صحيفة المثقف

مفهوم الحب الجسدي عند إخوان الصفا

في إطار حديث إخوان الصفا عن مفهوم الحب معرجين عن المعنى الجسدي بعد تأكيدهم أن النفوس تتفاوت في المحبة بين نفس شهوانية وأخرى حيوانية وثالثة عاقلة أو ناطقة متجهين نحو تبيئة التصور الأفلاطوني، كما أن في جبلة النفوس محبة البقاء السرمدي وكذلك تدرج النفس من المادي نحو الروحاني ...

فقد جاءت رسائلهم للعشاق سبيلا ومعينا وفي هذا الصدد فقد أكدوا جزاهم الله عن أهل العشاق ألف خير وخير، أن العاشق والمعشوق حسب حكمتهم إذا تباوسا وامتص كل واحد منهما ريق محبوبه وعمل على بلعه فإن ماءه يصل إلى معدة كل واحد منهما، وتمتزج

مع سائر الرطوبات الأخرى، ثم تصل إلى الكبد تختلط بالدم وتنتشر في العروق والشرايين، وتصير جزءا من تكوين الجسد وبنائه، وإذا تنفس كل واحد منهما في وجه محبوبه اختلط ذلك مع الهواء المستنشق، ووصل إلى مقدمة الدماغ، واستلذ كل واحد منهما بذلك التنسم .

وهنا يسير الحب حسب تصورهم من الرئة إلى الرئة كونها مركز التنفس واستجماع الهواء ووصل ذلك إلى القلب، وعبر النبظ ودقاته يصل إلى سائر الجسد واختلط بالدم واللحم . ولعل هذا النوع من الحب في نظري هو الحب - الحب الجسدي - الذي يأتي بعد الحب الروحي الذي يعالج مسألة التوأم الروحي التي طرحها الفيلسوف أرسطوفان في إطار تدخله في محاورة " المأدبة أو الحب الإلهي " لأفلاطون .

إن إخوان الصفا كانو سباقين بوعيهم الفلسفي العقلاني إلى تأصيل ماهو معقول وتصحيح ما هو منقول من خلال إثارة قضايا كانت نوعا ما شاذة في الثقافة العربية الإسلامية وهذا ما دأب على إثارته قبل إخوان الصفا في القرن الثاني والثالث الهجري في مجالس يحيى بن خالد الدرمكي، الذي تحدث جلساؤه عن العشق وأسبابه متأثرين بالثقافة الإغريقية التي جاءت عبر الترجمة، الشيء الذي جعل فقيها وفيلسوفا علا كعبه في العلوم والمعارف بالأندلس، القرن الخامس هجري

أن يؤلف كتاب : "طوق الحمامة في الألفة والألاّف" ابن حزم محاولا تحديده والوقوف عند دلالاته مستثمرا تجاربه الذاتية ومعارفه الفكرية ونماذج واقعية من الثرات الأندلسي .

 

بقلم: محمد الشاوي

أستاذ وكاتب مغربي

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم