صحيفة المثقف

مارتين جيلينو .. السلسلة الذهبية للفن الاسباني المعاصر (16)

khadom shamhodفي احدى المقابلات الصحفية مع الفنان الاسباني مارتين جيلينو تحدث عن آرائه وتجربته الفنية ومنجزه النحتي من خلال مسيرة طويلة حافلة بالنشاط والابداع . وكيف انه اراد ان يخلق نوعا من الصلة الودية بينه وبين مادة الخام الحديد . وقد دونا بعضا منها:

(اعمالي متأثرة بحركة يدي نتيجة للطرق وحرارة النار فتأتي طائعة مشكلة . وعندما احصل على الشكل لا افرض نفسي عليه انما اتعامل معاه بطريقة المحبة و العلاقة الحميمة ...) - (اثناء العمل مع المادة يحدث نوع من الحوار المتبادل بين الوان الحديد والنار حيث يفتح ذلك ابواب واسعة للوعي و الابداع والخلق .. .. وقد تعمقت معرفتي باللونين الاحمر الكرزي والابيض من خلال العمل مع حمم النار ..)- (انا انظر الى الحديد والى شعلة النار وارى امامي الشرار يتطاير، وخلال ذلك اعرف ما تحت النار وكيف هي حالة الحديد هناك . كل ذلك يأتي من خلال الممارسة والتجربة الطويلة ، مما يعطي المنحوتة مخرجا سهلا وطبيعة جميلة ..)

 726-khadom1

السيرة الذاتية:

ولد مارتين جيلينيو Martín Chilino عام 1925 في مدينة لاس بالماس Las Palmas احد جزر الكنارياس الواقعة قبالة بلاد المغرب في المحيط الاطلسي.. وكانت هذه الجزر تاريخيا تابعة الى الحضارة الافريقية وان سكانها من اصول بربرية كما ان اصول لغتها بربرية او آمازيقية . وقد غزاها الاسبان عام 1496 م واصبحت منذ ذلك الوقت تابعة للدولة الاسبانية ... .. .. ويشكل مارتين الابن الثالث عشر من عائلة كبيرة لنفس الابوين، وكان والده يشتغل في ورشات السفن في ميناء لاس بالماس، وكان احيانا يرافق والده الى العمل، واول ما وقعت عليه عيناه هي مادة الحديد التي يشتغل فيها والده فتأثر باجواء الحدادة والحديد ومال قلبه الى اليها .

في عام 1944 سجل في اكاديمية الفنون الجميلة في لاس بالماس . بعدها سافر الى مدريد عام 1948 و درس في كلية الفلسفة و الآداب ولكنه لم يكمل دراسته فتركها، ثم سجل في مدرسة الفنون في سان فرناندو في مدريد .. وفي عام 1952 انهى دراسته وسافر الى لندن ودخل مرة اخرى مدرسة للفنون وتعرف على عدد من الفنانين الانكليز منهم النحات المعروف هنري مور وباربارا هيبورث وغيرهم . وخلال هذه الفترة، وسع من دراسته وتجربته فدخل ورشات طرق الحديد وتكوين الاشكال، فازداد وعيا و معرفة في حرفة النحت . كما يذكر انه زار متحف الآثار في لندن واطلع على المنحوتات السومرية والبابلية و الفرعونية والاغريقية حيث كان شغوفا ومغرما بهذه الحضارات العريقة ... بعدها عاد الى مدينته لاس بالماس والتقى بالفنان المعروف – مانويل ميارس 1926 ( مانولو ) وكان هذا الاخير يعتبر من طلائع الفن الحديث حيث تأثر به عدد من الفنانين المغاربة مثل - المكي مغارة 1933تطوان – ثم انظم الاثنان الى جماعة -الممر— el paso 1957 والتي كان من ابرز زعمائها الفنان الاسباني المعروف انتونيو ساورا 1930 –كل هذه المسيرة الطويلة شكلت له قاعدة رصينة من التجارب الفنية .

 726-khadom2

التقنية:

كان مارتين يتعامل مع مادة الحديد الخام اولا : كحداد حيث يحمل المطرقة وينهال على قطعة الحديد وسط النيران الحامية طرقا و ضربا كي يطوعها فتتطاير الشرارات والشضايا في كل اتجاه .. كما هو عند الحرفيين الحدادين .. ثانيا : الفنان مارتين تعامل مع مادة الحديد كفنان ومثقف ومبدع يريد ان يخلق من هذه المادة الصلبة شيئا جميلا معبرا ... و كما يقول احد النقاد ان مراحل العمل الفني تنحصر بمرحلتين الاولى مرحلة انشاء الجمال والثانية مرحلة التعبير..

وقد ذكر مارتين في احد المقابلات الصحفية من انه يعتبر نفسه حدادا اكثر من اي شئ آخر . كما ان بعض النقاد اشاروا الى ان مارتين كان يحاول بكل طاقته ان ينجز عملا فنيا بأقل شئ ممكن من مادة الحديد واكثر تعبيرية، وهو ما نهجت عليه مدرسة الحداثة وقولها المشهور (القليل يعني الكثير) .. كما عندنا قول اخلاقي (خير الكلام ما قل ودل) او (كل مختصر عليه كافي) .. واكد مارتين على الحركة الكونية في اعماله من خلال تشكيلات حلزونية على غرار دوران الافلاك او المجرات وهو اتجاه فلسفي ونظرة امتداد بلا حدود .. ..

ويقول الفنان مارتين:

(كان الشكل الحلزوني منذ بداية عملي في النحت هو المركز في انطلاقي نحو الابداع والخلق ... وكان العنصر الحلزوني عند الاقوام القديمة في جزر الكانارياس يعتبر عنصرا سحريا في الطقوس الدينية حيث يصعد الفرد الى قمم الجبال بطريقة حلزونية لمراقبة حركة النجوم والتعرف عليها وعبادتها ....) من هنا يتبين لنا دور الاسطورة والتقاليد والعادات للامم السابقة في حضورها الواضح في المنجز الفني الحديث وكيف استطاع الفنان اليوم من توظيفها في اعماله الحديثة بتقنية وخيال جديد ..

كما استخدم في اعماله صفائح الحديد فخرجت مطروقة ومركبة ومصبوغة بالوان حية متنوعة . وقد شكل من هذه الصفائح اشكالا وفراغات غاية في الخيال و الابداع والجمال متأثرا بالفنان هنري مور 1898 و الفنان الاسباني الباسكو خورخي اوتيثا 1908 .. وقد عمل مجموعة كبيرة من المنحوتات اطلق عليها اسم - البحر المتوسط – عرض بعضها في نيويورك في كالري غراثي –Grace عام 1962 - كما عمل سلسلة اخرى اطلق عليها – رياح وجذور - وكذلك نفذ سلسلة – الملكات السود – وهي اشكال افريقية منها رأس افريقي كبير منصوب حاليا في المركز الاجتماعي لبنك التوفير في كنارياس..

وخلال رحلته الطويلة مع الفن عرضت اعماله في عدد كبير من الكالريات و المتاحف العالمية في نيويورك وباريس وكولونيا وغيرها، وكذلك في عدد كبير من المدن الاسبانية خاصة جزر كانارياس ونصبت اعماله في الساحات العامة .. وحصل على جوائز تقديرية عديدة . كما شغل عدة مناصب مثل المسشار الفني لمتحف الفن الحديث – المركز الثقافي للملكة صوفيا - في مدريد. كما عين مديرا للفن الحديث –CAAM - في كانارياس ومديرا لدائرة الفنون الجميلة منذ عام 1982 الى 1992 . وغيرها .. وهناك مشروع لمؤسسة مارتين جيلينو تقع في مدينة لاس بالماس تكون مركزا ثقافيا ومتحفا يضم اعمال وانجازات الفنان خلال مراحل حياته الفنية ... لازال الفنان حيا ونتمنى له الصحة ..

 

د. كاظم شمهود

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم