صحيفة المثقف

تجربة الكاريكاتير الفلسطيني

وعلى الرغم من أن العمر الزمني للكاريكاتير الفلسطيني قصير نسبياً الا أنه خطا خطوات متقدمة يمكن اعتبارها اللبنات الأولى في المسيرة الصاعدة لهذا الفن وتأثيره في مجريات الأحداث وتداعياتها . وكان للنهوض الوطني لحركة التحرر الفلسطينية دور في تناميه وتطوره وانتشاره بين الأوساط الشعبية والجماهيرية ، كما كان لظاهرة الجزر والانحسار الثوري انعكاساتها على توسع رقعة هذا الفن السياسي الجميل. وغني عن القول أن الفنان الفلسطيني المبدع الراحل ناجي العلي ، الذي اغتالته قوى الشر والغدر الجبانة بهدف اخراس صوته والنيل من ريشته ورسوماته الكاريكاتيرية الخلاقة، من أوائل الفنانين الذين أرسوا ركائز وجذور هذا الفن من خلال الكاريكاتيرات المنوعة التي أتحفنا بها عبر الدوريات الثقافية والسياسية الصادرة في الوطن العربي وخارجه، والمعارض الفنية التي اقيمت في أماكن مختلفة داخل وخارج الحصار.

 

ويلاحظ المتابع للحركة الفنية والتشكيلية الفلسطينية وتطوراتها في السنوات الأخيرة ظهوراً وانتشاراً لرسومات الفنانة أمية جحا ، التي ترفد حياتنا الفنية والسياسية والثقافية باللوحات الكاريكاتيرية الملتزمة النابعة من عمق الواقع القهري والانتفاضي ، والتي لاقت الاستحسان والاعجاب من الأوساط الفنية والثقافية والجماهيرية.

 

أن الأعمال الكاريكاتيرية الفلسطينية تحاول التركيز على الشخصية الوطنية الفلسطينية وتصوير الواقع الفلسطيني بأبعاده المختلفة ضمن رؤية الفنان لهذا الواقع من خلال المعاناة والألم والجرح النازف واستلهام مأساة الشعب الفلسطيني بصورة ساخرة عميقة الحزن وذلك بالتعبير عن الأوضاع والظروف السياسية والاجتماعية السائدة التي يحيا في كنفها، وعكس التناقض والصراع  الطبقي والجدلي  والظواهر المتميزة التي تبرز مظاهر الصدام اليومي والمواجهة المباشرة مع الاحتلال ، وتتناول حال البرجوازية الفلسطينية ومواقف الأنظمة العربية من القضية الفلسطينية وما جلبته من ماسٍِ على شعبنا ، والتأكيد على الولاء للطبقات الشعبية الفقيرة الكادحة المؤهلة بحكم موقعها على احداث التغيير المرتجى .

 

ان فنان الكاريكاتير الفلسطيني باعتباره كائنا واعياً يجد نفسه مطالباً ببناء الذات من جديد بالسلاح المتبقي لديه وهو سلاح الوعي ، وهذا يعني مقاومة الاقتلاع المادي والفكري الذي يتعرض له الفنان وشعبه على حد سواء ، وذلك نجده في رسومات الراحل ناجي العلي التي تطرح وتؤكد علاقة الفن بالثورة.

 

يمكن القول في النهاية، أن الكاريكاتير الفلسطيني طاقة نامية بشكل متواصل رغم ما يعترضه من اشكالات وعقبات وعوائق وتأثيرات خارجية ، لأنه استجابة للحظة التاريخية الراهنة بمستويات متفاوتة ، وتجربة أعلام الكاريكاتير الفلسطينيين الذين تتعرض ابداعاتهم عبر مواقعهم في الانترنيت ، تدل دلالة مباشرة على القدرة التي تختزنها هذه الطاقة وعلى الدور المؤثر والفاعل الذي يؤديه الكاريكاتير في معركة الشعب الفلسطيني على الجبهة الفنية والثقافية ضد الاحتلال، وفي سبيل تحقيق الحلم الفلسطيني بالحياة  والحرية والاستقلال السياسي.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1191 الخميس 08/10/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم