حوارات عامة

القاص والشاعر المغربي محمد المسعودي .. في ضيافة المقهى؟؟!

يشتغل في صمت على نصوص إبداعية ينشر أريجها هنا وهناك، سنقرأ له قريبا مجموعة قصصية بعنوان: "سانشو بانشا يدخل المدينة"، من أجل التعرف على المبدع محمد المسعودي كان الحوار التالي....

  

سؤال لابد منه.. من هو محمد المسعودي؟

- محمد المسعودي، حسب ما أظن وأزعم إن قبل القراء بذلك وأيدهم كتاب تاريخ الأدب المغربي الحديث،  أديب وباحث من مواليد مدينة طنجة، عاش حياته الأولى بين دروبها العتيقة بعبقها التاريخي وأريجها البحري, فتشبع بشاعريتها وتشرب حكاياتها، فكان لزاما أن يكتوي بجمر الكتابة. درس مراحله الابتدائية والإعدادية والثانوية بالمدينة ذاتها، ثم شد الرحال نحو كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمرتيل حيث حصل على شهادة الإجازة، اشتغل بالتدريس الثانوي منذ تخرجه من المدرسة العليا للأساتذة بتطوان/ مرتيل سنة 1993، حصل على الدكتوراه في الأدب العربي حول الخطاب الصوفي لدى أبي حيان التوحيدي، أصدر إلى حد الآن ديوان شعر بعنوان "مدارج البوح والعزلة"، وكتاب "اشتعال الذات، سمات التصوير الصوفي في الإشارات الإلهية لأبي حيان التوحيدي"، و"الغزل في الشعر الغنائي الأمازيغي"، و"مختارات من الغزل الأمازيغي، الأطلس المتوسط نموذجا"، وهما كتابان بالاشتراك مع الباحث والقاص بوشتى ذكي. وما زال في الأدراج الكثير...

 

كيف تورطت في عالم الكتابة؟

- لا أعلم متى وكيف تورطت في هذا العالم الممتع والمتعب في الآن ذاته، غير أن ما أعرفه هو أنني كنت أقرأ كثيرا وما زلت، ومن باب القراءة دخلت فضاء الكتابة، وكانت أولى كتاباتي في مرحلة الإعدادي حينما أشاد أستاذ اللغة العربية السيد عبد الرزاق السوسي بقصة كتبتها في سنتي الثانية بإعدادية ابن الأبار، ثم حينما التحقت بإعدادية ابن خلدون في السنة الموالية كنت أشرف على المجلة الحائطية التي كلفني بها أستاذي السيد عبد الرحيم الجباري، وفيها بدأت نشر بعض خربشاتي الشعرية وغير الشعرية الأولى، هكذا تورطت شيئا فشيئا إلى أن نشرت أولى محاولاتي الشعرية في جريدة العلم المغربية سنة 1987، في صفحة "الباب المفتوح"، ثم تابعت نشر نصوصي الشعرية بعدد من المنابر المغربية والعربية، منها: الندوة(المغربية)، والشعر(المصرية)، والاغتراب الأدبي (اللندنية)... وغيرها إلى جانب دراساتي وقراءتي في الرواية والشعر والقصة...


كيف تقيم وضعية الحركة النقدية بالمغرب؟

- بحكم ارتباطي الوثيق بقراءة النصوص الإبداعية المغربية شعرا ورواية وقصة ومسرحا، ونظرا إلى انخراطي - شئت أم أبيت- في خضم هذه الحركة، أقول إن النقد المغربي ما زال مطالبا بمزيد من الاهتمام والعناية بالإبداع المغربي ودراسته بأدوات جديدة للكشف عن جماليته وخصوصيته. وعلى الرغم من أن الناقد يصعب عليه الإحاطة بكل ما يصدر نظرا إلى تعدد دور النشر، ووفرة ما ينشر داخل المغرب وخارجه من أعمال مغربية، ونظرا إلى تزايد أسماء المبدعين، إلا أن محاولته مهما كانت ستحسب له، فقط ينبغي لنقدنا أن يتجنب المحاباة والكذب والإقصاء وغيرها من الظواهر السلبية ليزداد صحة وليتمكن من إلقاء الضوء على ما يستحق الوقوف عنده من إبداع جيد لا يقل جودة عما يصدر في بلاد العالم الأخرى.


ما هي طبيعة المقاهي بطنجة؟ وهل هناك مقاه ثقافية؟

- طبيعة المقاهي بطنجة أنها مقاهي فخمة تجارية، الغرض منها جلب الناس للاستهلاك والاستعراض في سياق انتشار قيم البذخ والترف الزائفين، كما أن هناك المقاهي الشعبية التي تتميز بطقوسها الخاصة وعوالمها التي تقتصر في الغالب على فئات معينة من الناس، ولذلك لا تجد مقهى ثقافيا بالمفهوم الدقيق، ولكن هذا لا يمنع وجود بعض الفضاءات/ المقاهي التي يؤمها طلبة الكليات والتلاميذ والأساتذة وغيرهم لتصير مكانا أشبه بناد للقراءة، أو مقهى ثقافي، وكنا نأمل أن يصبح مقهى ابن بطوطة التابع لنيابة وزارة التربية والتعليم مكانا قابلا للتعاطي الثقافي، لكنه غير كذلك حاليا، ومن ثم لا يؤمه سوى التلاميذ والطلبة، في الغالب الأعم، بينما تجد المثقفين تتوزعهم مقاه مختلفة في المدينة.

 

المقهى فضاء ملائما للكتابة"، ما رأيك؟

- لكل كاتب طقوسه الخاصة في الكتابة، وهذه الطقوس ترتبط بالفضاء الذي يوجد فيه، ومن بين ما أحبذه في هذا الفضاء قلة الحركة وقلة الضجيج والضوضاء، وهذا الشرط كانت تحققه بعض المقاهي في طنجة وفي جميع الأوقات، لكن الآن وبحكم انتشار مظاهر البذخ وقيم الاستعراض التي تحدثت عنها صار من الصعب الكتابة في المقهى إلا في فترات الصباح الأولى- قبل هجوم جحافل المفطرين والمفطرات أو الراغبين في الأكل في كل الأوقات- أي قبل انتشار حالة  الصخب والعنف بدءا من الحادية عشرة صباحا فما فوق، بحيث تكثر التنقلات بين الطاولات ويطغى الضجيج وتعم الضوضاء والفوضى، ويقل احترام خصوصية الآخر الذي يقرأ أو يكتب، فترى أفواه الماضغين والماضغات ل"بانيني" و"البيتزا" وغيرهما من أنواع المأكولات ينظرون إليه شزرا، كأنه هبط من زحل،  حينها يصبح من المستحيل القراءة والكتابة ...


هل للمقهى حضور في نصوصك الشعرية؟ وهل هناك علاقة خاصة بين المبدع محمد المسعودي والمقهى؟

- في نص شعري بعنوان "شارع الحرية" من ديواني "مدارج البوح والعزلة"

توجد إشارة إلى أحد أشهر المقاهي في مدينة طنجة، وهي مقهى "باريس"، وقد وظفته توظيفا رمزيا يساير رمزية القصيدة التي تتمحور حول قيم الحرية والاستقلال والارتباط بالحياة. أما علاقتي بالمقهى فهي حكاية تطول، كما يقال، لأني نشأت، تقريبا، في مقهى شعبي كان يملكه خالي محمد، وكان ملاصقا لبيتنا، وأول مكان كنت أتجه إليه بعد الاستيقاظ من النوم، هو هذا الفضاء، بحيث أجلب لخالي من البقال ما يحتاجه، ثم أفطر معه، وبعدها أتجه إلى مدرستي أيام الدراسة, وفي العطل، كنا نحن أطفال الحي نتخذ من الطوار المجاور لسور المقهى مكانا للعبنا. في هذا المقهى استمعت لأول مرة، وأنا داخل الوجاق قرب خالي، لحكايات سيف بن دي يزن يرويها سي "محمد الفحام"، وعلى طاولته قرأت أيام طه حسين وأنا في مرحلة الشهادة الابتدائية، وبين جنباته سمعت "الحبيب"- وهو أحد شباب حيي المتميزين حينها- ينشد أشعار المتنبي وزجلياته التي يكتبها عن طاجين الحوت والبحر، ومنه أخذت ديوان "أوراق الخريف" بالفرنسية أعاره لي "سي محمد الغطاس"- وهو شاب فنان وقارئ ممتاز للأدب الفرنسي- وقرأته كاملا..

أظن أن مجيئي للأدب كان بفضل هذا المقهى، قبل المدرسة.. وفيه تعرفت على عبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وجيل جيلالة والمشاهب وناس الغيوان، ولذلك ما زلت أفضل المقهى الشعبي بغناه وتنوعه وعفويته والذي تقل فيه مظاهر الفخفخة والاستعراض اللذين استفحلا حاليا. وجعبة صوري وذكرياتي عن مقهى "الدالية" هذا كثيرة أتمنى أن أكتبها يوما ما..

 

ماذا تمثل لك: القصيدة، الطفولة، الحرية؟

- القصيدة خاصة، والكتابة عامة  نسغ كينونتي ووسيلتي إلى معرفة العالم، وتعرف العالم على كائن اسمه محمد المسعودي.

الطفولة، هي الإنسان، شخصية الكائن الحقيقية.

الحرية، ماء وهواء، بدونها لا وجود لشيء حقيقي،  وفي غيابها لا ندرك معنى للحياة وللوجود.


كيف تتصور مقهى ثقافيا نموذجيا؟

- لا يمكنني أن أتصوره إلا في شكل مقهى خالي الذي ذكرته، مقهى شعبي يجتمع فيه الشباب والشيوخ والأطفال أيضا، ويكون فضاء للحوار والحكي والفرجة والمعرفة والتكوين. في هذا المقهى كان يتحلق الجميع للاستماع إلى حكايات ذي يزن أو كليلة ودمنة يوما، والاستماع إلى فرقة شباب المقهى تغني بعض أغاني عبد الحليم ومحمد عبد الوهاب وبعض الأغاني المغربية الجميلة يوما آخر، وأحيانا ينشد الجميع إلى التلفزة للاستماع إلى برنامج "محاكمة الأدباء" أو متابعة سلسلة "البيت الصغير"، وهو مسلسل أمريكي كان يعرض في التلفزة المغربية حينها، أو يفسحون المجال للصبية الصغار لمتابعة الرسوم المتحركة عند السادسة ومنها سندباد.. وإثارة نقاشات ساخنة حول قضايا سياسية واجتماعية... المهم أن مثل هذا المقهى نموذجي في عفويته وبساطته وتلقائيته، ولا أحسب أنه سيتكرر في تاريخ مدينة طنجة...

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2045 الاربعاء 29 / 02 / 2012)

في المثقف اليوم