تقارير وتحقيقات

تجربة القراءة .. رحلة حياة

asmaa mohamadmustafaالقراءة حياة ليست كأي حياة. إنها ملأى بالثراء الفكري والروحي لمن يود مرافقتها في رحلاتها الى عوالم لا نهائية من المعرفة والجمال والرؤى والأفكار، حتى إن من يختار الكتب رفيقة له يلمس أن أفقه وحيز تفكيره إتسعا عما كان عليه قبل تلك الرفقة، لاسيما إذا مابدأت الرفقة في سن مبكرة. وللقراءة سحرها على العقل والقلب معاً، والكتاب هو القارب السحري الذي يأخذ راكبه في رحلة أخاذة بين بحور ملأى بالأسرار والكنوز و شطآن لاتحدها حدود.

من هذا المنطلق، التقينا أربع شخصيات للتعرف على تجاربها القرائية، وهي كل من المؤرخ الدكتور إبراهيم العلاف الأستاذ المتمرس في جامعة الموصل، والدكتور سعد الحداد رئيس قسم اللغة العربية في معهد المعلمين، والإختصاص في الأدب الحديث، والدكتور وسام البكري الأستاذ في الجامعة المستنصرية، كلية الآداب، قسم اللغة العربية.، والفنانة التشكيلية ثائرة شمعون البازي.

توجهنا الى ضيوفنا بمجموعة أسئلة، فكانت هذه الحصيلة:

 

• كيف تصف القراءة؟

694-asmaa• أ.د. إبراهيم العلاف:

ـ القراءة غذاء الروح والنفس، والإنسان الذي يقرأ لايخرف..لأن دماغه يظل حتى وإن بلغ الـ90 من العمر يقظاً متفتحا على الجديد.

 

• د. سعد الحداد:

ـ القراءة متعة، ولذة، واكتشاف معالم وخفايا، وإطلاع على عقول وقلوب فكّرت و كتبت. القراءة فضاءٌ معرفيّ مفتوحٌ، ليس له ساحل أو أفق محدود، القراءة عالم من الحيوات المنعشة.

 

• د. وسام البكري:

ـ القراءة غذاء الفكر والروح، فبالقراءة والإطلاع نسمو بأفكارنا وآرائنا ؛ ولكن يجب أن يتحقق في القراءة شرطان: القراءة الواعية المُدرِكة، القراءات المتعددة الإتجاهات.

ولا تتقق القراءة الحقيقية من غيرهما، ولا بإحداهما فقط !

 

• الفنانة التشكيلية ثائرة شمعون البازي:

ـ يعد البعض القراءة هواية أما أنا فاعدها منهجا للحياة، لأنها مدخل لتجارب الأمم والشعوب ونافذة واسعة على الأفكار والآراء، ومن ثم فهي أهم روافد بناء الثقافة التي تشكل بدورها أحد المعايير الرئيسة لقياس تقدم الشعوب ورقيها.

 

• متى بدأت القراءة الخارجية؟

•.أ.د. إبراهيم العلاف:

ـ بدأت القراءة منذ الصف الخامس الابتدائي أي في مطلع الخمسينيات من القرن الفائت.

 

• د. سعد الحداد:

ـ بدأت القراءة الخارجية مبكراً في الصف الخامس الابتدائي، وشجعني أنّي كنت أعمل مع والدي وسط سوق الحلة الكبير الذي يقع عند مدخله شارع المكتبات، هذا الشارع ساحر ليس لي حسب وإنما لأجيال عديدة. أبهرتني واجهات مكتباته وهي تعرض الكتب والمجلات بأناقة وترف.. حتى كنت وأنا ابن الثانية عشرة صديقاً لأصحاب المكتبات ومن يلتقي عندهم من شعراء وأدباء ومثقفين. حتى أنَّ أحدهم رحمه الله (صاحب مكتبة المعارف) كان يغويني بطريقته اللطيفة أن يبيعني الكتب والدورات أقساطاً (على اليومية) ومن ثم (على الأسبوعية) وبأسعارها نفسها بلا زيادة اشفاقاً عليَّ ورأفة بصبيّ ستدركه حرفة الأدب لاحقاً .

وله الفضل عليَّ في تأسيس مكتبة مهمة من المراجع والمصادر التي اعتز بها الى اليوم.

 

• د. وسام البكري:

ـ لا أريد المبالغة، فأعدّ إطلاعنا على مجلات الصغار آنذاك قراءةً خارجية، لأنها لم تكن من شرطَيّ القراءة في جواب السؤال الأول على الرغم من كونها ممهِّداً أساسياً للقراءة الواعية، وحتى أكون واقعياً أجيب بأن القراءة الخارجية الواعية بدأت في المرحلة المتوسطة حينما تعاهدتُ مع أصدقائي على قراءة كتب ثقافية وأدبية ودينية.

 

• الفنانة التشكيلية ثائرة شمعون البازي:

ـ وأنا في الصف الخامس الابتدائي، وكانت البدايات مع سلسلة متنوعة من قصص الأطفال.

 

• ماهو اول كتاب قرأته؟

• أ.د. إبراهيم العلاف:

ـ اول كتاب قرأته كتاب " العبرات " للكاتب المصري الكبير مصطفى لطفي المنفلوطي.

 

• دكتور سعد الحداد:

ـ أُغرمت بمختار الصحاح، ثم أخذني عالم الشعر في دواوينه بمختلف العصور. الا أن مؤلفات الكاتب المصري مصطفى محمود كانت أقرب الى نفسي فنشأت عليها في المرحلة المتوسطة، وتأثرت بأسلوبه المقالي الجميل. فضلا عمّا كان يصدر من منشورات متنوعة من قبل وزارة الثقافة والإعلام أو كتب السير والأعلام.

 

• د. وسام البكري:

ـ أول الكتب التي قرأتها هو كتاب في الدوائر الكهربائية والإلكترونية للهواة !، وأما الكتب الأدبية، فهي الروايات الأجنبية التأريخية المترجمة، واتذكر أول رواية قرأتها هي جوسلين لـ ميشال زيفاكو، ومنها انطلقت قراءاتي الأدبية.

 

• ثائرة شمعون البازي:

ـ اول كتاب قرأته كان الجزء الاول (بين القصرين) من ثلاثية الروائي نجيب محفوظ وهي سلسلة مكونة من ثلاثية القاهرة (بين القصرين، قصر الشوق والسكرية).

 

• هل كان في بيتكم في مرحلة طفولتك وصباك مكتبة؟ وهل كان لدى الاهل إهتمام بالمطالعة؟ وهل شجعوك على القراءة؟

 

• أ.د. إبراهيم العلاف:

ـ نعم كان في بيتنا مكتبة عامرة تعود الى والدي وكان أعمامي وأخوالي يقرأون الكتب والصحف والمجلات. وكنت أسمعهم يتجادلون ويتناقشون فيما يقرأون.واحتفظ الآن في مكتبتي بعدد كبير من الكتب التي كانت تضمها مكتبة والدي. والذي دفعني الى القراءة إنني وجدت أن من يقرأ يحسن الحديث مع الآخرين.. وله القدرة على الإقناع.. وأن من كان يقرأ يتمتع باحترام الناس وتقديرهم، ولكي أكون متميزاً بدأت القراءة وكتابة ملخص لما أكتب، وهذه العادة لاتزال قائمة عندي. ومما شجعني على القراءة كذلك أن والدي كان قارئاً نهماً وكانت لديه مكتبة عامرة.

وقد حظيت بالإهتمام والتشجيع عبر مراحل حياتي من أطراف كثيرة منهم أمي وعمتي وزوجتي الاولى رحمها الله وكانت معلمة.. والآن زوجتي الثانية الدكتورة سناء عبد الله عزيز الطائي وهي مؤرخة متخصصة بتأريخ الثغور الإسلامية. وأيضاً حفزني على القراءة معلمي في مدرسة أبي تمام الابتدائية للبنين في الموصل الأستاذ محمد اسماعيل والذي أخذ يكلفني باستنساخ بعض المقالات التي يحتاجها عن الأدباء والشعراء والفلاسفة والمفكرين والفنانين العراقيين والعرب والأجانب.

 

• د. سعد الحداد:

ـ الغريب أن والدي (رحمه الله) تفاجأ يوماً حين رأى في دولابي الأفقي كمّاً من الكتب فقال لي: متى جمعتها؟ وكيف؟ وهل قرأتها جميعها؟ أخذني الخجل فلم أكن أُعْلِمْه بذلك.. غير أنها كانت فاتحة خير من التشجيع.

لم يكن في بيتنا سوى نسخة من القرآن الكريم يقرأ فيها والدي. فأمي (رحمها الله) كانت لاتقرأ و لاتكتب.

لم يكن لدى الأهل أدنى اهتمام بالكتب. لكن كان لهم التأثير في ترك حرية الاختيار للكتب واقتنائها إلا التي فيها خط أحمر (او مايعرف يومها لدى العامة بالكتب الشيوعية) او المعادية للنظام.. فهم بسطاء لايريدون لابنهم أن يزجّ نفسه بأمور ليس ذي بال وربما تجلب المتاعب لهم . لكن لم يعلموا أنني كنت منضوياً كصديق، ولدي من الكراريس عدد لابأس به. التشجيع جاء تراكميّاً من المعلمين والمدرسين والمكان (شارع المكتبات) والمكتبة الحكومية الوحيدة (في الحلة آنذاك) والجميلة في طراز بنائها وخُلق موظفيها الذين شجعونا على الارتياد والقراءة بهدوء وأدب.. (رحم الله مؤسسها ومديرها الشاعر المرحوم الدكتور باقر سماكة) لم أعاصره إلا أنَّ له فضل التأسيس الرائع وقد تعرفت عليه مبكراً من خلال نصوصه الشعرية للأطفال التي مازلنا نرددها وأشهرها (البلبل الفتان). وهذا واحد من الأسباب التي جعلتني انتمي للكتاب لأبحث عن صور مانسمع ومانتكلم. فضلاً عمّا ذكرت سلفاً، كانت الدار الوطنية مصدراً مهما من مصادر التحفيز ممثلة بمديرها الشاعر شكر حاجم الصالحي الذي طالما يدسّ بين يديّ كتابا ويقول: اقتنِه ياسعد فهو نافع او إنّ نسخه قليلة وعليك بواحدة.

 

• د. وسام البكري:

ـ لم تكن المكتبة بالمعنى الحقيقي للمكتبة، فهي مكتبة صغيرة جداً، تحوي عدداً من الكتب خاصة بالكهرباء والإلكترونيات، وكتباً تأريخية خاصة بالحربين العالميتين الأولى والثانية، وكتُباً دينية قليلة، وهذه الكتب جميعها للوالد. ومعها ما يخصني ويخص إخوتي من مجلات للصغار. كان الوالد يقرأ ما يستهويه. وأثّر فيّ الوالد وشجّعني على القراءة والإطلاع، إذ إن دخولي معه دورة الكهرباء والإلكترونيات ـ وأنا صغير في إحدى العطل الصيفية في المرحلة المتوسطة ـ جعلني أطلع على الكتب الألكترونية التي يقتنيها، فأقرأ أرقام المقاومات والصمامات الإلكترونية وبدائلها، وكيفية عمل الدوائر الكهربائية، وخرائطها!!.

 

• ثائرة شمعون البازي:

ـ ليست مكتبة كبيرة، فقد كان للوالدة اهتمام كبير بشراء كتب متنوعة إن كان الوضع المادي مشجعاً . ومن الكتب التي كانت تسعى لشرائها الروايات وبعض المجلات التي كانت تصدر في ذلك الوقت ومنها مجلة حواء. ربما انشغال الوالد بالعمل وتوفير لقمة العيش لنا جعله بعيداً نوعاً ما عن عالم المطالعة بشكل مستمر لكنني كنت ألاحظ إهتمامه بقراءة الكتب التي تتناول مواضيعَ تأريخية.. أما الوالدة فكان لديها إهتمام خاص بعالم المرأة والأمومة والطفولة والأسرة والتربية ومن ثم الروايات وكما ذكرت متابعتها لمجلة حواء. وكانت تروي لنا إحدى القصص التي تختارها و كانت تحمل رسالة ما. وبعد أن تنتهي من قراءة القصة تحاورنا فيما لو استفدنا من تلك القصة ليبدأ حديث طويل بيننا كإنها تحاول أن لا تقف عند قراءة القصة فقط بل كانت تود أن نبحر في الفهم والتعمق والتعلم. لقد تدرجت الوالدة في طرق قراءتها القصص لنا ؛ ففي المرحلة التي سبقت ذهابي للمدرسة كانت تروي لنا القصة من خلال الصور التي كانت تحتويها تلك القصص وبشكل ارتجالي ودون قراءة الأسطر، تلتها مرحلة دراستنا الابتدائية، إذ اتذكر الآن كيف غيرت طريقتها في قراءة القصص فقد كانت تبدأ بقراءة الأسطر ومن ثم الاستعانة بالصور وكإنها تريد تسهيل الامر علي. لتأتي مرحلة أخرى أن تقرأ وأقرأ بعدها واستمرت الحال حتى وصولي الى الصف الخامس الابتدائي حيث قررت الوالدة أن اعتمد على نفسي في القراءة. ولكن بقت الوالدة ترافق رحلتي هذه حتى أكملت مرحلة الثانوية. وكانت تتابع مااستعيره.

 

• ماأبرز قراءاتك خلال الطفولة ومن ثم المراهقة؟

• أ.د. إبراهيم العلاف:

ـ أبرز قراءاتي في الطفولة كتاب " القراءة " المقررعلينا حينذاك وحجمه في حدود 350 صفحة وكان مقرراً في الصف الخامس ومثله في الصف السادس الابتدائيين..كان فيهما قصص وقصائد وحكم وحكايات ومواعظ وعبر....قرأت قصصاً بعنوان: "واحدة بواحدة " و"مرضعة الرسول " و" القائد المغلوب والنملة " و"الحلاق الثرثار " وقصيدة المدارس للشاعر معروف الرصافي. كما كنت معجباً بكتاب منهجي مقرر في الابتدائية هو"الواجبات المدنية والاجتماعية " فيه كل مايجعل التلميذ يحب الوطن، وفيه مباحث عن السلطات الثلاث والأنظمة السياسية والحقوق. وفي فترة المراهقة قرأت مجلة طبيبك للدكتور صبري القباني وكتب الثقافة الجنسية للقباني نفسه وكتاب: كيف تتزوج؟ وكتاب ثقافتنا الجنسية.. ومجلات الكواكب والمصور وآخر ساعة، وأيضا أقرأ للشعراء الرصافي والزهاوي والجواهري والسياب.

 

• د. سعد الحداد:

ـ نشأت كأغلب من كان في جيلي على اقتناء المجلات التي ترد الى العراق مثل (سمير وميكي) ثم (مجلتي والمزمار) واحتفظ بمجلدات لها. ومازلت اتتبع إصدارات مجلات الأطفال لما فيها من إحساس جميل وعالم مليء بالبراءة والنقاء. وكان للمشاركة في إعداد النشرات الجدارية والمجلات الطلابية المتواضعة دور مهم في عميلة دفعنا وتحفيزنا نحو عالم كبير من الجمال (عالم الكتب والمجلات). ورحم الله الحاج محمد الملا علي وكان بزازاً، إذ رآني يوماً، (وأذكر أني كنت في الصف الثالث متوسط) وكان بيدي كتاب فأشار عليّ وحين أقبلت أخذ مني الكتاب بطريقة لافتة وبخفة ودسّه بين ركام أطوال القماش.. تعجبت وقلت له ياحاج..؟ وقبل أن اكمل قال من أعطاك الكتاب؟ قلت اشتريته. قال كم سعره سأعطيك ثمنه.. قلت هو لك ياحاج. قال أتعرف مافيه قلت أعجبتني بعض صوره لاسيما المقصلة والمنكنة، قال اتركه إنه كتاب ممنوع يؤدي بك وبوالدك الى السجن. هذا الموقف أثار فيّ رغبة عارمة في البحث عن الكتب الممنوعة من قبل الرقابة.

 

• د. وسام البكري:

ـ ذكرت سابقاً المجلات للصغار، إذا كان المقصود بها المرحلة الابتدائية، كمجلتي والمزمار، ولا أنسى مجلة سوبرمان المصوّرة، المترجمة عن الأجنبية.

المراحل تتداخل عند الإنسان، فليس هناك حد فاصل دقيق في ما بينها، تستمر هواياتي في شراء الكتب الإلكترونية وقراءتها بتأثير والدي؛ وشراء الروايات التأريخية وقراءتها وتبادلها بتأثير أصدقائي، وكما ذكرت سابقاً رواية جوسلين وابن باردليان لـ ميشال زيفاكو، وروايات تشارلز ديكنز، مثل: قصة مدينتين، وروايات تولستوي مثل: الحرب والسلام و أنّا كارنينا. ولكن في إحدى مراتِ التبادل اقترح أحد أصدقائي قراءة كتاب مبادئ الفلسفة لأحمد أمين !!، وأن نتعاهد على مناقشة أفكاره بعد الانتهاء من قراءته !! حينما اتذكر هذا الموقف اندهش من جرأتنا أنا وأصدقائي على الابتداء بكتاب في الفلسفة، ولا أنكر صعوبته آنذاك، لِما فيه من مصطلحات وأفكار جديدة علينا، ونحن ما زلنا في مقتبل العمر !. ثم توالت القراءات مشتركاً مع أصدقائي، أو منفرداً وحدي بما يستهويني.

 

• ثائرة شمعون البازي:

ـ أبرز قراءاتي كانت مجموعة قصص متنوعة منها على شكل أعداد او سلسلة من المطبوعات والتي تحولت فيما بعد الى أفلام كارتون للأطفال او الى أفلام سينمائية في السنوات الاخيرة. ومن تلك القصص شخصية ميكي ماوس وشخصية العم بطوطة وسوبرمان والرجل المطاطي والوطواط، وأكثر ماتعلقت به سلسلة من قصص تحمل عنوان سمير. وسمير ذلك الولد الطيب والمشاكس في آن معاً يمر بتجارب وأخطاء قد تحدث بسببه او بسبب من يحيط به من أفراد عائلته او جيرانه او مع رفاقه في المدرسة. وكانت تنتهي تلك التجارب بنهايات سعيدة بعد أن يجد أبطالها حلولاً تسعد الجميع. أما في الصف السادس الابتدائي فقد بدأت بقراءة ومتابعة كل مايصدر من سلسلة المكتبة الخضراء ومنها قصص قطر الندى وسندريلا وبحيرة البجع. وقرأت بشغف أيضاً سلسلة مجلتي والمزمار. وإتسعت قراءتي للروايات خلال المراهقة، فقرأت ليوسف السباعي ومحمد عبد الحليم عبدالله وأيضا قرأت عدداً كبيراً من الروايات المترجمة. وتحول إهتمامي الى سلسلة رائعة حملت اسم (المعرفة) والتي تصدر في مصر، كان كل عدد منها يحتوي على معلومات عامة في مختلف المجالات العلمية. وقرأت قصص ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة والقصص البوليسية لأجاثا كريستي.

 

• وماأبرز قراءاتك في مابعد؟

• أ.د. إبراهيم العلاف:

ـ في ما بعد أخذت اقرأ الكتب الوجودية ومنها كتب كامو وسارتر وسيمون دي بوفوار وكتب كولن ولسون وأبرزها كتابه "اللامنتمي " وكتب البرتو مورافيا ومنها كتابه " السأم "، فأصبحتٌ وجوديا ثم انقلبتُ على الوجودية وصرت أقرأ لمكسيم غوركي وليو تولستوي وليرمانتوف ومن كتبه "بطل من هذا الزمان" وكتب لينين وكتب ماركس. وفي الكلية - كلية التربية - جامعة بغداد 1964 ـ 1968 قرأت لفرويد وماركس.

 

• د. سعد الحداد:

ـ اتجهت الى الأدب والتراث وأتخذت من التحقيق طريقاً لي، ومن الشعر هواية، وفي كتب الرجال والأعلام كنوز لاتضاهى. والأهم من ذلك إتجاهي الى التراث المخطوط والتعامل معه تعاملا روحيا باعتباره ثروة الأمة التي يجب أن تظهر الى النور بأحلى صورة وأبهى إخراج وأتم تحقيق، ولابد من ذكر أستاذنا الراحل شيخ المحققين هلال ناجي الذي دفعني الى هذا الفضاء المتعب الشيّق.

 

• د. وسام البكري:

ـ في ما بعد إتسعت قراءاتي، وبحكم دخولي الجامعة والتخصص باللغة العربية اقتنيت كتباً أدبية ولغوية وثقافية كثيرة، وهي غير منهجية، ولكنها ترفد المنهج، وتزيد من الثقافة التخصصية والثقافة العامة، ولا أنسى الدوريات مثل: المورد وآالتراث الشعبي، ومجلة أقلام ومجلة العربي الكويتية وغيرها مما كان يصدر آنذاك. وفي مرحلتي الماجستير والدكتوراه إتسعت قراءاتي بحكم التخصص الدقيق الذي له علاقة بفلسفة الدراسات اللغوية وعلاقتها بالعقيدة.

 

• ثائرة شمعون البازي:

ـ بدأت أميل الى قراءة الأساطير بدءًا بكلكامش، وقرأت جميع مسرحيات وليام شكسبير وأذكر منها هاملت، روميو وجوليت، تاجر البندقية، ماكبث ومسرحيات أخرى. قرأت لشعراء العراقيين ومنهم: المتنبي، محمد مهدي الجواهري، بدر شاكر السياب، سركون بولص، عبد الوهاب البياتي، معروف الرصافي، نازك الملائكة، جميل صدقي الزهاوي ولشعراء عرب منهم أحمد شوقي، أحمد رامي، حافظ إبراهيم، محمود سامي البارودي، ونزار قباني وآخرين.وجاءت مرحلة قراءة الكتب التأريخية ومن ثم الاجتماعية والنفسية، لانتهي بالكتب الفلسفية، ومنها لأرسطو وجان بول سارتر وغيرهما، فضلاً عن الدينية كحياة بوذا، التوراة، القرآن والانجيل.

 

• ما الذي تختلف قراءاتك الحالية عنها في الماضي؟ وهل تقرأ كثيراً الآن؟

• أ.د. إبراهيم العلاف:

ـ تنوعت قراءاتي في ما بعد وانهمكت في قراءة كتب فلسفة التأريخ، فقرأت لتوينبي وشبنغلر وكولنجوود وهيردر و ادوارد كار وايمري نف وسيلي وحسن عثمان وعبد العزيز الدوري وقسطنطين زريق وأسد رستم وكل ذلك جرى بتأثير تخصصي في التأريخ وتعلمي على يد أساتذة أفذاذ كانوا يقرأون وينتجون منهم الدكتور جواد علي والدكتور حاتم الكعبي والدكتور زكي صالح والدكتور عبد العزيز نوار والدكتور جعفر خصباك والدكتور فيصل السامر والدكتور عبد القادر أحمد اليوسف والدكتور محمد جواد رضا والدكتور حامد شاكر حلمي رحمهم الله جميعاً وجزاهم خيراً. قراءاتي الآن أصبحت واسعة، فأنا أقرأ كتاباً لأكتب عنه، وقد أصبحت لدي خبرة في الكتب، فأي كتاب لا يأخذ مني وقتاً طويلاً، إذ بمجرد أن أقلب صفحاته وأقرأ مقدمته وعنوانه وأرى مصادره وأطلع على خلاصاته استطيع أن أحكم على قيمته.

 

• د. سعد الحداد:

ـ لاتختلف القراءة كآلية بمقدار اختلاف الاستيعاب والفهم المتأتي من النضوج الفكري والمعرفي. أكيد أن القراءات المبكرة كانت قراءات سطحية، بدائية، قد لاتغني كثيراً مثلما هي اليوم بعد نضوجٍ عقلي وقدرة تمييز عالية. أقرأ كثيراً، وكل شيء. وإن تراجعت نسبة القراءة قليلا إلا أنها مازالت متوهجة بالكمّ الهائل من الإصدارات الحديثة والجميلة طباعة وإخراجاً.

 

• د. وسام البكري:

ـ تختلف قراءاتي الآن كثيراً عمّا مضى، لأنها تجاوزت التخصص إلى آفاق معرفية أوسع، إذ لا بدّ للباحث من أن يكونَ مُلِمّاً بطرفٍ أو أكثر من مجالات شتّى من الثقافات والآداب والعلوم.

ـ نعم أقرأ كثيرا.. لأن الانقطاع لا يُورث إلاّ الجهل والعجز عن مواكبة التقدم العلمي والمعرفي.

ومع ظهور شبكة الإنترنيت توافرت الكتب والبحوث والمقالات، متدفقةً بصيغ متعددة، وهنا مسؤولية كبرى للمثقف، تتمثل في وجوب متابعة التدفق المعرفي الهائل ومواكبة المتقدم منها.

 

• ثائرة شمعون البازي:

ـ معظم ماأقرأه الأن من خلال النت للسهولة، فمثلاً اتابع المواضيع التي تخص عالمي الفن التشكيلي والتصميم والأعمال الحرفية والمجالات الادبية والإعلامية والتربوية لأنني معلمة حضانة وروضة وباللغتين العربية والسويدية وبعض الأحيان الانكليزية، ومن ثم اتوقف لأعيد الرحلة. وفي بعض الأحيان يدفعني حنيني للكتب، لأذهب الى مكتبة مدينتنا العامة لاستعير بعض الكتب .

 

• ما الكتب التي أثرت فيك كثيرا؟

• أ.د. إبراهيم العلاف:

ـ ابتداءً يأتي القرآن الكريم في مقدمة ما تأثرت به وخاصة وإنني أحرص على تدبر آياته وأرجع الى كتب التفسير المعتمدة..ولعل من أوائل الكتب التي تأثرت بها وقرأتها بتمعن مؤلفات الشاعر المهجري جبران خليل جبران وأولها كتابه "النبي" وكتابه " رمل وزبد ".كما تأثرت بمؤلفات المؤرخ الكبير الأستاذ أحمد أمين: " فجر الإسلام " و" ضحى الإسلام " وكتاب "فيض الخاطر " للأستاذ مصطفى صادق الرافعي وقرأت بعضا من مؤلفات الدكتور طه حسين وخاصة "الفتنة الكبرى " ولاأنكر بأنني قرأت للوجوديين وللماركسيين وللقوميين ناهيك عن كتب الفلاسفة هيكل وهيدجر وسارتر. ومن الكتب التي قرأتها وتأثرت بها بعض من مؤلفات الدكتور لويس عوض وخاصة روايته "العنقاء " وهكذا كان التأثر يرتبط بكل مرحلة من مراحل حياتي وبما كان سائدا في العراق والوطن العربي من تيارات فكرية. ولابد أن اقول إن القاص ذو النون أيوب كان من الذين قرأت لهم ولاأنسى أنني كنت أقرأ روايته "الدكتور إبراهيم " بكثير من الشغف فأنا عرفته جيدا وكانت داره في الموصل في الخمسينيات قرب داري.

 

• د. سعد الحداد:

ـ أول دورة (وليس كتاباً) اقتنيتها بـ (18) ديناراُ عراقياً منتصف السبعينيات هي (الغدير) للشيخ الأميني بأجزائها الأحد عشر، والتي فتحت عليّ آفاقاً رحبة من التأريخ والدين والرجال والأدب والشعر تحديداً.ثم (العقد الفريد)لابن عبد ربه الاندلسي، فضلا عن كتب أخرى مختلفة.

 

• د. وسام البكري:

ـ لكل مرحلة كتاب أو أكثر مؤثّر فيّ، فلكل مجال معرفي لا بد من كتاب تأثرتُ به، فهناك أعلام بارزون يمثل كل منهم تياراً فكرياً أو ثقافياً أو دينياً أو علمياً تأثرتُ به.

 

• ثائرة شمعون البازي:

ـ كل ماقرأته خلال مراحل حياتي جعلني اكتشف الكثير في عالمنا هذا، فالتعمق بالإنسان وفسلجيته والتعمق بالحياة وفلسفتها جعلني أحمل رسالة إنسانية حتى تملكني احساس بأنني جزء لا يتجزأ منها، كما إن كل ماقراته منذ الطفولة حتى الآن جعل عندي حصانة وقوة وثقة كبيرة بالنفس.

 

• بماذا تنصح شبابنا بصدد المطالعة؟

• أ.د. إبراهيم العلاف:

ـ أنصح الشباب بالمواظبة على القراءة لتتسع مداركهم، وينمو احساسهم، ويصبح لديهم موقف من الحياة والمجتمع والكون. وأقول لهم اقرأوا كتب الفلسفة فإن من يقرأ الفلسفة يرى الغابة أما الذي لايقرأ الفلسفة فلا يرى إلاّ الشجرة، وشتان بين من يرى الغابة كلها ومن يرى الشجرة لوحدها. وأنصحهم بأن يقرأوا القصة والشعر ليتهذب ذوقهم وتصبح لديهم ملكة الحديث وملكة الكتابة وأطلب منهم قراءة القرآن الكريم وتدبر آياته والإهتمام باللغة العربية وبعلامات الترقيم.. وأنصحهم أن يتعلموا الكتابة على الحاسوب مباشرة، وأن ينشروا ما يكتبون وأن تكون لديهم مدونات وصفحات على فيسبوك، والذي يريد أن يكون متميزاً ومحترماً في المجتمع لابد أن يقرأ.. وفي البدء كانت الكلمة... واقرأ..... والقراءة كفيلة بأن تٌحدث التغيير، والتغيير مهم ومن تساوى يوماه فهو مغبون والذي لايتغير يتعفن.

 

• د. سعد الحداد:

ـ أقول: المطالعة حضارة وتلاقح ثقافي ومعرفي وعلى أبنائنا الشباب الاقتراب أكثر من الكنوز، وما متوفر اليوم سيكون في غد ضياع، أي إن الحياة تمضي مسرعة، وما لم نتحصل اليوم على مزيد من المعارف قد لاننهل في الأيام القابلة إلا الحشف.. على الشباب إنشاء مكتبات خاصة، ففيها الألفة والسعادة، وفيها المنفعة والفائدة. ومصداقاً لقول سيد الكائنات نبينا الأعظم (صلوات الله عليه وآله وسلم) (طلب العلم فريضة) والحثّ عليها ماجاء في أول قولةٍ ربانيةٍ (اقرأ).. فالقراءة مفتاحٌ للسعادة ثمين.

 

• د. وسام البكري:

ـ أنصح شبابنا وأبنائي أيضاً بالقراءة والمطالعة بالقدر الذي يجعله مُطّلعاً على الثقافة بصورة عامة، فضلاً عن الإطلاع الذي يُعزّز فيه هواياته، مهما كان نوعها أو مجالها المعرفي. قد تبدو نصيحتي متواضعة، لكنّ ما اشاهده من إسفاف وابتذال في شبكات التواصل الاجتماعي كفيسبوك مثلاً، يجعلني أطالب بالحد الأدنى من الثقافة العامة، فالكتابة بالعامية فاشية، والأخطاء القبيحة في الكتابة لا يستقبحها معظم القرّاء !!، وكل ذلك قد يبدو هيّناً أمام الإسفاف في موضوعات الصفحات وعنواناتها، فهي تدل على جهلٍ فاشٍ، وعلى سوء أدب وقلة ذوق !!، وأجد الألوف من المتابعين لها، فأين هؤلاء من الثقافة في حدودها الدنيا؟!

 

• ثائرة شمعون البازي:

ـ هناك حقيقة علينا أن نواجهها، وهي إن غالبية شبابنا يقضون أوقات فراغهم بين مقاهي الأنترنت والنوادي الطلابية، بعدما تخلى قسم كبير منهم عن الكتاب، وبات الهاتف الخليوي والانترنت هما المصدران الرئيسيان لثقافة الكثيرين منهم. وبصراحة حينما قمت بزيارات متعددة الى شارع المتنبي والى معارض الكتب وبعض المكتبات بحثت عن الشباب من كلا الجنسين. فلم أجد إلا القليل جدا ومن هنا خطرت في ذهني تساؤلات: ما الذي جعل شبابنا يعزف عن القراءة والمطالعة؟ هل شجعنا أبناءنا على القراءة والإطلاع وذلك من خلال تهيئة البيئة الصالحة للقراءة؟ وهل تحقق لهم ذلك في المنزل؟ ثم هل يصحب الآباء أبناءهم اللى مكتبة عامة أيام العطل؟ وماذا عن بيئة المدرسة.. هل هناك من بين هيئة التدريس في كل مدرسة من يرشد الطلاب ويعرفهم بأهمية القراءة؟ وهل خصصت مكتبة في كل مدرسة؟ وهل في مكتبة المدرسة محتوى ثري ومتنوع يشد انتباه الطلاب؟ تساؤلات كثيرة تواردت الى الذهن، ولكن هل من أجوبة؟

 

ختام الرحلة

ولنا عودة مع حصيلة رحلات قرائية لشخصيات اُخر.

 

في المثقف اليوم