صحيفة المثقف

طلقة فان كوخ ..

khadom shamhodلازال النقد الفني اكثر بعدا من الدقة الفلسفية والموضوعية لانه يمثل امتدادا لمراحل تطور النقد الادبي , بمعنى ان لغة الادب ومصطلحاتها ومفرداتها تسيطر على النص النقدي الفني .. وقد وجدنا ان التضارب في الآراء والتقلبات من صفات النقاد تبعا للمواقف العاطفية او الفئوية القومية او غيرها ولا يوجد اليوم على الساحة الفنية وباعتراف الكثير من المثقفين نقدا موضوعيا ونزيها على الاطلاق خاصة في بلداننا العربية , فلابد من دخول المشاعر والعواطف والميول والفكر في اثناء الكتابة والحكم . بالاضافة الى ظاهرة شراء الاقلام والذمم والتي نجدها منتشرة وخطيرة في عالمنا العربي .. اذن ان الآراء تبقى محصورة في دائرة وجهات النظر الشخصية والتي تعبر عن افراد متعددي المعرفة ومختلفي المستويات الثقافية وكل واحد ينطلق ويحكم من زاوية موقعه ... وبالتالي لابد من توريق صفحات كتب التاريخ للاطلاع على آراء الفلاسفة والفنانين الذين سبقونا في هذا الحقل والذين لهم باع وسطوة كبيرة ومهمة في حركة الفن حتى نقف على حقيقة معرفة الاختلاف والخلاف وفوضوى الآراء .. .. والتي احيانا تؤدي الى قتل الفنان كما حدث لفان كوخ .. ؟؟؟؟

 731-khadom

لقد اعتمد تولستوي 1828 في نظريته في الفن على المفكر والشاعر – وردزورث - حينما قال ان الفنان (انسان يتحدث الى الناس) واكد هذا المفكر بان على الفنان ان يسلك الاساليب السهلة والبسيطة يخاطب بها عامة الناس وبلغتهم البسيطة ... وعلى هذه النظرية سيكون الفن مفهوما من قبل ابسط عامة الناس... وحينئذ سنقول وداعا يا شكسبير وباخ وبتهوفن وجوته وبيكاسو وكاندنسكي وبول كلي ... وداعا لان اعمالكم ومنجزاتكم الفنية لا يفهمها البسطاء من الناس ...

اما رأي الفنان هنري ماتيس 1869 فهو يختلف تماما عن تولستوي ووردزورث وتحدث بوضوح عن مشاعره : (لا يوجد التعبير – بالنسبة لي –في العاطفة التي تشع من احد الوجوه او التي تتضح باحد الاشارات العنيفة . وانما يكمن التعبير في مجموع بناء صورتي , المكان الذي يشغله الاشخاص , المساحة الخالية من حولهم , العلاقات النسبية , كل شئ يلعب دوره , ان التاليف هو فن تنظيم العناصر المختلفة التي يستخدمها الفنان بهدف التعبير عن مشاعره ..) ويذهب ماتيس الى الاهتمام بالمدركات الحسية وخلق الجمال الحسي من خلال تأليف الانغام والايقاعات في الالوان والانسجام والبناء الشكلي والتعبير من خلالها عن مشاعرة وافكارة وعمق وجدانه ..

 

 

اما سيزان 1839 فكان فنانا وفيلسوفا قلب الامور على عقب حيث اخذ ينظر الى الطبيعة بمنظور فلاسفة الاغريق .. (كل ما نراه يتشتت ويختفي الا الطبيعة دائما هي ما هي , ولكن لا شئ يتبقى منها , لا شئ مما نراه , ولا بد من فننا من ان يمنح الطبيعة معنى الاستمرار المثير , الى جانب مظهر تغييراتها , فيساعدنا هذا الاحساس بالطبيعة كشئ ابدي ..) هذه التصورات لسيزان تشير الى ان المظاهر الشكلية للطبيعة في تغير مستمر وان جوهرها او روحها هي التي تبقى الى الابد وعلى الفنان ان يعمل بهذا الاتجاه ... وقد مهدت هذه الافكار الى ظهور التيارات الحديثة ..

و يعتقد جاك بولوك 1912 ان كل ما قدمه من رسوم واقعية لا يعادل لوحة واحد من اعماله الاخيرة اي اللوحات التجريدية والتي تعبر عن مشاعره العميقة من خلال العفوية في الرسم .. ولكن فان كوخ 1853 كان يرسم بقلبه الرحيم الرباني ويده على ريشته ترتعش متوترة وهو يشارك الفقراء والمساكين في مناجم الفحم – بوريناج- كي يتعلم منهم الصبر ويشاركهم المحنة والشقاء وهو ما دعى رجال الكنيسة من طرده من عمله كواعظ ديني لذلك السبب فتحولت حياته الى تعاسة وآلام .. وكان يصرخ في وجه كوكان : اريد ان ارسم الشمس كيف تدور .. ولازالت- طلقة فان كوخ - تدوي عبر التاريخ ووراء كل لوحاته التي رسمها بتعبيرية عالية احتجاجا على تقاليد الفن السائد وظلم الانسان وتعسفه وخاصة رجال الدين الذين خربوا وافسدوا ... متى نرى اليوم - طلقة فان كوخ - تستقروا في صدر المفسدين وسراق الاموال وبعض من رجال الدين والساسة في العراق ؟؟؟ ..

 

د. كاظم شمهود

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم