مرايا فكرية

مراد غريبي يحاور الباحث الفلسفي المفكر علي محمد اليوسف في مرايا فكرية (1)

2916 علي اليوسف ومراد غريبيخاص: المثقف: تستضيف المثقف الباحث الفلسفي المفكر الأستاذ علي محمد اليوسف ضمن مرايا فكرية، وحوار شامل أجراه معه الأستاذ الباحث مراد غريبي، حول الراهن الفلسفي، فأهلا وسهلا بهما:


 المحور الأول: التفكر الفلسفي عند الدكتور اليوسف: التشكل، المعنى، الفكر واللغة

س1: ا. مراد غريبي: من يكون الدكتور علي محمد اليوسف؟ كيف كانت بداياتكم مع المعرفة عموما والفلسفة تحديدا؟ وما هو تعريفكم للفلسفة؟

ج: أ. علي محمد اليوسف: باحث ومؤلف فلسفي مواليد مدينة الموصل 1944..

* عضو المجمع الفلسفي العربي.

* عضو الاتحاد العام للادباء والكتاب العراقيين .

* عملت في السلك الدبلوماسي لمدة ثلاث سنوات معاون مستشار ثقافي بلندن 1986- 1990

* عملت في التعليم لمدة 31 عاما قبل التقاعد الوظيفي عام 1995

* نشرت عددا كبيرا من البحوث والدراسات والمقالات في معظم الصحف والمجلات العراقية والعربية منذ عام 1972

* نشرت عددا من البحوث الفلسفية في مجلة دراسات فلسفية /بيت الحكمة بغداد ومجلة مدارك ومجلة فكر السعودية، ومجلات وصحف عربية أخرى كما نشرت سلسلة مقالات فلسفية في صحيفة الزمان بلندن وصحيفة الديار اللندنية.

* انشر حاليا على موقع المثقف العربي الالكتروني في سدني وموقع كوة الفلسفي في المغرب وموقع الحوار المتمدن وموقع فلسفة الجزائري .وموقع النور في السويد.وموقع فيلوبريس في المغرب، وموقع المجلة الثقافية الجزائرية. اضافة لتفرغي في الكتابة والتاليف الفلسفي.

حائز على:

* تكريم مؤسسة المثقف العربي في سدني بدرع الابداع للعام 2018 كافضل باحث فلسفي.

* تكريم موقع كوة المغربي عام 2020 عضو هيئة تحرير الموقع.

* لقب دكتوراه فخرية بالفلسفة من اكثر من موقع فلسفي الكتروني. .

نتاجي الفكري والفلسفي:

* مؤلفاتي الفلسفية تجاوزت 24 مؤلفا في الفكر والفلسفة صادرة في بغداد وعمان وبيروت.

* اعتبر نفسي مفكرا فلسفيا بالنظر إلى منجزي الفلسفي التحليلي والنقدي المتواضع

 مؤلفاتي:

* كتاب فلسفة الاغتراب في طبعتين الأولى عن دار الشؤون العامة ببغداد عام 2011، والثانية طبعة دار الموسوعات العربية في بيروت عام 2013. ويصدر قريبا طبعة ثالثة عن دار غيداء عمان الأردن .

* الحداثة إشكالية التوصيل والتلقي، دار الشؤون الثقافية ببغداد عام 2013 بمناسبة بغداد عاصمة الثقافة العربية ودار روافد ببيروت نفس العام.

* استقصاءات في الفكر العربي والفلسفة/ دار دجلة بعمان عام 2014.

* العولمة بضوء نهاية التاريخ وبروز ظاهرة الإرهاب/ دار دجلة بعمان 2015.

* جهات أربع: مقاربة في وحدة النص/دار دجلة بعمان 2010

* ميتافيزيقا الموت والوجود/ دار مؤسسة الانتشار العربي بيروت 2014.

* إشكالية الثقافي العربي/مغايرة التجاوز والتجديد/دار جرير بعمان 2015.

* مناظرات نقدية في الفلسفة والفكر دار غيداء 2016

* آراء ومفاهيم ممنوعة من الصرف، صدر عن دار غيداء 2017.

* الكلمات ومحمولات المعنى/ دار غيداء2019.

* افكار وشذرات فلسفية /دار غيداء/2019.

* نقد الفلسفة الغربية المعاصرة دار غيداء 2019

* العقل والوجود في الفكر واللغة. دار غيداء 2019

* قضايا فلسفية في المنهج المادي الجدلي دار غيداء 2019.

* مناظرات نقدية في الفلسفة والفكر دار غيداء 2020.

* قراءة نقدية في مباحث فلسفية غربية معاصرة عن دار غيداء 2020 يصدر قريبا عن دار غيداء بالاردن ايضا.

* مأزق التحول اللغوي في الفلسفة المعاصرة دار غيداء 2021

* تحت الطبع:الزمان والفلسفة /الدين والفلسفة /فلسفة الاغتراب طبعة ثالثة/ الفلسفة الغربية المعاصرة .. رؤية نقدية.

مارست النشر في الصحف العراقية والعربية منذ سبعينيات القرن الماضي، وانتقالتي الثقافية النوعية كانت نحو الفلسفة تحديدا في عام 2004 حين اصدرت كتابي فلسفة الاغتراب طبعة محدودة على نطاق مدينة الموصل ونشر بعدها بطبعتين الاولى عام 2011، عن دار الشؤون الثقافية ببغداد والطبعة الثانية عن دار الموسوعات العربية في بيروت عام 2013، ويصدر طبعة ثالثة عن دار غيداء بالاردن قريبا.

حيث إنتقالاتي هذه، لم تأت حصيلة دراسة اكاديمية، بل جاءت نتيجة تراكم خبرة ثقافية متنوعة مارستها كتابة ونشر لما يزيد على اربعين عاما، اذ كتبت مجموعة شعرية بعنوان (توهج العشق .. احتضار الكلمات) وكتبت في متنوعات الاجناس الادبية في القصة القصيرة والنقد وفي الثقافة عموما فكانت الحصيلة صدور كتابي (جهات اربع .. مقاربة في وحدة النص) صدر عن دار دجلة في عمان عام 2010.

استطيع اختصر لماذا تحوّلت حصيلة مجهوداتي في النشر والتاليف الادبي والثقافي عموما لتستقر في الفلسفة:

- الاولى أصبح عندي نفسيا ميلا شديدا نحو الفلسفة يؤمن لي هاجسي المدفون في اعماق تجربتي الادبية والصحفية المتواضعة التي وجدتها لا تلبي ما يعتمل في دواخلي النفسية الفكرية من ميل كبير نحو الفلسفة. حيث نضجت تماما عندي في منشوراتي ومؤلفاتي الفلسفية بعد عام 2015 تحديدا.إذ كانت كتاباتي ومؤلفاتي مزيجا من الادب والفكر تتخللها مطارحات فلسفية.

- الثاني اني لم اكتب مقالا واحدا بالفلسفة متاثرا بالنمط التقليدي الاكاديمي والمترجم في نسخ اجتزاءات من تاريخ الفلسفة تعنى بفيلسوف معيّن بشكل حرفي اكاديمي استعراضي يعتمد مرجعية ومصدر تاريخ الفلسفة في متراكمه الاستنساخي الثابت المعاد والمكرر، كما وردنا في قناعة خاطئة على أن تاريخ الفلسفة لا يحتمل النقد النوعي في التصحيح أو الاضافة بل إعتماد النسخ الاستعراضي المشبع بالتمجيد المجاني.وكان السائد أن تاريخ الفلسفة هو من القدسية التي مرتكزها الثابت إعادات وتكرارات لسير ذاتية تخص حياة ومنجزات فلاسفة قدامى ومحدثين منسوخة اعمالهم في الترجمة الحرفية اشبعت تناولا فلسفيا عند عشرات من الاكاديمين العرب العاملين على ترجمة قضايا الفلسفة الغربية في غياب منهج النقد من جهة والشعور بعدم الندّية المتكافئة مع آراء اولئك الفلاسفة بالحوار الموضوعي فلسفيا.

- بخلاف هذا المعنى والتوجه مارست الكتابة الفلسفية (نقدا) منهجيا عن يقين ثابت لافكار كبار فلاسفة غربيين وجدت في ثنايا مقالاتهم وكتبهم الفلسفية ثغرات خاطئة لا يمكن التسليم والاخذ بها وتمريرها كمسلمات دون مراجعة نقدية صارمة لعيوبها المستترة خلف اسم وفخامة وسمعة الفيلسوف فقط في غض النظر على صعيد مناقشة افكاره. واترك مسالة التوفيق والنجاح في مسعاي النقدي الفلسفي في كتاباتي ومؤلفاتي للقراء والمتخصصين في الفلسفة.

- من الجدير الذي اود التنويه عنه اني كنت في مسعاي المنهج النقدي الفلسفي وهو مشروع بدئي عربي متواضع صائبا في تقديري سبقني به غيري، أن تاريخ الفلسفة الغربية قديمها وحديثها مليء بالمغالطات والاخطاء القاتلة وميتافيزيقا الافكار ومقولات فلسفية وهمية سفسطائية لا قيمة حقيقية لها تقوم على مرتكز مخادعة التفكير الفلسفي ذاته وليس مغالطة معنى اللغة في التعبير عنه.

- اذ كانت البداية الحقيقية في نظرية التحول اللغوي ومتابعة فائض المعنى اللغوي علي يد فيلسوف البنيوية دي سوسير عام 1905 ليعقبها بعد ذلك فينجشتين وفلاسفة البنيوية وعلماء اللغة تلتها الوضعية المنطقية حلقة فينا اعقبتها تاويلية بول ريكور وتفكيكية جاك دريدا ليستقر مقام فلسفة اللغة التي اصبحت الفلسفة الاولى في تاريخ الفلسفة الحديث منتصف القرن العشرين بعد تنحية ابستمولوجية فلسفة ديكارت كفلسفة اولى جانبا والتي استمرت قرونا طويلة. وبعد استلام فلاسفة وعلماء اللغة الاميركان راية فلسفة اللغة من الفرنسيين والالمان والانكليز حلقة اكسفورد في فلسسفة اللغة التحليلية الوضعية بزعامة براتراند رسل، جورج مور، كارناب. فينجشتين وغيرهم.

خلاصة كل هذا التطور في تاريخ الفلسفة كان هاجسه تاكيد حقيقة أن تاريخ الفلسفة معظمه كان افكارا وهمية سببها المباشر الاول عدم دقة فهم تعبير اللغة في تناول قضايا فلسفية مفتعلة لا قيمة حقيقية لها، ولم يتم التنبيه الى معالجة اخطائها الفادحة الا في وقت متاخر مع ظهور فلسفة اللغة والتحول اللغوي في نظرية المعنى. ولي في عدة مقالات منشورة وموزعة في ثنايا مؤلفاتي رأيا توضيحيا في معنى التحول اللغوي وفلسفة اللغة والى ماذا اوصلت تاريخ الفلسفة ربما يتاح لي عرضه لاحقا.

 س2: ا. مراد غريبي: بحكم تبحركم في اغوار التراث الفلسفي ومديات الفلسفة الحديثة والمعاصرة هل لديكم تعريف خاص بكم للفلسفة؟

ج2: أ. علي محمد اليوسف: أقولها بأمانة وصراحة أني في كل كتاباتي المنشورة ومؤلفاتي لم اكن سوى طالب معرفة فلسفية لا زلت امارس رغبتي هذه من منطلق استزادة الاطلاع على مباحث فلسفية اجنبية غربية تحديدا، ولم أبلغ مستوى التبحر في أغوار التراث الفلسفي الذي لا يسعني استيعاب النزر اليسير منه بما يحتويه من متراكم خبراتي فلسفي تاريخي لا يمتلك رغم ضخامته تزكية الصواب المليء بالحشو الزائد.

أستطيع القول في نقاط:

* أن انتقالاتي في الكتابة الفلسفية التي لا تتمحور في غالبية مؤلفاتي في منحى فلسفي واحد تعطي إنطباعا لا أنكره على نفسي وبعض الاساتذة الباحثين في المجال الفلسفي اني استطعت تجاوز حاجز الكتابة التخصصية في موضوع فلسفي معين واحد.

* منهجي الفلسفي الذي إعتمدته بكتاباتي تحكمه الضوابط المنهجية التالية التي لم أحد أو أتراجع عنها:

- عدم التزامي المنهج الاكاديمي الذي يعتوره إستنزاف مجهود الباحث في تغطية سطحية التناول الإستعراضي (مرجعية ثبت هوامش المصادر والمراجع) باللغات الاجنبية في التناول الفلسفي الذي يعتمد الترجمة الحرفية وبتقديس مسرف لما يقوله الفلاسفة الغربيون على أنه يمّثل حقائق الامور. الفلسفة أكاديميا في التدريس والتلقي عند الطلبة في الجامعات العربية من أسوأ أخطائها أنها غيّبت الحس النقدي الممنهج على حساب ترسيخ إعتياد الحفظ والاستظهاراليقيني الساذج بعيدا عن الرؤية المنهجية النقدية.

- عمدت الابتعاد التام الكامل عن كتابة العروض الهامشية لافكار فلسفية وردتنا بهالة من المكابرة الفارغة التي أسبغناها عليها، في إهمالنا أهمية ممارسة النقد الفلسفي وبذر نواته لدى طلبة الفلسفة واساتذتها اننا لا يجب ان نتهيب اسم الفيلسوف في اعدام حقنا المكتسب ضرورة ممارسة منهجية النقد في دراساتنا الفلسفية. واستطيع القول بكل ثقة وامانة اني لم اكتب مقالة فلسفية واحدة لم امارس فيها منهج النقد الفلسفي في مقارعة الحجة بالحجة من منطلق التكافؤ الفكري لا من منطلق مشاعرالاحساس كما يروج له البعض ويمارسه من عتبة الادنى بالنسبة لفلاسفة غربيين. ولم أقرأ لفيلسوف غربي أجنبي لم يلازمني في افكاره هاجس النقد في بعضها رغم كل إعجابي به كفيلسوف صاحب نظرية فلسفية خاصة به..

س3: ا. مراد غريبي: سعادة الدكتور اليوسف استسمحكم: العديد من القراء لكم يطرحون سؤالا على جانب من الوجاهة:

- لماذا كانت كل كتاباتك ومؤلفاتك هي عن الفلسفة الغربية فقط، ولم تتناول الفلسفة العربية الاسلامية كما فعل العديد من المفكرين العرب الكبار بهذا المجال؟

ج3: أ. علي محمد اليوسف: أستطيع تثبيت وجهة نظري حول هذا التساؤل بالتالي:

1- لا أمتلك التخصص الاكاديمي الفلسفي في الفلسفة العربية والاسلامية التي تطغى عليها مركزية مراجعة التراث في تدوير منطقي لا يخرج الا نادرا قليلا في تناول قضايا فكرية فلسفية مالم تكن متوازية مع تطويعها لفقه الاجتهادات الدينية الاسلامية.

وهذا مؤشر جوهري أن الباحث في الفلسفة العربية الاسلامية لا يمتلك حرية النقد المنهجي الموضوعي الا وهو مغترب يعيش في بلاد المهجر. طبعا يوجد استثناءات معاصرة مارسها استثنائيا مفكري المغرب العربي في مرحلتي القرون الوسطى الاوربية وفي مرحلة الفلسفة المعاصرة التي تقوم على ثنائية اصطراع التراث والحداثة التي لم تنتج لنا مشروعا فلسفيا بل انتجت لنا صراعات فكرية على مستوى النخب الفكرية الفلسفية..

2- ما يطلق عليه فلسفة عربية اسلامية تمتلك هويتها المستقلة ومشروعها الفلسفي الخاص بها لا وجود لها لا قديما ولا حديثا ماعدا استثناءات وردت في التماعات فلسفية كانت ضمن عروض افكار الفلاسفة الغربيين. اذا كان المقصود بالفلسفة العربية الاسلامية هي الفلسفة التي سادت منذ القرن الحادي عشر الميلادي فهي ليست فلسفة معرفية وانما هي فلسفة كتابة هوامش وتوثيق تدويني قامت بمهمة الحفاظ على ماوردنا مترجما عن الفلسفة الغربية اليونانية القديمة وبعضا من فلاسفة فارس والصين والهند، وهي الفلسفة التي إخطت لها مسار الترجمة عربيا قديما منذ القرن الرابع الهجري وما تلاه في حكم الخلافة الاسلامية في العصر العباسي وتحديدا زمن خلافة المامون الذي فتح مغاليق الاحتجاب عن الفلسفات الاجنبية السائدة آنذاك في الصين وبلاد فارس واليونان في تاسيس بيت الحكمة وتشجيعه الترجمة العربية لانجازات اجنبية فلسفية وادبية وثقافية عموما..

أما أن نقصد بالفلسفة العربية الاسلامية التي أنتجت لنا ابو حيان التوحيدي والفارابي وابن سينا وابن باجة وابن طفيل وابن خلدون وابن رشد..

أ. مراد غريي: استسمحكم الدكتور والغزالي كذلك

... فقد كانوا اصحاب مشروع فلسفي لم يكتمل وانتكس بسقوط غرناطة وانتهاء الوجود الاسلامي في الاندلس 2 يناير /كانون الثاني 1492 ميلادية الموافق 897 هجرية. وظهور بوادر خلاص اوربا من عصور تخلف القرون الوسطى وبداية اكتشاف القارة الامريكية. اضافة الى بروز خلاف مستحكم اشار له الفيلسوفين محمد عابد الجابري ومحمد اركون وبعض مفكري وفلاسفة المغرب العربي المعاصرين بين العقل المشرقي المستقيل الذي كان حجر عثرة في ترسيخ الجمود ومحاربة الاجتهاد الفكري الثقافي عموما الذي إمتاز به العقل المغربي العربي الخلاق القائم على موروث حضارة الاندلس اكثر من اعتماده الموروث الفلسفي المشرقي الذي غلبت عليه نزعة التصوف الديني والاشتغال الفقهي الاسلامي..

3- لعلي لا اكون متجنيا متنكرا لميراثنا التاريخي بمجمله هو اننا لم نجد على مدى عصورنا أن قام بعض مفكرينا وفلاسفتنا باكثر من محاولة تطويع الفكر الفلسفي اليوناني المترجم المنقول الى سجنه خلف قضبان المنع والتحريم وعدم التقاطع مع مفردة فقهية اسلامية واحدة باسم تغليب مفردة الفلسفة على فقه الدين. فكان ما نطلق عليها فلسفة عربية اسلامية لا تستطيع امتلاك حرية الاجتهاد الفلسفي من جهة كما ولا تمتلك امكانية الخروج على نوع من توفيقية مخاتلة تلفيقية مهادنة مع الدين تستطيع تسمية الاشياء بمسمياتها الحقيقية، فبقيت اسيرة شروحات غير خلاقة ولا مبدعة في مجال تحقيق هوية فلسفية عربية اسلامية خاصة. واذا سمحنا لانفسنا المقارنة بين الفلاسفة المسلمين المحافظين وبين فلاسفة الصوفية المنكوبين الذين تمت تصفيتهم ببشاعة رهيبة لادركنا جيدا لماذا تسّيد منطق الجمود وغلبته منطق وفلسفة التجديد والانفتاح عند الفلاسفة العرب الذين حاولوا التوفيقية التلفيقية بمداهنة سطوة الفقه الاسلامي مدعومة من الحاكم مع العروض الفلسفية. وغالبا ما كان الاجتهاد الفلسفي العربي الاسلامي يحتجب خلف مرويات من القص الذي تتسيده لغة الالغاز والايهام في إعتماد اللغة على لسان الحيوانات.2916 علي اليوسف ومراد غريبي

س4: ا. مراد غريبي: جميل جدا سعادة الدكتور اليوسف، وماذا عن تعريفكم الخاص للفلسفة؟

ج4: أ. علي محمد اليوسف: أود قبل تعريفي لها الاشارة الى عدم وجود تعريف يكون مصطلحا جامعا متفقا عليه. من حيث تعريفات الفلسفة هي من الكثرة بعدد تعريفات الفلاسفة الذين يعرّف كل واحد فيهم الفلسفة بضوء مرجعية تفلسفه هو لا مرجعية غيره في حب الحكمة منذ القرن السادس اليوناني قبل الميلاد. وكي لا اثقل واطيل على القاريء في ضرب العديد من الاستشهادات المختلفة بلا حدود حول تعريف الفلسفة اقول تعريف الفلسفة بالنسبة لي الذي أرجو ان اكون موفقا به: الفلسفة تعبير منطقي لغوي تجريدي يحاول فهم الحياة بشكل مغاير تماما عن فهم المجموع لها وليس من مهام الفلسفة تغيير حياة الناس، لأنها تجريد غير خاضع للتطبيق بالحياة كما ذهب له كلا من ماركس وراسل على السواء رغم مادية الاول ومثالية الثاني.

س5: ا. مراد غريبي: رائع جدا، طيب دكتورنا العزيز، أي المناهج الفلسفية استقطبتكم ولماذا؟

ج5: أ. علي محمد اليوسف: قبل الجواب المباشر عن التساؤل الذي ساورده لاحقا اود الاستطراد قليلا حول مفهوم المنهج الفلسفي.

- هل المنهج ضرورة معرفية تلازم الباحث بالتفكير ومعالجته لقضية أو مشكلة هي قيد الطرح والمناقشة والتجاذب التنظيري المختلف بشأنها؟

- ما المقصود بمنهج البحث؟

- هل منهج البحث في العلوم الانسانية هو نفسه منهج البحث العلمي الطبيعي؟ وهل كليهما يصلحان كمنهج فلسفي؟

- هل منهج التفكير يقي الباحث ويجنبه الانزلاق نحو/في التشتت التفكيري المليء بالاحتمالات ووجهات النظر المتباينة المختلفة التي تعتورها الاخطاء وتفتقد معيارية المرجع اليقين؟

حينها تكون المادة البحثية أو القضية التي يتم تناولها المعرفي والنقاشي تفتقد الرؤية التفكيرية الممنهجة في رغبة الوصول الى تثبيت حقائق مرسومة سلفا في ذهن الباحث ولا يحققها له غير منهج تناولها التفكيري. كي تخلص قراءة كل نقد لا منهجي من الضياع الفكري المشتت في ثنايا الموضوع المراد بلوغ حقائقه اليقينية.

من ناحية التعريف:

* كل منهج تفكيري هو وعي قصدي عقلي في الوصول لهدف مرسوم سلفا في الفكر قبل أعتماد وسيلية المنهج القائم على قواعد وضوابط وأحكام خارجية تحضر كقوالب أحتواء التفكير العقلي لا يحيد عنها التوزيع المعرفي الممنهج كما هو في قانون وحدة الاواني المستطرقة الفيزيائية...

بمعنى أحكام وقواعد التفكير لا يمكنها الخروج على ما هو معد سلفا لها من قوالب تحتويها في تطويعها لما يراد صبّه فيها من قضايا باسم المنهج الفلسفي كما اراد ذلك ديكارت.

تاريخيا:

منهج التفكير الفلسفي كان مطروحا ومارسه غالبية فلاسفة اليونان قبل سقراط وبعده وصلنا في أبرز قطبين كانت افكارهما تتسم بالمنهجية الاستقرائية والاستنباطية التي تقود الى قناعات لم تكن خارج تفكير الفيلسوف الوصول لها، كما هو حال إختلاف منهج افلاطون عن ارسطو من حيث الاطار العام وليس من حيث التفاصيل التي يكمن فيها الانزلاق الاختلافي نحو اللامنهج كقالب يمتلك محددات صارمة في الاحتواء.

فقد تكون الاطر العامة هي الغالبة في تحديد منهج التفكير ولا تمتلك التفاصيل غير الاجتهاد البحثي الانطباعي الفردي الذي ربما يكون لا ينسجم بالتبعية المنهجية مع الاطار العام للمنهج البحثي.

المنهج الذي يعتبره الباحثون الفلاسفة هو مجموعة القواعد والاحكام والاساليب التي تقود الوصول الى حقيقة الشيء هي محددات خارجية منهجية في اطارها العام لكنها لا نجدها تدخل تفاصيل المبحث قيد الدراسة المنهجية. لذا يكون المنهج اطارا عاما فقط وتغلب على معظم التفاصيل الداخلية الاجتهاد الفكري للباحث ورؤيته النقدية الانطباعية الخاصة به لا بموضوعية المنهج..

لا يوجد منهج يحكم الموضوع أو قضية البحث في مجمل اطارها العام مع تلازم محتواها.

ديكارت والمنهج:

أول من أثار أهمية المنهج في مبحث الفلسفة الحديثة على أساس يقوم على الشك الذي يقود الى الحقيقة الصائبة اليقين هو ديكارت في القرن السابع عشر في كتابه: (مقال في المنهج) الذي أصبح ايقونة فلسفية في عصره وفيما تلا عصره ايضا وفيه يجيب ديكارت على سؤال مالمقصود بالمنهج قوله:

"المنهج جملة قواعد مؤكدة، تعصم الالتزام بها ومراعاتها ذهن الباحث من الوقوع في الخطأ، وتمكنه من بلوغ اليقين في جميع ما يرغب معرفته دون أن يستنفد قواه في جهود ضائعة ".

 ربما سبقه بهذا التوجه بيكون في كتابه الاورجانون عام 1600م، والفرق بين الاثنين هو أحدهما:

- ديكارت كان يبحث عن المنهج التفكيري الفلسفي العلمي على نطاق منطق الفكر التجريدي في المعرفة.

- وبيكون كان يضع عتبات المنهج التجريبي العلمي في فهم الحياة بواقعيتها.

رؤيتي حول المنهج:

بالنسبة لي أجد في المنهج أنه: أسلوب تفكير عقلي في فهم الحياة، وهذا المنظور قائما على أن قوانين العقل تعلو قوانين الطبيعة في ثباتها وتصنع قوانين الحياة في تطورها. لذا لا اجد هناك مثالية بالمنهج كما مارسه الفلاسفة المثاليين الذين يفهمون المنهج كما ارساه ديكارت بالفلسفة على انه وسيلتنا في اكتساب المعرفة المجردة. بمعزل عن مهمة تغيير الحياة التي نحياها. اعتمدت في كتاباتي المنهج المادي الجدلي بمفهومه الابستمولوجي وليس بمفهومه الايديولوجي العقائدي ممثلا بالماركسية. هذا الفرق كنت على دراية الفرز فيه عندما هجر ماركس الفلسفة حين نال شهادة الكتوراه بالفلسفة عام 1881 عندما وجد استحالة تحويل منهج التفكير الفلسفي تجريديا القيام مقام ما كان يسعى تحقيقه في البحث عن ايديولوجيا سياسية تتولى تغير واقع التفاوت الطبقي في الاقتصاد السائد مجتمعيا فهجر الفلسفة وكرس معظم حياته في كتابة رأس المال معتمدا مرجعية الاقتصاد السياسي وليس تجريد نظريات الفلسفة. بخلافه تماما كان بريتراندرسل مؤمنا ايمانا راسخا انه ليس من مهام الفلسفة تغيير الحياة ولا حتى الانتفاع منها حين وصف الفلسفة البراجماتية الذرائعية الامريكية انها فلسفة نذلة خسيسة تسعى تحقيق المنفعة.

وفي وصولي الى قناعة لا يمكن تغييرها في حقيقة الفلسفة تجريد منطقي متماسك مستقل في بناه الفكرية عن معالجة قضايا الحياة كما تفعل ايديولوجيا السياسة وتجارب العلوم الطبيعية التطبيقية اتخذت من المنهج المادي الجدلي وسيلة تفكير في فهم قضايا الفلسفة بما هي فلسفة وليست بما هو ليس منها ان تكون علما تجريبيا أو أيديولوجيا سياسية وهو ما يلمسه واضحا القاريء في بعض كتاباتي.

س6: ا. مراد غريبي: هل الفلسفة غايتها انتاج علوم الطبيعة والانسان والكون ام ماذا؟

ج6: أ. علي محمد اليوسف: يقول ويل ديورانت في كتابه المرجع قصة الفلسفة (أن العالم نظام لكنه ليس موجودا في العالم نفسه، بل الفكر الذي عرف العالم وأدركه هو المنّظم لهذا العالم، وأن قوانين الفكر هي قوانين الاشياء) ونجد أهمية مناقشة رأي ويل ديورانت بضوء أن هيجل يعتبر أيضا (قوانين الطبيعة هي قوانين العقل التنظيمية، وقوانين المنطق وقوانين الطبيعة شيء واحد).

ربما تبدو مصادرة فكرية متسرعة غير لائقة أن لا نعتبر فكر الانسان لم ينّظم عالم الطبيعة الا في قوانينها المكتشفة له علميا فقط، وأنه نظّم عالم الاشياء المدركة من حوله لكن تم ويتم ذلك في تأكيدنا حقيقتين أثنتين:

 الأولى: أن عالم الاشياء لم يكن قبل أدراك الانسان له غير موجود بأية صورة أو شكل من أشكال الوجود المنظّم سواء أكان ذلك الوجود السابق منظما بقوانين ثابتة كما هي الطبيعة أم تحكمه قوانين عشوائية متغيرة موضوعيا في تداخلها مع أدراكات الانسان لها وتعديل وجودها كما في عالم صنع الانسان لحياته في كل مناحيها بعلاقته بظواهرالطبيعة ومواضيعها، بمعنى أن وجود عالم الاشياء سابق على أدراك الانسان له، وتنظيم الانسان لوجود عالم الاشياء هو الحافز الاساس لإدراكه تلك الموجودات، والعامل الأهم أنه ينظم مدركاته للاشياء التي هي بالنتيجة تنظيم حياته ووجوده، والفكر الانساني لا يعمل في فراغ وجودي مادي أوفي فراغ غير موضوعي متخيّل من الذاكرة ولا في فراغ تجريدي ذهني يلغي مؤثرات علمية ثابتة ومعرفية عديدة في فهم وبناء الحياة الانسانية...

فالفكر نتاج عقلي لا يعمل بغياب موضوع تفكيره، بل الفكر قوة مادية يكتسب ماديته من الجدل المتخارج مع موضوعه.. والفكر من غير موضوع مدرك له غير موجود في نظام العقل في وعيه الاشياء، أي لا يعي أدراك ومعرفة الموجودات،لأن غياب موضوع الادراك يعني غياب وجوده المادي أو المتخيّل الذي يعطي الافكار نظامها الادراكي المقبول المتسق بين موضوع الادراك وإدراكية الانسان العقلي له ..

 الثانية: في إشتراط توفرها في الفكر لكي يكون فاعلا منتجا، أنه لا وجود لشيء بظواهر وماهية أي متعيّن في شكل ومحتوى مادي يدركه الانسان في الطبيعة وعالم الاشياء انطولوجيا لا يتمتع بنوع من القوانين التي تحكم علاقته الذاتية الخاصة به كجوهر وصفات، مع العلاقة الادراكية بالانسان كفعالية فكرية تنظم وجود الاشياء وتعمل التعريف بها وإكسابها تخليقا وجوديا مستحدثا، وأن ما يخلعه الفكرالانساني من معارف في تعديله تلك القوانين في عالم الاشياء أنما هي قوانين إدراكية فكرية لم تكن موجودة قبل ملازمة الاشياء للفكرالانساني لها الذي يريد فهمها وتفسيرها وتنظيمها،.. وليست قابلية الفكر الانساني إنشاء قوانين تخليقية بغية إيجاده كائنا او شيئا آخر جديدا لم يكن موجودا كما يرّوج له فلاسفة المثالية...الفكر لا ينتج عوالم الاشياء ماديا في وجودها الطبيعي من لا شيء متعيّن يسبق وجوده تفكيرالانسان المنظّم به....وعالم الاشياء والموجودات في الطبيعة هو عالم مادي رغم أن وسيلة تخليقه وبنائه المعرفي تقوم بالفكر واللغة التعبيرية المجردة التي تعتبر بمثابة المنهج والدليل الذي يقود الانسان الاهتداء به كنظريات وقوانين في تغيير عوالم الاشياء وفي مدركات الطبيعة معا..

 إن نظام العالم الطبيعي الخام ونظام العالم الانساني المخترع المصنوع كيفيا متمايزا ومبتكرا في قوانينه في تلازمهما معا عرف بهما الانسان كيف ينظّم أفكار أدراكاته بما يفيده منها في عالم تفاعله الادراكي مع عوالم الاشياء من حوله، كما أن الانسان في تخليقه لعالمه الانساني المتطور علميا ومعرفيا وعلى مختلف الصعد والنواحي وفي كافة المجالات لم يستمد تقدمه الا بمفارقته (وهم) فرضية أن قوانين الفكر التي يبتكرها ويخترعها الانسان تسعى في حقيقتها المطابقة مع قوانين الاشياء بما يقعد تطور وتبديل وجود الاشياء المحكومة بقوانين ذاتية وموضوعية ثابتة قبل محاولة الانسان تغييرها من جهة، كما أن مطابقة الافكار لموجودات الاشياء والقوانين التي تحكمها ليس رغبة الاكتفاء بمعرفتها دون أرادة تغييرها وتبديلها،وبغير ذلك نجعل من الفكر مثاليا أبتذاليا ساكنا في علاقته بواقع الاشياء في وجودها المادي الساكن أيضا في الطبيعة، وبذلك لا يتم تبديل الواقع بالفكر، ولا تطوير الفكر بعلاقته الجدلية بتغيرات وتحولات الواقع....

الفكر الذي يعمل على تطوير واقع الاشياء إنما هو الآخر يتطور في مجاراته تطورات الواقع ومجاوزتها في تعاليه عليها باستمرار...الحقيقة المادية أن الواقع يخلق تفكير الانسان لكن تغيير الواقع تقع على مسؤولية وعاتق الانسان وليس مسؤولية تجريد الفكر.

وفي الفرضية الخاطئة التي تقود الى نتيجة خطأ أيضا هو في أعتبار عملية أدراك الانسان الاشياء هو في سعيه مطابقة قوانينه المستحدثة مع قوانين الاشياء في وجودها قبل إدراكها وهو إفتراض وهمي غير حقيقي ولا يمكن الانسان فهم وتنظيم عوالمه الحياتية بهذا التنميط من التفكيرالسلبي مع إدراكاته لعوالم الاشياء في وجودها الطبيعي.. بل أن تداخل الاشياء المدركة مع الفكر في جدل ثنائي متبادل يكسبهما كلاهما التغيير والتطور وبغير هذا الفهم معناه نفي أن يكون هناك فائدة من وعي الانسان لموجودات الطبيعة وأستحداث رؤيته وقوانينه لها..

النتيجة التي يحرزها الفكر بالنهاية من هذه العملية هو أن تكون قوانين الفكر هي قوانين الاشياء في الواقع... بمعنى أصبح ما نمتلكه عن الاشياء من افكار نتيجة مدركاتنا لها هو وحده الذي يعطي وجودها الحضور الواقعي في حياتنا...

في عالم الاشياء التي جرى اختراع وسائل تغييرها وخلقها المتجدد من قبله...

عن جدلية العلاقة بين الفكر والواقع

لا يوجد علاقة جدلية بين الواقع المادي والفكر كما هو متداول في ادبيات النزعات المادية الفلسفية، بل علاقة الفكر مع الواقع هي علاقة تكامل تخارجي معرفي بينهما فقط.

كما لا تمتلك الاشياء قوانينها الخاصة التي تقود الفكر الانساني بها وتجرّه وراءها، بل العكس من ذلك الفكر في إدراكاته الاشياء وعالمه الانساني الواقعي هو الذي يقود تبديل وتغيير الاشياء وقوانين وجودها قبل تدّخل إرادة الانسان في وجوب تغييرها نحو الافضل بالنسبة له وليس بالنسبة للاشياء في محيطه الادراكي، الاشياء وموجودات العالم الخارجي لا قيمة حقيقية لها ولا وجود مؤثر من غير إمتلاك فكر الانسان لها وإيجادها متخلقّة ثانية في نمط متجدد من التخليق التطوري المستمر لها على الدوام من قبل الارادة الانسانية...

س7: ا. مراد غريبي عفوا، أستاذنا الفاضل دكتور علي اليوسف، ما علاقة الفكر بالواقع المادي للاشياء؟

ج7: أ. علي محمد اليوسف: وجود الاشياء في الطبيعة كان وسيبقى وجودا ناقصا ومبهما غير واضح يستهدي بما يخلعه عليه الفكر الانساني من تخليق لا يمثل أستجابة ورغبة العقل الانساني مطابقة نظام الاشياء في وجودها مع مبتكراته الفكرية في تخليقها وتنظيمها مجددا، بل في سعي الفكر الانساني تعديل وتغيير تلك القوانين بما يجعل الفكر الانساني يصنع قوانين عوالم الاشياء من جديد، ولا يسعى التطابق معها في معرفتها وتفسيرها فقط...

من المهم التأكيد أن الفكر الانساني هنا لا يتعامل مع قوانين الطبيعة وموجوداتها ومكوناتها غير المكتشفة والمدركة من قبله،وليس كل ما يعرفه الانسان من قوانين الطبيعة الثابتة المكتشفة يصار الى تغييرها لمجرد التغيير في إثبات قابلية الفكر الانساني التطورية والتغييرية...

فهناك قوانين مكتشفة في الطبيعة جاهزة في تنظيمها وإتقانها لتوضع في خدمة الانسان من غير الدخول في مهمة تخريبها بإسم تخليقها وتجديدها..

مثلا: ما أهمية أن يقوم الانسان بمحاولة يائسة بائسة في عجزه تغييره نظام الجاذبية؟؟

هنا لابد لنا من توضيح إلتباس قد يقع فيه البعض حول علاقة الفكر بالواقع المادي للاشياء... أننا نسلّم بحقيقة أن الفكر إنعكاس للوجود السابق عليه دوما، لكن الفكر لا يدخل مع أدراكه الموجودات بعلاقة ميكانيكية ساكنة تكون الغلبة فيها والارجحية لموجودات الاشياء الواقعية قيادتها هي للفكر في توجيهها له كما تذهب الفلسفات المثالية، بل الفكر في إدراكه الموجودات يدخل معها في جدل متبادل تخليقي تكون الكلمة النهائية فيها للفكر وليس للوجود الذي أصبح غيره الوجود بعدما جرى تخليقه فكريا،من هذا التوضيح نفهم أن الوجود لا يقود الفكر بل الفكر هو الذي يدرك الوجود ويقوده ويعمل على تخليقه في تجديد متطور على الدوام.. الوجود حافز مدرك لانتاجية الفكر، لكنه – الوجود - يعجز عن إنتاج قوانين جديدة غير ثابتة فيه بمعزل عن قيادة الفكرله..

 والفكر يخلق نظام الاشياء التي ليس لها قوانين منتظمة خاصة بها أو لا تمتلك تلك الموجودات حضورا وجوديا فاعلا قبل إدراك الفكر الانساني التخليقي لها، ومن دون إدراكات العقل وإبتكاره قوانين غيرموجودة وغير محدودة في تشكيل وبناء عوالمه لا يكون هناك قوانين للاشياء يجدها الانسان مطابقة ومتجاوزة في وقت واحد لما أصبح يمتلكه عنها ليس ليتطابق معها بل من أجل تغييرها....

لذا نجد أن إمتلاك الانسان لقوانينه الخاصة به لا يمكنها أن تكون من وحي نظام الاشياء فقط التي يسعى الفكر الانساني عدم المطابقة معها أو أن ما يمتلكه الانسان من قوانين مبتكرة هي مستمدة من محاولته السعي مطابقتها مع قوانين الاشياء في فهمها فقط دونما تطويرها وتغييرها....

إختراع الانسان لقوانينه الخاصة في تشكيل عوالمه في الحياة التي هي دوما مجاوزة مستمرة لما يحكم قوانين الاشياء من جمود وثبات قلق في وجودها يثير رغبة الانسان أنتشالها من حالة إهمال منسي في الطبيعة الى حالة وجود متطور يعيش وجوده الحقيقي في عالم الانسان ...

ومما ضروري الإشارة له:

 أن الفكر لا يعامل جميع مواضيعه الادراكية في عالم الطبيعة والاشياء في أهمية واحدة، بل يختار وينتقي منها ما هو ضروري له بارتباطه به في تسهيل بناء حياته ومستلزمات حاجته وبقائه..كما أشرنا سابقا الوجود مصدر يلهم الفكر قوانين تخليقه، لكن الوجود يعجز أن يخلق قوانين مستحدثة جديدة يجاري بها الفكر أو يقوده بها كما هي أمكانات العقل القيام بذلك ...

لا خلاف حول حقيقة أن نظام الطبيعة في قوانينها الثابتة التي تعمل باستقلالية عن الانسان هي حقيقة مسّلم بها، وإذا نحن اعتبرنا نظام العالم الانساني المتغير في علاقته بالطبيعة مستمّدا من نظام الطبيعة الثابت فقط نكون وقعنا في خطأ ساذج، فقوانين الطبيعة الجزئية جدا هي واحدة من نظام القوانين التي تحكم الفضاء الكوني الذي يجهله الانسان كجهله معرفة قوانين الطبيعة في ذاتها غير المكتشفة...

وقوانين الطبيعة الثابتة كجوهر ذاتي غير مدرك، هي قوانين تحكم نظام الطبيعة نفسها فقط ولا يلزم من ذلك تعميم ذلك الثبات الماهوي الذاتي الغامض في قوانين الطبيعة على تشكيل نظام العالم الانساني المتغير باستمرار بمعزل عن مؤثرات الطبيعة وقوانينها غير المكتشفة...

والعالم المصنوع إنسانيا ولم تساهم الطبيعة بصنعه مباشرة يكون متغيرا بمتواليات مستمرة من التبديل.. ويبقى نظام الطبيعة نظاما مستقلا الى حد ما عن النظام الكوني في علاقته بالانسان، فهو قريب من عوالم الانسان المصنوعة لأنه في تماس مباشر مع الانسان في تكوين عالمه الذي يعتبر الطبيعة جزء منه وهي أقرب في أنتمائها للانسان عنه في أنتمائها كوكبيا لمنظومة الفضاء الكوني الذي تضيع الطبيعة الارضية فيه ذرة رمل في صحراء..

س8: ا. مراد غريبي: اذا تقصدون دكتور اليوسف أن قيمة الطبيعة أو وجود الأشياء من قيمة وجود الإنسان، ماذا عن قوانين كل من الطبيعة وعالم الإنسان؟

ج8: أ. علي محمد اليوسف: أكيد حضور الطبيعة بهذه الاهمية الاستثنائية لوجود وحياة الانسان لم تكن شيئا من دون إهتمام الانسان بها أنها جزء من عالم كوني بعيد لا متناهي سديمي لا متلاشي لا قيمة حقيقية للطبيعة الارضية المأهولة فيه، لا كما هي في حيوية وأهمية إنتسابها للانسان وإنتسابه لها وتكاملهم تكامل الأم بوليدها التي رعته وأنشاته بفضلها عليه وتأمينها له مقومات أدامة حياته من الانقراض والفناء وحمايتها له من غير أرادة واعية مسّبقة منها في درء الاخطار التي كانت محدقة به ....

 ومن غير الصحيح التفكير في وجوب مطابقة قوانين التناوب المتطابق أو المنّظم بين عالم الطبيعة وعالم الانسان المصنوع تدريجيا، أن تكون هذه المطابقة الفرضية الخاطئة سبب فهمنا صنع العالم الانساني وعلاقته بالطبيعة...

ولا يمكن خلط قوانين الطبيعة في وجوب تطابقها مع قوانين العالم فلكل منهما قوانينه الخاصة به التي يمتاز بها عدا قوانين الطبيعة المكتشفة في تداخلها مع عالم الانسان المصنوع بفضل تكامله معها، أول هذه الاختلافات بينهما أن قوانين الطبيعة كما ذكرنا ثابتة غير عاقلة مكتفية بذاتها بمعزل عن تدخلات الانسان بها..

 أما قوانين العالم الانساني فهي متغيرة متطورة باستمرار، الطبيعة مخلوق ومعطى فطري لا يعقل ذاته ولا محيطه ولا الاشياء الداخلة في مكوّناته.. أما العالم الانساني فهو تشكيل من الافكارالتوليدية المصنّعة والبناءات المتجددة باستمرار بوسائل عقل الانسان في أبداعاته بلا حدود، قوانين الطبيعة ثابتة لا تعقل نفسها بينما قوانين العالم الانساني إدراكية تعقل ذاتها وتعرف أهمية السعي نحو تحقيق أهدافها المتغيرة المتجددة دوما..ومثلما لا يعي الانسان مدركات قوانين الطبيعة غير المكتشفة التي تعبر عن ماهيتها الذاتية كونها ثابتة وتحكم وجود الانسان بعاملي الزمان والمكان اللذان لا تدرك الطبيعة أنها تحكم الانسان بهما لا أراديا وتتسيده...

يقابل هذا أن جميع قوانين الانسان المصنوعة تتحكم بالكثير مما هو في الطبيعة وتتسيدها دونما وعي منها، وفي الوقت الذي يدرك الانسان أن قوانين الطبيعة تحكمه ولا يستطيع منعها، فإنها أي الطبيعة لا تدرك أن الانسان يتسّيدها بخلق قوانين عوالمه العلمية التكنولوجية المتطورة بمعزل عن الطبيعة كما هي تفعل معه وتحكمه بعاملي الزمان والمكان من غير وعي ولا أدراك له..

تطابق قوانين الاشياء المدركة مع قوانين المنطق والفكرالمجرد عنها هو تطابق إفتعالي خاطيء متخيّل غير حقيقي على صعيد الفكر..

عندما يستمد الانسان كل تجاربه المعرفية الساكنة غير المنتجة بما أصبح يعرفه عنها لا بما يجهله فيها، ونجد المفارقة بينهما أمام حقيقة أن الطبيعة في قوانينها وقوانين الاشياء المتعالقة معها، لا تكون المصدر الوحيد في تشكيل معارف الانسان الحديثة في وضع قوانينه الخاصة به.. الطبيعة توقفت عن إلهام الانسان صنع عوالمه الخاصة به في الحياة في موازاة معرفته الطبيعة التي تراجعت أهميتها عما كانت عليه في الماضي نتيجة التقدم العلمي التكنولوجي الهائل الذي أحرزه الانسان ما جعله مغتربا عن الطبيعة متجاوزا لها في قوانينها المحدودة بالنسبة لما أصبح يمتلكه الانسان الحضاري اليوم من قوانين مخترعة علميا من قبله جعلت الطبيعة تفقد الكثير من وسائل تحجيم الوجود الانساني في أعتماده عليها كما في سابق عصور ما قبل التقدم العلمي والتكنولوجي..

كما أننا في الوقت الذي كنا نجد عجز العقل الانساني العبث في قوانين الطبيعة البشرية الثابتة غير المكتشفة له، لجأ اليوم الى استثناءه التلاعب العلمي في توجيه تركيزه على طبيعته البيولوجية الفيزيائية ذاتيا كمخلوق لا ينتسب للطبيعة كطفل رضيع بعدما شبّ في وصوله مرحلة النضج، متجّها بأنظاره نحو العلم فيما يخص فيزياء وكيمياء قوانين الوراثة وعلم الاجّنة في محاولة فك شفرات العلم للجينات والاستنساخ الخلوي للكائن الحي وغيرذلك في ميادين عديدة هائلة للعلوم في محاولة لا تشكل أهتماما مصيريا له كناتج عرضي لابحاثه العلمية في أن يتوصل معرفة أسرار وقوانين الطبيعة المحجوبة عنه معرفتها...ما عدا هذا والقليل الجزئي المحدود في مجالات أخرى، لا يمكن القول أن قوانين العقل التي تنشيء العالم بأستمرار هي على حساب خرق دائم لقوانين الطبيعة المستقلة في ثباتها وكفايتها الذاتية لنفسها في المفارقة عن قوانين العالم الانساني المصنّع علميا التي يجري أبتكارها وأختراعها المستمرين، وأمام تزايد أختراع الانسان لقوانينه العلمية المتطورة جدا أصبحت الطبيعة وقوانينها المحدودة أمامه لا تمثل هدفا يسعى الانسان لأختراقه اليوم في صرف أهتمامه عن نزعات تطويرأمكاناته العلمية في بناء عالمه الانساني الذي يشيدّه باستمرار...

الطبيعة منذ العصور البدائية الاولى لا تدرك ولا تفهم أو تعقل أنها وجدت من أجل خدمة وبقاء الانسان ولا يستطيع الانسان الجزم بذلك اليوم أيضا، ونستطيع القول أن هذه المرحلة البدائية في علاقة الانسان بالطبيعة تضاءلت وتجاوزها الانسان في تقدمه العلمي الصناعي الهائل الذي جعل أمكانات الطبيعة التي كان الانسان يقف أمامها مندهشا ومستلبا في تقزيم الطبيعة له، أصبحت اليوم محدودة ألتأثير لا تجلب ذلك الاهتمام الكارزمي الحيوي الباهر التي كانت تتمتع به الطبيعة في أستلابها دهشة الانسان بها في مراحل لم يكن تقدمه العلمي الحضاري يؤهله مثل ذلك الاستغناء عن أهمية الطبيعة غير المحدودة في حياة الانسان وأستمرارها، لكن الانسان لازال يدرك أنه جزء من الطبيعة في وجوده وأعتماده عليها في تأمين بقائه من الانقراض ليس في أعتماده الطبيعة مادة خام تمده بأسباب البقاء في توفير ما يحتاجه من غذاء وجمال وراحة بال ووجود وغيرها.. فقد نجح الانسان في تصنيع عالمه بمعزل تام عما تمتلكه الطبيعة من إمكانات جردها الانسان منها وأصبح تقزيمها الانسان متراجعا أكثر من حقيقة بائنة واضحة...

قوانين العالم التي يبتدعها الانسان في تخليقه عالمه وتشييده بأستمرار، هي قوانين مبتكرة متغيرة لا تطابق قوانين الطبيعة الثابتة المحدودة التي لا يدركها الانسان الى الوقت الحاضر فهي على ضآلتها تشكل جزءا من نظام كوني معقد مجهول، ولا تتداخل قوانين الانسان مع الطبيعة الا مع الظاهر المكتشف منها في حال الحاجة الضرورية لها والتكامل الانساني بما يمتلكه من وسائل علمية مبتكرة معها، والعقل الانساني قدرات غير محدودة في أبتداعه القوانين الخاصة به التي تجعله يسّخر ما بقي تمتلكه الطبيعة ولم يكتشفه ويسخّره الانسان بعد لمصالحه... ولا يؤمن هو للطبيعة ما يجده مساسا لانانيته وحب سيطرته الغريزي عليها في تخريبه جوانب مهمة فيها يجد أنه لم يمتلكها كاملا بعد في سعيه تجريد الطبيعة من كل ماتجعله تابعا لها بعد أن نزع منها زمام المبادأة في تقدمه العلمي الهائل...

س9: ا. مراد غريبي: إذن يمكننا القول المفارقة في العقل، ماذا عن العقل الإنساني؟

ج9: أ. علي محمد اليوسف: من غير صفة إن عقل الانسان في أفكاره الديناميكية المتطورة باستمرار وفي خلقه قوانين الاشياء في عالمه الخاص التكنولوجي العلمي الكبير، لا يكون بغير مفارقته الجوهرية قوانين الطبيعة في ثباتها وليس في السعي للتطابق معها لا في الثبات ولا في الحركة في حلقات غيرمكتشفة لا يشغل الانسان أهتمامه معرفتها..

 العقل البشري عقل منتج لا يكف عن الحركة والتجديد والتطور، لذا نجده ينتج قوانينه الخاصة به في مجالات العلم والمعرفة والفلسفة والرياضيات والطب والمعمار وغيرها بما لا يحصى من معارف كلها لا تتداخل في تطابق مسّبق مع قوانين الطبيعة ولا في تبعية معها، وإنما تتمايز عنها بإختلاف خلاق لا يقاطع الطبيعة في جفاء بل يتجاوزها بالمهادنة الناعمة بعد أن خدمته طويلا....

لم تعد الطبيعة اليوم ملهمة الانسان في كل شيء كما في سابق العصور، والانسان يخلق قوانينه الخاصة به في مختلف مجالات الحياة من غير تداخل مع الطبيعة ألا في النادر اليسير فقط...

العقل الانساني عقل مبدع يعلو قوانين الطبيعة التي كانت في الماضي تستعبده رغما عنه في حاجته الضرورية لها، وتصنيعه لمدركاته الطبيعية علميا وحضاريا تقوم على أبتكاره قوانين خاصة في تنظيمه الحياة والعالم وبما تفتقده الطبيعة في قوانينها الثابتة غير المتغيرة ذاتيا ولا موضوعيا بقدر الاخلال ببعض قوانينها من قبل الانسان بما يحسب عليه أنه تخريب الطبيعة وليس بناء الحياة في مشاركة بين الطبيعة والانسان...

السبب بذلك فيما نرى ان الانسان العلمي وتطوره التكنولوجي والصناعي الهائل، أفقد الطبيعة أن تكون ندّا مكافئا لوجود الانسان المنفصل عنها تقريبا في تأمين أحتياجاته.. الطبيعة التي بدأت تشيخ في إنحسار قدراتها العظيمة التي كان الانسان يقدسها ويعبدها في عصور بدائيته الحيوانية من وجوده في علاقته الوثيقة بها، لم تعد تمتلك الطبيعة اليوم ما يعجز الانسان أمامها سوى أنها مصدر الجمال الحقيقي في وجوده المقفر بالحياة، الذي بغير تمتع الانسان بهذا الاعجاز المنظم الذي يلازم الطبيعة، يعود الانسان الى بدائية مسطّحة لا ترى من العالم غير الوجود الآلي الصناعي المتطور الذي هو ورشة عمل مقفلة على أنسان تكنولوجي صناعي فقد أهتمامه المثمر الروحي والوجداني العاطفي الذي يستمده من الطبيعة في ميزات الحب والجمال المذهل والتنظيم العفوي الفطري المعجز فيها..

أهم ميزة مكتسبة لقوانين الانسان المخترعة في تنظيم عالمه اليوم، هو في تعاليها على قوانين الطبيعة..

 إن العقل الانساني يعي ويعقل ذاته في نفس وقت يعي الطبيعة وعالم الاشياء، وفي وقت كنا نجد فيه الطبيعة صماء عمياء لاتعي ذاتها ولا تدرك موضوعاتها ولا قوانينها التي تحكم الانسان بها،ولا الانسان كموجود يشاركها الوجود... أوصلتنا هذه العلاقة المتمايزة بين الانسان والطبيعة الى الحقيقة التي بدأ يدركها الانسان مؤخرا أن الطبيعة تركت الانسان بوعي تام منها وجوب تركه يبحث عن وسائل فنائه الحتمي بنفسه وبإرادة مسّبقة هستيرية منه....

 قد يساء الفهم أن الانسان في تخليقه عوالمه التصنيعية الخاصة بحياته التي أفقدته توازنه، ويفتقد بها الروح التنظيمية المسالمة التي تمتلكها الطبيعة في أعجاز وجودي لا يماثله شيء مخلوق من قبل الانسان..

مما يعمّق لديه الشعور الاغترابي بأنه يصنّع عوالمه الانتحارية في التسابق النووي،، وامتلاكه عوالم تخريبية في مثل تهديد الوجود الانساني بسبب زيادة حرارة الارض وخطرتصنيع الحروب التي لا يمكن الحفاظ والتكهن على أن لا تخرج عن السيطرة عليها وتكون كارثية في أفنائها الوجود الانساني على الارض، هذا ما يتلاعب به الانسان في موت تدريجي بطيء لكنه حتمي النتائج الكارثية بالتأكيد..

الانسان يستهلك ما ينتجه من وسائل سعادة وأرتياح وبهجة مؤقتة في الحياة، ليس على حساب الطبيعة التي لم تعد تمتلك ما تخسره عدا جمالها وتنظيمها الرائع في تقزيمها الانسان السوبر صناعي وحسب، وأنما على حساب أستهلاك الانسان أسباب إدامة تأمين بقائه في وجوده على الارض أمام الفناء الحتمي القادم في وجوده بالطبيعة التي يشكل أنتحار الانسان فناءه وأنفجارها معه أيضا....

س10: ا. مراد غريبي: عندما نتحدث عن الفلسفة نتفكر فهم الوجود والانسان والطبيعة والله ان صح التعبير. هل اشتغالكم على الفلسفة كان مؤطرا لتامين مستقبل في الثقافة والدين والتاريخ والعلوم؟

 ج10: أ. علي محمد اليوسف: في محكومية الفضاء الواسع للإجابة عن هذا التساؤل الشمولي اود تثبيت بعض النقاط على الطريق منها:

1- جزء من التساؤل وردت الاجابة عنه في السؤال السابق.

2- بالرغم من خاصية الشمولية الجامعة للفلسفة في مناقشة كل قضية تهم الانسان في وجوده وعلاقته بالطبيعة والكوني الا ان الفلسفة تجريد يتكلم عن كل شيء ولا يعطي حلا لأي شيء. الفلسفة في جوهرها هي خلق مفاهيم كما يصفها جيل ديلوز.كما من مهام الفلسفة خلق تساؤلات لم تتوفر عليها مباحث الفلسفة سابقا.

3- لا نتوقع من ملازمة تجريد الفلسفة لها إن كانت سابقا تتوفر على فتح آفاق شمولية في ميادين وتخصصات تخص قضايا الدين والسيسيولوجيا والعلوم التي تشعبت فيها الاختصاصات التي اصبحت الفلسفة تابعة تلاحق تداخلها مع تلك المفاهيم التي حققتها ميادين الحياة في وقت كانت الفلسفة عاجزة عن اختراع تلك الافاق المعرفية الجديدة. حاولت الفلسفة جعل مباحثها تأخذ منحى الرياضيات وفشلت او منحى التداخل مع التخصصات العلمي وكانت النتيجة التقاطع مع العلم في الاقرار باسبقيته قيادة وصنع الحياة قبل الفلسفة.

4- قضايا الفلسفة كانت تدور حول مركزية الانسان في علاقته بالله والطبيعة والتاريخ والثقافة. وكانت المهمة صعبة فلسفيا لدى ديكارت، ليتبعه بالاخفاق فيورباخ حينما اراد خلق توليفة متداخلة تجمع الاله والطبيعة والانسان في اعتماده مركزية الانسان لكنه خرج بنتيجة ان الانسان خلق معبوده في مرجعية الطبيعة. وبذلك اراد نسف اللاهوت الديني اليهودي والمسيحي فلقي معارضة شديدة ليس من رجال الدين فقط بل من ماركس وانجاز ايضا.

الفلسفة مرت بانعطافة جوهرية استمرت قرونا طويلة على يد ديكارت بان مهمة الفلسفة الاولى هو تزويدنا بالمعرفة رغم ان كوجيتو ديكارت كان اعطى الانسان مركزية لم يكن من السهل مجاوزتها هو ان الذات الانسانية ادراك لاهمية الانسان انه عقل مفكر بكل شيء تجريديا. بمعنى ديكارت كان ارسى الفهم الفلسفي المثالي رغم محاولته العقيمة في خلق توليفة تجمع بين الله والانسان والعلم والطبيعة فكانت تلك امنية اكبر من حجم فلسفة ديكارت. تجريبية ديكارت لا ترقى الى تجريبية بيكون وهولباخ في فهمهما ان التجربة العلمية وسيلة حل معضلة انفصام التجريد الفلسفي عن الحياة بواقعيتها. ورغم ادعاء جون لوك وديفيد هيوم وباركلي انهم اعتمدوا ما كان قال به بيكون قبلهما الا انهما غرقا في مستنقع المثالية الوضعية المنطقية التي رأت تغيير الحياة يتم بالتفكير العقلي القائم على الاستدلال بالحس فقط ووجود العالم الخارجي يحدده الاحساس العقلي الذهني الذي قوامه الفكر.

الانعطافة التاريخية الثانية في تاريخ الفلسفة كانت على يد فلاسفة البنيوية التي ركنت الانسان وانكرت العقل والمعرفة والتاريخ وتمردت على المنجزات العلمية تماهيا بما عرف في مرحلة ما بعد الحداثة.

هنا البنيوية فتحت بابا واسعا اطلقت عليه نظرية التحول اللغوي التي ارسى بدايتها كلا من فريجة ودي سوسير بتفاوت فلسفي كبير بينهما، فريجة أقر بوجوب جعل فلسفة اللغة تقوم على اساس مزاوجة المنطق والرياضيات وتبنى هذا الطرح بحماس شديد بيرتراندراسل في ريادته للفلسفة التحليلية المنطقية الانجليزية التي انضم لها كلا من جورج مور وفينجشتين وكارناب وعالم الرياضيات وايتهيد الذي كان اقربهم الى بيرتراند رسل.

الشيء الجدير الاشارة له انه بمقدار ما كانت فلسفة اللغة ونظرية فائض المعنى هي الفلسفة الاولى التي قادت جميع المدارس والتيارات الفلسفية منذ منتصف القرن العشرين الا انها اي فلسفة اللغة هي البؤرة المركزية الطاردة وراء كل الانشقاقات الفلسفية التي قادت في معظمها خلق فلسفات جديدة لها تاثيرها القوي في معالجتها اشكاليات فلسفية مستعصية موروثة من جهة، والدخول في طرق مواضيع لم تكن الفلسفة عبر تاريخها مهتمة بها. خاصة لدى فلاسفة البنيوية فوكو وشراوس والتوسير وجان لاكان ورولان بارت وغيرهم. اعقبهم بول ريكور في التاويلية وجاك دريدا في التفكيكية.

 س11: ا. مراد غريبي: هل لكم توضيح العلاقة الاشكالية التي تجمع المادة والادراك واللغة من الناحية الفلسفية التي يداخلها علم وظائف الدماغ احيانا؟

ج11: أ. علي محمد اليوسف: بعد تنحية الإبستمولوجيا كفلسفة اولى منذ عصر ديكارت في القرن السابع عشر تربعت فلسفة اللغة عرش الفلسفة الاولى منذ منتصف القرن العشرين ولا زالت فلسفة اللغة تثير اشكاليات فلسفية مثل علاقة فلسفة العقل بالادراك،الذهن،الذاكرة، الوعي، الماهية، وغيرها من امور متداخلة فلسفيا تصل حد الارباك في غالب الاحيان.

الادراك واللغة

(من الممكن الاستغناء عن اللغة للوصول الى الانطولوجيا) مقولة سفسطائية

خطأ هذا التعبيرالفلسفي السفسطائي يكمن في محاولة أستبدال وسيلة اللغة الادراكية التجريدية ب (الادراك ) المباشر الحسي الانطولوجي الاستبطاني المجرد من اللغة وهو محال أن نجد ادراكا مجردا عن لغته فالادراك هو تفكيرحسي لغوي تصوري وليس مجرد أحساسات لا تمتلك صوريتها اللغوية التجريدية... وهذا الاتجاه الفلسفي بمقدار ما يحمله من أدانة واضحة الا أن فلاسفة الوضعية المنطقية التجريبية حلقتي فيّنا وحلقة اكسفورد التحليلية أخذا كليهما بهذا الاحتمال.

ويحمل هذا التعويل الخاطيء مقدما على أن أدراك الاشياء في وجودها الانطولوجي حسيا داخليا يعني أن تلك الادراكات الحسية هي لغة تعبير تواصلي لا تعتمد وسيلية اللغة في أدراكها الاشياء، وهو خطأ لا يمكن تمريره فالادراك الحسي هو لغة تصورية تمثلية ايضا لا تختلف عن أصل أية لغة تواصل كان تعلمها الشخص الذي يحمل ادراكه الطبيعي، الادراك الانطولوجي لغة تصورية تجريدية لا تخرج على أبجدية اللغة التواصلية العادية. بعبارة توضيحية أكثر الادراك ليس بمقدرته أختراع لغة ادراك خاصة به تختلف في بنيتها التركيبية نحويا وبلاغيا وقواعد هي غير نمط وشكل لغة التعبير العادية التي يتحدث بها مجتمع معين أو أمة معينة..الادراك الحسي أو الادراك الخيالي هو لغة تصورية تمثل تفكير العقل بموضوع، وكذا الوعي هو تمثل ادراكي لغوي في تعبيره عن تفكير العقل.

وأدراك الحواس ماديا لا يمكن ترجمته الى أحساس مفهوم المعنى والدلالة من غير لغة تحتويه وتعبّر عنه... أذ لا يمكن تحقيق أدراكا حسّيا عن شيء لا يحمل لغة أدراكه التجريدية معه، كل أدراك حسّي عن شيء وكل أدراك غير حسي خيالي عن موضوع لا يمكننا فهمه من غير تلازم تعبير اللغة عنهما خارجيا أو استبطانيا صامتا.. حتى تموضع اللغة بالاشياء المادية هي تعبيرات تصورية حسية مجردة في التعبير عن تلك الاشياء صادرة عن العقل في معرفتها الاشياء كموجودات انطولوجية.

الادراك الحسي يبقى لغة صمت لا يستطيع الافصاح عن نفسه من غير توسيل تعبير اللغة التواصلية الاعتيادية.. بالمختصرالمفيد الادراك لغة خرساء صماء موجودة بالذهن ولا يمكن تحققها بالواقع كلاما وتعبيرا من غير وسيلية اللغة الافصاح عنها. لذا يكون من المشكوك به إمتلاك الادراكات الحسية مصداقية تعبيرية عن الانطولوجيا بمعزل عن اللغة التواصلية أكثر مما تستطيع التعبير عنه. وكلا التعبيرين لغة الادراك الصمت ولغة الافصاح الصوت هما لغة واحدة لا أنفكاك بينهما، من حيث ترابطهما الابجدي في تكوين الكلمات الصوتية والجمل.

التفكير الحسّي الملازم لادراكات الاشياء المادية في حال لا يمكنه ارسال أحساسات الحواس الى الذهن لغويا تصوريا فلا معنى يبقى للادراك كحلقة في منظومة العقل الفكرية التجريدية، لانعدام آلية التوصيل المنتظم داخل منظومة العقل الادراكية.

ولا معنى يستطيع الوعي ادراكه الاشياء من غير لغة ايضا، أي حينما لا تتمكن اللغة أن تستوعب الادراك الحسي والوعي بالاشياء فلا يبقى هناك أي وجود خارج الذهن لهما.. كما والاحساسات هي لغة تعبير العقل عن مدركاته في ردود الافعال الانعكاسية الصادرة عن الدماغ.

فاذا كانت فكرة الادراك عن شيء هي تعبير لغوي مجردا فكيف يكون الادراك بلا لغة تلازمه يمكننا الاستغناء عنها في أدراكنا المحسوسات الانطولوجية؟ وكيف يتشّكل الوعي بالاشياء بدون لغة تلازمه؟؟وكيف تنطبع المدركات الحسية بالذهن بغير تعبير لغوي يلازمها؟ الاحساسات والادراكات والوعي ثلاث حلقات في منظومة العقل الادراكية هي في حقيقتها لغة تعبيرتجريدي واحد ولا تحمل هذه الحلقات التجريدية أفصاحاتها عن مدركاتها لمواضيع العالمين الداخلي (الاحاسيس) والخارجي (الاحساسات) الا بتعبير اللغة التواصلي الدارجة مجتمعيا..الادراك بتعريف كواين له هو وجود الشيء المستقل انطولوجيا.. لكنه غير المنفصل عن الادراك به بوسيلة تعبير اللغة عليه يكون الادراك لغة التعبير عن الشيء.. استقلالية الادراك في وجود الشيء المستقل هو ادراك لغوي له عن طريق الحس.، وانطولوجيا الاشياء كموجودات في العالم الخارجي لا يمكن أدراكها حسيا عقليا بغير لغة تعبير تجريدي عنها. .

أننا لا نستطيع إغفال حقيقة أن الاحساس بشيء ليس لغة استبطان معرفية له فقط، وكل موجود يدرك حسّيا يصبح بالنتيجة الملازمة له لغويا هو لغة أدراكية تجريدية سليمة غير أعتباطية خالية من المعنى. فالموجود الشيئي والوعي به، وانطباعه الصوري بالذهن هو تجريد لغوي يقبل تمرير معناه ادراك العقل له، والفكرالمتعالق مع الوعي فيما يعنيه، جميعها تجليّات ادراكية تقوم على تصوير لغوي يتمثل مواضيع الادراك، ويشمل هذا حتى الادراك العقلي غير المريض الذي لا يتوّسل اللغة في التعبيرعن تلك المدركات بل في التعبيرغير الانفصامي الصامت عنها. الصمت غير المريض لغة تفكير لا تختلف عن لغة التواصل العادية سوى بفارق الصوت المفهوم في تعبير اللغة عنه.

كان يتردد في بداية القرن العشرين سؤالا فلسفيا جداليا هل بالامكان فصل اللغة عن الفكر؟ جدال نقاشي تم حسمه في ادبيات الفلسفة البنيوية بخاصة عند دي سوسير بتعبيره اللغة هي وعاء الفكر. بمعنى أن فصل تداخل شكل اللغة مع محتواها المضموني محال ادراكيا عقليا. وفصل الادراك عن اللغة محال معرفيا. الادراك من دون لغة تلازمه عبث لا يمكن تحققه في معنى دلالي في الافصاح التعبيري عن شيء أو موضوع، وتجريد اللغة عن تعبيرها التجريدي للاشياء هو محال ايضا فاللغة وجود يلازم كل موجود يدركه العقل. والعقل لا يدرك الاشياء والعالم وموجودات الطبيعة بغير وسيلة تعبير تلازم الفكر واللغة معا في دلالة لمعنى واحد.

وتجريد اللغة في تعبيرها عن المادة تصبح كيانا لا ماديا ايضا رغم تعالقها التجريدي الانفصالي في تعبيرها عن الاشياء المادية. لا نستطيع فهم الشيء من غير أدراك حسي لغوي له، كما لا يمكننا فهم لغة لا تعبر عن شيء يمكن أدراكه ومعرفته. لا يمكننا فهم العالم بصورة سليمة مقبولة عقليا من غير تعبير اللغة عن مدركاتنا لموجودات العالم من حولنا. العقل في ماهيته غير البيولوجية هو (لغة) تعبير عن المعنى فقط بتعبير قدامى فلاسفة اليونان (لوغوس)...ومحال أن نجد اللغة موجودا انطولوجيا ماديا خال من تعالق لغة تجريده معه التي هي ادراكه. اللغة اصوات دلالية منتظمة في التعبير عن المادي الادراكي بينما تكون الموجودات المادية ليست لغة تواصل صوتي بل لغة ادراك صمت تفكيري. تموضع اللغة في تكوين الاشياء المادية تبقى لغة تجريد ملازمة لوجود المادة.

أما قضية أمكانية فصل اللغة عن الادراك كما يذهب له السفسطائيون والمناطقة من بعدهم فهو وهم فلسفي لا يمكن البرهنة على تحققه، اذا ما علمنا أن الادراك أستبطانيا داخليا أو ادراكا حسّيا خارجيا للاشياء والموجودات هو (لغة) في الحالتين ولا يوجد أدراك من غير لغة تحتويه كفكر تجريدي. لكن في فرق جوهري أن لغة الادراك الجوّانية هي لغة صمت فكري أما لغة التعبير الحسي عن موجودات العالم الخارجي تكون من نوع اللغة التواصلية المجتمعية كلاما أو كتابة.

لا يمكن تعويض الادراك المجرد عن اللغة القيام بمهمة اللغة والاستغناء عنها. من حيث أن حقيقة الادراك الحسّي للاشياء في وجودها الانطولوجي هو (لغة) اولا واخيرا، ولا توجد آلية تحقيق ادراك انطولوجي مفهوم له معنى في الاستغناء عن تعبير اللغة الصوري التجريدي. ادراك الشيء هو لغة صامتة استبطانية تحمل معها الفكر، وبغير هذه الآلية لا يتوفر للعقل تحقيق ادراكات للاشياء ذات معنى.

وفي حال انتقالنا الى مرحلة متقدمة أن ادراك الاشياء خارجيا هو ادراك حسّي مصدره الحواس، فهل تستطيع الحواس مع الادراك ايصال الاحساسات الى الجهاز العصبي والمنظومة العقلية على وفق آلية الاستغناء عن اللغة في ادراك موجودات الانطولوجيا الموزعة على الاشياء؟ الجواب المباشر كلا من حيث الاحساسات هي ترجمة لغوية مستمدة من الحواس، والاحساسات التي تربط ما تدركه الحواس بالجهاز العصبي تكون هي ايضا لغة صورية تجريدية منتظمة وليست تداعيات من الاحساسات العشوائية التي تفتقد حمولتها النظامية في المعنى المطلوب الدال من غير نسق وبنية لغوية تنتظمها. جوهر العقل الاسمى ماهيته التفكير حسب ديكارت. وكل تفكير عقلي صامت داخليا أو معبرا عنه خارجيا هو لغة مجردة.

س12: ا. مراد غريبي: ما توضيحكم الفلسفي حول اشكالية علاقة الفكر واللغة؟

ج12: أ. علي محمد اليوسف: رغم أني عالجت مثل هذه العلاقة التي تربط الفكر باللغة في مرات عديدة توزعتها كتاباتي ومقالاتي العديدة ألا أنني أرتأيت تثبيت ومناقشة أقتباس جدير بالتوقف عنده مفاده كانط والمثالية الالمانية لا تهتم باللغة، وأنما بالفكر، وقد جاء هذا التعبير الكانطي في كتابه الشهير الموسوم (نقد العقل المحض) فهو يعتبر علاقة اللغة بالفكر علاقة أعتباطية وبالتالي لا يمكن الاستناد الى أستنتاج الشروط الضرورية التي يمكن أن يكون هناك للفكر موضوعا فيها."

امام هذه المقولة المنسوبة لكانط نضع التعقيبات التوضيحية التالية:

- لا يمكن الجزم القاطع أن علاقة الفكر باللغة علاقة أعتباطية غير منتظمة، فالفكر تفكير لغوي تجريدي بموضوع مادي أو خيالي، ولا يمكن تاكيد أعتباطية التفكير أنه بلا معنى لعدم امكانية اللغة التعبير خارج الخلاص من الفرضية التي تذهب الى أن علاقة ترابطية الفكر باللغة أعتباطية غير منتظمة لا يعول عليها في استنتاج شروط ضرورية يمكن من خلالها تاكيد أن هناك للفكر موضوعاته المستقلة عن اللغة حسب عبارة كانط.

- أن الفكر هو تفكير العقل المتقدم بالاسبقية على لغة التعبير، عليه لا يمتلك الفكر موضوعاته المجردة من تعبير اللغة عنها. واذا افترضنا أعتباطية الفكر حالة تلازم الادراك والتفكير العقلي، فأن اللغة لا تتأثر بهذه الصفة كون اللغة لا تعمل في فراغ أعتباطي غير منتظم ادراكيا لمواضيعها التي هي مواضيع تفكير العقل بها، كما لا تعمل اللغة خارج التعبير عن معنى متحقق بالفكر سلفا بمعزل عنها.

- اللغة لا يمكن أدراكها عندما لا تكون دلالة ادراكية مستمدة من شيء موجود واقعيا سابقا عليها. أو موضوعا أستنفد تفكير العقل به واعطى ردود الافعال الانعكاسية الاستجابية عنه. ويحتاج أفصاح اللغة التعبيرعنه خارجيا. الادراك لا يكتفي بالفكر المجرد عن لغته كون الادراك هو تفكير لغوي لا يمكن فصل الفكر عن اللغة فيه.

- الحقيقة التي لا يمكن مجاوزتها بسهولة هي أن الفكر هو أدراك متعيّن بدلالة لغوية عن معنى، وكذلك تعبير اللغة هي ادراك متعين بدلالة الفكر، ولا يمكننا التعبير عن فكر لا تلازمه بالضرورة لغة تعبير عنه.. نظام التفكير باللغة يطوّع لغة التعبيرالتداولية عنه..

- ليس من مهام اللغة التي ترتبط حسب عبارة كانط بعلاقة أعتباطية بالفكر أن تقوم هي تنظيم وتخليص الفكر من الاعتباطية التي تلازمه. بل تنظيم نسق الادراكات الواصلة الى الدماغ تصبح مهمة تنظيمها تقع على عاتق العقل وليس على عاتق اللغة. فالعقل مضمون تفكيري واللغة وسيلته في التعبير عن تلك المضامين.. اللغة تعبير أكتسب محتواه من مرجعية تفكير العقل ولا تمتلك اللغة أمكانية تنظيم مدركات العقل بمعزل عن العقل نفسه.

س13: ا. مراد غريبي: هل تعتبرون الفكر نتاج بيولوجي صادر عن الدماغ، أم صادرا عن الذهن كما هو متداول؟

ج13: أ. علي محمد اليوسف: يقسم بعض الفلاسفة الفكر بإعتباره خاصية انسانوية يتفرد بها الانسان الى عنصرين هما ميزتين تطبعان الفكر من ناحية خاصيته الانسانية، الاولى هي مضمون الفكر، والثانية هي نشاط الفكر نفسه. من الامور التي نفهم بها خاصية الفكر التعبيرية من خلال تعالقه البيولوجي بكل من العقل من جهة، وارتباطه بتعبير اللغة من جهة اخرى. رغم حقيقتهما أنهما علاقة واحدة لا يمكن الفصل بينهما. فالفكر كمضمون هو نتاج حصيلة تفكيرية يبتدعها العقل تفكيرا بموضوع، وهذا النوع من التفكير العقلي هو (ملكة) انفرادية يحوزها العقل البشري. والصفة الثانية الملازمة للفكر أنه نوع من الفعالية الحيوية الديناميكية، بمعنى الفكر هو خاصية تفكيرية قصدية ملزمة التعبير عن نفسها، يعني الفكر هو سلوك أجرائي معرفي بالحياة لا يتسم بالحيادية. يطرح بعض الفلاسفة سؤالا غريبا بضوء علاقة الفكر المزدوجة بين العقل بيولوجيا وبين لغة التعبير عنه تجريديا " هل من الممكن التفكير من دون لغة؟ أم نتقبل الحقيقة التي تقول أنه بدون الفكر لا توجد لغة؟ ومن خلال الفلسفة وعلم النفس تم التوصل الى فكرتين، الاولى تذهب الى أن الفكر الحقيقي غير لغوي وهذه المقولة تبناها هنري برجسون . والثانية أن الفكر هو لغة ليس الا "

للتعقيب حول هذه التساؤلات الالتباسية الجدالية:

- لا يمكن التفكير بدون لغة صورية، ليس فقط بتسليم الاستناد الى حقيقة الفكر هو لغة ادراكية تفكيرية صامتة، بل اذا جاز لنا فصل الفكر عن اللغة باعتباره ادراكا صامتا، فيكون معنا تفكير الادراك بمواضيعه لا يقوم على غير علائقية ترابطية بين الادراك الفكري باللغة، ولا يمكننا التفكير المنظم في معنى عن شيء من دون لغة تصّورية. الادراك الحسّي هو صمت لغوي من التفكير لا يخرج عن أستحالة تفكيره وأستيعابه أحساسات الاشياء والتعبير عنها كمدركات حسّية بغيرتعبيرات اللغة تجريديا عنها.

- الشيء الثاني في عدم أمكانية فصل اللغة عن الفكر لا بالتفكير الادراكي العقلي الصامت ولا بالتفكير اللغوي المنطوق أو المكتوب. يأتي من كون الادراك هو تفكير عقلي معبّرا عنه باللغة. بمعنى اللغة هي أفصاح وتعبير لادراك العقل.

- حين يعتبر برجسون أن الفكر الحقيقي هو غير لغوي نفهم منه هو لا يقصد آلية التفكير التي هي آلية لغوية بامتياز لا يمكن العبور من فوقها وتجاوزها، فالفكر حقيقته القصدية بالمعنى تؤخذ من لغة تعبيره عن الاشياء . والفكر من دون وعاء لغوي يستوعبه لا يتحقق من غير شكل اللغة التي تحتويه. أما كيف يكون الفكر اكثر مصداقية حقيقية من اللغة حسب عبارة برجسون، فتمريرها الحذرالمشكوك به أنما يأتي من أعتباره الادراك العقلي للاشياء يمتلك لغة تجانس الادراك الحقيقي في صمت التفكير وليس في تعبير اللغة الافصاحية الخارجية عن المعنى المضموني للادراك. لذا فالفكر هو لغة لا أكثر وما يتعالق بالفكر مثل الوعي والذهن والذاكرة جميعها تفكير لغوي موزع في اشكال من التجليات المتنوعة أدراكيا كتجريدات مصدرها العقل.

- كما أن الذين يرون للفكر طبيعة تختلف عن طبيعة المادة فهذا لا يغير من حقيقة الفكر ولا اللغة انهما تجريدان غير ماديان ولا حسيان، وطبيعتهما التجريدية تختلف عن طبيعة المادة كموجود متعين انطولوجيا أمر مفروغ منه ولا يتقبل التداخل بينهما، فالفكر الذي يعبر عن المادة لا يصبح في لغة التعبير عنها جزءا ماديا تكوينيا منها بل يبقى الفكر تجريدا لغويا تصوريا عن المادة...كما هو تجريد اللغة في تعبيرها عن الموجودات بالعالم الخارجي. وليس هناك من قيمة جادة يحملها تعبير برجسون( كل تعبير لغوي هو تشويه للفكر). هذا التعبير يناقض مقبولية القول أن اللغة قدرة أستيعابية محدودة لا تستطيع التعبير الكامل عن محتوى الفكر.والا تكون عبارة برجسون تقفل أمامنا حقيقة أن تكون طبيعة أفكارنا هي تحقق لغوي وبغير ذلك لا يبقى تشويها للفكر لا نجده في تعبير اللغة عنه.

س14: ا. مراد غريبي: عذرا دكتورنا الفاضل، سؤال ضمن السياق، هل اللغة مادة أم تجريد؟

ج14: أ. علي محمد اليوسف: ذهبنا في أسطر سابقة أن الفكر واللغة جوهران متلازمان يشتركان بصفة التجريد فكيف لنا تبرير هذا التناقض مع القول الذي يقول" اللغة على وجه الخصوص هي مادية (اصوات) يمكن التعرف عليها لذاتها من حيث أنها حقيقة مادية " .

مادية اللغة نفهمها بدلالة تعبيرها عن المادة ولا يمكن أدراكنا لغة التجريد كاصوات مادية مكتفية بذاتها مصدرها اللغة وليست منها مستقلة عنها، كونها خاصية مادية حسب العبارة. المادة كمحسوس متعين حسيا يدركه العقل لا يتحدد بالصوت اللغوي المعّبر عنه، بل تتحدد المادة بوجودها الانطولوجي كمتعين يدرك ويحس بصفاته الثلاث الطول والعرض والارتفاع، وأضاف انشتاين له البعد الرابع الزمن.

الصوت فيزيائيا لا يمكننا تحديده ماديا بصفات مادية معروفة ذكرناها، واللغة كصوت ذي دلالة تعبيرية عن معنى قصدي، هي تجريد في تعبيرها عن اشياء وليست مادة بذاتها، ولا تكون اللغة هنا جزءا من مادة مدركة حسّيا بل تكون جزءا من لغة تجريد ادراكي للمادة. وتجسيد اللغة للفكر في التعبير عن معناه المضموني لا يجعل من كليهما اللغة والفكر مادة باكتسابهما صفة تجريد الصوت مدركا بذاته وهو خطأ لعدم أمكانية أدراكنا الصوت مجردا عن دلالته المادية.

الفكر لا تحتويه المادة بمقدار ما تحتويه لغة التجريد في تعبيرها عن المادة. وفي حال تاكيد صوابية خطأ مقولة برجسون أن تكون اللغة خاصية مادية بالصوت المدرك لوحده فهذا يقودنا التسليم لخطأ أكبر منه تجاوزناه هو صحة أمكانية جواز التفكير من دون لغة. فالمادة لا تدرك مادة أخرى تجانسها الخواص التعريفية ماديا من غير تداخل تفكير اللغة التجريدي التوسيط بينهما. عليه اللغة كاصوات تعبيرية عن معنى مادي مقصود هي تجريد مادي وليست مادة مدركة لوحدها. تجريد اللغة عن تعبيرها عن موضوع مدرك عقليا يفقدها خاصية التعبير كاصوات وأبجدية مكتوبة تعبيرية. وتنتفي عنها حينذاك صفة اللغة التي هي خاصية تعبير فكري تجريدي عن المادة والاشياء.

التسليم بمقولة اللغة مادة بدلالة الصوت، عندها يصبح لا غرابة أن نجد اللغة كما يعبّرعنها أحد الفلاسفة "هي تعبير كلّي يقوم مقام الواقع بكامله.". تماشيا مع هذا التعبير الافتراضي الخاطيء لا يمكننا معرفة الواقع في حقيقته المادية عندما نحاول التعبيرعنه بمادة لغوية، وليس لغة مادية وهو ما يعني أمكانية أن تعي المادة غيرها من الماديات الاخرى ليس بدلالة تجريد اللغة بل بدلالة لغة المادة الموهومة التي أصبحت هي ميزة المادة ذاتها. وهذا أمر ليس محالا على صعيد الادراك العقلي وحسب وأنما محال على صعيد الغاء خاصية التجريد اللغوي عن مدركاته التعبيرية التي هي في حقيقتها مدركات عقلية.

لا يسعنا التعبير عن هذا المأزق أكثر من قولنا أننا يمكننا التعبير عن اللغة بلغة أخرى تجانسها الماهية والصفات النحوية، لكننا لا نستطيع فهم الواقع المادي الذي تموضعت اللغة فيه تكوينيا بتعبير لغة لم يعد يمتلكها العقل ولا يستطيع تصنيعها بل يمتلكها الواقع المادي في محاولته فهم العقل وليس العكس فهم العقل للواقع.

أن الحقيقة التي يراد العبور من فوقها أن اللغة تبقى تجريد تعبيري، والمادة تبقى واقعا لادراك هذا التجريد اللغوي، واللغة المتموضعة بالاشياء هي لغة تجريد يحتويها الموجود المادي انطولوجيا لكنه يبقى تجريد اللغة غريبا عن المادة كتجريد لغوي معبّراعن المادة لكنه لا يحمل خصائصها.

مشروع اللغة الكليّة المصنوعة آليا التي نادى بها العديد من الفلاسفة والعلماء والمفكرين في القرن التاسع عشر أعتبرها دستوت تراسي من فظائع الاخطاء التي وقعت بها الفلسفة في محاولة بعضهم تربيع الدائرة أن يكون لها أربعة اضلاع.

س15: ا. مراد غريبي: هل تجدون دكتور، أن هناك خصائص مشتركة تجمع كلا من الفكر واللغة؟

ج: أ. علي محمد اليوسف: يذهب بعض الفلاسفة الى الدخول قسرا في افتراضات فلسفية لا معنى لها في صرف الجهود لمناقشتها مثل" اننا في حال اقرارنا اللغة هي الفكر، يصبح معنا امكانية الاستنتاج أن علاقة الفكر باللغة هي علاقة مادية تقوم على وجود فرق أختلاف بين طبيعة الفكر عن طبيعة اللغة "5 في سطور سابقة ناقشنا خطأ أعتبار اللغة مادة تدركها وتعبر عنها لغة اخرى، وهذا الامر محال فاذا نحن خلعنا صفة المادة على شيئ نكون أعطيناه امكانية ادراكه تجريديا بلغة، وهو ما لا ينطبق على ان تكون اللغة مادة ميزتها الاصوات ندركها بلغة أخرى ميزتها صوتية ايضا.

والآن نناقش الاختلاف بين طبيعتي الفكر واللغة، وأول ما يتبادر للتفكير هو مالمقصود تحديدا بأختلاف طبيعة الفكر عن طبيعة اللغة وبماذا؟ لم نعثرعلى أجابة على طرح مثل هذه الاشكالية الفلسفية.

اذا أقررنا حقيقة أن الفكر واللغة هما شكل ومحتوى كلاهما يتسمان بالتجريد أحدهما بدلالة الاخرفي أدراك العقل لهما، عندها لا يصبح واردا مناقشة أمتلاك الفكر طبيعة لا تجانسها طبيعة اللغة. كون العقل يدرك تنظيم الفكر بدلالة تجريد اللغة الصوري، ولا يدرك العقل اللغة بتجريد فكري.

لذا تكون طبيعة حمولة تفكير العقل هي طبيعة لغوية تجريدية. وأن يكون الفكر يمتلك طبيعة غير طبيعة اللغة هي محض تلاعب لغوي وهمي لا يقوم على منطق فلسفي مقبول..والادراك يتبع نفس الآلية التي تتبعها الحواس في أدراكها مواضيع الموجودات المادية في نقل الانطباعات عن موجودات العالم الخارجي الى الذهن.

عندما نقول للفكر خاصية مادية (مادة) بخلاف خاصية اللغة كتجريد لا مادي، معنى ذلك أصبح متاحا لنا أن نعي الفكر بلا لغة أصوات مسموعة أو مكتوبة. لكن كيف نثبت أمكانية فصل الفكرعن اللغة؟ ثم ماهي الآلية التي تجعلنا ندرك الفكربطبيعته المادية في حال امكانية انفصاله عن تعبير اللغة التجريدي عنه؟ أدراك اللغة للمادة هو أدراك تجريدي وأدراك مواضيع المخيلة المجردة ايضا يكون بنفس آلية أدراك اللغة التجريدية للمادة. الفكر انعكاس لوجود مادي محسوس، وهذه الخاصية لا يمتلكها الفكر كونه تجريد لغوي وليس وجودا انطولوجيا ماديا تدركه الحواس قبل اللغة.

س16: ا. مراد غريبي: ما تعليقكم دكتور علي، على الدعوات الفلسفية إلى إنابة لغة الذكاء الاصطناعي -الآلة- على لغة الانسان؟

ج16: أ. علي محمد اليوسف: الاطروحة الفلسفية التي عرضناها حول امتلاك كلا من الفكر واللغة طبيعة خاصة مختلفة احداها عن الاخرى، واعتبروا اللغة مادة لأنها باختصار هي أصوات. جعل بعض الفلاسفة يلجئون لحلم تصنيع آلة حاسوب تقوم مقام اللغة عند الانسان باعتبارها ملكة وخاصية لا يمكن استنساخها وتحاكي التواصل بين البشر،.

الا أن هذه الفرضية الطموحة المتفائلة لقيت معارضة قوية من فلاسفة بينوا عقم مثل هذا التوجه، واضعين بعض أعتراضاتهم الفلسفية بما يلي:

- الآلة التي تنوب عن لغة الانسان لا يمكنها التعبير الصحيح عن مجمل المسائل المتعلقة بالاخلاق والنفس والضمير والعواطف والاخلاص والالتزام بالوعود والاستقامة والنزاهة وغير ذلك عديد، وهذه لا يتوفر على تلبيتها الحاسوب المبرمج بتقنية عالية من استنساخ لغة الانسان.

- ورد منذ القرن السابع عشر على لسان ديكارت ما يدحض آلية تصنيع اللغة قوله "طيور العقعق والببغاء تستطيع التلفظ بكلمات وحتى عبارات مثلنا نحن البشر لكنها لا تستطيع ان تعي ما تقوله وتلفظه" .

- طرح ايضا بعض الفلاسفة تساؤلا" لماذا لا يستطيع الحاسوب ان يحاكي بالضبط السلوك الانساني عند البشر؟

 أجاب بعض الفلاسفة عن هذا التساؤل قولهم عجز الآلة، ممثلا في عدم أمتلاكها (وعيا قصديا) بهديه وعلى ضوئه يتمكن الانسان السيطرة على سلوكه الذي يرسمه له الوعي القصدي كملكة يتفرد بها الانسان، والوعي القصدي دعى له برينتانو ليعقبه هوسرل وهيدجر وليتسلم الراية منهم الفلاسفة الاميركان مثل سيلارز وجون سيرل وريتشارد رورتي وسانتيانا وغيرهم.

- أدان العديد من فلاسفة اللغة والعقل في مقدمتهم فلاسفة السلوكية اللغوية الاميريكية مقولة فيلسوف وعالم اللغات نعوم جومسكي حين أجاز في مصطلحه (الابداعية التوليدية) إمكانية توليد الجمل اللغوية الابتكارية عند الانسان بما لا يمكن حصره، لكنه التقى مع فلاسفة السلوكية الاميركان أن الآلة لا تنوب عن الانسان في قابلية الابتكار التوليدي اللغوي.

- " اقترح جومسكي منذ خمسينيات القرن الماضي في اعتماده اللغة تمتلك عنصرا بيولوجيا مركوزا في دماغ الانسان، وأننا ننطوي وراثيا على حاسة الكلام، وأننا مبرمجون وراثيا لنتكلم بدلا من التقليد من ثقافتنا وبيئتنا، وكلامنا يرتكز على مخطط وصفة أنطبعت فينا منذ الولادة"، هنا جومسكي ينهي أي أجتهاد فلسفي حول امكانية استنساخ وظيفة اللغة آليا في حاسوب متطور.

- من المسائل التي رفضها فلاسفة السلوكية استنساخ اللغة آليا بالحاسوب هو ما طرحه جون سيرل وهو فيلسوف العقل واللغة وأحد أبرز المتبنين للوعي القصدي، أن توليدية الابتكاراللغوي التي نسبها جومسكي لملكة الانسان الفطرية الوراثية، لا يمكن استنساخها في الحاسوب ابسطها عدم امكانية تحكم الحاسوب بالعبارات والجمل التي تكتفي بايصال المعنى المطلوب. وضرب لذلك مثلا أن الحواسيب يمكنها تركيب جملة (أنا أعدك) لكنها لا تفهم ما يترتب على العبارة من تنفيذ تطبيق هذا الكلام كمحاورة قصدية ذات معنى.

 

حاوره: الأستاذ مراد غريبي

المثقف - مرايا حوارية

 19 - 10 - 2021

 

 

 

 

 

 

في المثقف اليوم