حوارات عامة

حوار مع الناقد وأستاذ فن التصوير الفوتوغرافي خليل الطيار ..

khalil_altayar- لازال النقد الفوتوغرافي متعكزا في لغته وأدواته على مجسات النقد التشكيلي

- الصورة هي كلمة الفصل في إقرار الحقيقة

حينما يجتمع الخيال مع دقة النظر والإحساس العالي بالأشياء نكون أمام صورة مكتملة الجوانب والمدارك وهذه الصفات لو اجتمعت بشخص ما كان عليه أن يحمل كامرة ومن مرقابها يرسم صور مختلفة من الحياة، وفن الصورة ليس متاح لكل من حمل تلك الآلة ليرصد بها من دون أن تكون لديه القدرة والموهبة والمواصفات التي ذكرت ...

خليل الطيار اسم من الأسماء التي اجتمعت بشخصيته صفات الفنان الشامل، له قلب لا يعرف إلا الطيبة وعينان ترصدان الأشياء بحذر ودهشة ولسان لا يجادل إلا من اجل هدف سامي، شخصية موسوعية فهو كاتب وباحث وناقد وفنان وأستاذ لفن التصوير وإعلامي وأيضا لم تدعه السياسة يبتعد كثيرا عن حبالها، برع في مجال التصوير وتخصص في النقد الفني في التصوير وربما يكون من القلائل في هذا المجال وقد بنى منهجه النقدي على أسس علمية وموضوعية فهو ينظر ويقرأ الصورة من خلال المعنى الخفي الكامن ورائها ويتعامل مع غير المحسوس بعاطفة وتفكير ينطلق من ذاكرته الخاصة متجها بها صوب التفكير الجمعي للمتلقين يميز بين من يقرأ الصورة وبين من ينظر إليها.

خليل الطيار أديب وناقد وأكاديمي ومتخصص بفن التصوير من مواليد البصرة عام 1958 خريج معهد الفنون الجميلة قسم الإخراج المسرحي العام 1978 وخريج أكاديمية الفنون الجميلة قسم الإخراج العام 1986 ساهم في العديد من المؤتمرات البحثية وقدم العشرات من البحوث في مجال التربية والتعليم والإعلام والدراسات النقدية ونشر العديد من الدراسات والبحوث في الصحف والدوريات العراقية والعربية في مجال النقد الأدبي والمسرحي وتكنولوجيا التصوير ومجموعة أبحاث في التربية والتعليم وأخرى في مجال الإعلام والصحافة وبحوث متخصصة في جمع وتوثيق تاريخ التصوير له متحف متخصص لتاريخ التصوير ويعتبر أول متحف في منطقة الشرق الأوسط حاصل على أكثر من خمسة وعشرين شهادة خبرة في مجال الإدارة والتخصص المهني منها شهادة من اليونسكو في مجال دعم الجوانب التربوية حصل على الجائزة الأولى في مهرجان المنتدى المسرحي التجريبي الأول. وجائزة أفضل مخرج تلفزيوني في تلفزيون البصرة .و حاصل أيضا على وسام المصورين العرب لأكثر من خمسة وعشرين عام في التصوير . وشهادة اتحاد المصورين العرب عن الجائزة المتميزة في تاريخ التصوير . في هذا الحوار لا أريد أن أتنقل بين مجمل اختصاصاته بل حاولت أن أركز معه حول فن التصوير الفوتوغرافي

كيف يمكن للفنان الفوتوغرافي النظر إلى الجمال الداخلي في الإنسان من خلال (مرقاب) الكاميرا ..؟

-    الله هو ماهية الجمال وفيه تكمن الغائية التكوينية والإنسان نموذجا راقيا في جماله المطلق والسؤال بلا شك تقصد معرفة مدى إمكانية وقدرة الكاميرا على تجسيد الجمال الداخلي للإنسان وربما هذه الخاصية هي واحدة من اشد المواضيع النقدية التي ظلت تواجه الفن الفونغرافي والتي تقطع بين مدرستين كل منهما ينظر للفن الفوتوغرافي على أساس معطياتهما في لغة التعبير، الأولى تجد في الفن الفوتوغرافي ترجمة وانعكاسا لواقع ساكن من خلال اقتناص و إعادة رسم اللحظة المفترضة من وجهة نظر المصور وهذه تضع فن الفونغراف في مصاف فنون وسائل الإيضاح التي تدل على المعاني المراد إيصالها الى المتلقي في حدود دلالاتها في الواقع وهذه الرؤية ظلت ملازمة فن الفوتغراف الى فترة قريبة قبل مجيء المجددين الذين أخرجوه من حاضنة المنظومة التشكيلية وأسسوا له بعدا جماليا متفردا في خصوصياته يكمن في قدرة الفوتغراف في البحث عن جوهر الأشياء واستنطاق دواخل الإنسان والتأكيد على ما وراء الصورة، أي جعل الفوتغراف يخرج من مساحة التوثيق للواقع ليتحرك في مساحة الجماليات البصرية التي تؤكد على الذات والجوهر أعمق من حدود معاني السطوح وبالتالي فان فن الفوتغراف المعاصر أصبح ينطلق لتأسيس رؤية لقراءة الجمال الداخلي للإنسان مستنطقا روحه ومشاعره وتفكيره في مساحة الصورة ولا يقتصر على التعبير الخارجي وبذلك مكن الكاميرا أن تكتب بالنور لتعبر عن قراءة الدواخل ومهدت الطريق لاقتراب الفوتغراف بمساحات كبيرة من حدود ومناخات الأجناس الأدبية منه إلى الفنون التشكيلية فالصورة ما عادة ترى بالعين فقط بل بدأت تحتاج قراءة بعدها الداخلي أيضا لفتح شفراتها ولدلالاتها المعرفية وهو ما اعمل على تأكيده في دراساتي النقدية لجماليات التصوير .

هل يمكن للكاميرا أن تكون شاهدا تاريخيا له نفس التأثير الذي يأتي من خلال التدوين او الكتابة ..؟

- نعم وهي مسؤوليتها منذ أن تحرك الفن الفوتغرافي في إطار تدوين الواقع وإعادة تصويره من خلال المدرسة الانطباعية التي كانت تسمي الرسامين الأوائل بالمصورين ولا يمكنك ان تستوعب التاريخ الا من خلال تصوره بصريا وتخيله وهو ما يجعل كل واقعة وحدث تاريخي يخلوا من التوثيق سواء من خلال الصورة او الرسم او التخطيط، لن يصمد إمام تعاطف القارئ وصدقيته بالواقعة لان الصورة أكثر قدرة على الإقناع،وشواهد كثيرة كانت فيها الصورة هي كلمة الفصل في إقرار الحقيقة وبالتالي اعتبرت الكاميرا شاهدة عصرها بلا منازع.

هل بإمكان المصور الفوتوغرافي أن يحول الواقع الساكن إلى واقع متحرك من خلال الصورة ...؟

- لا تقتصر مسؤولية المصور بحمل كاميرته كمرآة عاكسة تعيد تسجيل الواقع والاحتفاظ به على الورق وبذلك ينحصر دوره في التوثيق، بل تكمن أساسا بممارسة دوره لإعادة صياغة الواقع بهدف إثراءه وتغيير قناعة المتلقي بالمضامين المراد التنويه عنها وهو ما يجعل عنوان المصور يتجاوز الحرفية المهنية نحو تحريك الواقع بقدرته على الخلق والابتكار والإبداع.

من خلال مخيلتك كأستاذ في فن التصوير كيف تنظر لواقع هذا الفن في العراق الآن..؟

- العراق حاضنة أساسية لفن الفوتغراف العربي و المصور العراقي قدم إنتاجا بمستوى عال من التقنية والمضمون رغم الظروف التي انشغلت بها البلاد وأبعدته عن ركاب التقدم التكنولوجي الذي قفز بالفوتغراف قفزات متطورة، إلا إن المصور العراق استطاع مواكبتها ومواصلة تطوراتها والمصور العراقي يحقق اليوم نتائج متقدمة في كل المسابقات والمعارض العربية والإقليمية والدولية لاسيما وان الواقع العراقي الساخن بالإحداث يثري المصور بالعطاء، ومن جانب آخر استطاع الجيل الأول من الفوتوغرافيين العراقيين أن يتركوا إرثا قويا وفاعلا استطاع إن يفرش أرضية صحيحة لتنامي فن الفوتغراف نحو المستقبل ورشح منه متابعة جادة لجيل من المصورين الشباب يشكلون اليوم خيرة المصورين في المنطقة بجانب وجود أقسام في كليات الفنون والإعلام والصحافة والمعاهد تدرس الفن الفوتوغرافي على أسس علمية بجانب وجود نخبة من المصورين العراقيين المبدعين وهو ما يجعل الفوتغراف في العراق يمتلك شرعية استمراره بقوة .

هل وصل النقد إلى مستوى رقيّ فن التصوير ....؟

- ربما لم تستقر مساحة النقد الفوتوغرافي بالشكل الذي يؤسس رؤية واضحة ومنهجية نقدية يتبع الدارس أثرها بموازاة مستوى عطاءه الذي غالبا ما يقتصر على إقامة المعارض فقط، وهي قليلة قياسا إلى الفنون الأخرى هذا من جانب ومن جانب آخر لازال النقد الفوتوغرافي متعكزا في لغته وأدواته بمجسات النقد التشكيلي التي تحاول سحبه إلى بطانته وهو ما نراه في المدونات والقراءات النقدية التي تشتغل على فن الصورة رغم وجود محاولات جادة لتأسيس منهجية نقدية فونغرافية تنطلق من رحمه وفي السنوات الأخيرة بدأت تظهر في العراق أسماء تمتلك رؤى نقدية فوتوغرافية اجزم بأنها تمتلك الريادة لتؤسس منهجية نقدية متقدمة للفن الفوتوغرافي العربي واذكر منها هنا على سبيل الذكر لا الحصر دراسات الناقد نجمان ياسين والدكتور صفاء صنكور والناقد خالد خضير الصالحي وخليل الطيار والأستاذ فؤاد شاكر وغيرهم استطاعوا بكتاباتهم التأسيس لرؤية نقدية واضحة للمشهد الفوتوغرافي العراقي.

ما هي الصورة التي علقت في ذاكرتك إلى الآن وهل أعجبتك لقطة كنت تتمنى ان تصورها بنفسك...؟

- يتطلب منجزي واشتغالي النقدي متابعة عطاء المصورين في كل مكان وهناك سجل زاخر بذاكرتي لمنجزات الصورة عراقيا وعربيا وعالميا لكنني كثيرا ما اجد نفسي مأخوذا باشتغال المصور البرازيلي سالكادوا فهو شاعر يكتب مواضيعه من خلال الكاميرا كما ان العديد من صور مراد الداغستاني لا زالت حية في قوة اقتناصها للموضوع، والصورة التي كنت أتمنى أن أكون قد سجلتها بكاميراتي هي لقطة النسر الذي ينتظر نهش طفل إفريقي أوشك على الموت !

[email protected]

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1512 الجمعة 10/09/2010)

 

 

في المثقف اليوم