نص وحوار

نص وحوار: مع الاديب حمودي الكناني ونصه "إستدراك .. قبل فوات أوان"

 

حمودي الكناني شاعر وقاص له حضور دائم في صحيفة المثقف.

 من أعماله الادبية المعدّة للطبع:

* مجموعة قصصية بعنوان "آخر المطاف .....وأولي"

* مجموعة نصوص بعنوان "إستدراك قبل فوات أوان"

* مجموعة قصص قصيرة بعنوان "رقص على الشفا"

* رواية بعنوان "نوم على سرير العدو"

 

جلال جاف: الأديب حمودي الكناني بعد أن قرأنا نصك "إستدراك...قبل فوات أوان" وجدناه محمّلاً بجماليات الشعر الحداثوي الموشّى بالثورة والأسى والحب، بأسلوب إعتبره الكثيرون إنعطافة نوعية في أسلوبك الشعري ما دفعنا إلى إختياره لباب نص وحوار في المثقف ومحاورته من خلال بعض الأسئلة تاركين الفرصة للقراء الكرام لطرح المزيد منها وإغناء الحوار بمداخلاتهم.

أهلاً وسهلاً بالأديب حمودي الكناني في المثقف، في باب نص وحوار.

 

حمودي الكناني: شكراً لكما وأهلاً وسهلاً بالمثقف المؤسسة مديراً ومحررين وأهلاً وسهلاً بالمثقف كاتبات وكتاب وقراء في كل شبر يتواجدون عليه من المعمورة .. المثقف البيت الجميل الذي منحنا هذه المساحة لنقل أفكارنا وأحاسيسنا ومشاعرنا إلى كل من دخل إليه يستحق منا ان نقول فيه أجزل آيات التقدير والاحترام .

 

س1: جلال جاف: إستناداً لآراء بعض الفلاسفة مثل ديكارت، وهيوم، وكانط، وفشته، وهيدجر، وهيجل، وسارتر، في مجال التحليل النفسي التي سمحت لفرويد أن يمنح هذا الموضوع شهادة الميلاد الأولى، فأنجبت أطروحاته، المكونات الثلاث للجهاز النفسي، وهي الهو، والأنا، والأنا الأعلى، وفرغ الأخير إلى إنجاز مفهومي الوعي واللاوعي، أو الأنا واللاوعي.

النص:

(أنا، ضميري .. أعوذ بالله مني     

كم أمقت حالات الأعراب الثلاث لهذه الأنا

حالة الأعراب

أنتِ ...... لا يمكن أن تكوني غير مبتدأٍ مرفوع

ليعترض النحاة ........................!

لا شأن لي بهم .

أما أنتِ ........... فمقصودتي،)

عملية الغوص والتنقيب في مدخل نصك، أدت إلى تشاكل الإشارات وتداخل الدلالات مما دفعنا إلى الحاجة إلى معرفة تجليات الأنا التي أردت إبرازها في المقطع اعلاه؟

 

ج1: حمودي الكناني: الأنا (ego) التي وصفها فرويد هي حالة الاعتدال بين الهو والأنا الأعلى Super ego والتي تسمح ببعض التصرفات بشكل لا يتعارض مع قيم المجتمع ولعله من الأجدر أن أقول لك أن (أنا) التي جاءت في نصي هي لسان حالي ضمير المتكلم الذي أدخلت عليه أداة التعريف (ألـ ) لتصبح (الأنا) التي لا علاقة لها لا من بعيد ولا من قريب بـ (الأنا) التي ذهب إليها فرويد التي تناولت الجانب النفسي للإنسان ...... فـ " الأنا " التي مثلت هنا ليست (ego) الفرويدية كما يتبادر إلى الذهن بل ضمير المتكلم فلذلك تعوذت منه لأن ضميري لم يعد ضمير المتكلم الذي لم تشبه شائبة...لقد تلطخ بقصد أو بغير قصد شئتُ أم أبيت بكل ما حدث ويحدث على المساحة التي أتواجد عليها أو التي أشاهدها وأسمع عنها ...لأنني عاجز تماما عما يمكنني من فعل شيء عملي ملموس يؤدي إلى رفع ما لحق ويلحق بالإنسان من حيف وضيم فالكرامة والحرية والعدل والمساواة وإشاعة روح المحبة والانسنة هي ليست غرائز تتعلق بالشعور واللاشعور نريد إشباعها وإنما هي قيم ومبادئ أتوق إلى رؤيتها تشيع بين المجتمع ..... ولو سألتني كيف يكون هذا الأمر لقلت لك أن مواقع (نا) الإعرابية هي التي جعلتني استخدم التعابير النحوية كرموز اشتغلت عليها في النص رغم بساطته وتذكرت كيف أن ابن مالك كما ورد وقف في باحة الدار يردد (للجر والنصب والرفع نا صلح ........ فسمع ابنته تقول ........ كأعرف بنا فإننا نلنا المنح) وعلى العموم فان الباحث يرى ما لا يراه الكاتب وطالما ذهبت برؤيتك إلى الذات فليكن الأمر كذلك فأنا وأنت وهي والآخرون جميعا نرغب بتحقيق مالا يرفضه المجتمع أو يتعارض مع قيمه ومصالحه وهذا حق مشروع .

 

mayada aboshanab2س2: ميادة أبو شنب: "الآخر" في أبسط صوره هو مثيل أو نقيض "الذات" أو "الأنا" وقد ساد كمصطلح في دراسات الخطاب .و تأتي أهمية "الآخر"، في الفلسفة الوجودية السارترية، في تكوين "الأنا" وتحديد هويتها. على أن التماثل أو التناقض بين الأنا والآخر يثير تساؤلاتنا الفلسفية الوجودية التي تفضي إلى حتمية إثارة جدل بين الأنا والآخر، أو حتى الصراع.

النص:

(تلك النقطة ؟

هي قلبي الذي شظته مفخخات واو الجماعة

أترين الذي يعلوني ......؟

هو صخب الشوارع المتألمة من وجع البطون

بطون قبائل العرب

أنا لا بطن لي

اقتلعتها آخر حرب أحرقت المكتبات العامة

تلك الحرب أغفلها النحاة عن عمد

لم يضعوا على آخرها علامة سكون ........

ورحلوا)

"الآخر" في نصك يظهر على شكل نقيض وهو يتجسد بـ: النحاة، واو الجماعة، قبائل العرب والأعراب.

ما هي نوعية "الصراع" بينك وبين كل فئة من مجموعة "الآخر"؟

 

ج2: حمودي الكناني: كل الذين ذكرتهم في هذا النص هم الآخر الذي يتعارض مع المعطيات غير القابلة للرفض، فالنحاة هم المشرعون عندي الذين لم يكونوا أمناء فيما طرحوه من ضوابط ونظم لا تحق الحق ولا تقيم العدل .... وهكذا كان حال واو الجماعة عندما يجتمعون على الباطل لا يميزهم غير واوهم، هذه العلامة التي تشير إلى لمّ شملهم .... أما قبائل العرب لم تتصالح مع نفسها ومع القبائل الأخرى على مر العصور ..... فخصومي هؤلاء هم ليسوا خصوم مفترضين لذلك أشرت لهم بهدوء أنهم وراء كل بلاء وبيل لحق ويلحق بالأمة....

الحروب التي أفتعلت على مر العصور هي من نسج كل هذه الرموز التي أصبحنا وجلين من ذكرها بشكلها الصريح ....وبناء على ما ذهبتما إليه من تفسير للنص وإدراجه في هذه الخانة فان كل ما يتعارض مع القيم والمبادئ العليا كالحرية والعدل والمساواة ورفع الحيف والتسلط هي من فعال هذا الآخر المتمثل بهؤلاء الذين هم مجرد أدوات تنفيذ لواجهات تحركهم عن بعد.

وبعيداً عن خلق متاهات لا أبواب للخروج منها فان الآخر الذي ذهبت إليه هو كذلك الأنا الأخرى التي تحتاج إلى معالجة نفسية ...والشواهد على ذلك ما حصل ويحصل في كل يوم على امتداد ساحة الوطن من محيطه إلى خليجه.

 

س3: جلال جاف: يختلف مفهوم العملية الإبداعية تبعاً لنوع التحليل النفسي الذي يتبناه المحلل أو الناقد فالذي يتبع فرويد ونظرته للعمل الفني يرى أن عملية الإبداع هي نوع من اللعب أثارته حادثة معينة في الحاضر فاستجاب لربطها برغبة غير مشبعة قديمة (عادة هي بقايا من الدوافع والغرائز الطفولية). فيعبر عنها بطريقة تتواءم مع أعراف وقوانين المجتمع عن طريق توظيف آليات الدفاع والإزاحة الواعية وغير الواعية،و هكذا يربط العمل الفني اللحظات الزمانية الثلاثة الماضي الحاضر والمستقبل .

انطلاقا من هذه النظرة النقدية في التحليل النفسي وعلاقتها بالأدب عموما وبخاصة الشعر.هل يمكن أن تبين لنا ما هي هذه الحادثة التي أثارتك حتى استجابت لها آليات الإبداع عندك في هذا النص وما هي اللحظة الزمنية التي أردت بناءها،هل هي مستقرة في الماضي أم وضعت لها إسقاط في الحاضر حتى تترك لها الحرية الكاملة في التحقق في فضاء النص في المستقبل؟

 

ج3: حمودي الكناني: الظروف التي أدت إلى كتابة هذا النص هي سلسة الإحداث التي حدثت وما زالت تحدث على إمتداد الساحة العراقية والوطن العربي . فالأحداث الشاخصة أمامنا مسموعة ومرئية وهي ليست إسقاطات ماض سحيق وإنما فعال مشاهدة لم تخف على احد ولهذا صلحت وتصلح أن تكون المحفز لي ولغيري لرسمها ووصفها أو التنويه إليها أو تلوينها بما نستطيع لنكشف مدى الخطر الداهم والأذى الذي يلحق بالناس ولما كانت النفس الإنسانية هي عبارة عن وعاء رقيق مليء بالأحاسيس والمشاعر فان أي خدش مهما كان بسيطا يؤثر فيها فما بالك بالذي يحصل من جراحات كبيرة وعميقة، ألا تكفي هذه ؟

 

س4: ميادة ابو شنب:

النص:

(تلمسي وجهك ..........

غبار ......؟

أرأيتِ ........

حداثوية داحس والغبراء!؟)

داحس والغبراء، كما نعلم، حرب جاهلية وقعت في منطقة "نجد" بين قبيلتي "عبس" و"ذبيان". إستمرت أربعين سنة. والتي قامت بسبب سباق خيول إشتركت به الفرسان "داحس" و"الغبراء".

كانت هذه الحرب عبارة عن صراع عربي - عربي عبثي بين مجموعتين من نفس الفئة الاجتماعية، نتيجة لجدلية الوجود العربي كوجود قبلي عشائري.

كيف ترى وجه الشبه بين تلك الحرب والحروب التي نشهدها الآن على أرض الواقع، الظاهر منها والمستتر؟

 

ج4: حمودي الكناني: جميل جداً . هذا السؤال هو بيت القصيد وهو لربما المحرك او المشغل الذي جعلني أكتب هذا النص وذلك لان الذي حدث منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي ولحد الان هو داحس والغبراء بعينها بلبوس جديد وبالرغم من عبثيتها إلا إنني أراها مبدأ ذا قيمة عند العرب في ذلك الوقت ولهذا فالمساس بهذا المبدأ يعتبر إنتقاص للآخر والذي يتمثل بقيم وتقاليد وعادات القبيلة فعلى هذا الأساس لم يتقبل الطرف الآخر الهزيمة وحتى وان كانت على مستوى سباق بين متباريين إثنين وأن ما نراه الآن على الساحة ونسمع هو داحس وغبراء حديثة حيث لا نهاية لهذا الصراع الذي يحاول كل طرف التمسك به من اجل إثبات وجوده ... حب الهيمنة والسيطرة والتسيّد والنزوع إلى حب الظهور بمظهر القوي صاحب الحق الذي لا يقهر لدى الجميع هو الذي خلق ويخلق هذه الحرب التي لن تنتهي أبدا.

 

ميادة أبوشنب: شكرا لك مجددا ألاديب القدير حمودي الكناني، وشكراً للحوار الممتع، والآن نترك الباب مفتوحا لمداخلات السيدات والسادة لطرح المزيد من الاسئلة لاثراء الحوار أكثر.

 

حمودي الكناني: في الختام شكراً لكما على ما تبذلانه من جهد جهيد على درب الكلمة المعبرة والهادفة على صفحات المثقف الجميل البيت الذي يجمع أحلى وأغلى الاصحاب من ذوي الاقلام الرشيقة والفكر النير.

 

المثقف

نص وحوار

ميادة أبوشنب / جلال جاف

.................

 

  

إستدراك...قبل فوات أوان

حمودي الكناني

 

أنا، ضميري .. أعوذ بالله مني

كم امقت حالات الأعراب الثلاث لهذه الأنا

أنتِ ...... لا يمكن أن تكوني غير مبتدأٍ مرفوع

ليعترض النحاة ........................!

لا شأن لي بهم .

أما أنتِ ...........فمقصودتي،

يقينا لم تمر عليهم حالتُك الإعرابية

هم يقلبونك على نارهم الهادئة أُحجية

يمذهبونك ....لكن خاسرين !

كم من أجلك سُفكتْ دماء

نُحرت أضاح

وخضبت بدمك القاني سوح اللغات

سأنتظرك .......... ؟

أترين تلك المثابة .....

تلك النقطة ؟

هي قلبي الذي شظته مفخخات واو الجماعة

أترين الذي يعلوني......؟

هو صخب الشوارع المتألمة من وجع البطون

بطون قبائل العرب

أنا لا بطن لي

اقتلعتها آخر حرب أحرقت المكتبات العامة

تلك الحرب أغفلها النحاة عن عمد

لم يضعوا على آخرها علامة سكون ........

ورحلوا !

أسمعت بذات الثلاثين ربيعا

تلك التي قايضت أبي بي

تركتني لم أكمل صرختي بوجه العالم........

ورحلت مكسورة النشوة

تلمسي وجهك ..........

غبار ......؟

أ رأيتِ ........

حداثوية داحس والغبراء ! ؟

أنتِ التي كنت ابحث عنها

أنت التي في ذاكرتي المثقلة بكِ.......

يوما ما سألتقيكِ عارية إلاّ

من بقايا جدائل لم تعبث بها

أصابعُ الأعرابِ والإعرابِ

 سيسلبُك نحاة اليوم أثوابَك الحرير

لكن .........،

ذلك الذي بيني وبين البطون

 هو الذي يلاحقني

يتخطفني

من بين كل شهيق وزفير

يمُذْهُبُني على هواهُ

لكنني رفضتُ،............؟

أمنتُ بك أنتِ مذهبا !

فتعالي نصلي خلف الحب

نسجد خاشعين

ونلتمس لما عداه العذر !

 

 

خاص بالمثقف

(العدد:1995 الاحد 08 / 01 / 2012)

 view=article&id=59067:2012-01-08-04-39-43&catid=35:2009-05-21-01-46-04&Itemid=0

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2046الخميس 01 / 03 / 2012)

  

في المثقف اليوم