حوارات عامة

المرأة والشعر: حوار مع الشاعرة ليندا عبد الباقي

lynda abdulbakiتعتبر الشاعرة السورية ليندا عبد الباقي من أبناء الموجة الثالثة التي قدمت للقصيدة جزءا من معناها المعاصر. وبرأيي إن ميول الشعر السوري في هذه الفترة للظاهرة الملحمية أو للجانب الحكاياتي، لم يؤثر فيها كثيرا. فقد قفزت بتجربتها من الواقعية الرومنسية إلى الحداثة الرومنسية، وهذا يعني أنها التزمت بالبساطة في التراكيب والألفاظ على حساب جزالة المعاني والبنية، وبنفس الوقت ركزت على الحساسية العاطفية وليس على القالب أو تجليات القصيدة، وبذلك تكون قد جمعت الإبلاغ الشعري كما تجده عند عبد الباسط الصوفي مثلا مع التصورات الشعرية كما كان يفعل أدونيس هو والجوقة الذهبية من رواد الأدب العربي، ومنهم أيضا السياب.

إن قصائد عبد الباقي تمتاز بخصلتين: المباشرة مع الذات النسوية، والمفارقة مع إنسانوية الواقع. ولأكون أكثر وضوحا إنها اهتمت بمشاعرها كامرأة لتعبر عن الحزن الدفين الذي يميز تجربة المأساة عند أبناء ما بعد النكسة.

لا توجد عند عبد الباقي خصوصية سورية، ولكنها جزء من ظاهرة الشعر النسوي الغنائي بما يعنيه ذلك من تحرر من قيود الأشكال المسبقة والتزام بأخلاقيات الفن الشعري الحديث.

ليندا عبد الباقي مولودة في السويداء (منطقة الموحدين في سوريا) عام ١٩٦٢. وتعمل مديرة لدار نشر تنشط في سوريا، هي دار ليندا. ومن أهم أعمالها المجموعات التالية: وردة النار (١٩٩٨)، لمن ينحني الحور (٢٠٠١)، أغنية المساء (٢٠٠٤)، يخاصرني الاخضرار (٢٠٠٧)، صهيل صمتي (٢٠١٠ )، على سرير يقظتي (٢٠١٤). وصدرت مختارات لها بالإنكليزية في لندن.

عن تجربتها مع القصيدة ومعنى المرأة ورموزيتها في الشعر المعاصر كان لنا معها هذا الحوار المكثف.

س1: النسوية، والأدب النسائي وأدب المرأة، كلها مصطلحات انتشرت لدينا في الأدب العربي. هل أنت معها، أم تنظرين للموضوع بمنظار دوبوفوار وغيرها من الوجوديين، أن النساء مثل الرجال، فكرة وموقف ونشاط على مسرح الوجود، وهن جنس آخر فقط.

ج1: ربما تختلف هذه القضية حسب المجتمعات وتربية الرجل المشابهة لتربية المرأة ...ففي مجتمعنا الشرقي هناك أدب نسوي بإمتياز يتفوق على أدب الرجال لأنه أكثر عاطفة وصدقا ومعاناة. وإذا تفوق الرجل ثقافيا أحيانا هذا لأنه السيد، ولديه الكثير من الوقت للقراءة، بينما تنجز الزوجة كل الأعمال، وتحمل عنه كل الأعباء. وفي المجتمعات الغربية لا يوجد أدب نسوي لأن البيئة الحاضنة للقصيدة متشابهة عند الرجل أوالمرأة. والمرأة يكفيها شرف الأمومة ليبقى الرجل الشرقي الإبن المدلل للمجتمع.

س2: بالاستطراد، القرآن الكريم يكافئ المؤمن بالحور العين، وكأن الثواب على الإيمان للذكور فقط، ولم يقطع وعدا للنمأة بمكافأة من هذا النوع، مثلا شاب مفتول العضلات، برأيك لماذا ينظر القرآن للمجتمع العربي بنصف قلبه فقط. ولا أريد تقديم افتراضات وأترك لك حرية التفسير، وهل هذا يسبب لك التحسس، بصراحة لو سمحت؟؟..

ج2: قضية حور العين قضية ليست دينية. فالدين هو الضمير والأخلاق والإنسانية والتفاني من أجل سعادة الآخرين والحفاظ عليهم وعلى إحساسهم ومشاعرهم. وما عدا ذلك هو وسيلة للفتن وإبادة الإنسانية والإنسان. حتى تفسير القرآن أصبح اجتهادات شخصية مأجورة للتأثير على عقول الجيل لخلق الفتن،

كيف الله حرم الخمر ووعدهم بجنات خمر؟. كيف حرم الزنى مع واحدة ووعدهم بحوريات، وقال الجنة تحت أقدام الأمهات، فهل الأمهات هن حور العين؟ وكيف تصبح بيوت الله مستودعات للأسلحة والقتل والدمار؟..

س3: ارتبطت الإيروتيكا بالحداثة، قبل عام ١٩٦٠ لم تكن توجد قصائد ولا قصص تتكلم بشفافية وعلى المكشوف عن الغرائز والاستاطيقا. وفتح هذا الباب نزار قباني وغادة السمان، ثم توالى الحبل على الغارب على يد أخرين منهم زكريا تامر الذي نظر للجنوسة وكأنها جزء من العنف والقهر والجريمة ، لماذا كانت الإيروتيكا حداثة، وجزءا من تيار الشعور والقصة العضوية وارتدت النظارة السوداء ونظرت لكل شيء بمنظار سلبي وقهري؟.

ج3: كيف ترتبط الإيروتيكا بالحداثة، وما كتبه امرؤ القيس لم يكتبه نزار قباني رغم إباحية مفرداته الشعرية؟..

ربما الزمن في كل حقبة يسحبنا للوراء مئات السنين كشيء من الردة الفكرية لأسباب نجهلها نحن وتعرفها السياسة المقنعة ضمن ثالوث محرم السياسة: الدين – الجنس، فما نخشاه علانية يمارس سرا، وبين السر والجهر تظهر آلاف الأقنعة المخيفة والخراب. أنا سعيدة لأن حروفي تدور خارج هذا الثالوث، لأن معظم من دخلوه كانوا مسيسين وحروفهم مأجورة. أما الجنس يستخدم عادة لترويج الكاتب والسيطرة على عقول المراهقين، حيث يكبر المراهق ويكبر الشاعر داخله، وهذا ما عمل عليه نزار قباني حيث خاطب هذه الطبقة وسيطر على عقولها بدعوة تحرر المرأة، وتناسى أن التحرر الفكري هو الأهم، حيث دارت مفرداته في غرف النوم المقفلة، وكثيرا ما تغنى ببنات الليل لتبقى المرأة عنده وسيلة لهدف وهو مصدر توليد قصيدة.

نظرة زكريا تامر منطقية حيث هذه الثقافة، إن لم تكن مصحوبة بفكر ووعي وخاضعة لأحاسيس صادقة، ستكون تجارة مدمرة. وفي كتاب لغادة السمان "لا بحر في بيروت"، وهو مجموعة قصص، تعلن فيها عن إنسانية شفافة وصادقة لا توجد في ديوان "وقالت لي السمراء" ومعظم دواوين نزار قباني.

س 4: كيف تنظرين لنظرية بيير داكو في التفريق بين المذكر والمؤنث، فهو يعتقد أن المرأة عبارة عن خطوط منحنية ومنطوية على نفسها، بينما الذكورة خاصة بمعمار نفسي مستطيل ومفتوح ومضيء. هل معه حق، وهل لك أن تقدمي لنا بعض الأمثلة من قراءاتك؟؟..

ج4: المرأة خطوط منحنية لكن غير منطوية على نفسها. هي احتضان وأمومة، احتضان المعمار النفسي المستطيل والمفتوح المضيء كأي دائرة تعلن الكمال، ولا ضير أن يضيء كل مستطيل دائرته لتضيء الحياة. ونلاحظ معظم الروايات تتحدث عن عذابات المرأة بسبب الرجل ولأنها تعيش في ظله. (أيام معه) لكوليت خوري ومعظم روايات الرجال تصف الأنثى على أنها مصدر غرائز (كما كتب مصطفى العقاد).

أما إيزابيل الليندي كانت تنوس بين الحالتين في واقعيتها السحرية، بين "الحب والظلال"..

س5: لوحات أغلفة مجموعاتك يغلب عليها اللون الرصاصي وصور فيزيقية لنساء في حالة ضياع، في (صهيل صمتي) المرأة الجالسة بلا ملامح، وظهرها محني ومقوس وتغطي وجهها، هل هي تشعر بالعار مثلا، أم بالانكسار، وهل أنت مع قراءة الفنان مصمم الغلاف لقصائدك، هل الغلاف معبر ومنسجم أم أنه في حالة انفصال عن فكرتك الشعرية؟.

ج5: الفنان مصمم الغلاف هو كنان رشيد ابني وهو الأكثر قربا من ذاتي، وأنا القصيدة الأهم لوجوده، فكيف لا يصور انكساري أمام كل هذه المعاناة وهذا الألم الذي استفحل في حياتي ليحوّل كراتي البيض والحمر لشعر في دمي. يبدأ هذا الألم من مجتمع ذكوري يقف على منبر الكلمة، لأن الرجل المثقف هو أكثر عداء للمرأة التي تنافسه فكريا وترفض غرائزة المباعة على أرصفة الثقافة. سيبقى هذا الحزن الذي يخفي ملامحي يمطر عطاء وخصبا ... كانت وستبقى عشتار تخصب الحروف كلما أينعت القصيدة.

س 6: نعود إلى الاستاطيقا، العرب يفضلون البهكنة (المرأة البيضاء البدينة ذات العجز). والغرب في عصور البلاط والتنوير يضخم من عجيزة المرأة بواسطة حوض معدني تحت الثياب، بينما اختلف ذلك منذ الدخول في الثورة الصناعية، أصبحت المرأة النحيفة شعارا للجمال والرشاقة والإغراء، ماذا حصل في هذه الفجوة؟

ج6: تبقى هذه المسألة فردية ولاتعمم ....ربما هذه الحالة مجرد تقليد للغرب كوسيلة للتمدن لا أكثر .

