي والابداع، وهو الذي اعتبر فيما بعد اشهر فناني اوربا واعظم فنان هولندي خلال عصر هولندا الذهبي الذي امتد على طول القرن السابع عشر.
برع رمبرانت في رسم البورتريه والمشاهد المستوحاة من الميثولوجيا وقصص الانجيل. كما انه كان رائدا في دراسة مساقط الضوء وتوزيعه بحيث اصبحت طريقته في توزيع الضوء المدرسة النموذجية في هذا المجال لدى الرسامين والمصورين الفوتوغرافيين والسينمائيين ليومنا هذا.
يعتقد اغلب نقاد الفن ان رمبرانت اخذ اهتمامه بالضوء في اللوحة من استاذه الاول الفنان سواننبرخ الذي اشتهر برسم مشاهد الجحيم والعالم السفلي فكان نابغا في تصوير النار وماتخلفه من ظل ونور على ماحولها. كما ان اهتمام رمبرانت بالموضوعات الدينية جاء من تأثره باستاذه الثاني الفنان لاستمن الذي اشتهر بتصوير المشاهد التاريخية البانورامية.
مصدق الحبيب