مدارات حوارية

لا يفرض نفسه على الشعر ولا يهتم لرأي النقّاد .. القاص حمودي الكناني في مدارات حوارية

yasamyna hasybihamodi alkenaniفي هذه الحلقة من مدارات حوارية تستضيف المثقف الأديب القاص حمودي الكناني وحوار شامل وصريح أجرته معه الشاعرة ياسمينة حسيبي، فاهلا وسهلا بهما في المثقف

 يُعْرف إنسانيا، سواء بين أصدقائه أو بين الأدباء العراقيين بخفة دمه واستفزازاته المشاكسة إضافة الى صدقه وكرمه المتأصل فيه أبا عن جد، ويُعْرف أدبيّا بسردياته الساخرة من الواقع السياسي المرير ومن القيود المكبّلة للفكر، سردياته تشكّلتْ عبر روحه الناقدة وحسّه الوطني والسياسي وانتمائه الوطيد الى أرض جلجامش وعشتار، برع في كتابة القصة القصيرة جدا كما خاض تجربة الشعر بنصوص شعرية جسّدت المعاناة الطويلة للمثقف العراقي في بلد يُستنزف إنسانيا واقتصاديا وسياسيا وتتكالب عليه المكائد داخليا وخارجيا.

 

السيرة الذاتية للأديب حمودي الكناني

ألاسم في بطاقة الاحوال المدنية: حمود حسين نعيمة جبارة الكناني.

- اسم الشهرة: حمودي الكناني

تاريخ الولادة ومكانها: 1950 - قرية ام عصافير – ناحية القادسية - محافظة النجف

- التحصيل العلمي: بكالوريوس لغة انجليزية + دبلوم طرق تدريس من جامعة بغداد - كلية التربية

- العمل: عين مدرسا للغة الانجليزية في 11-10-1972. مارس تعليم اللغة الانجليزية في المدارس المتوسطة والإعدادية ومعاهد المعلمين واعداديات التجارة في محافظة كربلاء والجمهورية اليمنية.

في 1-7-2013 أُحيل على التقاعد لبلوغه السن القانونية

- عضو اتحاد الادباء

- صدرت له مجموعته القصصية الاولى (آخر المطاف ... وأولي)

 

له مؤلفات معدة للطبع:

- استدراك قبل فوات أوان - مجموعة قصائد نثر

- مدية حادة - قصص قصيرة جدا

- وقوف على اطلال جدي – قصص قصيرة

- النوم على سرير العدو - رواية

- We all laugh at each other مجموعة نصوص قصيرة باللغة الانجليزية

 

أهلا وسهلا بالأديب حمودي الكناني في رواق صحيفة المثقف وفي باب مدارات حوارية .

س1: ياسمينة حسيبي: لفترة طويلة أشرَفْتَ على باب مدارات حوارية في صحيفة المثقف، وأتحفتَ مكتبتها بحوارات أدبية – ثقافية غنية نالت إعجاب الجميع من خلال تنشيطك المتميز وثقافتك العميقة ومن خلال أسئلتكَ الراقية والمنتجة. إلى أيّ حدّ أضافت إليكَ هذه الحوارات إنسانيا وأدبياًّ؟ وكيف تشعر اليوم وأنت في الجانب الآخر من الحوار؟

ج1: حمودي الكناني: أهلا وسهلا بك صديقتي الجميلة ياسمينة وبصحيفة المثقف الغراء ولي الشرف أن اكون ضيفك على مدارات حوارية متمنيا ان اوفق في اجاباتي ..

(مازلت قيد انتظار اطلالة نصوصك الاثيرة على صفحات النت ولا ادري هل انكرت النت أم انكرت محبي حرفك الذهبي الانيق) .

لا اخفيك سرا سيدتي اني احب ان اكون بين من يجيد الاجابة على أي سؤال مستفز هذا اولا لأننا جميعا مستفزون في هذا الزمن الذي ربما يعادي تطلعاتنا وثانيا لان الادباء هم وحدهم المعنيون بالتعريف وكشف معاناتنا نحن الذين اصطفت علينا الاحداث واصطلحت وتصافت علينا الايام والخطوب ...

إنسانيا فأنا حينما اسأل وأتلقى الاجابة أتخيل أني ما زلت جالسا في مضيفنا القصب الذي احتل مكانا بارزا على شاطي الفرات اقدم الطعام والشراب للمسافرين السائرين مشيا على الاقدام أيام عدم توفر وسائط النقل هكذا كنت اتخيل نفسي عندما جمعتني هذه الحوارات مع شعراء وكتاب كبار مما مكنني من اقامة علاقات وطيدة معهم، إذ ما زلت على قيد التواصل مع جميع الذين حاورتهم وأني اتوق الى اليوم الذي التقيهم جميعا ... هذا على الصعيد الانساني أما ادبيا فالحوارات مع الادباء ساردين وشعراء تعتبر مكسبا فكريا تثقيفيا من خلالها نعرف اتجاهات الاديب الفكرية ومواضيعه والإفادة منها بما يراكم من الخبرة والخزين المعرفي .. ووفقا لما ارى واعتقد ان الحوار مع الادباء مصدر غنى معرفي لا يستغنى عنه ولا يخفى عليك اننا جميعا نتعلم من بعضنا البعض .

 

س2: ياسمينة حسيبي: تتحدث عن نفسك غالبا ببساطة أهل الريف، تفخر بانتمائك للعراق فُراتا ونجفاً وعشيرةً. فهل أنت راض عن حياتك في العراق وهل أنصفتْك كإنسانٍ وكأديب؟

ج2: حمودي الكناني: احيانا يا صديقتي الجميلة نظلم الحياة عندما نتهمها بعدم الانصاف .هذا هو حال الدنيا حسب قوانين الطبيعة، تشرق الشمس فيكون النهار وتنهي رحلتها بالمغيب فيكون الليل، وأيام الاسبوع تبدأ بالسبت وتنتهي بالجمعة، وعدة الاشهر اثنا عشر شهرا والفصول اربعة .. فما الذي تغير؟ اذن هي هذه القوانين المعتادة هل تغير فيها شيء؟ المتغير الوحيد هو هذا الانسان ويبدو انها لعبة الاجيال المستمرة لكن على هذا الانسان ان يكون وفيا لهذا المصطلح – الانسنة - الذي نُعت به من دون المخلوقات كلها وعلى هذا الاساس فحمودي الكناني لم ولن ينتظر الحياة ان تنصفه انسانيا لان ذلك يتوقف عليه هو ذاته وإلاّ ما الفرق بين من يسجن نفسه في زنزانة نفسه وبين من يخرج من هذه الزنزانة ليتفاعل مع كل ما يحيط به ... علمتني القرية بساطة الحياة وعلمني الديوان مسامرة الناس بمختلف اهوائها وعلمني الفرات كيف احبه وامشي على شواطيه وعلمتني العشيرة ان احترم الغير مهما كان وعلمني العراق انه بلاد الانبياء والقادة والكتاب والشعراء وعلمني ايضا أن لا لواء ينعقد لأمة العرب والعراق في سجل الغياب المتعمد . هكذا هو يا صديقتي ياسمينة حمودي الكناني الانسان ...

كأديب أنا اكتب وهناك من يقرأ ما اكتبه، وللناس اراؤهم ورؤاهم .. فالحياة وفرت لي فرصة تعلم كتابة الحرف وبما أنني امتلك القدرة على تدوين افكاري وصياغتها وفقا لما ارى اذن هذا ما جادت به علي الحياة وأنصفتني بقدر استحقاقي فشكرا لها . بالمناسبة شاعرتي الجميلة ياسمينة دائما ما اُشبه الحياة بامرأة فاتنة لا تشيخ !

 

س3: ياسمينة حسيبي: جمعْتَ بين القصة والقصيد .. كيف أمكنكَ المرور عبر بابيْن مختلفين في الأدب؟ وأي البابين تدخله روحك الإبداعية بأريحية أكثر؟

ج3: حمودي الكناني: لو تمعنت وتفحصت بدقة القصص التي كتبتها لوجدتِها كُتبت بنفس شعري سوى ان السردَ وأبطالَه هم الحاكمون .. مواضيعي كلها مستمدة مما تقع عليه عيني من مشاهد في واقعنا المعيش في الشارع،في السوق الشعبي، في الديوان او في أي مكان يقع فيه حدث يستفزني ووفقا لوقع هذا الحدث اشرع بإعادته على شكل قصة قصيرة او قصيرة جدا هذا اذا كان هناك فعل متحرك ... اما اذا شاهدت دمعة تدحرج على وجنات زهرة تعانق قلبها فراشةٌ تمتص رحيقها بشراهة او مشهد يقول لك خربشني على شواطي النثر أشرع بكتابته في الحال ولا تنسي ان نصوص النثر التي اكتبها سهلة سلسة لا رتوش ولا ايهام فيها حتى وان قيل عنها مباشرة وتقريرية فهي تلقى الكثير من الرضا والقبول عند الكثير من القراء وبصراحة أنا لا اهتم لما يقوله النقاد ولا (لايكات الفيس ولا كلمات عاشت ايدك وأبدعت )لاني اساسا لا اكتب للنقاد لان رضا هم اليوم غاية لا تدرك ههههههه ولهذا تجديني ممسكا بالقص بيد وبالأخرى بعمود النثر !

 

س4: ياسمينة حسيبي: أغلب قصصك القصيرة جدّا عبارة عن "رسائل مشفرة" لا تمنح المعنى المخبوء والمضمر بسهولة بل تأتي محمّلة بقوة الترميز التي تحتاج الى تحفيز ذهن المتلقي والى حضوره الكامل في القصة. تُرى إلى أي حدّ ترى بأن الترميز يخدم القصة القصيرة جدا؟

ج4: حمودي الكناني: رؤيتك هذه صحيحة جدا ..

لي وجهة نظر شخصية مفادها ان القصة القصيرة جدا يجب أن تقرأ من زوايا مختلفة فهي عندي قمة جبل عال يمكن الوصول اليها من عدة طرق ووفقا على مقدرة القارئ على التأويل فهناك من يجد المفارقة التي تساعده على الضحك فيضحك وهناك من يجد فيها مدعاة للتفكير على ما هو ابعد ويبدأ يقلب بها ويقولبها على ما يشتهي ولما كانت هي قصيرة جدا فلابد من الترميز العالي ليجعل المتلقي غير العادي يتساءل ويخمن: أظن القاص كان يريد ان يقول كذا وكذا وهذه هي رؤيتي الشخصية ككاتب لهذا اللون من السرد !

 

س5: ياسمينة حسيبي: بالإضافة الى توظيف المراوغة الساخرة والتلاعب اللغوي في القصة القصيرة جدا، يلجأ حمودي الكناني الى تقنية " ملأ الفراغات" و"علامات التعجب والاستفهام" فهل هي دعوة منك لإشراك المتلقي في إعادة انتاج القصة أم هو نوع من التمويه وإرباك المتلقي ذهنيا؟

ج5: حمودي الكناني: كل فراغ محسوب بدقة ولكل علامة تعجب هدف وغاية ولكل علامة سؤال اجابة متوقعة من قبل المتلقي .. فهنا أنا لا اتوَخى التمويه وارباك القارئ ابدا وإنما ارمي الى اشراك المتلقي في عملية ملء الفراغات وأن يتعجب تلقائيا ويجيب تلقائيا بعد اعادة القراءة بتأمل ولهذا المتلقي كامل الحرية في ما يملأ !

 

س6: ياسمينة حسيبي: نجد أن القصة القصيرة جدا عند بعض الأدباء أصبحت بمثابة فلسفة حياتية .. فهل تتوجه قصصك صوب هذا المنحى؟

ج6: حمودي الكناني: بقدر ما يتعلق الامر بي فهذا منحى ليس بالضرورة ان يكون كذلك لأني حينما اكتب قصة فأني اصرخ بداخلي لئلا تنخدش اجهزة السمع عند الطرشان هههههه أليس كذلك؟؟

 

س7: ياسمينة حسيبي: معالم القصة القصيرة جدا توطدت تنظيرًا وتطبيقًا في سنوات السبعين من القرن العشرين وانتعشت بعد ظهور شبكة الانترنيت إلا أن بعض النقاد العرب ما زالوا يرون بأن انتشار هذا النوع الأدبي هو من باب الإستسهال والعجز عن ولوج القصة القصيرة أو الرواية، ما رأيك في هذا القول؟

ج7: حمودي الكناني: ما زال بعض النقاد ان لم نقل غالبيتهم يتهمون هذا الجنس من القص كثيرا .. فمنهم من يراه لونا مخادعا من الصعب توصيفه لما يجمع بين السرد والشعرية ومنهم من يراه سهلا بإمكان أي (مشخبط) ركوب مركبه لكن في الحقيقة هو لون ليس بالسهولة كتابته لما يتطلبه من الاحالة والإزاحة والتشفير والتكثيف والتلغيز والمفارقة وغيرها من الشروط الاخرى ومثلما اختلف النقاد في تسميته اختلفوا ايضا فيمن كتبه لأول مرة فمنهم من يرى ان ناتالي ساروت ( نتاشكا ) هكذا يدلعها الروس هي اول من كتبت فيه سنة 1932 وفي الحقيقة هي لم تكتب الا انفعالات وهي التي اسمتها انفعالات ومن بين انفعالاتها:

كانت تجلس القرفصاء فوق ركن من المقعد وكانت تتلوى مادة عنقها جاحظة العينين وكانت تقول نعم نعم نعم نعم .... فهل هذه قصة قصيرة جدا؟؟

ويرى البعض ان المحامي العراقي عمانوئيل رسام هو اول من كتب قصة قصيرة جدا سنة 1930 بعنوان موت فقير ثم كتب اخرى بعنوان قصة قصيرة جدا وهكذا يكون عمانوئيل رسام اول من كتب في هذا اللون في العصر الحديث ... ولكننا اذا رجعنا نتصفح ادب العراق القديم نجد هذا اللون من السرد، فتعالي معي نقرأ بعض ما اورده عالم الاثار العراقي المرحوم طه باقر في كتابه مقدمة في ادب العراق القديم من القصص القصيرة جدا:

1- الثعلب والبحر

بال ثعلبٌ مرةً في البحر فنظر الى البحر وقال متعجبا متباهيا: أكل هذا من بولي !

2- البعوضة والفيل

وقفت مرة بعوضة فوق ظهر فيل وهو يمشي فقالت: أأثقلتُ عليك يا أخي؟ فإن كنتُ فعلتُ ذلك سأنزل عند بلوغنا مورد الماء فأجابها الفيل من أنت؟ لم احس أنكِ كنتِ فوق ظهري ولن اعرف عندما تنزلين !

3- الحصان والأتان-

أسرّ الحصان في أذن الأتان وهو يسفدها: عساكِ أن تلدي مهراً عداءً مثلي فلا تجعليه كالحمار ينوء بحمل الاثقال !

- الأتان انثى الحمار .

وهنا يتبين لنا ان القصة القصيرة جدا قديمة قدم حضارة وادي الرافدين ولا مجال لإنكار ذلك مهما امعن بعض النقاد في انكارها وجعلها هروبا من كتابة الرواية او القصة القصيرة !!

 

س8: ياسمينة حسيبي: أين انت اليوم من الرواية؟ وكيف عشت تجربة "النوم على سرير العدو"؟

ج8: حمودي الكناني: ما يتعلق برواية النوم على سرير العدو فلقد اكملتها من مدة ليست بالقصيرة وهي كغيرها من كتاباتي مركونه على الرف لغاية في نفس يعقوب ههههههههه، مساكين أهل القلم، أ ليس كذلك ؟ عندما تخفض لي الافكار جناحها وتفرشه برفق سأمتطيه لنجوب معا في عوالم وهواجس النفس .. لربما احد احفادي يجد يوما ارث جده لذيذا فيتبنى نشره ليقول هذا هو جدي !!

 

س9: ياسمينة حسيبي: صرّحتَ مرة في حوار لك بأنك "لستَ بشاعر" رغم أن هناك نقاد كتبوا عن تجربتك الشعرية بإعجاب وبموضوعية. فماذا يمثل الشعر في مسيرتك الإبداعية وما الفرق بين الشاعر وناظم الشعر في رأيك؟

ج9: حمودي الكناني: أترين ذلك الذي يجلس متقرفصا عند تلك الضفة من النهر؟ هو ظلي الذي غضب مني فأبى ألا يبرح القرفصاء .. أسمعتِ حقا صراخي؟ أذن أنتِ المشاهد والسامع الوحيد . فتعالي اذن نمسد ظهر الزمان ليكتب لنا ملحمة المقهورين .. يا صديقتي كل الناس وحتى النباتات والحيوانات تعبر عن خلجاتها، ما رأيك عندما تسمعين هسيس الشجر وترين تمايل اعواد القصب ساعة نسيم عليل، اذن حتى هذا الهسيس والتمايل هو خلجات.

لما قلتُ اني لستُ بشاعر فاني هنا لا اجانب الحقيقة لاني لا اريد ان افرض نفسي على الشعر والشعراء ولكني اريد ان اقربها من النثر لأنه يمنح الحرية والطيران بكل الاتجاهات من غير ان يومئ عليك احدهم ويلكزك بعصاه ان تتوقف عند مطبات لابد من ردمها اولاً . فأنا احيانا كما تتابعين اكتب عمود نثر وليس عمود شعر ولهذا السبب اقول اني لست بشاعر ومهما كان النظم جميلا فحتما لا يتسم بالعفوية ولمعان الصورة وقوة الفكرة ..

مجرد رأي شخصي وللناس ما ترى !

 

س10: ياسمينة حسيبي: في هذه الحالة كيف يكون تقييمك للنص الشعري الحداثي في ظل شيوع ثقافة النت وانتشار المجلات الالكترونية واستسهال الطبع والتكريمات المجانية؟

ج10: حمودي الكناني: عندما اقرأ ما يجعلني ارقص مع السطور وأغني ما أقرأه بلسان عربي فصيح عندها اقول للذي يقول ماذا جرى لك، اقول له أخذني النص فنسيت نفسي، عندما اقول حرف ياسمينة حسيبي ذهبي أنيق فلا أجانب الحقيقة ابدا .. كثيرا ما سرت والشواطئ ورأيت ما عليها من مخلفات على رمالها والحداثة لا تعني الانقلاب وانما تعني مماشاة للعصر وما يفرضه من الفاظ وتعابير ومواضيع ورؤى وصور .. اجد الكثير ممن يكتب (ابدعتي واحسنتي وانتي) يقال عنه شاعر او كاتب اثير ... ولله في خلقه شؤون !

 

س11: ياسمينة حسيبي: النقدية العربية ما زالت تعتمد على التنظيرات الغربية في تأويل وتحليل النصوص الادبية مما يخالف عموما روح النص العربي . أما آن الاوان لكي تستحدث منهجية نقدية عربية معاصرة لتقييم ودراسة النص العربي انطلاقا من بيئته وواقعه الاجتماعي والسياسي؟ ما رأيك، ألسنا أمة الشعر والأجدر بوضع نظرياته؟

ج11: حمودي الكناني: آه من هذا الشعور بالدونية ان صح التعبير وكأننا امة لم ولا تنجب العظماء ولهذا اصبحنا مستوردين للنظريات لا منظرين ولا حتى مفكرين .. يا للهول كلما اعتلى احدهم المنصة راح يسمعنا من الاسماء اللاتينية والفرنسية والانكليزية وكأن امة العرب عبر القرون لم تنجب النقاد والشعراء والمفكرين .. يا لبؤس الحال يا صديقتي .

احسنت الطرح والله لقد آن الاوان لاستحداث هذه المنهجية وفق اسس صحيحة ورسم هوية النظرية النقدية العربية ولدينا من النقاد الكبار المؤهلين الذين تقع هذه المسؤولية على عاتقم وعلينا أن نشد على ايديهم !

 

س12: ياسمينة حسيبي: يتعرض مهرجان المربد الشعري العراقي للكثير من الانتقادات، ما هو تقييمك لهذا الصرح الثقافي في تشجيع الإبداع العراقي الحقيقي؟ وما مدى صحة خضوعه للتّسييس وللشللية؟

ج12: حمودي الكناني: أنت تعلمين كان للعرب سوق يلقي فيه شعراء العرب اشعارهم في كل سنة وهناك من يستمع ويقيم فالجيد منه كان يكتب بماء الذهب والاجود منه يعلق على اركان الكعبة وهكذا خلد الشعراء وخلد شعرهم ... والمربد كان عكاظ العرب كنا نسمع فيه اجمل الشعر والذين يحضرونه كانوا من كبار شعراء العربية ومن كبار الكتاب والنقاد والفنانين فهل مربد اليوم هو مربد الامس .. قطعا اقول لا شاء من شاء وأبى من أبى فلا سوق عكاظ بقي عكاظا ولا المربد يسمعنا في فنائه ما يشنف الاسماع .. لربما تجدينني قاسيا ولكنها الحقيقة التي تزعج الاخرين !!

 

س13: ياسمينة حسيبي: حضور المرأة في إبداعات حمودي الكناني خجول ورمزي .. لكن المرأة العراقية المبدعة حاضرة جدا ومتفاعلة بشكل كبير مع الواقع، ما تقييمك لدورها ولتأثيرها في المشهد الثقافي العراقي وفي التوعية والتنمية؟

ج13: حمودي الكناني: لربما هناك جانب من الحقيقة فيما ذهبت اليه ولكني ضد الفصل هههههههه بين الجنسين فكلاهما عندي واحد رغم اني لا أؤمن من أن مجموع واحد زائد واحد هو اثنان .. اعتقد أن دور المرأة العراقية في الحياة العامة وبالخصوص الثقافية والمعرفية كان وما زال فاعلا الم تكن نازك الملائكة على راس قائمة الرواد، الم تكن نزيهة الدليمي اول وزيرة في خمسنيات القرن الماضي والدكتورة سعاد خليل اسماعيل وزيرة التعليم العالي في سبعينيات القرن الماضي هناك الشاعرات والروائيات والاعلاميات والطبيبات والمهندسات والاستاذات ولا اخفيك القول ان المرأة العراقية الآن تشكل اكثر من نصف المجتمع، أ لم يكن للمرأة الدور الفاعل لما حصل بعضهن على اعداد ناخبين في الدورة النيابية الحالية تفوق الكثير على ما حصل عليه بعضهم حتى اعلى ممن يتبوأ اعلى سلطة في البلاد الآن ... في ايام الحروب التي خاضها العراق لا تجدين غير المرأة في المدرسة والمستشفى والدائرة وحتى المصنع ألا يعتبر هذا مؤشرا على دورها الفاعل .. المرأة العراقية فاعلة بشكل جدي لا ريب !

 

س14: ياسمينة حسيبي: هناك صراع عربي/عربي متجذر والاعتراف به مموّه ويخضع لسياسات دولية لكنه حاضرفي إبداعات المثقف العربي عموما والعراقي خصوصا. فهل استطاع المثقف العراقي أن يؤثر على مجرى الاحداث السياسية في بلده من خلال إبداعاته الادبية؟

ج14: حمودي الكناني: يؤسفني ان اقول لك ان المثقف العراقي اليوم لا تأثير له على مسرح الاحداث لربما اكون مخطئا ولكن الغالبية تصطف وراء قلوبها لا وراء عقولها وشتان بين من يرى بقلبه وبين من يرى بعقله .. أظن عندما ينضب النفط وتمحل الارض ننتبه جميعا اننا لم نقدم ما ينفع الناس ويرأب الصدع .. وا أسفاه لقد ضاعت السلة وضاع معها العنب ... جميعنا خاسرون أين بغداد ولياليها .. أين الموصل وربيعها أين الانبار وأصالتها أين أين أين ............... (متشائم أليس كذلك؟) آه منكن معاشر النساء فأنتن سبب كل مشاكلنا ههههههههههههههههاي يالا نكبر وننسى !!

 

س15: ياسمينة حسيبي: كتبت في إحدى تعاليقك: جماهير "عبيد السلطان" ساهمت بصورة او بأخرى من تمكين السراق من السلطة.." كيف تتوجب توعية هذه الجماهير ودفعها إلى التغيير والوقوف في وجه الساسة المستغلين للسلطة؟

ج15: حمودي الكناني: هناك حاكمية تسيطر على هذه الجماهير اقوى من كل انواع التثقيف والتنبيه والتوعية يا ياسمينة .. حاكمية التمترس وراء الكتل والمذاهب والأعراق والأديان والمناطق لم تنتج وتفرز إلا من ساهم في الخراب وسرقة الممتلكات والمال العام وسيادة الامية واللاوعي .

 

س16: ياسمينة حسيبي: ما رأيك، كمثقف عربي، في التأزيم الطائفي وتأثير التوجهات الحزبية على الإبداعات والسلوكات الثقافية ودورهما في توسيع الهوة بين الأدباء والمبدعين العراقيين من جهة وبين المبدع والمؤسسات الثقافية من جهة اخرى؟

ج16: حمودي الكناني: حالة قائمة وتغذى من الجميع ومهما يصرخ المثقف بوجهها فلا احد يسمع ويستجيب لهذا الصراخ ... وحتى هذه المؤسسات الثقافية هي ذاتها مسيسة ... الكل يضحك على هذه الجماهير والجماهير مرتاحة لهذا الضحك فماذا سيفعل المثقفون بصراخهم؟

 

س17: ياسمينة حسيبي: قلت يوما: " أعيش دائما وحيدا في داخلي وبالرغم من هدوئي فبداخلي غليان .. وحسرة لا تنتهي!!"

لكنك تشتهر بين زملائك وأصدقائك الأدباء بالمشاغبة والمشاكسة وبث روح الفرح وبالقفشات الاستفزازية على الواقع العراقي السياسي المزري. فهل هذا نوع من الهروب من هذا الواقع أم ضماد لجروح الروح؟

ج17: حمودي الكناني: قلت في اجابتي السابقة الكل يضحك على هذه الجماهير والجماهير مرتاحة لهذا الضحك وأنا عندما اكون بين اصدقائي فحديثنا هو حديث الساعة وحديث الساعة مؤلم وواخز كالإبر لهذا تجدينني اشاكس وأشاغب ولنقل أخبث خباثة محببة لكي اضحك واضحك الحاضرين مما يدور وأحيانا يكون داوني بما كان هو الداءُ !

 

س18: ياسمينة حسيبي: ختامه مسك كما يقال، ما رأيك في ان نختم بأهداء صغير لقرائك من عصارة روحك.

ج18: حمودي الكناني: والله لم اجد نصا سواك أقرب الى الروح يا ياسمينة لأنك حينما تكتبين، تكتبين الذي في داخلي فأجدك نصا شديد الاحالة والكثافة والانزياح والضرب بأنامل من وجع على مسميات الزمن الصعب ولسان حالي يقول الان:

 

آه لو كان بيني وبين جدي هاتف نقال

لناديته تعال جدي

احفادك لا يعترفون بإنسانيتك

يقولون اننا ندفع

ثمن ما اقترفت يداك

هل كانت فعلا هفوة

(فحملتنا مالا طاقة لنا به)

أم أنك وجدت في الشيطان ضالتك

تعال جدي اني فعلا اشفق عليك !!

 

ياسمينة حسيبي: لا شك لديّ في أن الُقرّاء الأعزّاء، وخاصة من مُحبّي حرفك والذين يعرفون كم أنت صادق في ارتساماتك وآرائك الأدبية والسياسية، قد استمتعوا بهذا الحوار الذي غلفه الصدق وغلبت عليه روح العفوية والصراحة ..

وبإسم صحيفة المثقف، أشكرك على هذا السفر الممتع في مسافات روحك الغامرة إنسانيّا وأدبيّا، وأتمنى لك الكثير من الصحة والعافية والمزيد من التألق في مسيرتك الابداعية.

 

ياسمينة حسيبي

مدارات حوارية - المثقف

23 - 1 - 2016

في المثقف اليوم