تقارير وتحقيقات

البروفسور عبد الرضـا عليّ في ضيافة جامعة البصرة / ضياء الثامري

أما الكتاب فهو أسطورة خالدة من أساطير النقد الأدبي الحديث في العراق، أسطورة في الموضوع وفي الكتابة، وأما الكاتب فهو صاحب دَينٍ على البصرة، بعد أن صار الكتاب جزءاً من تاريخ شاعرها (السياب) وتاريخ شاعرها هو تاريخها الناصع، ولذلك حق عليها أن ترد جزءاً من الدين، وأن تكون وفيةً لمن هو وفي لها، إن الدكتور عبد الرضا علي في طليعة الكتاب الذين عملوا على تدوين كتاب المدينة (البصرة)،حيث إن كتاب المدينة هو شاعرها وهل غير الشاعر يستحق أن يكون كتاب المدينة .

عرفت الدكتور عبد الرضا عليّ في بداية الثمانينيّات من القرن الماضي، في كلية التربية / جامعة الموصل، كنا  طلاباً في الدراسة الأولية، وكنا في بدايات مشوارنا الأدبي أنا ومجموعة من الشعراء والأدباء الشباب  وكان أستاذنا عبد الرضا عليّ (أستاذ العروض والنقد في القسم حــــــينها) ملاذنا الذي نذهب إليه بكل ما نكتبه من قصائد، وعلى الرغم من أن تجاربنا كانت بسيطة وتشكو من أخطاء كثيرة كان أستاذنا يحتضن تلك التجارب ويوجهها بعلمه وذوقه الأدبي الرفيع، فلقد عرف عن هذا الأستاذ رعايته للمواهب الشابة وتشجيع أصحابها ولهذا كان لشخصيته العلمية أثر واضح في مسيرتي العلمية والأدبية ما زال مبعث فخر لي أذكره دائماً .

830-abdu1اليوم وبعد مايقارب الثلاثين عاماً ألتقي أستاذي لأعود طالباً بين يديه، أعود إلى ذكريات الأمس وأصحو لأجد أستاذي كما عهدته، أستاذاً في التواضع والبساطة والأناقة والعلم، ولكن هذه المرة كانت أناقته أكبر وأحلى بعد أن جللها وقار الشيب، فلعشرة أيام نيسانية كان للبصرة وجامعتها نيسان آخر، وربيع أبهى، ربيع من المعرفة والاحتفاء بعَلمٍ من أعلام النقد الأدبي الحديث، إنه الأستاذ الدكتور عبد الرضا عليّ، الأكاديمي اللامع، والناقد المتميز، حيث حل أستاذاً زائراً في كلية الآداب للفترة  من (10 -18) نيسان، وقد احتفى قسم اللغة العربية بهذا الأستاذ احتفاء خاصاً، حيث كان بين طلبة القسم الذين يتعلمون من مؤلفاته المقررة عليهم، فكم هو جميل أن يستمع الطالب في الجامعة بصورة مباشرة من أستاذ كان يقرأ اسمه على أغلفة كـــتبه الجامعية . لقد كانت زيارة الأستاذ الكبير غنية بالمحاضرات والحوارات العلمية الجادة والرصينة التي حرص أساتذة قسم اللغة العربية وطلبته على حضورها للإفادة من هذه التجربة الكبيرة في مجال الدرس الأكاديمي، وقد تنوعت المحاضرات لتشمل  موضوعات أساسية وحيوية، فمن الإيقاع إلى الأسلوب  في الأدب والنقد إلى منهج البحث إلى موضوعات أخرى كان لها الأثر الواضح في نفوس الأساتذة والطلبة على حدٍ سواء.

عرف الدكتور عبد الرضا عليّ في الوسطين الأدبي والأكاديمي بأنه عروضي بارع بين العروضيين، ويشهد على ذلك كتابه النفيس الموسوم بــــــ(العروض والقافية) المقرر في أقسام اللغة العربية في الجامعات العراقية، وميزة هذا الكتاب أنه يقدم هذا العلم الذي يصعب  على الطالب في هذه مراحل الدراسة الأولية  بأسلوب واضح، وطرح علمي ومنهجي اجتهد الدكتور عبد الرضا في تقديمه في تقسيمات جديدة خلصته من الرتابة  والطرح التقليدي، ومما يزيد من روعة ذلك الكتاب الاختيارات الجميلة التي اختارها من الشعر العربي في عصوره المختلفة .

830-abdo4امتدادا لهذا الكتاب  وفي محاضرة تحت عنوان (معيارية الإيقاع قبل الخليل) حضرها جمع غفير من أساتذة كلية الآداب وطلبة الدراسات العليا والأولية تناول الأستاذ بالعرض والتحليل تاريخ هذا الموضوع عند العرب، ومصطلحاته الأساسية حيث تحدث بإفاضة عن الطريقة التي كان يعتمدها العرب في معرفة أوزان أشعارهم قبل أن يأتي الخليل بن أحمد الفراهيدي ويضع علم العروض،ووقف عند طريقة (التنعيم) التي يجهلها الكثير من الدارسين والباحثين، وقدم نماذج تطبيقية من الشعر العربي اتسمت بالجمال والطرافة، وفي هذا الإطار كان للأستاذ المحاضر وقفات نقدية دقيقة عند الكثير من التخريجات الإيقاعية التي كانت مثار خلاف بين الباحثين، حيث قدم رأيه في الكثير من تلك المسائل . ولحيوية الموضوع وأهميته فقد أثارت المحاضرة الكثير من المداخلات التي أجمعت على غناها المعرفي .

830-abdu2في محاضرة أخرى حول علم الأسلوب تناول الأستاذ الزائر تاريخ هذا العلم وعناصره ومصاديقه في نصوص من الأدب العربي، قديمه وحديثه، ولعل الأكثر إثارة في هذه المحاضرة هو الأسلوب العلمي الواضح الذي قدم فيه المحاضر مفرداتها،واستيعابه لجميع الطروحات الخاصة بهذا الموضوع، لأن معظم ما كتب في هذا العلم إنما كان يتسم بالتعقيد والتشعب والتعارض في كثير من الأحيان، ولذلك صار الخوض فيه ليس من اليسير على الكثير من الباحثين والمشتغلين فيه، لكل ذلك كانت محاضرة الدكتور عبد الرضا عليّ متميزة برأي من كان حاضراً من متخصصين وطلبة، لأنه تجاوز كل التعقيدات ليقدم تصوراً علمياً واضحاً مدعماً بنماذج من الشعر والنثر العربي، ولقد كان لاختيار نوعية النماذج الأثر الكبير في عملية تشويق السامعين حيث كان المحاضر حريصاً على أن تكون تلك النماذج من النوع الذي يتسم بجمالية عالية .

لم يكن إتحاد الأدباء والكتاب في البصرة ليفوت فرصة وجود هذا الناقد ولهذا فقد استضافه في محاضرة حول (عروض الشعر الشعبي )، حضرها جمع غفير من الأدباء والكتاب والمثقفين وكان من أبرزهم القاص العربي الكبير محمد خضير،وقد كانت المحاضرة طريفة في موضوعها ونماذجها وفي طريقة الطرح العلمي للمحاضر حيث كان لذلك الأثر الكبير على الحضور الذين راحوا يتغنون مع المحاضر بأبيات الدارمي والأبوذيات، وكلمات الأغاني العراقية، ولعل الأكثر إثارة في هذه المحاضرة هو ذهابها إلى نماذج شعرية من الشعر الشعبي العربي، والأغاني التي قدمها كبار المغنين العرب، حيث كشفت المحاضرة عن ثقافة  المحاضر العالية في هذا المجال .

830-abdu3وأنا أتابع محاضرات أستاذي الدكتور عبد الرضا عليّ تعلمت درساً مفيداً في كيفية إلقاء الشعر، فخلال المحاضرات التي قدمها أجمع الحاضرون على الطريقة الفريدة والجميلة التي يقرأ فيها النصوص التي يختارها، حيث تتسم طريقته في الإلقاء بالأداء الموسيقي العالي الذي يشعر معه السامع بجمالية الشعر بطريقة مختلفة،حتى وإن كان قد سمع ذلك الشعر عشرات المرات.

في محاضرة عن منهجية البحث في الدراسات الأدبية احتفت كلية التربية في جامعة البصرة بالأستاذ الزائر خلال تواجده في الجامعة، وفي حضور كبير من الأساتذة وطلبة الدراسات العليا والأولية امتدت هذه المحاضرة لعدة ساعات اتسمت بالأسئلة والمداخلات التي أثارها موضوع المحاضرة كونه من الموضوعات الحيوية والأساسية في الدراسة الأكاديمية، وهذا الأمر تكرر أيضاً في محاضرة أخرى احتضنها مركز دراسات البصرة التابع لجامعة البصرة، حيث كان شاعر المدينة السياب موضوع المحاضرة في طلب خاص من المركز الذي يعنى بكل ما يتعلق  بالبصرة من موضوعات،ولم يكن هذا الطلب عشوائياً، وإنما كان عن قناعة علمية راسخة من قبل المتخصصين بأن الدكتور عبد الرضا عليّ من أفضل الذين يتحدثون عن تجربة السياب الشعرية، وهذا ما كنتُ نوهتُ إليه في بداية هذه المتابعة، وفي الإطار نفسه.

و خلال أيام تواجد الدكتور عبد الرضا عليّ في كلية الآداب أنعقد المؤتمر العلمي السنوي لهذه الكلية، وكان هذه السنة حول البصرة ومصادر دراستها ولهذا لم يكن غريباً أن يكون الدكتور عبد الرضا عليّ رئيساً للجلسة الافتتاحية للمؤتمر الذي شهد حضوراً لشخصيات أكاديمية وعلمية من العراق والبلدان العربية وهو العارف بالبصرة وثقافتها.

 

أ.د. ضياء الثامري

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2114 الثلاثاء  08 / 05 / 2012)

في المثقف اليوم