حوارات عامة

حوار بين رؤيتين: محاولة للتعرف على عوالم صائب خليل الراوي

فهو أذا علماني صريح.. ويساري لاينكر ماركسيته.. وعراقي مهموم بشؤون شعبه..

 الا ان إشكاليته تأتي من هجومه الصاعق الماحق على القائمة العلمانية الوحيدة الفائزة في بلده العراق (العراقية)..  دون ان ننكر قائمة وحدة العراق التي لم تحقق نتيجة حاسمة ولا قائمة أتحاد الشعب التي منيت بخسارة فادحة لم يسبق لها مثيل ولا حتى في أشد ايام العراق حلكة اعني بها ايام الحكومات الدكتاتورية.. ومن بديهيات السياسة ان اليساري في حالة خسارته يكون الاقرب الى القائمة التي تقف قريبة منه لكن الاستاذ صائب خليل يفاجئنا بتعاطفه مع التيار الصدري وهو تيار ديني على اية حال رغم تأريخه الوطني والنضالي المعروف..ويبذل جهده لتقديم نصحه وخبرته في النضال لهذا التيار..

 من هنا رغبنا في التعرف أكثر على عوالم صائب خليل وأقترحنا هذا الحوار معه..

 

 ــــــ مابين مقولة ميكافيلي (الغاية تبرر الوسيلة) ومقولة كارل ماركس (شرف الغاية من شرف الوسيلة) بون شاسع.. وأنت بلا شك تميل الى مقولة ماركس..  فمن تراه (في عالم اليوم) ومن وجهة نظر واقعية وموضوعية أكثر راهنية.. ماركس أم ميكافلي؟؟

- شكرا لك، أنا أميل أولاً إلى التأكد من أننا، نفهم الكلمات بنفس المعنى، فما المقصود بـ "راهنية"؟ إن كان القصد ما هو المسيطر في هذه اللحظة، فسأقول هناك ميل للميكافللية، مع وجود صراع مستمر بلا شك، وإن كان القصد، أيهما "الصحيح" في هذه اللحظة، فلا أتصور أن هناك أي تردد في القول بأن "شرف الغاية من شرف الوسيلة" هي الشيء الصحيح، إن قصدنا بالصحيح، ما يؤدي إلى خير المجتمع. لكن طبعاً هناك "صحيح" آخر لدى اللصوص، وهو ما يؤدي إلى خير اللصوص، وعندها تكسب الميكافيللية والبراغماتية، وهي نوع من الميكافللية، الأفضلية.

 

ــــــ نراك تبذل جهدا حثيثا لتسويد صفحة الاستاذ اياد علاوي وتصر على تبعيثه وهو قد اعلن خروجه من البعث.. بل ناضل الى درجة تعرضه للموت مرارا بسبب مناوئته للبعث ولصدام حسين؟؟.. بل ان هجومك انتقل الى مجمل ممثلي العراقية على تباين بعض رموزها..

- في تقديري أن من بذل الجهد الحقيقي لتسويد صفحة الأستاذ أياد علاوي هو أياد علاوي نفسه. أما ما أقوم به فهو لا يتعدى مساعدته في هذا الجهد، من خلال كشف كل ما قام به لتسويد صفحته. لذا أصف ما قمت به بكشف سواد موجود أصلاً، ويتزايد في كل يوم.

أنا لا أصر على تبعيث أياد علاوي، لكني لا أكاد أسمعه يتحدث عن شيء سوى أهمية إعادة رجال الأمن البعثيين إلى "وظائفهم" وما زال لا يكرر سوى هذه النغمة، ويبدو أنه لا يستطيع أن يقاومها ويؤجلها لأنه قبل أيام كان يتحدث عن ضرورة إعادة هيكلة الجهاز الأمني، وليس لدي أي شك بأنه يقصد إدخال المزيد من رجال أمن صدام حسين إليه.

أما عن خلافه مع صدام فلا أحد يعرف حسب علمي بأي شيء بالضبط كان الخلاف، وهل هو خلاف مبادئ أم خلاف رجلي مافيا على الحصص، وهو نفسه لم يقل أي شيء عن الموضوع. وأنا أفترض أنه خلاف حصص، لأن أياد علاوي كان من جلاوزة منظمة حنين المعروفة بالإغتيالات وكان من الأشقياء الذين يحملون مسدساتهم بافتخار في الجامعة بشهادة العديدين. يمكن بالطبع أن يتغير المرء ويندم على ما فعل، ولكن حسب ما قال أياد علاوي فهو ليس آسف على أي شيء قام به في الماضي، ولو عاد الزمن لقام بنفس الأعمال. لو كان يشعر بالخجل من بعض تلك الأعمال لما خطر بباله أن يقول تلك الجملة التي ظهرت في أحد الأفلام الإعلانية لحملته الإنتخابية، بل لاعتذر للشعب منحيناً أسفاً على دوره في البعث، حتى لو لم يكن قد أرتكب جريمة قتل بيده، وهو احتمال أجده صعب التصديق لمن وصل إلى مكانته في منظمة حنين، ويفخر بحمل مسدسه في الجامعة ويضعه أمامه على الرحلة. وبالفعل أورد صحفيون غربيون محترمون حادثة قالوا أن علاوي قتل فيها ستة متهمين بالإرهاب في العامرية بعد الإحتلال، ولم تجر محاكمة نظامية له، ولا في تهم أخرى مثل دوره في قضية الزركة.

كل هذه مؤشرات خطيرة على أن أياد لا يريد أن يغير دوره المخجل في البعث، ولو أراد، لأبتعد عن كل ما يذكره ويذكر الناس بذلك الماضي، ولجأ إلى محاولة الحصول على مناصب خدمية. ولو دافع عن البعثيين فسيهتم بذوي الوظائف المدنية وليس الأمن. لكنه يفعل العكس بالضبط ، فهل يحتاج من يتصرف بهذه الطريقة إلى من يسود صفحته؟ كثيراً ما يتحدث علاوي عن البعثيين الذين لم تلطخ يدهم بدماء المواطنين، لكني أجده لا يهتم إلا بمن هناك احتمال كبير لتلطخ يده بالدماء، وأني أتساءل إن كان هو ليس منهم.

لذلك فـ "التبعيث" إن كان موجوداً، لا يعدّ إهانة لعلاوي، فهو في رأيي من الجزء الأسفل من البعثيين، أي أنه أسوأ من "البعثي المتوسط"، إنه من "بعثثي الأمن"، من "الدرك الأسفل من البعث" وليس بعثيي الثقافة، وإلا فاخبرني أين مؤلفاته أو كتاباته خلال كل هذه السنين عن القومية والإشتراكية مثلاً؟ أين يمكنك أن تبين لي إهتمام أياد علاوي بمبادئ حزب البعث عندما كان حزباً؟ أنا بالمقابل أستطيع أن أعطيك عشرات الأمثلة على اهتمامات أياد بالجزء الإرهابي للحزب، الإهتمامات الأمنية التي لا يبدو أنه يعرف غيرها حتى اليوم.

أما بالنسبة للباقين في القائمة، فمن الطبيعي أن من يعرف كل هذه الحقائق، وحقائق أخرى كثيرة، ويصر على دعم ومشاركة الرجل في قائمته، فأنه يتعرض لرذاذ السمعة السيئة المتطايرة منه، إضافة إلى أنهم بشكل عام يستعملون نفس الأساليب البعثية في التهديد والكذب والإرهاب للحصول على أهدافهم، كما أن حماس الأمريكان لهم وحده مثير للقلق الشديد. أن من خشي على سمعته من تصرفات علاوي خرج من المجموعة بالفعل.

 

ـــــــ لكن علاوي كرجل سياسة.. وكرجل لبرالي لايمكنه  فرض رؤيته بشطب حرية المعتقد بما فيها حرية الناس ان يكونوا قوميين عروبين او حتى بعثيين غير صداميين..  كحزب البعث اليساري المتاخي مع بعث سوريا؟؟

- علاوي ليس لبرالياً إلا بمعنى تسليم ثروات البلد واقتصاده للشركات الأجنبية، تسليم الثروات للصوص لا يحتاج إلى لبرالية أو أي تنظير آخر، إنه عمل عصابات وحسب وأنا أشك بأن أياد يعرف أي شيء عن تاريخ الليبرالية واهدافها الإنسانية الأصلية والتي تتناقض تماماً مع الأهداف التي وضعت لها اليوم. اللبرالية هدفت إلى تحرير الإنسان من السلطة المتحكمة في عمله، وكانت سلطة الدولة في حينها، ليكون أكثر حرية في القيام بما يجد نفسه فيه، أما ليبرالية اليوم فلا تهدف من التخلص من سلطة الدولة إلا من أجل تسليم هذا الإنسان إلى رحمة سلطة أعتى كثيراً، سلطة الشركات الربحية.

عندما أتحدث عن حزب البعث فأني أقصد دائماً حزب البعث العراقي، منذ استلام صدام السلطة، واغتياله رفاقه القادرين أن يقولوا له "لا"، تحول البعث العراقي إلى عصابة مافيا شغلها الوحيد إرهاب الناس وحماية رئيس العصابة. لم يعد هناك حزب ولم يعد أحد في هذا الحزب أو العصابة يتحدث عن أي من أهداف البعث، فمتى سمعت لآخر مرة بعثي يتحدث عن الوحدة أو الإشتراكية، دع عنك "الحرية"؟ كيف يكون حزباً وليس له حديث سوى عن "فدائيي صدام" وأمثالها من التجمعات الإجرامية؟

ليس عندي أي إشكال في القومية، بشكلها غير المتطرف، بل أن العرب بحاجة ماسة إلى إستعادة الكرامة القومية، لكن كما قلت لك فأن البعث العراقي لم تعد له علاقة بالقومية، ولم يضر القومية العربية وأهداف القومية حزب أو جهة بقدر ما أضرت بها عصابة - بعث العراق.

في البعث الكثير من الشرفاء فعلاً وأنا أعرف شخصياً العديد منهم، وأكثر شخصين نقاءاً وصدقاً وأمانة من ضمن معارفي كانا بعثيين! لكن أياد علاوي ليس من هذه الفئة من البعثيين ولا يبحث عنهم ولا يحترمهم ولا يحترموه. إنه من فئة رجال الأمن البعثي، قلباً وقالباً وهذا هو سر إصرار الأمريكان عليه. إنهم يرون أن سيطرة علاوي على الأمن، من خلال تنصيبه كرئيس وزراء أو وزير داخليه، يكفل لجم الديمقراطية في العراق إن أرادت أن تصدق نفسها مستقبلاً وتتصرف بإرادة الشعب. إنهم لنفس السبب لم يرسلو للعراق سفراء يفهمون في بناء البلدان بل في إنشاء شبكات الإرهاب، وأولهم كان جون نكروبونتي، أول سفير أمريكي في العراق، وكان مسؤولاً عن تنظيم الإرهاب المدعوم من أميركا في دول أميركا الوسطى والجنوبية من خلال سفارته في هندوراس في الثمانينات، أيام حكم ريكان الرهيب. لقد أسسوا مدرسة "الأمريكتين" حينها لتخريج رجال العصابات لتحكم تلك المنطقة، وبالفعل حدث ذلك واحتج عليه السناتور المرحوم أدوارد كندي، قائلاً أن جميع حثالات السياسة في أميركا الوسطى والجنوبية هم من خريجي هذه المدرسة.

من نفس هذا المنطلق يريدون أن يحكم مثل أياد علاوي العراق. لا يغرنك الكلام المرتب، ولا تنس أن صدام كان ايضاً لطيفاً نسبياً يوماً ما، وأعتبره الشيوعيون كاسترو العرب. علاوي ليس سوى "صدام فاشل" حتى الآن.

 

ــــــ نراك اكثر قربا من الصدريين.. وانت اليساري الماركسي.. هل ترى أمكانية لاقامة  علاقات جبهوية بين اليساريين والصدريين دون التفكير بابتلاع احدهما الاخر تنظيميا وجماهيرية..

- الصدريين، في البرلمان على الأقل، هم أنقى كتلة كبيرة في السياسة العراقية في تقديري. جميع مواقفهم البرلمانية واضحة وسليمة ومفهومة، بل رائعة، ولا أذكر مرة لهم موقفاً لم يكن كذلك من وجهة النظر الوطنية واليسارية. كانوا من وقف ضد بيع ثروة العراق النفطية ووقفوا وقفتهم المشهودة ضد المعاهدة الأمريكية، وهم من عطلوا مشروع إقليم الجنوب، ذلك المشروع "البايدني" المدمر الذي أراد عمار الحكيم، وبتشجيع مثير للغضب من الساسة الكرد، تقسيم العراق ليتاح له الإستيلاء بحرية أكبر على ثروته كما يستولي قياديوا كردستان على ثروات شعبهم. والصدريين كانوا دائماً من يقف بوجه المخالفات البرلمانية فيفضحون القرارات التي تصدر بشكل غير دستوري ويعترضون على تمديد حالة الطوارئ بلا موافقة البرلمان... الكثير جداً من الأمور الخطيرة كان الصدريون يتحملون وحدهم وزر كشفها ومواجهتها في الوقت الذي كان الصمت يسود الآخرين بشكل تام. فهل تجد هذا أقرب إلى اليسار وأخلاق اليسار، ام أقرب إليه من يتحدث عن ضرورة خصخصة النفط وإعادة العراق للفصل السابع وتمديد بقاء القوات الأمريكية والتهديد بالحرب الأهلية، مشفوعة بكم كبير من الصلافة؟ وأيهما أقرب إلى "القوى الديمقراطية"، من يبتكر الإستفتاءات الشعبية ويشرك بها الناس من خارج التيار، ويلتزم بها، أم من يهرب منه رفاقه لأنه يتصرف معهم بدكتاتورية ويديرهم بواسطة التلفون من خارج البلاد؟

 

هذا بالنسبة لمواقف الصدريين البرلمانية، أما بالنسبة للمواقف العامة فهم الجناح الذي يقف مع الفقراء في الطيف السياسي الشيعي، ووقفوا بوجه الطائفية وقد يكون لهم الفضل الأكبر في تجاوز العراق للحرب الأهلية، فهل هذه أشياء لا تستحق التقدير؟ كذلك أثار الصدريون الإعجاب بابتكاراتهم الديمقراطية التي كنا نتوقع أن تكون الأحزاب العلمانية الأسرع مبادرة إليها. وأيضاً لا أحد يستطيع كالصدريين أن يثير ناخبيه ويسير التظاهرات الشعبية، وهي مسألة في غاية الأهمية في البلدان الديمقراطية، والتي تريد أن تحافظ على ديمقراطيتها.

لكن الصدريين فشلوا بشكل كبير في إقناع الناس بجيش المهدي، الذي كان مكروها لدى مجاميع كبيرة من الشعب العراقي، ولم يتمكنوا من استئصال الجهات المخربة فيه. كذلك كان من بين قواعدهم من يتحرك بطائفية شديدة وخطرة، وفشلوا في معالجة ذلك. وعلى الصدريين في تقديري أن يقرروا مبدأ عدم التدخل في شؤون الآخرين وحياتهم، فهذه القضية حساسة وحاسمة ولا يمكن أن يكونوا محبوبين من الناس ما لم يعالجوها. عليهم أن يدركوا قبل فوات الأوان أن لهم أدواراً تتجاوز كثيراً مراقبة الملبس والمأكل والمشرب، فهناك كوارث دفعت بالنساء إلى العهر والرجال إلى اللصوصية أو الجوع، وعليهم التركيز عليها. لو تمكنوا من التعامل مع هذه النقاط لكان لهم شأن آخر، ولكانوا اليوم كتلة تستطيع أن تشكل لوحدها حكومة أغلبية.

هل يمكن إقامة علاقات جبهوية مع اليسار؟ إنه ليوم سعيد فعلاً أن تتمكن هاتين الجهتين المتقاربتين في أمور أساسية للغاية بالنسبة لمستقبل البلاد، من العمل معاً فيما يتطابق من أهدافهما الموجهة للدفاع عن الطبقات الفقيرة ومقاومة اندفاع نهب ثروات البلاد ووضع أسس للحد الأدنى المعيشي للإنسان العراقي، ولا أرى خطراً من إبتلاع أحدهما للآخر، بل يمكنهما أن يتعلما من بعضهما البعض الكثير جداً ويكملا بعضهما بشكل رائع ويثيرا الحماس الشعبي والأمل من جديد. ألوم اليسار كثيراً على عدم مساندته للصدريين عندما يتخذون موقفاً وطنياً أو مسانداً للفقراء أو حريصاً على دستورية القرارات أو دفاعاً عن النفط، لتكون تلك المساندة، نواة ونقطة انطلاق من أجل مثل هذا التحالف، ومثل هذا التحالف سيكون مفيداً للطرفين، على العكس من تحالف الصدريين الحالي مع المجلس الأعلى، وتحالف الشيوعيين السابق مع أياد علاوي، والذي أضر اليسار والصدريين في تقديري.

 

ــــــ هلا حدثتنا قليلا عن الحزب الاشتراكي الهولندي.. برنامجه.. جماهيريته.. نسبة الاصوات التي حصل عليها في اخر انتخابات..

- تعرفت على الحزب الإشتراكي الهولندي منذ سنوات عديدة، ولفت انتباهي كمية الصدق والإقناع في طرحه، مقابل الأحزاب اليمينية والليبرالية الهولندية والتي لا يصعب اكتشاف النفاق في طروحاتها والذيلية الأمريكية. أتصلت بالنائب البرلماني هاري فان بومل فقال لي : تعال إلى البرلمان لنلتقي، وبالفعل جلسنا وتحدثنا قليلاً وكان معي صديق فلسطيني، ويمكنك أن تشعر بالبساطة المتناهية والتواضع الشديد لكل أعضائه، فالجميع يناديهم بأسمائهم الأولى، وبدون أي لقب، ولا حتى "سيد"، وليس هناك أي أثر لإحساس بالأهمية الزائدة، ولا حتى في الملابس. انضممت إلى الحزب وشاركت بومل في لجنة الشرق الأوسط التي تتدارس موقف الحزب من قضايا الشرق الأوسط، وكذلك ترجمت في وقتها أدبياتهم الأساسية إلى العربية وتم وضعها على موقع الحزب. ومؤخراً قدمت للبرلمان الهولندي بتشجيع من هاري مذكرة حول اليورانيوم المنضب، وساند هاري موقفنا بقوة وقمت بمقابلة معه أقترح فيها أن ينشيء البرلمانيون منظمة "برلمانيون ضد اليورانيوم المنضب" وقال أنه سيشارك فيها إن تأسست وسيدعمها في هولندا، لكن الفكرة لم تتحرك في برلماننا. قمت كذلك بالمشاركة في تنظيم لقاءات سياسية بين الجالية العراقية والمرشحين الهولنديين من مختلف الأحزاب في السنوات السابقة. لكن هذا لا يعني أنني كنت أتفق مع الحزب في كل شيء، فقد انتقدت يوماً بعض مواقفه الخاصة بالأجانب، وكذلك صوتت لصالح الإتحاد الأوروبي في الوقت الذي كان فيه بومل يقود حملة مضادة له.

الحزب الإشتراكي الهولندي كان يتزايد في نصيبه من المقاعد بشكل مستمر منذ تأسيسه، لكنه خسر في انتخابات البلديات التي جرت في آذار الماضي  كماً كبيراً من مقاعده في البلديات للأسف، فحصل على 276 مقعداً مقابل 327 كان قد حصل عليها في انتخابات عام 2006 . وهناك انتخابات برلمانية في هولندا بعد بضعة أسابيع (9 حزيران).

إضافة إلى الحزب الإشتراكي وحزب العمل (يسار وسط) هناك أيضاً في طيف اليسار الهولندي "اليسار الأخضر" وهم مجموعة رائعة، مواقفهم بالنسبة للأجانب هي الأفضل والأشجع، وتقودهم إمرأة رائعة بكل معنى الكلمة، من ثقافة وقدرة هائلة على الحوار الذكي الدقيق، وبجرأة متناهية، ولا ينقصها حتى الجمال!

 

ــــــ  ماهي قراءتك لواقع اليسار العراقي الراهن؟ وهل ترى امكانية توحيد صفوفه.. او التنسيق بين فصائله.. كالحزب الشيوعي العراقي.. والحزب الشيوعي العمالي.. والماركسين المستقلين وهم كثر.. وهل هنالك امكانية لدعم هذا اليسار من قبل اليسار العالمي وحزبكم بالذات ( تقديم مشورة.. أعلام.. دراسات.. أستقبال كوادر للتثقيف كما كان يفعل السوفيت؟؟)

- اليسار العراقي لا أستطيع أن أصفه إلا بـ "الدائخ". ليس هناك معنى "لتوحيد اليسار" في هذه الحالة. كيف توحد من ليس لديهم فكرة عما يريدون؟ إلى أين سيتجه هذا الكيان الموحد؟ لقد تم نزع أفكار اليسار من خلال الأحداث ومن خلال تسونامي من الثقافة المزيفة التي تضخها مراكز إعلامية إسرائيلية وأمريكية مثل "الحوار المتمدن" الذي يتجه إلى هدفين أساسيين: إثارة الصراع والصدام بين الدين والعلمانية بأشد الطرق وحشية، وإفهام اليسار بأن اليساري الحديث يقاس بمقدار بعده عن اليسارية! فمعظم "المقالات اليسارية" التي تنشر خاصة في مقدمة الصفحة، هي لشخصيات اعلنت توبتها من اليسار، وأكثرها لم تكن يسارية يوماً. هذا إضافة إلى مجموعة أهداف صغيرة أخرى مثل نشر مقالات مؤيدة لإسرائيل بشكل يخجل غيرهم عن نشرها مثل نشر مقالة بعنوان "كلنا تسيبي ليفني" (تم رفعها بعد أيام نتيجة الإحتجاج الشديد) ونشر إعلانات تطلب معلومات عن المختطفين الإسرائيليين، وهو اليوم يروج بحماس للفيس بوك والتويتر، وهي أهم مراكز التجسس الإسرائيلية على النت. ولا يخلو الموقع طبعاً من بعض المواد اليسارية التاريخية، ربما من أجل تبرير تقديم نفسه على أنه موقع يساري.

لقد كان اليسار "بوصلة" رائعة لنا حين لا نعود نرى شيئاً، والآن يبدو أنه ضائع هو نفسه وبحاجة لمن يرشده. لقد أقتنع فجأة بأنه على خطأ، وعلى أسس نفسية دون مبررات منطقية كافية (وبالفعل كتبت يوماً حول هذا مقالة بعنوان "كيف اقتنعتم؟") وراح يتخبط في التراجع بشكل مضحك مبكي، بحيث أنك ترى أحياناً أن بعض غير المتعلمين يتكلمون بمنطق أكثر سلامة من منطق بعض المثقفين اليساريين (السابقين)، الذين يضيعون في أبسط الأوليات، وتجدهم عاجزين عن الرد على أبسط الطروحات المعاكسة، ولا يستطيعون وضع الحدود بين المرونة والتحديث من جهة والتراجع عن مفاهيم اليسار من جهة أخرى. لقد تم إقناعهم أن اليسارية أمر من الماضي، وأن عليهم أن يجددوا أنفسهم ويحدثوها بأن يصبحوا رأسماليين - ليبراليين، رغم أن هذه البدائل أقدم من تلك بكثير!

أن انظمام الحزب الشيوعي إلى قائمة علاوي في الماضي وتصويته لصالح المعاهدة، نقطتان مثيرتان للدهشة والذهول بالنسبة لي، وهي من أمثلة "الدوخة" الشديدة التي يمر بها اليسار، وهنا لا يعود الحديث عن يسارية الحزب، بل إلى المبادئ الإنسانية البسيطة للمواطن والحزب.

 

ــ اراك تحلم بسيناريو فنزويلا للعراق. وارى ان بونا شاسعا يفصل ما بين الشعبين؟؟

- البون ليس شاسعاً. فنزويلا من بلدان العالم الثالث وللدين فيها سطوة كبيرة أيضاً. الدين ليس ضد اليسار، على الأقل ليس دائماً. فكما قلنا الصدريين قريبين من اليسار، وفي أميركا الجنوبية كان عملاء الأمريكان يقتلون القساوسة بتهمة الشيوعية! اليسار الحقيقي والدين الحقيقي يلتقيان في أهدافهما الإنسانية، ويتفوقان أخلاقياً بذلك على الباقين بشكل واضح. لا شك أننا نستطيع أن نتعلم من فنزويلا وغيرها من بلدان العالم الثالث الكثير، فهي الأقرب إلينا ومشاكلهم وحلولها أقرب إلينا.

 

ــ في فرنسا السبعينات كان الشيوعيون يصوتون عند الحسم  دائما لميتران والحزب الاشتراكي رغم الخلافات الحادة بينهما.. لأن المنطق يحتم ان تصوت للاقرب.. ونادرا ما تجد شيوعيا صوت لديغول او بومبيدو او ديستانغ.. ولكنك هنا تشن هجوما شرسا على اقرب حلفاء اليسار العراقي. اعني به علاوي والعلوي.. وتتجاهل مهدي الحافظ..  وميسون الدملوجي. من هنا انتبهت الى  الاشكالية في كتاباتك . هل بالامكان توضيح ذلك من منطلق ديالكتيكي.. علمي؟؟؟

- لا أعتقد أننا نحتاج إلى تلك الكلمة المعقدة لشرح الأمر. المعركة في الإنتخابات العراقية ذات مستوى أدنى من مستوى الخلاف الإيديولوجي. عندما يكون لديك العديد من الخيارات للصداقة مثلاً، فأنت تبحث عمن يشبهك في أفكارك، أما عندما تكون في مكان يعج باللصوص، فأنك ستبحث عن شخص أكثر شرفاً وصدقاً لتصادقه، وتتساهل بباقي الأمور. فالكذابين واللصوص، هم "كذابين ولصوص" فقط ولا يصح وصفهم بالعلمانيين أو رجال دين أو يمنيين أو يساريين أو لبراليين. اللصوصية أيديولجية مكتفية بنفسها. المبدأ الأول لليسار ليس الإشتراكية بل الأخلاق التي ترفض الظلم والكذب، ومنها جاء الإحتجاج على سرقة فائض القيمة من العمال. لقد علم الجميع بهذا الظلم، على الأقل بعد ماركس، لكن اليساريين وحدهم من ينزعج ضميره من هذا الظلم، ويسعى لإزالته، رغم أنهم يستطيعون مشاركة الآخرين بسرقته، خاصة المتعلمين منهم.

من هذا المنطلق تكون فقائمة علاوي ليست أقرب البدائل لليسار، بل أبعدها، لأنها تصطدم مع نقاط أكثر عمقاً ومبدئية في فكر اليسار وأخلاقه الأولى.

