مرايا فكرية

مراد غريبي يحاور الباحث الفلسفي الأستاذ علي محمد اليوسف في مرايا فكرية (6)

2916 علي اليوسف ومراد غريبيخاص بالمثقف: الحلقة السادسة من مرايا فكرية مع الباحث الفلسفي المفكر الأستاذ علي محمد اليوسف، وحوار شامل أجراه معه الأستاذ الباحث مراد غريبي، حول الراهن الفلسفي، فأهلا وسهلا بهما:

المحور السادس: إشكالية الوعي في الفلسفة الغربية المعاصرة.. جون روجرز سيرل1 نموذجا.

س98: ا. مراد غريبي: في احدى مقالاتكم الاستاذ اليوسف، تساءلتم: هل الوعي مادة؟ ما توضيحكم لهذا التساؤل.

ج98: ا. علي محمد اليوسف: هل الوعي يمتلك خواص المادة مثل الحركة والإمتداد والأبعاد الثلاثة الطول والعرض والارتفاع واضاف انشتاين البعد الرابع الزمن؟ وهل تمتلك المادة خاصية التفكير الواعي منفردة على خلاف خاصية تفكير الوعي في تعبير اللغة عن مدركات العقل المادية؟ هل المادة عقل مفكر ذاتيا يعي تفكيره؟ وهل الفكر جوهر مادي مستقل عن منظومة العقل المتعالقة بإدراك الموجودات؟ وبأي وسيلة تعبير تمتلك المادة الإفصاح الإستدلالي عن وجودها الانطولوجي دونما إدراك الوعي العقلي لها في غير دلالة اللغة؟

نقصد بالمادة هنا كل موجود غير عاقل يمتلك صفات وماهية المادة كمتعّين أنطولوجيا يدركه العقل ولا يدرك هو العقل.

لقد "وضع هوبز النزعة الآلية في الإمتداد، وأضاف جوهرا آخر للمادة هو التفكير لكي يفسح في المجال لوعي الانسان الذاتي، وجعل من هذين الجوهرين – يقصد المادة والوعي - يعتمدان على الله ".

س99: ا. مراد غريبي: إذن بماذا تحددون الاجابة على التساؤلات التي طرحتها؟

ج99: ا. علي محمد اليوسف: الوعي ليس مادة بالمعنى الحسّي المتعين أنطولوجيا، وصفات الامتداد والحركة الآلية في المادة لا غبار عليها، والوعي لا يمتلك خواص المادة ولا صفاتها بإستقلالية عن منظومة العقل الإدراكية من ضمنها اللغة، ولكي يكون الوعي متعّينا مدركا أنما يكون في إمتلاكه قابلية التحول من موضوع لافيزيائي الى لغة تعبير فيزيائي في التفكير بشيء مادي أو بموضوع خيالي. وإلا أصبح الوعي من إفصاحات النفس تجريدا التي هي ليست موضوعا مدركا بإستقلالية عن العقل. بل النفس مفهوما بتعبير لغة العقل عنه. بمعنى لكي يكون الوعي موضوعا مدركا عقليا علينا ربطه باللغة في موضعتهما الأشياء التي يعبرّان عنها. وبغير تلازم الوعي مع لغة التعبير لا يبقى وجود له في عالم الموجودات الخارجية في التعبير اللغوي المتموضع معه الوعي في كل شيء يدركه العقل بوعيه فيه وتعبير اللغة عنه. وبغير هذا التلازم بين الوعي واللغة وبين الوعي والعقل يكون الوعي صمتا تفكيريا بالذهن داخليا فقط. بعبارة ثانية الوعي هو تموضع لغوي صامت في التعبير خارجيا عن مدركات العقل، واللغة تموضع إفصاحي عن مواضيع إدراك الوعي لها. الوعي حلقة ضرورية داخل منظومة الإدراك العقلي لا يمتاز بخصائص المادة ولا يمتلك خاصية أن يكون موضوعا تجريديا أو ماديا يدركه العقل.

س100: ا. مراد غريبي: كيف يكون الربط بين علاقة تجريد كلا من الوعي واللغة ببايولوجيا العقل؟

ج100: ا. علي محمد اليوسف: الوعي حلقة تجريد يمتاز بها العقل ويمارسها وسيلة معرفية شأنه شأن اللغة، وليس الوعي جوهرا ماديا مستقلا ذاتيا ايضا. فكلاهما الوعي واللغة حلقتان تجريديتان في منظومة العقل الإدراكية. وكما لا يستطيع العقل جعل اللغة موضوعا مستقلا في إدراكه لها دونما أن تكون اللغة تعبيرا عن موضوع مدرك، وكذا يعجز العقل أن يجعل من الوعي موضوعا يدركه بإستقلالية لوحده خارج منظومة الإدراك. الوعي أو اللغة تجريدان تعبيران يرتبطان بعملية الإدراك العقلي ولا قيمة لهما في إستقلاليتهما عن موضوع مدرك. بمعنى لا يمكن للعقل أن يدرك الوعي أو اللغة تجريدان مستقلان من غير تعالقهما بمعنى قصدي يلازمهما.

ولا يكون الوعي موضوعا مستقلا لإدراك العقل له، فالوعي شأنه شأن الزمن ليس موضوعا لإدراك العقل بل وسيلة إدراكه لمواضيعه، كذلك اللغة هي تجريد تعبيري للعقل لكنها ليست موضوعا مستقلا في إمكانية إدراكه لها مجردة عن موضوع يلازمها إدراكيا، وعندما نفكر بشيء ما أو موضوع ما فنحن نفكر به لغويا تجريديا – وتموضعيا ماديا، أي بمقدار ما تكون اللغة تجريدا في تعبيرها الفكري عن الاشياء بمقدار ما تكون جزءا متموضعا ماديا في التعبير عن تلك الاشياء كموجودات تحمل لغة إفصاحاتها معها.. اللغة ليست خاصية الفكر التجريدي في التعبير فقط بل هي لغة تمثل جزءا متموضعا في كل شيء يدركه العقل. اللغة ليست إدراكا تجريديا فقط وإنما هي صفة ملازمة للاشياء التي يدركها العقل ليس بلغته بل في إكتشافه تموضع اللغة بها ويقرأها العقل وعيا تجريديا لغويا في انطولوجيا الموجودات المدركة..

وحينما يدرك الوعي المادة كتجريد لغوي فهو يكتسب خصائص الموضوع المادي المدرك المنفرد بلغة الذهن الصامت. بمعنى الوعي لا يكون ماديا حسّيا في تعبيره اللغوي عن الاشياء وإنما يبقى الوعي تجسيدا لغويا تجريديا في التعبير عن مدركات العقل المادية والخيالية. الوعي أكثر تجريدا صامتا من تجريد اللغة الصامتة والإفصاحية معا، كون الوعي فهم معرفي صامت وليس تعبيرا إدراكيا تصوريا مثل اللغة يمكن معرفته من خلال تعبيره عن موضوعه الذي يجري التفكير فيه ويعيه العقل.. وفي كل هذه الخصائص التي نتصورها خطأ أنها مستقلة عن بعضها في الوعي واللغة إلا أن حقيقتهما البايولوجية جوهران ينتظمهما الإدراك العقلي.

وحينما يعي الوعي ذاته بمعنى حينما يعي الانسان وعيه لذاته فهذا لا يخرج عن أصل التعبير في معنى مرادف هو إدراك العقل لذاته كموضوع الذي هو ماهية الانسان الفردية التي لا يدركها سوى صاحبها، في مطابقة الوعي المجرد مع كينونة العقل الفيزيائية التجريدية لغويا في تعبيره عن مدركاته وفي تعبيره الواعي عن كينونته الذاتية. وفي كلتا الحالتين لا يكون الوعي موضوعا منفصلا لإدراك العقل بل وسيلة إستدلالية له في معرفته الاشياء. الوعي لغة عقلية صامتة واللغة وعي ناطق في تعبيرات العقل عن مدركاته.

ليس هناك من علاقة إدراكية حسّية ولا حتى علاقة تخييلية ميتافيزيقية، ترتبط بهما (المادة والوعي) في إمتلاكهما خاصية الحركة والامتداد والأبعاد الثلاثة لكل مادة. فالمادة والوعي جوهرين متكاملين في وظيفة الإدراك العقلي لكنهما جوهرين منفصلين كموضوعين في إدراك العقل لهما. ولا يمتلكان (المادة والوعي) الاستقلالية التأهيلية الإنفصالية أحدهما عن الآخر ليدخلا في علاقة معرفية وإدراكية مع الله كما ذهب له هوبز.

إختلاف المادة عن الوعي أنها تمتلك صفاتها الانطولوجية كمتعيّن مادي يدركه العقل، وهذا ما لا ينطبق على الوعي كونه غير مادة لذا فهو ليس موضوعا مستقلا في إدراك العقل له. فأينما وجدت المادة وجد الوعي الملازم لها في إمكانية إدراكها. وهناك فرق جوهري كبير بينهما سبق لنا ذكره هو أن المادة تكون موضوعا للعقل بينما لا يكون الوعي موضوعا مدركا للعقل، لذا فالحركة والامتداد والأبعاد الطول والعرض والارتفاع والزمن ألإدراكي لها هي صفات للمادة فقط ولا تكون صفات ماهوية أو خصائصية للوعي الذي هو تجريد لا مادي حاله حال اللغة والزمن كمفهوم مطلق في تعبيره عن الشيء وهو ليس جزءا مدركا يلازمه.

التفكير ليس آلية خاصية تمتلكها المادة أية مادة، فالمادة لا تفكر نتيجة الوعي الإدراكي العقلي لها الذي هو جوهر لغوي تجريدي لا مادي، بل الوعي ينوب عن لغة تفكير العقل في موضعته الاشياء المادية ويبقى إدراك اللغة المتموضعة بالشيء تجريدا تفكيريا للعقل وتبقى المادة وجودا أنطولوجيا في ذلك الإدراك مستقلة وجودا. بمعنى لا توجد خصائص معينة تجمع المادة بالوعي على أنهما جوهرين منفصلين وليسا جوهرين متداخلين داخل منظومة العقل الإدراكية الواحدة.

س101: ا. مراد غريبي: هل تنطبق صفات المادة التمدد والحركة والتقلص على الوعي ايضا مع فارق التجريد بينهما في تعبير اللغة عنهما؟

ج101: ا. علي محمد اليوسف: صفتا الحركة والامتداد اللتان تمتلكهما المادة كجوهر، لا يمتلكهما الوعي كتفكير مجرد في تعبير اللغة عن مدركات العقل إلا فقط بإرتباط الوعي بموضوعه المادي ويكتسب منه الحركة والإمتداد بتجريد منفصل عنه.. وهنا يكون الوعي الملازم لإدراك الشيء في مجمل تحولاته وتغييراته هو (زمن) إدراكي ملازم للشيء بفارق أن الوعي زمن مفارق لموضوعه بعد الإدراك العقلي له بخلاف الزمن الذي يلازم الموجودات ولا ينفصل عنها إلا بوسيلة واحدة حينما يكف العقل عن إدراك شيء يكون إستغنائه عن زمن إدراك ذلك الشيء قائما بالإنفصال عن العقل وليس بالإنفصال الزمني عن الموجودات المادية، الزمن ملازم دائم للاشياء فكل مدرك مكانا هو مدرك زمانا وبغير هذا التعالق الزمكاني لا يقوم العقل بوظيفة إدراكه الاشياء، ولا يكون الزمن ملازما العقل الا وقت حاجته إدراك الاشياء، لذا فالإنسان يكون متحررا من سطوة الزمن الإدراكي عليه في حالة اللاشعور وفي أثناء النوم.

وعندما نؤشر على وجود شيء أنما يكون تأشيرنا مرادفا متعالقا مع زمن إدراكنا له، في حضور الوعي معه زمنيا إدراكيا. الوعي بالشيء مرتهن بملازمة زمن الإدراك لذلك الشيء، والزمن يلازم العقل في حضوره الإدراكي فقط ويلازم الشيء مكانا في كل الحالات وجميع الانتقالات والسيرورة والحركات. وجود الشيء هو زمن وجوده الانطولوجي، بينما وجود الوعي تعبير لغوي صامت لا علاقة مركزية دائمية تربطه بالتبعية بالشيء المدرك خارج تبعيته لمنظومة العقل الإدراكية..

أما أن يكون الوعي منفردا بإستقلالية كجوهر ميزته حركة إمتدادية في الاشياء فهذا ما لا يقبله علم وظائف وفسلجة الاعضاء كون الوعي هو حلقة غير منظورة ولا محسوسة ولا تمتلك إستقلالية تفكيرية دونما إرتباطها بمنظومة العقل الإدراكية في معرفة الاشياء والتعبير لغويا تجريديا عنها.. فالوعي يبقى حلقة تجريدية تفكيرية لا مادية يتوسط الحواس والذهن ولا يمتلك الاستقلالية ولا قابلية أن يكون موضوعا مدركا انطولوجيا متعينا بأبعاد المادة مثل الحجم والكتلة والارتفاع والطول والعرض الصلابة وحالات السيولة والغازية وغيرها من خصائص مادية ممكن إدراكها بالحواس.

س102: ا. مراد غريبي: ما علاقة الوعي الذاتي بالمادة؟ وهل الوعي تخليق عقلي ام تخليق انطباعات الحواس؟

ج102: ا. علي محمد اليوسف: علاقة الوعي بالمادة علاقة ادراكية هي من تخليق الدماغ وليست من تخليق الحواس. الوعي ليس انطباعات مصدرها الحواس، بل الوعي ناتج ردود الافعال الارادية التي يصدرها الدماغ في تفسيره لمدركات الحواس.

والوعي الذاتي هو وعي العقل لكينونته البشرية المرتبطة بفيزياء الجسم وليس الوعي المرتبط بموضوعه المادي خارجيا في تجريده اللغوي الذي هو خاصية الوعي المجرد وليس خاصية المادة كموجود أنطولوجي شيئي. وعي الذات يختلف جوهريا عن وعي الأشياء والموجودات الخارجية والمحيط.

الوعي الذاتي هو جزء إدراكي في لغة تفكير العقل فهو يعي ذاته والمواضيع الخارجية لكنه لا يكون موضوعا لذاته الذي هو تفكير العقل، أي لا يكون الوعي موضوعا مستقلا لتفكير العقل به، إلا في إرتباطه كحلقة في منظومة الإدراك العقلي، أي الوعي جوهر مجرد لامادي ويكتسب ماديته الخصائصية غير الجوهرية من المادة التي يعيها في تعبير اللغة عنها... فالوعي جوهر تفكيري صامت ويكون فكرا لغويا تعبيريا عن ذاتيته وعن مدركات العقل المادية بتعبير اللغة عن الاشياء خارجيا. الوعي هو تفكير العقل اللغوي الصامت.

س103: ا. مراد غريبي: قام سبينوزا كي ينسجم مع فلسفته في وحدة الوجود بشخصنة ذات الخالق ماهية وصفات بوحدة موجوداته الموزّعة على الطبيعة والانسان والكائنات وكل ما يقع تحت طائلة الإدراك العقلي، معتبرا كل هذه الاشياء تفقد فرادتها "كونها تمثل جوهرا واحدا هو الله. الذي يكون الفكر والإمتداد مجرد صفتين له." ما تعليقكم على ذلك؟

ج103: ا. علي محمد اليوسف: في تعبير سبينوزا السابق نجده يشخصن الله ماديا طبيعيا في وحدة موجوداته الموزعة في الطبيعة والانسان والكائنات وكل الموجودات التي يطالها العقل بالإدراك، وهذه الشخصنة عند سبينوزا مادية وليست روحانية كما نجده عند الصوفية الدينية شخصنتها الذات الإلهية روحانيا ميتافيزيقيا على عكس من شخصنة سبينوزا الذات الإلهية ماديا طبيعيا، وبذلك جعل الله يتحكم في موجوداته المخلوقة بقوانين الطبيعة التي ندركها نحن ولا يمتلك هو- الله - قوانينه الخاصة به في قدرته تجاوز كل قوانين الطبيعة وكل معجزات الانبياء وهذا خطأ مريع في أن يكون ما هو خارج قوانين الطبيعة لا يمثّل القدرة الإلهية المعجزة في إعتبار قوانين الطبيعة والموجودات ومعجزات الانبياء لا تقف عند حدود الإعجاز الإلهي مثلما يقف أمامها عجز الإدراك الانساني لها. ولم يكن سبينوزا موفقا في تعبيراته شخصنة ذات الخالق في إمتلاكه صفتين هما (الفكر والامتداد) اللتين هما صفتين ماديتين تحكم الموجودات الطبيعية في قابلية الحركة بإستثناء الانسان الذي يمتلك الفكر الذي لا تمتلكه بقية الكائنات. من الخطأ تصنيف مذهب وحدة الوجود عند سبينوزا في تشييئه الذات الإلهية انه يلتقي الصوفية الدينية التي تقوم ايضا على تذويت الذات الالهية وشخصنتها بإستقلالية عابرة للطبيعة وقوانينها الثابتة المحكومة بها من ضمنها الانسان.

سبينوزا فيلسوف ليس صوفيا ماديا ولا صوفيا دينيا ميتافيزيقيا. ومذهب وحدة الوجود لا يبيح للصوفية الدينية تذويت الخالق بمخلوقاته في الطبيعة.

سبينوزا في مذهب وحدة الوجود أراد تخليص اللاهوت المسيحي واليهودي على السواء من تذويت الخالق ميتافيزيقيا غيبيا بالانصراف الى تذويته ماديا من خلال الاحساس المباشر بأعجاز مخلوقاته في الطبيعة وهذا ما لا تقر به الصوفية الدينية التي لا تعمل بمذهب وحدة الوجود من منطلق تذويت الذات الإلهية من خلال الماديات والاشياء والظواهر الموزعة بالطبيعة. بل من خلال تذويت الذات الالهية بروحانية نورانية لا علاقة لأي شيء مادي محسوس بها.

بمعنى لا تمتلك المادة خاصية الفكر باستثناء امتلاك عقل الانسان قابلية التفكير إذا ما اعتبرنا العقل تكوينا فيزيائيا يرتبط في جسم الانسان جزءا عضويا منه ويمتلك ملكة التعبير اللغوي تجريديا عن مدركات العقل.. الفكر ملكة خاصيتها تعبير اللغة وبغير هذا التعبير يفقد الفكر حضوره الإدراكي. ولا نجد في ربط خاصيتي المادة في الفكر والإمتداد موفقا مقبولا، فالإمتداد صفة حركية للمادة انطولوجيا بخلاف الفكر الذي هو ليس مادة مستقلة كجوهر انطولوجي قائم بذاته فكيف يتسم بصفة الإمتداد والحركة المادية وهو ليس مادة؟ نجد عند عديد من الفلاسفة الغربيين عندما يريدون التوفيق تلفيقيا بين المتضادات يستعينون بمرجعية الخالق التي تتوازى ميتافيزيقا الطرح الفلسفي مع منطق العقل ماديا ولا يلتقيان في تمرير تلك المتناقضات بمنطق التلفيق الافتعالي للخروج من المأزق أو المعضلة التي وصلت الطريق المسدود فلسفيا.

 

س104: ا. مراد غريبي: منذ القرن السابع عشر عصر ديكارت أخذ مبحث (الوعي) في الفلسفة إهتماما استثنائيا في أعقاب إطلاق كوجيتو ديكارت أنا أفكر.... الذي كان قمّة الوعي الذاتي المثالي في جعل الواقع الخارجي وجودا لا أهمية له في إمتلاك الوعي الفردي القصدي لمعرفة الذات.. هل تحدثنا عن هذه الاشكالية الفلسفية وكيف نشأت وتطورت؟

ج104: ا. علي محمد اليوسف: في أعقاب مجيء فلاسفة عديدين على مراحل زمنية متباعدة ظهر الفيلسوف برينتانو بمقولته (أن اللاوجود القصدي هو ككل هدف قصدي موضوع ومضمون مختلفان) وسنجد تأثير هذه العبارة على سيرل لاحقا.. ليعقب – برينتانو - تلميذه هوسرل مستعيرا قصدية الوعي منه في شرح معنى إدراك الذات على أنها إشباع لوعي معرفي هادف في شيء محدد مقصود سلفا في وجوب الادراك بلوغه.. وبذلك تأثر تلميذه من بعده، هيدجر في إعتباره الوعي القصدي هو نتاج الواقع المادي الذي لا يكون له معنى ما لم يكن وعيا ديناميكيا– في – عالم مؤكدا أهمية الوجود المجتمعي ومقصّيا وعي الفردية الذاتية في سلبيتها، وجاء سارتر ليتوّج ذلك في الوجودية أن الوجود سابق على الوعي به ليلتقي بالفهم المادي الماركسي من غير رغبة منه بذلك وإنما مكرها لخلاصه من مثالية ديكارت الذاتية المقفلة في علاقة الأنا بكل من الفكر والوجود.. وخروج سارتر لاحقا على الماركسية نفسها في جوانب فلسفية خلافية عديدة أفادت منها الفلسفة البنيوية كثيرا في نقدها القاسي للماركسية لدى كل من التوسير، وشتراوس، وفوكو، وبياجيه.. وغيرهم.

س105: ا. مراد غريبي: كيف انتقل مبحث الوعي القصدي الى الفلاسفة الأمريكان مثل جون سيرل، وسيلارز، ورورتي وغيرهم، من اقطاب فلاسفة العقل واللغة؟

ج105: ا. علي محمد اليوسف: مبحث الوعي القصدي كان مثار اهتمام الفلاسفة قرونا طويلة، وكان التهيب من الخوض به هو الدخول في نفق ميتافيزيقي. مع ظهور فلسفة اللغة والتحول اللغوي ونظرية فائض المعنى التي ركز على هذه الاخيرة بتطرف فلسفي كلا من امبرتو ايكو في التأويلية وجاك دريدا في التفكيكية. ما جعل الفلاسفة الأمريكان يستضيفون الفلاسفة الفرنسيين والألمان من هواة فلسفة اللغة ويستلموا الراية منهم. يذهب سيرل أنه استنادا الى تقليد معرفي في الفلسفة المثالية يوجد فرضية خاطئة معتمدة تلك هي أننا لا يمكننا أدراك العالم الحقيقي بصورة مباشرة، وهي تشبه محاولة شخص تطوير علم الرياضيات على افتراض عدم وجود الارقام.

هذا المعنى الفلسفي كان مثار جدال حاد جدا بين الثلاثي جون لوك، ديفيد هيوم، وبيركلي، وقد تناولت اشكالية الادراك الانطولوجي في مقالة لي منشورة بعنوان (اشكالية الادراك: الاصل والصورة). وليس هنا مجال البحث في تفاصيلها لأنها تحتاج شرحا مطولا.

س106: ا. مراد غريبي: هل الوعي يرتبط بعلاقة تجريدية مع الادراك ام بعلاقة عضوية بايولوجية مصدرهما منظومة الدماغ؟ ولمن تكون الاسبقية للإدراك ام للوعي؟

ج106: ا. علي محمد اليوسف: بالحقيقة السؤال معقد ويحتاج عرض توضيحي يقوم على الثوابت التالية:

الادراك الحسي لأنطولوجيا الوجود يسبق تشكيل الوعي عنه.

والادراك يرتبط بعلاقة تجريدية بالوعي.

باستثناء الحواس والجهاز العصبي والدماغ لا توجد مفردة واحدة إدراكية ترتبط بهذه المنظومة لا تكون تجريدا مصدره الدماغ عضويا. الذهن، الانطباعات، الادراك، الوعي، الذاكرة، المخيلة جميعها مفردات تجريدية مصدرها منظومة العقل الادراكية ومركزها الدماغ.

صحيح جدا ان توصف هذه المفردات التي مررنا بها التجريد العقلي الوظائفي لكنه لا معنى لواحدة منها ولا لأكثر من واحدة منفردة قيمة يعتد الاخذ بها ما لم تكن مرتبطة بمنظومة الادراك العقلي ومركزها الدماغ والخلايا العصبية المليونية المختصة بكل واحدة من هذه المفردات الادراكية المجردة.

يوجد إختلاف ليس بالبسيط بين فهم الفلسفة لهذه العلاقة الاشكالية وبين المنظور العلمي التخصصي التجريبي في معرفة الخلايا الدماغية المسؤولة عن كل مفردة من هذه المفردات التجريدية.

ترتبط هذه المفردات التجريدية فيما بينها بصيغة التكامل الوظيفي الادراكي ولا يمكن ان يكون هناك قيمة لواحدة منها لا ترتبط مع غيرها. بمعنى لا وجود لذهن بغير حواس، ولا وجود لإدراك من غير مادة او موضوع، ولا معنى لخيال لا يرتبط بمخيلة، ولا معنى لذاكرة من دون استرجاعات تذكرّية وهكذا.

س107: ا. مراد غريبي: هل تجدون أن إدراك الشيء هو غير الوعي به وغير معرفته؟

ج107: ا. علي محمد اليوسف: في عبارة لجون سيرل أن إدراك العالم الحقيقي لا يتم عبر الاحساسات المنقولة للدماغ بصدقية يعتمدها الادراك العقلي المباشر وهو طرح سليم ودقيق، ومن هنا يكون الادراك العقلي منقوصا ويفقد الواقع الحقيقي كموضوع للإدراك الكثير من مزاياه، هذا من جهة.. من جهة أخرى يتمّثل عدم امكانية معرفة الواقع على حقيقته في تعّذر الادراك الحقيقي المباشر له، أن وسيلة العقل الادراكية للعالم الخارجي تقوم أساسا على تأطير صادرات الاحساسات المنقولة الى الدماغ بزمن أدراكها الذي يجعلها متعيّنا مكانيا – زمانيا في بنية واحدة لا تنفصم، وبغير هذه الآلية يتعذّر على الادراك العقلي أن يكون واقعيا وسليما في أدراكه الأشياء المنّظم فكريا بعيدا عن الادراكات الهلاوسية الناقصة، فجوهر الادراك هو الوعي بموضوع يأتي الدماغ ويستلمه عبر منفذ الحواس، أي بمادة خام يكون مصدرها بالنسبة للعالم الخارجي الحواس والزمن الذي يحتويها وجودا، أو بالنسبة لموضوع الخيال المستمد من الذاكرة تأمليا استرجاعيا في فعالية ذهنية تجريدية لا يكون فيها الموضوع متعّينا وجودا في عالم الاشياء.. وبخلاف هذين الآليتين لا يكون هناك أدراك للواقع الحقيقي سليم يعتمده العقل أو الدماغ تحديدا.. ويبقى ألادراك القصدي ناقصا تماما في تعّذر أدراك العالم الحقيقي مباشرة بفهم يمّكن العقل من معالجته لمواضيع إدراكاته بالمقولات التي تجعل من المدركات مواضيع معرفية وليس مواضيع إشباعات بيولوجية خالصة..

ويوجد فرق بين الادراك المعرفي والادراك الغريزي.. فالإدراك المعرفي هو معرفة العالم الخارجي كوجود انطولوجي، والادراك الاستبطاني الداخلي فهو يتمثل بردود الافعال لمثيرات أجهزة أحاسيس الانسان الداخلية في اشباع حاجات الانسان الغريزية مثل الحاجة للأكل والحاجة للنوم او الحاجة للجنس وهكذا، وتدخل مواضيع الادراك الخيالية في تلبية اشباع رغبة استبطانية تراود الانسان اشباعها.

س108: ا. مراد غريبي: ذكرتم انه جرى احتدام شديد بين كلا من بيركلي وجون لوك وديفيد هيوم حول مسألة الادراك والوعي، علما ان ثلاثتهم ينتمون الى المنطقية المثالية التجريبية. هل من إعطاء لمحة سريعة حول الموضوع؟

ج108: ا. علي محمد اليوسف: أننا نفهم الوعي المثالي المتطرف عند كل من بيركلي وهيوم وجون لوك في إعتبارهم موضوعات العالم الخارجي ما هي سوى انطباعات في الذهن وأفكار العقل المجردة، وأنكر بيركلي وجود المادة ليتبعه هيوم بتطرف أكثر في الغائه العقل ونظام السببية معتبرا إياها خبرة متراكمة تجريبية يتعوّدها العقل بالتكرار المستمر ليجعل منها قانونا يحكم نظام الاشياء في العالم الخارجي والطبيعة.. ليصبح بالنتيجة عادة وليس سببية.

وينتقد جون سيرل ديفيد هيوم حول مفهوم السببية بشراسة قائلا( في الفلسفة التحليلية عانت المناقشات حول مفهوم السببية تقليديا من المفهوم الهيومي – نسبة الى هيوم – القاصر على نحو سخيف، فمن هذا المنظور التقليدي تكون السببية دائما علاقة بين أحداث منفصلة تعمم قانونا، وأما العلاقة السببية وهي العلاقة الضرورية فلا يمكن معايشتها أبدا، هذا الرأي غير كاف فنحن نعيش في بحر من السببية التي نعايشها بصورة واعية، وعلى العكس تماما في كل مرة تدرك فيها أي شيء أو تقوم بأي شيء عن قصد فانك بذلك تمارس وتشهد علاقة سببية ).

والصحيح أيضا أن العقل وتحديدا وسيلته الادراكية الحواس والدماغ لا يتعامل مع مواضيع مدركاته المادية أو الخيالية الا بتجريد فكري تصوري ذهني يتم داخل الدماغ، والحقيقة التي لا يجهلها العديدون أن النظرة او المنهج المثالي هو نفسه ينطبق عليه التفكير المادي بالاحتكام كليهما الى مرجعية العقل، فالمثالية التجريبية تعطي العقل أرجحية قصوى في الادراك، ومثلها وربما أكثر تنحو المادية في اعتمادها العقل كمنهج وحيد في المعرفة العلمية والحقيقية.. أشتراك كل من الفلسفتين المادية والمثالية في مرجعية العقل في اختلاف جوهري لا يمكن طمسه أو أغفاله، فالمثالية تعتمد العقل في إنتاجه الواقع المجرد فكريا بالذهن، بينما المادية تعتمد العقل إنعكاسا للوجود المادي لعالم الاشياء في إنتاجية الفكر المتعالق جدليا مع الواقع بعرى وثيقة من الديالكتيك المتخارج بينهما.. ولا وجود مادي مدرك لا يتعالق مع فكر إنساني...

لكن يبقى العقل في أي نوع من التفكير الادراكي والمعرفي بحاجة الى متعّين مادي يكون مادة خام لوعيه الادراكي يمثّل موضوعه.... وهذا ما تتوفر علية الاشياء في عالم الموجودات الواقعي عبر الحواس أو عالم الموضوعات في وجودها الافتراضي المستمد من الذاكرة التخييلية الاسترجاعية وهذا يقاطع مقولة سيرل التجربة الواعية ليست موضوعا للإدراك، بل هي في الواقع تجربة الادراك.2988 علي محمد اليوسف

س109: ا. مراد غريبي: نود التركيز على قضية الوعي القصدي في فلسفة جون سيرل، وبماذا يختلف سيرل على الفلاسفة الانجليز اصحاب الوضعية المنطقية التجريبية؟ وهل أعطى سيرل معان محددة لمفردات تجريدية متصلة مع الوعي القصدي؟

ج109: ا. علي محمد اليوسف: في هذه المقولة الغامضة لسيرل (التجربة الواعية ليست موضوعا للإدراك، بل هي بالواقع تجربة الادراك) نعجز عن فهم محدّد ماذا يعني لنا الوعي، وماذا تعني لنا القصدية، وماذا يعني لنا الادراك العقلي، وماذا يعني لنا موضوع الادراك، فجميع هذه الفعاليات الادراكية وتوابعها تجمعها تلك المقولة فيما أطلق عليه سيرل (تجربة) الادراك.. التي هي ليست موضوعا للإدراك فهي آلية تنفيذية مكتفية بذاتها غنيّة ان تكون موضوعا يدركه العقل.

الوعي الادراكي القصدي يحتاج الى إشباع معرفي لمدركاته لا تنفصل عن مواضيعها الادراكية من خلال التجربة الادراكية لموضوعات معرفية تختلف تماما عن إشباع القصدية لغرائز إدراكية بيولوجية مثل إشباع العطش والجوع والجنس..

في هذا النوع من الادراك البيولوجي يكون الاشباع استهلاكيا بمعنى نهاية تجربة الادراك في الاشباع البيولوجي، بخلاف الاشباع الادراكي المعرفي فهو يدّخر خزينا استراتيجيا معرفيا في الذاكرة في تجريد فكري غير مستنفد..

التجربة الادراكية في المعرفة فعالية من فعاليات العقل (الدماغ) لكن موضوع الادراك هو في كل الاحوال شكل ومضمون (محتوى) لموجود متعّين في عالم الاشياء غير مرتهن وجوده بأهمية الادراك العقلي له.. ولا يمكن للإدراك القصدي المباشر الفصل بين محتوى الشيء ومضمونه، فالمرتبة الاولى للإدراك هي في معرفة الشيء كوجود فينومينولوجي موّحد بصفاته البائنة الخارجية التي ربما تكون معرفتها هي معرفة ماهيّة الشيء المحتجبة خلفها، ... وفي نفس المعنى تقريبا فعل منهج الفينامينالوجيا في إدراك الظواهر الخارجية والماهيات غير المدركة للوجود بذاته (نومين) وجاء هذا التمييز الذي كان تقليديا راسخا في فلسفة كانط..

فإدراكنا وجود كرسي هو إدراك شخصاني انفرادي لموضوع يتألف من شكل ومحتوى متعيّن أنطولوجيا، ولا يوجد مضمون من دون شكل يلازمه.. كما لا يوجد شكل من دون مضمون يلازمه ويفصح عن ماهيته الانطولوجية كجوهر.. والادراك يكون قصديا هادفا لإشباع رغبته الفطرية الغريزية أو في الاشباع المعرفي، فإشباع غرائز فطرية عند الانسان مثل الجوع والعطش والجنس هي من باب الاشباعات البيولوجية لأهداف الادراكات القصدية، وهذه القصدية الادراكية الاشباعية أنما تكون بعفوية بيولوجية تختلف عن قصدية الادراك المعرفي للاشياء..

فالفعاليات الادراكية القصدية الغريزية العفوية البيولوجية كما في حالات إشباع العطش والجوع والجنس وغيرها لا يكون العقل المدرك لإشباعها ملزما بتجربة أدراك قصدي هي أبعد من المتحقق الاشباعي البيولوجي لها.. وتكون القصدية هنا شخصانية مكتفية ذاتيا.. وهذه تختلف عن قصدية إشباع الموضوع غير الفطري الغريزي في الالمام بتفسيره كمعرفة خالصة تبغي معرفة الشيء المدرك بخصائصه البائنة أو ماهيته المحتجبة لما يجعله العقل خزينا معرفيا استراتيجيا في الذاكرة.. ويختلف الوعي بحقائق الموجودات في ألادراك المعرفي عنه في الاشباع البيولوجي وفي هذا النوع من القصدية المعرفية (لا يكون الوعي بالشيء وعيا حقيقيا ألا بمقارنته الشخصانية الفردية بغيره من حالات الوعي الاخرى كجزء من الوعي الشخصاني الكلّي) وهذا لا يتم بغير اعتماد الخزين المعرفي الاستراتيجي في الذاكرة التي هي بنك المعلومات المكتسبة بالخبرة العقلية والتجربة..

فقد تكون موضوعات الوعي هي إدراكات تتم في الذهن والخيال الاسترجاعي من الذاكرة ولا يقابلها وجود متعيّن وحضور موضوعي في عالم الاشياء (وتمثل الاحلام شكلا من اشكال الوعي المختلف تماما عنه في حالات اليقظة) أي ألادراك في موضوعات الخيال المستمد من الذاكرة جميعها تعتمد الشعور المسيطر عليه عقليا بينما لا يكون الشعور حاضرا في الاحلام لذا يكون الادراك الحلمي اللاشعوري تداعيات متقطعة لا ينتظمها إدراك تحسّسي مترابط ولا زمن تنظيمي لها..

س110: ا. مراد غريبي: نحن لا زلنا نرغب معرفة فلسفة الوعي التي اشتهر بها جون سيرل عالميا كفيلسوف العقل واللغة والوعي، ما هي خصائص الوعي القصدي في فلسفته خاصة أنها تعتبر من أنضج المباحث الفلسفية التي تدرسها الجامعات الامريكية؟

ج110: ا. علي محمد اليوسف: سوف استعين بالإجابة عن السؤال بما كنت كتبته في احدى مقالاتي المنشورة وتعقيبي عليها. اقصد خصائص الوعي القصدي عند جون سيرل وهي:

(الوعي حقيقي غير قابل للاختزال). بمعنى غير قابل للقفز من فوق آليات السياق الادراكي الذي يبدأ بالحواس ولا ينتهي بالدماغ والجملة العصبية..

الوعي نوعي بمعنى (هناك نوعية تجريبية لكل حالة واعية، والوعي شخصاني أنطولوجي لا تتم معايشته ألا من قبل موضوع بشري أو حيواني)..

جميع ملامح الوعي ناتجة من دون استثناء عن عمليات بيولوجية – عصبونية داخل الدماغ ومنظومة الجهاز العصبي.

الوعي القصدي المعروف الوحيد هو الموجود في الجهاز العصبي للإنسان او الحيوان..

(تجربة الوعي الادراكي القصدية النوعية الشخصانية بكاملها هي جزء من مجال وعي ادراكي كلي). بمعنى اشتراك أكثر من حاسة واحدة في تجربة الادراك من جهة، وكل تجربة شخصانية تعتبر محدودة بالنسبة لتجارب لا حصر لها من أدراكات وعي كلي متنوع بتعدد موضوعاته من جنبة أخرى.

(مضمون الوعي مضمون الوعي القصدي يفيد معنى شروط الاشباع) بمعنى غاية وهدفية الادراك هو إشباع الرغبة في تحريك القصد نحو تحقيق غاية محددة يتوجب بلوغها.. والوعي القصدي وعي هادف يتحدد بالذهن سلفا..

س111: ا. مراد غريبي: كيف يتحدد الادراك بضوء تجربة الوعي في فلسفة جون سيرل؟

ج111: ا. علي محمد اليوسف: يأخذ سيرل على الفيلسوف أ.ج. آير صاحب كتاب (اسس المعرفة التجريبية) في معرض بناء حجته على آراء مستمدة من هيوم بأن ما ندركه هو بيانات حسيّة.. ليطرح سيرل بضوء ذلك تساؤله: ما الموضوع الذي نحن واعون به مباشرة في حالة الادراك إذا لم يكن جزءا من أي شيء مادي؟ طبعا هنا كان تركيز سيرل على الادراك والوعي القصدي الناتج عن رغبة الاشباع المعرفي التي تفترض سلفا تحقق الوجود الانطولوجي لمواضيع العالم الخارجي للاشياء كمجال أدراكي واقعي، وأغفل أمكانية قيام الادراك على غير متعيّن مادي يحضر كموضوع كما ألمحنا له سابقا، فالعقل يقوم بفعل الادراك القصدي في معالجته مواضيع إدراكية غير مادية مستمدة من الذاكرة التخييلية الى جانب أدراكه مواضيع الواقع المادي، ولا وجود في حالة الادراك القصدي التخييلي شرطا لموضوع يكون جزءا من شيء مادي كما في رغبة سيرل في عبارته السابقة.. ليس شرطا أن يكون الوعي الادراكي بموضوع يمّثل جزءا من واقع مادي حصرا، فالخيال الادراكي يستطيع التعامل مع موضوعات لا وجود لعلاقة أنطولوجية لها تربطها بحواس الإدراك..

ينقل جون سيرل عن الفيلسوف الامريكي (ألفانوي) في مقال لهذا الاخير بعنوان (تجربة من دون رأس) الى أن الوعي الادراكي القصدي يمكن أن يتم خارج الدماغ، موضحا قوله (أن تجربتنا في الوعي غير معتمدة فقط على ما يتمّثل في أدمغتنا، بل يعتمد على تفاعلات دينامية بين أقطاب الوعي – الدماغ - والجسم - والبيئة)

الوعي القصدي عند سيرل يشمل جميع حالات الذهن ولا ينفك عنها، حتى أنه يرى في تصّور حالة ذهنية غير واعية، عبارة متناقضة ذاتيا، وبحسب رأيه الوجود مادة صماء فمن أين يأتي الوعي؟ ويرى أن الوعي لا بل العقل كله واقعة بيولوجية مادية بالكامل وهو المذهب المعروف بالطبيعانية البيولوجية.. نلاحظ للمرة الثانية سيرل يكرر فهمه الفلسفي أن موضوع الادراك القصدي هو المتعّين أنطولوجيا في عالم الاشياء فقط، وقد قمنا توضيح هذه المسألة في سطور سابقة من هذه الورقة البحثية في المحاورة.. لكن مقولة ألفانوي ممكن حدوث وعي خارج الدماغ تحتاج حجة إثبات قوية باعتقادي.

س112: ا. مراد غريبي: ما علاقة الوعي القصدي باللغة؟ وهل لك تعقيبا اضافيا حول هذا المبحث عند جون سيرل. باعتباره فيلسوف العقل واللغة.؟

ج112: ا. علي محمد اليوسف: أبرز فيلسوف معاصر اهتم بالعلاقة الثلاثية التي تربط العقل والوعي واللغة في توليفة فلسفية واحدة هو جون سيرل بلا منازع. وسعى سيرل الى اكتشاف طبيعة الارتباط بين اللغة والعقل فهما يتوّجهان الى أدراك الاشياء معا، فيتمّثل العقل الشيء ويقصده بالتزامن مع إستحضار لغة التعبير فيه، تزامنا يكاد يكون آنيا، ويطرح سيرل بهذا المعنى سؤالا لمن تكون الاسبقية للعقل أم للغة؟ ويجيب على تساؤله عن الاسبقية للعقل مؤكدا وجهة نظره التي ضمنها مقدمة كتابه (القصدية) حيث جاء في فلسفة العقل من الكتاب المنشور عام 1983، أن الافتراض الاساسي القائم وراء تناولي لمشكلات اللغة هو أن فلسفة اللغة هي فرع من فلسفة العقل.. وهي نظرية صادقة تحمل حقيقتها المقنعة تماما.

ويطلق سيرل على أن الهلوسة الادراكية (الواعية) لا تمتلك موضوعا من أيّ نوع كان، وتعقيبنا أن هلاوس الادراكات غير (واعية) تماما بموضوعها وليس كما ورد أنها (واعية) في امتلاكها مضمونا ولا هي تمتلك موضوعا، ويتعّذّر التفكير في وعي أدراكي لا يحمل موضوعه المتعيّن كمادة أدراكه الملازمة له، ولا يشترط في موضوع الادراك أن يكون متعينا أنطولوجيا بل من الممكن أن يكون الموضوع مستحدثا من الذاكرة الاسترجاعية، وبخلاف الهلاوس غير المنتجة تكون أدراكات الاسترجاعات التذكرّية واعية تحمل موضوعها معها في ملازمة تخليق الادراكات المجردة في الذهن..

وحالة الادراكات الهلاوسية تكون حالة من تداعيات الصور الذهنية المرتبطة الدلالة بغير موضوع واحد محدد، وتجارب الهلوسات الادراكية التي لا تحمل موضوعها الادراكي معها بوعي كاف لا تعبّر عن تجربة واقعية من الممكن تصديق حدوثها الواقعي.. وإلا كيف لنا تعليل سلسلة الادراكات التي يمتزج بها اللاشعور الهلاوسي مع الوعي الشعوري التام بأكثر من موضوع تخييلي كما نجده في معظم الابداعات الفنية والادبية وبالتحديد في الشعر؟؟

ففي مثالنا هذا لا نستطيع القطع أن تلك التجارب الادراكية هي من نوع الهلاوس غير المنتجة التي تفتقد موضوعها.. بل هي تمتلك موضوعها بكل جدارة وإستحقاق.

س113: ا. مراد غريبي: خصصنا هذا المحور حول موضوعة الوعي القصدي هل تتوفرون على تلخيص شامل لمبحث الوعي بضوء فلسفة جون سيرل؟

ج113: ا. علي محمد اليوسف: تعودت كما اخبرتك في محاور سابقة أني اتبع منهجا نقديا لا احيد عنه، وهو المنهج المادي لا اسميه الجدلي في المعرفة، ورغم صرامة وانضباطية طرح جون سيرل الفلسفي حول اشكالية فلسفية مزمنة تجنب الخوض بها غالبية الفلاسفة الا إني أجد في طرح سيرل ثغرات سأتناولها بالتعقيب النقدي الموضوعي ارجو التوفيق به.

يذهب سيرل أن الوعي الادراكي القصدي ظاهرة بيولوجية، أي أنه وعي شخصاني نوعي أنطولوجي وهو جزء من مجال وعي كلي شامل. هنا بضوء هذا التعريف يجب التفريق بين موضوع الادراك المعرفي الذي لا يشترط حسب فهمنا أن يكون إشباعا بيولوجيا كما في مثال الاشباع الغريزي الجنسي والجوع والعطش وغيرها، وبين الموضوع المدرك في الوعي القصدي في مجال المعرفة والسعي لاكتسابها.. الذي يكون أدراكا نوعيا يخص بيولوجيا الانسان كركن أساس تحديدا في إكتسابه المعرفة شخصانيا.. فهو إدراك بيولوجي على مستوى الشخص المدرك للاشياء وليس بيولوجيا على مستوى موضوع أدراكه.. ومواضيع الادراك القصدي نوعين موضوع أدراك معرفي، وموضوع أدراك غريزي فطري.. وكلاهما يشكلان هدفين متمايزين لتجربة الادراك في إشباعهما...

1- ينطلق سيرل من نظرة أحادية فينامينالوجية في الادراك، تقوم على مرتكز محوري أن موضوع الادراك هو المتعيّن أنطولوجيا في عالم الاشياء المادية فقط، ويهمل الادراكات الفكرية التي يكون منشؤها الذاكرة الاسترجاعية في أدراك موضوعاتها الخيالية، ولا يناقشها في صفحات كتابه الموسوم (رؤية الاشياء كما هي) كفعالية إدراكية لا يمكن إهمالها.. وعنوان كتابه رؤية الاشياء.. أنما تقوم في تركيزه على المدركات الحسّية في الواقع فقط.. علما أن مدركات مواضيع الادراك المستمد من الذاكرة أنما تنتج عنها جميع ضروب الابداع في الادب والفكر والثقافة والفنون وجميعها أدراكات قصدية حيوية في حياتنا وهكذا..

2-  يحدد سيرل أن محددات أي أدراك قصدي تتألف من ثلاثة عناصر فقط يؤكد عليها هي المدرك (بكسر الراء) أي الشخص، وثانيا موضوعه، أي موضوع الادراك، وثالثا حاسّة الابصار العين، التي تكون البداية منها في استقبالها ضوء الشيء المدرك الصادر منه، أي ضوء الموضوع المنبعث منه في تجربة الادراك الساقط على شبكية العين.. ولا نعرف أهمية الادراكات الناجمة عن بقية الحواس عند الانسان كالسمع واللمس والتذوق والشم فجميعها تعتبر مصادر الاحساسات الاولية في عمليات الادراكات لم يعرها سيرل اهتمامه.. كما لم يعر انتباها الى الدماغ ومنظومة الجهاز العصبي الفاعل في إتمام عمليات الادراكات.. ركّز كثيرا على أهمية العين فقط في تجربة الوعي الادراكي المادي.. وعنونة الكتاب هو (رؤية) بمعنى الابصار في العين وعلاقتها بالوعي الادراكي القصدي فقط هو محتوى الكتاب كاملا...

3- ورد على لسان سيرل أن علاقة الادراك في الهلوسة لا تنطبق على حالات الادراك الحقيقي السليم، كون أدراكات الهلاوس لا تمتلك موضوعا حتى وإن امتلكت (وعيا) إدراكيا في مضمون متعيّن أدراكا، وناقشنا هذا الغموض في أسطر سابقة، فالوعي القصدي في أدراكات الهلاوس لا يمتلك وعيا مثمرا لكنه لا يعدم امتلاكه موضوعات إدراكية لا يشترط أن تكون مستمدة انطولوجيا من واقع الاشياء بل يمكن أن تكون مواضيع الادراك الهلاوسي منطلقها تداعيات الفكر الصادر عن الذاكرة والمخيلة اللاشعورية غير المنظمّة لغويا...والوعي هو وعي بموضوع يتألف من شكل ومضمون ولا وعي من غير موضوع يدركه، لكن الموضوع المستقل لا يشترط بالوعي ملازما له.. لكي يقوم سيرل في تأكيد رغبته أن أدراكات الهلوسة السيئة لا تمتلك (موضوعا) وقد تمتلك (مضمونا)، الى التفريق بين الموضوع ومضمونه في تجربتي الادراك الحقيقية والسيئة أي بين تجربة الادراك السليم وتجربة الهلوسة، وهذا التفريق لا يلغي ولا يلعب دورا حاسما بين التجربتين ويعبّر عن هذه الاشكالية المفتعلة قوله (في التجربتين – يقصد الحقيقية و الهلاوسية - يتكرر لدينا نفس الموضوع القصدي بالضبط ولكن في وجود موضوع قصدي في أحدى الحالتين فقط دون الاخرى). لا نعتقد العبارة سليمة من ناحية ترابط المعنى في خلوّها من التناقض بمعنى توفر الموضوع القصدي في التجربة الحقيقية وانعدامها في تجربة الهلوسة حتى وإن امتلكت مضمونا وليس موضوعا.. علما أن عبارة سيرل تشي باشتراك التجربتين في إدراكهما موضوعا واحدا.... كما لا يمكن استساغة التفريق بين الموضوع ومضمونه في تجربة الادراك الخطأ الذي زرعته الفينامينالوجيا في تكريسها ثنائية أدراك الظاهراتية هذا واستحالة إدراك النومين ذاك، عندما فصل منهج الفينامينالوجيا إدراك الاشياء في ظاهرياتها البائنة عنها في عدم أمكانية أدراك ومعرفة ماهياتها التي كان رسّخها كانط قبل هوسرل.. في العودة الى علاقة شكل الموضوع مع مضمونه نرى استحالة أدراك مضمون متحرر عن موضوعه في (شكل) أنطولوجي يمكن أدراكه منفصلا غير متعالق بموضوعه، فالمضمون هو محتوى ملازم لموضوع محدد في شكل.. وإدراك موضوع كشكل أنطولوجي لا ينفصل عن مضمونه حتى وأن لم يدرك المضمون مباشرة كماهية أو جوهر.. ولا يمكننا تصور إدراك مضمون بلا شكل وموضوع يؤطرهما.. ما يدرك كموضوع يدرك وحدة واحدة شكلا ومحتوى والثالث مرفوع على حد تعبير الفلاسفة..

4- يطرح سيرل تساؤلا إشكاليا صعبا، يذهب الى تدعيم صحته وصوابه كلا من فلاسفة الشكيّة التقليديين ديكارت وبيركلي وهيوم ولوك وكانط، هو أن كل ما يمكننا أدراكه هو تمثّلات تجاربنا الشخصية الفردانية صوريا عن الواقع، فهل يمكننا تعميم حقيقة مدركاتنا على الجانب الأخر(مجموع الاخرين).. لن نأخذ بتفنيد سيرل لهذا الادعاء لأن تفنيده يقوم على حجّة إشكالية قوامها مرتكز حاسة البصر (العين) في التجربة الادراكية عنده فقط أي لا يفند سيرل رأي فلاسفة التجريبية المنطقية المثالية بمنطق فلسفي في حين نجد هناك أجماعا على حقيقة ثابتة لا يمكننا العبور من فوقها هي لا تتمكن الحواس من أدراك الاشياء على حقيقتها بصورة كاملة، كما لا يمكن للعقل تكوين أفكاره عن مدركاتنا كحقيقة قاطعة، وتبقى على الدوام إدراكاتنا ناقصة في معرفة العالم وهو ما ينطبق على حاسة البصر العين.. من جهة أخرى سحب سيرل التساؤل المار ذكره الى مضمار التعبير اللغوي الالتباسي المعقد كما يطرحه فينجشتين، وهذا ما لا يعتمده فلاسفة الشكيّة الكلاسيكية بدءا من ديكارت وليس إنتهاءا بفلاسفة التحليلية الانجليزية جورج مور وبراتراند راسل، وايتهيد، كارناب من حيث أن الحواس خادعة ولا تحمل أكثر من نصف الحقيقة على الدوام كما هي اللغة أيضا خادعة ومخاتلة ومعرفة الواقع على حقيقته أمر غير متيّسر لا بالإدراك ولا بتعبير اللغة... كذلك فأن مخاتلة اللغة تنسحب على التعبير عن التجربة الفردية كما تنسحب على تعبير الادراكات الجماعية أيضا ولا منجاة لأحد مما يعرف بخيانة اللغة...التجربة الحقيقية في الادراك الشخصاني يمكننا تعميم بعض استنتاجاتها، من حيث أن مواضيع الادراك في غالبيتها تكون متعّينات إدراكية ثابتة أنطولوجيا تقريبا، بينما يكون الادراك الذاتي متغيّرا ومتعددا بالنسبة لموضوع وجوده في حكم الادراك الثابت أو ظاهرة تتسم بالثبات النسبي، وكذلك فالإدراك الفردي لا يتوّصل الى حقائق علمية قاطعة بل الادراك قسمة مشاعة أمام الجميع في ممارستها ضمن الامكانيات المتعددة في تنوع الإدراكات الشخصانية في الاشباع القصدي، عليه تكون نتائج الاستدلال الادراكي لا تلزم غير صاحب التجربة من الأخذ بها لدى أصحاب زوايا رصد متباينة أخرى.. يوجد تفاوت أدراكي بين شخص وآخر لكن لا يوجد تفاوت في أدراكنا حقيقة الوجود يسبق إدراكاتنا الفكرية عنه.. مما يجعل أمكانية الخطأ الجمعي متراجعا في إدراك الموضوع الواحد.2916 علي اليوسف ومراد غريبي

س114: ا. مراد غريبي: نشكركم أستاذ اليوسف على صبركم معنا وتجشمكم عناء ومشقة هذا الحوار الفلسفي التفصيلي الخلاق في ستة محاور. ونرغب الختام ماذا ترون بمستقبل الفلسفة؟

ج114: ا. علي محمد اليوسف: اود توجيه كل الثناء والتثمين لجهودكم استذ مراد معي وحرصك الثقافي كباحث فلسفي متمكن متمنيا ان تكون الحلقات الحوارية الست نالت اعجاب القاريء العربي، واود اشكرببالغ العرفان الجميل الاستاذ الفاضل المفكر الكبير ماجد الغرباوي في رعايته بكل معاني نبل الخلق الثقافي والتعامل النظيف لمؤسسة المثقف على توفير هذه المساحة للكلمة العربية في حملها رسالتها الثقافية المميزة على منابر منصات الفكر والثقافة والفنون.

هل للفلسفة مستقبل؟:

الفلسفة ضرب من ضروب المعرفة البشرية، او منهج في التفكير، مايطلق عليه الانساق الفلسفية والمنظومة الفكرية التي عنت بالوجود الانساني كوجود في الطبيعة وعلاقته بها وبالكوني والآخر والمجهول والميتافيزيقيا.

وافهمها انا كتعريف انها منهج تجريدي منطقي يحاول فهم الحياة وتغييرها حسب ماركس، او فهم الحياة فقط وعدم رغبة تغييرها حسب رغبة ورؤية براتراند رسل.

هذا على الاقل السائد في تأكيد ان الفلسفة لم تكن (علما طبيعيا) يوما ما وليس بمقدورها مستقبلا، حتى وان اعتبرها بعض الباحثين(أم العلوم)، وانما هي تبقى نسق لغوي منطقي متعال نخبوي.

وقد تداخلت الفلسفة من جهتها، والعلم الانساني غير التجريبي الطبيعي من جهته في تعالقهما مع كل ضروب وانساق المعرفة البشرية والعلوم الاخرى، فأخذنا ندرس علم الانثروبولوجيا، وفلسفة الانثروبولوجيا، ومثل ذلك علم الدين وفلسفة الدين وفلسفة وعلم التاريخ وكذا مع فلسفة وعلم الاجتماع والنفس وهكذا بما لايحضرنا حصره.علما ان صفة العلم الملتصقة بهذه الضروب المعرفية والانساق الفكرية والمنظومات الثقافية هي غيرها علوم التجريب المختبرية والرياضية الطبيعية، العلوم الطبيعية التي تحكمها رياضيات التفكير والمعادلات التي تنسحب على التجربة العلمية في اثبات واقعية وعقلانية صحة الافكار او النظريات من عدمها اوضحالتها وعدم الاخذ بها.امثلة ذلك ان المعادلات الرمزية التجريدية في الرياضيات و الفلك والفيزياء والكيمياء والطب والهندسة وغيرها في العلوم الطبيعية كافة ليست فلسفة.ويرى براتراند رسل ان الفلسفة تمثل وسطا موضوعيا بين اللاهوت من جهة كونها تأملات غير تجريبية، وهي كالعلم من جهة استنادها الى العقل.

ثمة جملة مواصفات طبعت التفكير الفلسفي الانساني منذ عصور ما قبل التاريخ الميلادي اليوناني القديم، وصولا الى مجيء سقراط وافلاطون وارسطو و فلاسفة عديدين غيرهم يتمايزون بالاهمية في تاريخ الفلسفة.

اهم تلك الصفات ان النص الفلسفي(بنية)انشائية (ذاتية)تأملية تجريدية وليست موضوعا مستقلا، بمعنى انها خاصية انسانية فكرية وجهد ابداعي منفرد لمؤلف منشيء، وان الفلسفة بهذا المعنى تلتقي كثيرا مع فكرة انها شكل من اشكال التعبير الثقافي او حتى الادبي - الفني. وذاتية المعرفة الفلسفية تلتقي بضروب الفكرالابداعي اللغوي الاخرى، وتتشابه معها من حيث مصدر الخلق والمنشأ والمتلقي، كما هي في النص الاسطوري او الميثولوجي او القصص الديني اوالسرد التاريخي او الادبي والفني.فهذه جميعها انتاجية ابداعية (ذاتية) تنتسب لمؤلفها او منشئها، وبهذا المعنى يكون النص الفلسفي بنية معرفية فكرية انسانية، مولّدة للافكار الشارحة والناقدة والمضيفة. شأنها شأن اي نص ابداعي كتب ويكتب في مجالات السرد المعرفي والجمالي والثقافي الخاضع لسلطة التناول النقدي بالشرح والتفسير والتأويل والقراءات المتعددة له. من هنا تكون البنية الفلسفية الانشائية تمتلك ذاتيتها(الآنية) في تناولها وتداولها الحاضروالماضي. بمعنى ان جميع المحاولات والمعالجات الفلسفية حاضرا لم ولن يكن بمقدورها اوبمستطاعها دفع الفعالية الفلسفية ان تشكل لها حضورا مستقبليا دائميا كحقائق فكرية لا يمكن دحضها وتفنيدها. او حقائق تمتلك حيوية التواجد عبر العصوركفعالية دائمة التأثير حاضرا وفي المستقبل. مؤلفات فلسفية هامة شغلت التفكير الفلسفي طويلا على مدى قرون لم يعد لها اي حضور او اهتمام في الوقت الحاضر. ومن الطبيعي جدا ان تتجه الفلسفة المعاصرة دوما في محاولتها سحب التفلسف الماضوي الى رقعة الحاضر والاعتياش على تفسيره بنوع من التكرار والاجترار والاعادة باكثر مما يحتمل(النص)، الذي يحكمه منحيين، :

المنحى الاول: منحى احتفاظ النص الفلسفي بحيوية الماضي و نقد الحاضرله وغياب حضور المستقبل فيه، وان ما تسحبه الفلسفة اليوم وتناقشه على انه مفاهيم فلسفية من الماضي هو في حقيقة الامر يمثل (مستقبلا) للنص الفلسفي نتداوله حاضرا فقط.

المنحى الثاني: ان النص الفلسفي متعين مكتف (بذاتيته ) ولا يصلح ان يكون تفسيرا دائميا لعالم متغير بوتيرة عالية سريعة جدا، يقودها العلم بجدارة واستحقاق لا ينازعه احد تلك السلطة، تلكم هي تطورات العلوم الطبيعية في كل مجالات الحياة الطب والذرة والتكنولوجيا والفيزياء والبيئة والهندسة الوراثية والفلك وهكذا.بعبارة موجزة لا يمكننا تخليص الفلسفة من ذاتيتها، لان الفلسفة لا تمتلك موضوعا من غير ذات.

نخبوية التفلسف:

هل ننساق مع الآراء التي تذهب ان التفلسف بنية و قيمة منظومية مفارقة، وان الفلسفة انفصلت منذ نشأتها عن الحياة الواقعية التي تسير الامور بها (علميا) في غير ما حاجة الى الفلسفة والانسانيات، وان الفلسفة لم يعد لها ذلك التأثير والاهتمام في حياة اليوم وتشكيل ملامح العصر؟! وان ما قيل في الفلسفة عن الانسان والوجود والماهية والجوهروالموت والميتافيزيقيا، .والظواهر الطبيعية المؤثرة والفاعلة في ذلك الوجود استنفدت نفسها ولا مجال في مكابرتها ومزاحمتها العلم الطبيعي التجريبي، وان ما استهلكته الفلسفة مفهوميا عن الوجود والماهية والحياة والموت والانسان لم يعد يشكل اهتماما في عالم المعاصرة والحداثة وما بعد الحداثة الفكرية والمعرفية وفي عصر العولمة، مقارنة و قياسا مع اي منجز علمي نقل البشرية طفرات نوعية مطردة ونامية متطورة على الدوام متجددة بالافعال وليس بالافكار المجردة في تفسيرها الواقع كما فعلت كلاسيكيات الفلسفة في الميتافيزيقا على امتداد عصور طويلة.

اذا توخينا الدقّة اكثرفأن الفلسفة كضرب معرفي نخبوي، لم يعد يلق اهتماما سوى في المنتديات و الصالونات والمؤسسات الثقافية التخصصية الجامعية ومراكز البحوث والمجلات محدودة التداول المنعزلة في غالبيتها تماما عن مؤثرات المسار الحيوي الحضاري العصري وانعدام قدرة الفلسفة الاسهام بصنعه وتشكيله. ونخبوية البحوث الفلسفية تلتقي مع الانسانيات البحثية والسردية التي لم تعد لها اهمية اكثر من اهتمامات صالونات مغلقة ومؤسسات جامعية تمنح وتصدّر شهادات واطاريح دراسية اكاديمية لا تغني ولا تسمن من جوع واكثرها قيمة دالة لها هي في اضفاء المكانة التدريسية للاستاذ.واغلب تلك الاطاريح والدراسات لا قيمة لها في دراسة هذا الفيلسوف او ذاك، في جنبة او اكثرلا مجال الاضافة لها، استنفدت نفسها، وكذا الحال في الدراسات الادبية والتاريخية والتراثية واللغوية والانسانية في تراكمها الكمي الذي تختزنه المكتبات والارشيفات والمتاحف، ولا يمتلك قيمة علمية تطبيقية في حياة المجتمعات اليوم، او اية اسهامة في تغييره.ويجري تمويله من المؤسسات الجامعية ومراكز البحوث وكذلك مؤسسات حكومية وغير حكومية متخصصة.

نخبوية التفلسف والمفاهيم الفلسفية خلال ما يزيد على الفي عام واكثر، بقيت السمة الذاتية تحسب للفلسفة على انها افكار متعالية على الفهم والاستيعاب الجمعي، لكن المفارقة اليوم هي ان تلك النخبوية المتعالية اصبحت مثلبة في تعطيلها الاستيعاب الجمعي والتوظيف العملاني في تقدم الحياة.

بخلاف ماتنجزه العلوم الطبيعية في تقدم الانسان المعاصر والتقليل من معاناته وتذليل صعوبات الحياة امامه.

وبالمعنى المشار له يذهب ليفيناز 1925 – 1995 انه ينبغي ان نشجب مستقبل الفلسفة فقط لانه ليس مستقبلا بالقدر الكافي، فالفلسفة التي تقوم على الاعتراف والاقرار بما هو غير قابل للامساك به او البديل المطلق او الاخرين سوف تظل هي الفلسفة.

من الملاحظ جيدا ان جميع ضروب المعارف الانسانية او مايطلق عليها للتفخيم العلوم الإنسانية وسرديات التاريخ، بضمنها الفلسفة وانساق الفكرالمعرفي التجريدية وغير التجريدية الاخرى، تلجأ الى نوع من التعاضد الانتشالي المسعف احدهما للآخر، سواء بالتبعية او بالانضمام اوبالتمازج بين بعضها البعض في الاشتراك بمعالجة قضية او اكثر.

فاخذت الفلسفة تزاحم ما يطلق عليه(علوم) الانسانيات والمنهجيات، في دراسة التاريخ او الاجتماع اوالسياسة بما يسمي اليوم الفلسفة السياسية، او فلسفة او علم الاقتصاد او فلسفة او علم التاريخ (لاحظ التداخل المتعالق بين كلمة فلسفة وكلمة علم)، وهكذا مع الهوية الثقافية، وفلسفة وعلوم الاديان الى آخر القائمة من امثلة التداخل التوظيفي والدراسي على صعيد المنجز الاكاديمي المعرفي الصرف. فلسفة اوعلم كمنهج في اعادة دراسة ضرب معرفي او اكثر.

هذا التداخل التوظيفي بين الفلسفة وعلوم الانسانيات، هو بخلاف ما تحضره العلوم الطبيعية على نفسها وترفضه، كفيل بافقاد الفلسفة اية قدرة على النزوع المستقبلي وفي ادامة حياتها المعاصرة، بفاعلية التأثيرفي ان تكون لها فعالية فلسفية مستقبلية مكتسبة تشير الى حضورها الحيوي الدائم في مصنع الحيوية البشرية التي يتسيّدها ويقودها العلم التطبيقي التجريبي الطبيعي منفردا ومتقدما كل ضروب المعرفة الاخرى واهتماماتها.

بهذا الفهم الذي المحنا له، هل يحق لنا الجزم ان مفاهيم الفلسفة العظيمة، انتهت مكتفية بذاتها على ايدي عظام الفلاسفة هيراقليطس، سقراط، افلاطون، ارسطو، ديكارت، كانط، نيتشة، هيدجر، وسارتر، وآخرين؟! في تناولهم الوجود الانساني فلسفيا من كافة جوانبه واشكالياته التي استولدت شروحات واضافات تراكمية ونوعية على مدار عصور طويلة من التناول والتداول الفلسفي المعرفي.وحتى مفاهيم الميتافيزيقيا المرتبطة بالفلسفة تم السخرية منها والهزء بها في وجوب مجاوزتها ومغادرتها لانها اصبحت شغل من لا شيء عملي يشغله في الحياة.

يقول جاك دريدا ان اي تجاوز للفلسفة لا يعني طوي صفحتها، بل ذلك يستلزم قراءة الفلاسفة بطرق اخرى غير مسبوقة، وقريبا منه في تأكيد حضور وحيوية بقاء الفلسفة، يشير براتراندرسل ان الفلسفة منهج لفهم الحياة وليس لتغييرها، وبذلك يدين مفهوم ماركس الذي يذهب الى ان مهمة الفلسفة ليس تفسير الحياة وانما تغييرها.

هل بامكان الفلسفة ان تصبح علما طبيعيا من غير ان تفقد كل امتيازاتها عبر العصور؟

ان انتفاضة عصري النهضة والتنوير في القرن الثامن عشر الميلادي، وعلمنة الحياة في اوربا، لم يكن بتأثير( فلاسفة )عصر التنوير وجهودهم (وحدهم)، وانما كانت الانتقالة الحقيقية الواقعية بفضل (علماء) عصر التنويروالنهضة امثال كوبرنيكوس و نيوتن وغاليلو وبرونو وكبلر ومن على شاكلتهم من علماء الطبيعة والفلك والرياضيات وصولا الى داروين وفرويد وليس انتهاءا بانشتاين وهوكنج.وبجهود هؤلاء العلماء الصفوة كان الفضل الاكبر في التقدم وفي السبق وتحقيق التقدم العلمي والحضاري لعموم البشرية وليس اوربا وحدها.ان عظمة هؤلاء العلماء غير الفلاسفة ليس فقط انهم قلبوا مفاهيم علوم الفلك والفيزياء والرياضيات والانثربولوجيا والطب والنفس وغيرها التي كانت سائدة، بل عظمتهم في وضعهم حدا لوصاية اللاهوت الكنسي الديني على واقع الحياة كل الحياة وتحريرها اجتماعيا واقتصاديا وفكريا وخلاصها بحرية الاجتهاد والابداع.

وعبرة تخلفنا في الماضي وعجزنا والى يومنا هذا ان فلاسفتنا العرب المسلمين اخفقوا قديما في تحقيق ما استطاع قدامى الاوربيين تحقيقه، حيث كانت ولا تزال وصاية الفكر الديني السياسي عندنا، وسيلة الحاكم الغاشمة في القمع والهيمنة الوحشية، على حملة افكار التنوير والتقدم، ورميهم بتهمة الزندقة والكفر الجاهزة في وجه من يجرؤ تشخيص العلّة والداء.بما يشبه محاكم التفتيش التي سادت اوربا القرون الوسطى وربما اقسى..

مفارقة هذه الحقيقة التاريخية نجدها عندنا ولدى غيرنا من الشعوب التي ظهر فيها فلاسفة عقلانيون كبار لكنهم اخفقوا من تحقيق نهضة حضارية لشعوبهم او لغيرهم من امم وشعوب الارض.

ظهر عندنا نحن العرب المسلمون فلاسفة تنوير عظام بدءا من الكندي والفارابي وابن سينا والرازي وجابر بن حيان والبيروني وابن الهيثم وابن رشد وغيرهم نتنّطع اليوم بانهم كانوا(عقلانيين) مؤثرين وسطاء نقلوا الفلسفة اليونانية والرومانية وكانوا سببا في نهضة اوربا، لكنهم اخفقوا تحقيق نهضة امتهم. متناسين في مكابرة عقيمة اننا لم نكن نمتلك علماء امثال كوبرنيكوس او نيوتن او غاليلو او برونواوكبلروامثالهم الى جانب هؤلاء الفلاسفة التنويريين.

الفرق الذي حصل في اوربا ان عمل الفيلسوف اكمله عمل العالم، في حين لم يستطع فلاسفتنا تحقيق نهضة تنويرية تقدمية عندنا متكاملة عمادها مزاوجة الفلسفة و العلم.لان كل جهود الفلاسفة العرب المسلمين كانت منصّبة على ايجاد توافق تلفيقي افتعالي بين الفلسفة والدين وتزكية هيمنة الدين على الفلسفة وقيادته لها، وليس الربط بين الفلسفة والعلم في تكامل تنويري نهضوي يشاكل ما حققته اوربا في ترابط العلم والفلسفة.

ثم اذا كان تقاطع الفلسفة والعلم مازال قائما في المجتمعات الغربية منذ ديكارت وبيكون في القرن السابع عشر، فان اشكاليتنا مع الفلسفة المعاصرة هو في تقاطعها مع التفكير الديني السياسي الذي يحاول اما ربط الفلسفة بالتفكير الديني بافتعال مبتذل، او بالاقرار باستحالة الربط بينهما، ويلخص المفكر الكبير الجابري هذه الاشكالية بالعودة الى جذور المشكلة قائلا:(ان الفلسفة العربية بدأت بداية جديدة في المغرب والاندلس مع مشروع بن باجة الفلسفي، وكانت الفلسفة العربية الاسلامية في المشرق العربي لاهوتية المعرفة، بسبب استغراقها التوفيق بين الدين والفلسفة، اما الفلسفة في المغرب والاندلس ومع بن باجة فكانت علمانية الاتجاه وعقلانية بفعل تحررها من تلك الاشكالية، اشكالية الدين مع الفلسفة.)

المهم ان اوربا اليوم لا تحتفي بالفلسفة احتفائها بالعلم في معترك الحياة، وتراجعت المفاهيم الفلسفية القديمة لنستلم نحن الراية في المعارف والعلوم الانسانية فقط من غير العلوم الطبيعية التطبيقية، في الاطاريح والمنتديات والجامعات والبحوث، بما غادرته ليس اوربا وحسب ولكن اليونان المعاصرة مبتدأ ومنتهى الفلسفة القديمة ومستودع الارث الفلسفي العالمي، التي تستجدي العالم اليوم في ضائقتها المعيشية والمالية والاقتصادية ولا يشفع لها كل ارث الفلسفة الذي امتلكته وتمتلكه. ..من المؤكد الواضح اني لا ادين الفلسفة كمنهج في التفكيرالمعرفي ان يفقد معناه وحاجة الانسان له، ولكن تحّفظي اننا ربما نعتمد المفاهيم الفلسفية والانسانيات عوضا عن ميادين العلم التطبيقي في نشدان وتحقيق نهضتنا المرجوة وفي ذلك عقم المسعى والهدف، في تصورنا القاصر ان بحوث الانسانيات كفيلة بتحقيق نهضة حضارية وهو مالم تشهده البشرية في اي بقعة او عصر ولا في اوربا لا قديمها ولا حاضرها.

امام عجز الفلسفة الكلاسيكية القديمة ان تضيف جديدا متطورا للحياة، لجأت المفاهيم الفلسفية الحديثة والمعاصرة تنحى منحى الاعتياش التكاملي مع اللغة والالسنيات، والحفرالمعرفي الاركيولوجي، وانثروبولوجيا الحضارات والاديان وغيرها.ولجأت الفلسفة الحديثة الى مغادرة الاهتمامات الفلسفية الكلاسيكية القديمة التي اصبح اجترارها مؤونة الاطاريح والبحوث الجامعية والدراسات في تناولها مواضيع لم يكن في وارد عناية واهتمام الفلسفة الكلاسيكية القديمة بها كالجنس والهوية والتواصل والمهمّشين بالحياة كالمجانين والمصّحات.و من مواضيع اهتمامات الفلسفة اليوم مفهوم حقوق الانسان، صدام الحضارات وحرب الثقافات، ظاهرة الارهاب، نهاية التاريخ التواصل بين المجتمعات، الحاسوب والانترنيت، والفضاء العمومي للنقاش(هابرماس)، نظرية العدالة والدول المارقة (جون راولز)، البيئة المعاصرة والعدالة المناخية وغيرها. كل هذه المواضيع وغيرها العديد التي تشغل الفلسفة المعاصرة لا يربطها مع كلاسيكيات الفلسفة القديمة اي رابط يعتد الاخذ به، وغريبة جدا على اهتمامات الفلسفة القديمة بشكل قاطع.

قبل مغادرتنا هذه الجزئية من البحث نشير الى ان بيكون شن حملة شعواء على الفلسفة باسم وجوب افشاء قيم العقل والعلم، ويعتبر بيكون رائد الفلسفة التحليلية الإنكليزية التي تطورت على ايدي ديفيد هيوم وجورج موروجون لوك وأخيرا برتراندرسل، كما ان الفيلسوف كلود برنار هو الاخر اراد انشاء فلسفة تطبيقية جديدة لا نظرية، وامكن له استبعاد الميتافيزيقيا عن العلم.

في الختام يمكننا القول ان الفلسفة من ارقى المظاهر الحضارية الانسانية ومستقبلها سيدوم مادام الانسان تسكنه تساؤلات لم يتمكن الى اليوم اعطاء اجوبة شافية عنها.

(إنتهى)

 

حاوره: ا. مراد غريبي

المثقف – مرايا فكرية

14 – 11 – 2021م

.................

1- جون روجرز سيرل: فيلسوف أمريكي ولد عام 1932 ويشغل الآن درجة أستاذ فخري في فلسفة العقل واللغة، وأستاذ طلبة الدراسات العليا في جامعة بيركلي – كالفورنيا، معروف على نطاق واسع في مساهماته في فلسفة اللغة والعقل والفلسفة الاجتماعية، بدأ التدريس في جامعة بيركلي عام 1959..

 

في المثقف اليوم