س7: لماذا هذا التناقض، جماليا المرأة يجب أن تكون بصدر عريض ومندفع كالصاروخ بينما العجيزة ضامرة ونحيفة، هل لذلك معنى أو سياق أم أنها صدفة؟

ج7: اندفاع الصدر شيء من العنفوان والكبرياء ... وإعلان الذات بالتحدي ... وضمور شيء على حساب شيء آخر...هو تشويه.

س8: الفرس والغزال والفراشة كلها رموز لجمال المرأة، لكن لو أنعمنا بها النظر، لهذه الحيوانات بطون منفوخة مثل الجياع في إفريقيا، وعيونها جاحظة بشكل ملحوظ، من برأيك أسقط عليها هذه القيم الجمالية، ولماذا، أم أن الشيء اختلط بالشيء، فالمديح ليس لها ولكن للبيئة الخضراء التي تحيا فيها.

ج8: الفرس ... هي الأصالة، الفراشة ... الرشاقة، الغزال ... العنق الجميل الذي يطال السماء .فإذا توفرت في النساء الأصالة والرشاقة والعنق الطويل فهي صرخة جمالية مدوية يهتز لها الأفق. وهذا الجمال يخضر له الكون .

س9: الغزل، متى يكون مستهجنا برأيك ومتى يكون مقبولا، ما هي الحدود بين الفاحشة والإطراء. هل من أمثلة لتأييد وجهة نظرك من الشعر العربي أو العالمي.

ج9: المقبول هو ما يدغدغ الروح.

إن العيون التي في طرفها حور/ قتلننا ثم لم يحيينا قتلانا. والفاحش هو ما يغوص في أعماق الغرائز بمفردات إباحية تخدش حياء القصيدة. للجسد قداسته ... جميل أن يحتفظ الجسد بتلك القداسة ولا يسخره إلا لممارسة حب مقدس .

س 10: وماذا عن الغزل العذري، هل هو حقيقة أم أنه أسطورة مثل قصة حب عنترة العبسي، ودخلته المبالغات والتهويل.

ج10: الغزل العذري هو الحقيقة الصادقة. وصدق الحقيقة لأن الرجل العربي إذا وصل صدر المرأة لايتحدث عن شفاهها، وإذا وصل شفاهها لايتحدث عن شعرها، وإذا لم يلامس حتى شعرها تحدث عن سحرها وبهاء روحها. وهنا الحديث يطول ويطول لأنه ممتزج بالنقاء، فأنا ممن يعتقد أن الجنس يقتل الحب، وخلاف الأزواج المستمر وتعدد العلاقات وحالات الطلاق خير دليل على ذلك .

س 11: ما هو واقع الشعر النسائي العربي والعالمي. وما هن أهم ممثلاته برأيك؟ وهل يغلب عليه التعبير العاطفي أم الحسي؟..

ج11: تكثر في القصيدة تانسا~ية كاف المخاطبة والهم الذاتي على حساب الهم الجمعي. معظم الأديبات اختصرن الشعر برجل وتكثر الشكوى والتوسل وتتحرك ضمن دائرة العلاقات الفاشلة أو العكس. لتمجد الرجل أو تهجوه.. قليلات من كتبن عن الفكر والفسفة والهم الجمعي... لا أريد ذكر أسماء حتى لا أدخل في سجالات. صحيح أن المجتمع يبني على علاقات ثنائية تتمحور حولها الحياة. لكن رقي التعبير ومتانته يختلف. وظيفة الشعر كشف المجهول لا التعريف بالمعروف، وظيفة تدركها النفوس الأصيلة المتشبعة بالجمال والباحثة عن جددوى الوجود وأسراره البعيدة. وظيفة الشعر روحية لا تحريضية لأن في التحريض إثارة شكليةو خارجية وفي التأثير بالروح إثارة داخلية عميقة فالتحريض مغامرة والتأسيس بصيرة التحريض تحديا والتاسيس استجابة ولا بد من التعايش لأن كليهما ضروري لجدل المرحلة فالشعر الحسي تسخير الحواس لخدمة الإحساس والشعر الروحي تسخير الإحساس لخدمة الحواس.

س 12: وما هو واقع الشعر الذكوري الذي تناول المرأة. وما هي أهم صيغه وإشكالاته؟.

ج12: لا يختلف الشعر عن الروايةفالرجل يدور في عالم المرأة ليصف الجسد وجمالياته لتسخير هذا الجمال لتوليد قصيدة واستكمال النسيج الشعري. فإذا كان صادقا جاء تلشعر صادقا. ربما هذا تابع لسمو شخصية الشاعر وبصمته الغير مفتعلة وصدق شخصية الشاعر في تعاملها مع المرأة بأدوات فنية عالية.

و كثير من الشعراء تغنوا بالمرأة على أساس أنها الأرض والخصب وكثير من النساء تغنين بالرجل على اساس هو الوطن.

 

 

في المثقف اليوم