كان على العلمانيين الإمتناع عن التصويت لقائمة بهذه السمعة، لاتعرف سوى التهديد والكذب الصلف ومنع كشف التزوير والدفاع عن المرشحين المشبوهين. كان عليهم إن لم يكن ممكناً الوصول إلى السلطة بطريق مشرّف، أن يؤجلوا المحاولة ويدعموا أقرب الموجودين إليهم من الباقين.

هذا لا يعني أن القوائم الأخرى جيدة، بل هي أيضاً فشلت فشلاً ذريعاً. فعندما يستطيع رجل له مثل سمعة علاوي أن ينافس المالكي فهذا يعني أن المالكي فشل فشلاً ذريعاً في حكومته. ولعل أشد فشل لكل من المالكي والجعفري أنهما لم يستطيعا تطمين السنة إلى عدالة حكمهما واتباع القانون، فتعرض الكثير من السنة بشكل خاص إلى الإعتقالات العشوائية والقتل والتعذيب والتهجير أثناء فترتيهما، وشمل ذلك الصدريين في فترة المالكي، وهو ما يدفع ثمنه اليوم. يكفي فشلاً لهذه الحكومات أنها صارت تقارن بحكم صدام، مثلما يكفي حكم صدام فشلاً أنه يقارن بمذابح الإرهاب المجهول الهوية في فترة الإحتلال. لو كان هناك حد أدنى للنجاح لالتف الناس حوله بشدة ولما أمكن مقارنته بالأمثلة المغرقة في السوء.

 

ـــ سؤال أخير .. جذورك من  الرمادي العزيزة.. ومن راوة وإهلها الكرام.. وراوة معروفة انها منتجة للرموز القومية العروبية..وانها أقرب لليمين منها لليسار..  فكيف أتيح لصائب خليل ان يكون يساريا,, بل مناضلا في هذا السبيل؟؟

- في الحقيقة لا أدري إن كانت راوة (وعنه، أخوالي) أقرب إلى اليمين، إلا ربما من ناحية التمسك بالدين، لكن أشهر العانيين والراويين لم يكونوا يمينيين، فقيادات اليسار كانت تعج بهم، ومن عائلتي القريبة فقط أذكر لك المرحوم عزيز شريف وخالي المرحوم جميل منير وأخيه المرحوم توفيق منير، ممتنعاً عن ذكر الأحياء منهم. مع التحفظ من التعميم، فأنني أصف الراويين والعانيين بالطيبة والكرامة، مثل الهيتيين وأجيال ما قبل التخريب من التكارتة، وهي صفات تسحب صاحبها أوتوماتيكياً نحو اليسار، إن توفر له من يطلعه عليه، لكن المشكلة هي أنك حين تكون في وضع يشجع الإنحطاط فأن من يشتهر هو الأكثر انحطاطاً، ولذا طمس اليساريون والمفكرون في تلك المنطقة وغيرها وصارت الناس تعرف المنحطين أكثر.  لذلك فأنني كنت أود أن أكتب عن ضرورة  منع استعمال الألقاب لدى السياسيين بشكل عام، ليتحمل كل شخص تبعات سمعة أعماله، فمثلاً، ما ذنب أهل آلوس الكرماء وأهل عنه وغيرهم أن ترتبط القابهم بمن لا يريدون أن ترتبط به ممن اشتهر أو "إنشهر" في مزادات السياسة العراقية؟

 

في ختام هذا الحوار ليس لي إلا تقديم الشكر للأستاذ صائب خليل رغم تباين الرؤيتين. .. والاختلاف في فهم المشهد السياسي العراقي والعالمي الراهن.. لكننا متفقان على ضرورة استمرار حوار مثقفي الداخل والخارج لتقريب الرؤى .. والى لقاء .. في حوارات  أخرى..

أقترح الحوار سلام كاظم فرج

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1404 السبت 15/05/2010)

 

 

في المثقف اليوم