صحيفة المثقف

عيد بمليار دولار

 دولة كان يفترض انها تحتاج كل وقتها وثرواتها لبناء ماتهدم من بنائها وانسانها ولتعويض مافاتها من أزمنة، للحاق من ثم بركب الحضارة ولو في القاطرة الأخيرة .

لكن عقلية الخرافة واللامعقول مازالت هي المتحكمة في هذا البلد، ففي وقت سجل التاريخ ان الأمم التي تاخرت بسبب الحروب أو الكوارث أو ماشابه، لجأت الى زيادة ساعات العمل ورفع وتيرة الإنتاج كي لايبقى التأخر سمة لتخلفها .

لكننا في العراق، نعمل بالضد في كل مايمكن ان يستسيغه العقل ويحتمه المنطق .

ففي وقت احتفلت فيه جميع الشعوب الاسلامية بعيد الفطرالمبارك لمدة ثلاثة أيام كما هو المعتاد – مع استقرار أوضاعها - بدأ العيد عندنا إعتباراً من يوم الأحد الفائت عند بعض العراقيين ، فيما تأجل حتى يوم الإثنين عند البعض الآخر، ولما كانت العطلة الرسمية قد ابتدأت قبل ذلك بيومين – الجمعة والسبت - ثم قطعت كامل أيام الاسبوع، لتتمدد من ثم الى يوم الأحد من الاسبوع الذي يليه، أي ان العطلة شغلت مساحة زمنية وصلت الى تسعة أيام بتمامها .

في الحسابات العامة، لدينا مايزيد عن خمسة ملايين موظف حكومي، فلو إفترضنا ان متوسط الدخل اليومي لكل منهم يبلغ عشرين دولاراً، يعني أن الخزينة العراقية تدفع حوالي مئة مليون دولار يومياً، وبتقريب الرقم وتدويره في الأيام التسعة وحدها، يكون الحساب قد بلغ مايقرب من مليار دولار، لابد انها صرفت على منتوجات مستوردة بأكملها من دول الجوار .

ذلك يعني اننا ندفع بأيدينا لهذا الدول كي تتطور على حسابنا، وتدفع لشراء ضمائر بعض سياسيينا لينطقوا بإسمها ويدافعوا عنها، في وقت تستطيع فيه تمويل الإرهابيين للإستمرار في قتلنا كي تضغط من ثم على استقلالية قرارنا، وهكذا نكون قد دخلنا برضانا الى تلك الحلقة الجهنمية التي نشكوا من سعيرها .

مالذي نفعله بمليار دولار دفعت في تسعة أيام؟

المواطن العراقي اليوم يعاني من أزمة سكن حادة تجاوزت بموجبها أجارة المنازل حدود التصور، بل ويقال ان العراق بات هو البلد الأغلى والأكثر صعوبة في الحصول على منزل سكني .

مليار دولار بإمكاننا أن نبني خمسين ألف شقة سكنية بمعدل عشرين الف دولار للشقة الواحدة، هذا على إعتبار أن الدولة ستملكها مجاناً لمن لايملكون منزلاً، أما اذا ارادت استيفاء بدل استئجار ولو بشكل رمزي، لبلغ المتحصل مايمكن ان يزيد عدد الشقق المشيدة والمعروضة للإيجار -اذا لم يكن للتملك- .

العطاء دون عمل، هو الكارثة التي تواجه الشعوب، فالذي يحصل على مدخول شهري من دون جهد يذكر، لاشك سيعتاد على الكسل الجسدي والإسترخاء الفكري، وبالتالي تنتشر في البلد ظاهرتي الخمول والإستهلاك،وهو مانشهده واضحاً عند الكثيرين – خاصة في صفوف الموظفين الإداريين – فالنهم الى الطعام واللهاث وراء الشراء والتسوق حتى فيما لاحاجة اليه، بات منظراً بالإمكان ملاحظته حيثما ذهبت وفي أيما مدينة في العراق، ومن يمعن النظر في طبيعة الصرف وشكله، يستنتج ربما من دون كبير جهد، ان النقود التي تصرف وفق هذه الطريقة، لم يبذل جهد في تحصيلها، مادام الراتب الذي يزداد بإستمرار، مضمون التحصيل، مع ماتدره بعض الوظائف من إمكان زيادة الدخل بواسطة الرشاوى والتوسط وماشابه، يتبين من ذلك  أننا ندور في حلقة مميتة كمن يقع في الدوامة، كلما دارت أكثر، زادته غرقاً.

تلك حالة لايراها المستفيد منها،أو الساعي الى الإستفادة منها أسوة بغيره، ذلك لأن نظرة كهذه، لاتتوفر الى عند الشعوب التي تسعى الى بناء أوطانها، أما نحن، فنبرع فقط في الحديث عن تقصير الحكومة في توفيرالخدمات والأمن وزيادة الوظائف والغذاء والدواء ووووو الخ، من دون أن نكلف انفسنا عناء السؤال: وماهو دور المواطن في كل ذلك، خاصة اذا كان موظفاُ؟ هل هو مغلوب على أمره ايضاً؟ وهل يمنعه احد من اداء واجبه بصورة صحيحة، بدلاً عما يتقاضاه من راتب يأتيه صاغراً كل شهر؟

المشكلة ا ن هذه الحسابات على وضوحها وأهميتها، لا ينتبه اليها السياسيون والحكومة، ولا الفعاليات الدينية والإجتماعية، بل لااحد يريد الإشارة اليها كي لايغضب جيوش البطالة المقنعة الذين يطلق عليم لقب (الموظفين) الذي بات نهمهم للعطل، لايعادله سوى نهمهم للمال والطعام.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1177 الاربعاء 23/09/2009)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم