صحيفة المثقف

القصص القرآني قراءة في كتابات الحداثيين العرب

إن اختلاف الباحثين في دراسة القرآن الكريم نابع بصورة اساسية من اختلاف المناهج في مصادر المعرفة، فمنهج الشك بابه مفتوح على دراسة القرآن خصوصاً المستشرقين الذين اعتمدوا على عملية الانتقاء بما يخدم اهدافهم، فشككوا في النص القرآني، وأمانة نقله، وسلامة تبليغه، وجمعه، وترتيبه...، مستندين الى قاعدة وضعوها مفادها: الشك في نص يوجب الشك في آخر. وأهم هؤلاء المستشرقين (آرثر جفري) الذي كتب كتابين لهذا الغرض هما: (مصادر تاريخ القرآن) ، و(الكلمات الدخيلة في القرآن) .

وهناك منهج آخر مهم في دراستنا هذه وهو ما يصطلح عليه منهج (الاثر والتأثر) الذي اعتمد عليه بعض كبار المستشرقين القدامى، اذ يعد المستشرق اليهودي (أبراهام غايغر) أول من اسس لهذا المنهج في كتابه (ماذا اخذ القرآن عن اليهودية) ، فكانت البذرة الام لكثير من الدراسات الاستشراقية. الأمر الذي حدا بالبعض من المستشرقين أن يكون همه الشاغل البحث عن التشابه بين التوراة والانجيل من جهة وبين القرآن من جهة اخرى، ونسبة مافيه اليهما خصوصاً (القصص القرآني) ، محاولة منهم لهدم المصدر الرباني للقرآن الكريم.

كما يهمنا ايضا المنهج (الاسقاطي) الذي مارسه المستشرقون على القرآن، فانطلقوا في فهمه من خلال الخلفيات العقدية والموروثات الثقافية الراسخة لديهم .. لزلزلة الركن الاساسي الذي يقوم عليه القرآن وهو أنه كتاب حق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وراحوا يحاولون ضرب قداسته وفصله عن السماء، وحده بتاريخ نزوله، هذا ما اوقع بعض الباحثين في الشرق، فراقهم زبرج الافكار الغربية، ورونقها، لم ينشئ هذا من الصدفة، وإنما بسبب الانفتاح على الغرب ومنجزاته المادية والفكرية خصوصاً في القرنين التاسع عشر والعشرين، فاعتمد بعض المفكرين على الادوات الغربية في التعاطي مع القرآن، هذا مع اختلاف النوايا والاهداف.

يقول طه حسين: (ليس على حياتنا الدينية بأس من الاخذ القوي بأسباب الحضارة الأوربية) ، ومن قبله رفاعة الطهطاوي الذي كان يرى أن (من الضروري أن تكيف الشريعة وفاقاً لمتطلبات الحياة الجديدة، ويعلن أن لا فرق كبير بين مبادئ الشرع الاسلامي ومبادئ القانون الطبيعي) (1) .

التكييف في نفسه امر محمود لكن ينبغي أن يكون وفق الثابت والمتغير في الشريعة الاسلامية، أو ما اصطلح عليه السيد الشهيد بمنطقة الفراغ في التشريع الاسلامي، كي يتحرك من خلالها الفقهاء، لردم الهوة بين النص الديني والواقع المجتمعي المتغير.

ومانريد أن نلمح إليه في هذه المقدمة هو التالي:

1- إن الكثير من الاشكاليات المطروحة في القصص القرآني ناتجة من التأثر الكبير بالدراسات الاستشراقية.

2- من الخطأ الكبير الحكم على القرآن الكريم من خلال الرواسب العقدية والمعرفية والموروثات الثقافية.

3- إن الانفتاح على العالم الغربي امر جيد لكن لا على حساب الشخصية الاسلامية، وثوابت الشريعة المقدسة.

 

القسم الأول: القصة القرآنية

القصة لغةً: مأخوذة من الجذر الثلاثي (ق صَ صَ) الذي انتظمت اشتقاقاته في عدة معان، ففي القرآن الكريم ورد بمعنى الاقتفاء وتتبع الأثر(2) ، كما في قوله تعالى: {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}(3) ، وقوله تعالى: {قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا }(4) ، ومن هنا سمي الذي يقص القصص قصَّاصاً؛ لأنه يتتبع أحداث القصة خبراً خبرا، بل ومنه اشتقاق القِصاص في الجراح، كما يذكر ابن فارس(5) .

وجاءت بمعنى الخبر والحكاية والأمر والشأن، يقال ما قصتَك، أي ما شأنك، وقصصت الرؤيا على فلان إذا اخبرته بها، والجمع قِصَص وقَصَص(6) .

القصة اصطلاحاً: ذكر الرازي في تفسيره القصة على أنها: (مجموع الكلام المشتمل على ما يهدي الى الدين ويرشد إلى الحق ويأمر بطلب النجاة) (7) ، لكن ليس كل ما يهدي الى الدين ويرشد الى الحق فهو قصة، فهناك الخطب الدينية، والمواعظ، والاحاديث والروايات، وكل كلام آخر يهدف للهدى والرشاد.

وعرف الشيخ محمد هادي معرفة قصص القرآن: (أخباره – القرآن- عن احوال الماضين، من أمم وانبياء سالفين، وعن حوادث واقعة في سوالف الايام، مما فيه العبر والاعتبار للباقين) (8) .

 

أغراض القصة القرآنية:

لما كان القرآن كتاب هداية لتأهيل الإنسان لاجتياز المنعطفات الضيقة، والدهاليز المظلمة، والوصول به الى مواطن النور، استخدم لهذا الغرض عدة ادوات، وإحدى اهم الادوات في عملية التغير الاجتماعي نحو الهداية هي (القصة القرآنية) ، (وبهذا الصدد نجد القصة القرآنية تكاد تستوعب في مضمونها وهدفها جميع الاغراض الرئيسية التي جاء من اجلها القرآن الكريم) (9) . فشملت اغراض القصة القرآنية:

1- إثبات الوحي والرسالة من خلال الإخبار عن الانبياء السابقين والامم الماضية بدقة متناهية وتفاصيل غير معهودة، فورودها في القرآن اتخذ دليلاً على وحي يوحى. ونص القرآن على هذا الغرض في مقدمات القصص أو في أعقابها:

ففي أول سورة يوسف: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}

وقبل عرض القرآن قصة موسى في سورة القصص جاء: { نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} وبعد انتهائها {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44) وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45) وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) }(10) .

2- بيان أن الدين كله من عند الله، من عهد نوح إلى عهد النبي الخاتم (صلى الله عليه واله) . وأن المؤمنين كلهم أمة واحدة، والله الواحد رب الجميع، وكثيراً ما وردت قصص عدد من الأنبياء مجتمعة في صورة واحدة، معروضة بطريقة خاصة، لتؤيد هذه الحقيقة.

ولما كان هذا غرضاً أساسياً في الدعوة، وفي بناء التصور الإسلامي فقد تكرر مجيء هذه القصص، على هذا النحو، مع اختلاف في التعبير، لتثبيت هذه الحقيقية وتوكيدها في النفوس. نضرب لذلك مثلاً ما جاء في سورة "الأنبياء: { وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50) وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِي}

3- بيان أن وسائل الأنبياء في الدعوة موحدة؛ وأن استقبال قومهم لهم متشابه _ فضلاً على أن الدين من عند إله واحد، وأنه قائم على أساس واحد _ وتبعاً لهذا كانت ترد قصص كثير من الأنبياء مجتمعة أيضاً، مكررة فيها طريقة الدعوة. على نحو ما جاء في سورة هود: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ} إلى أن يقول: {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28) }

4- بيان أن الله ينصر أنبياءه في النهاية ويهلك المكذبين، وذلك تثبيتاً لرسول الله، وتأثيراً في نفوس من يدعوهم إلى الإيمان : "{وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ }. وتبعاً لهذا الغرض كانت ترد قصص الأنبياء مجتمعة، مختومة بمصارع من كذبوهم. ويتكرر بهذا عرض القصص كما جاء في سورة "العنكبوت": {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ (15) وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) } الى قوله تعالى: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (24) }

وكذلك كان للقصص القرآني اغراض كثيرة أخرى، كبيان نعم الله على انبياءه واوليائه، وتنبيه اولاد آدم الى غواية الشيطان وكيده، وبيان أن العاقبة للمتقين، وبيان قدرة الله تعالى على الخوارق، كقصة طيور إبراهيم، وصاحب القرية الخاوية، ومولد عيسى..الخ

 

خصائص القصص القرآني:

تهدف القصة القرآنية إلى غرض محدد ومشخص؛ لهذا نجدها جاءت متناغمة مع الغرض القرآني وهو الهداية والتغيير والرقي بالمجتمع، فلم يأت القرآن بالقصة من أجل أخبار الماضي، ولا لأجل التسلية والمتعة، وإنما القصة القرآنية من اهم الأساليب البيانية التي استخدمها القرآن الكريم هذا الغرض، لذا لا ترد القصة في القرآن بتمامها دفعة واحدة، بل تقتصر على الجزء الذي يناسب الغرض الذي سيقت لأجله القصة، ففي قصة إبراهيم(عليه السلام) ، التي وردت في عشرين موضعاً، ثم آخر ما وردت فيه هو سورة الحج في قوله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}، وبهذا تحقق الربط بين هذه الآيات وبين موضوع السورة، فلم تأتي قصة طيور ابراهيم، وإنما جاءت هذه القصة التي منسجمة مع غرض نفس السورة. وكذلك حقق لنا هذا المشهد التوافق بين شعائر إبراهيم وشعائر النبي الخاتم(صلى الله عليه واله) في الحج.

يتميز القصص القرآني بالتسلسل التاريخي عند الحديث عن أخبار الماضين، وهذا ما لا نجده في القصص الأخرى، فمن بين القصص التي اتخذت خطاً بيانيا في سرد الأحداث بتسلسل تاريخي منتظم هي سورة هود، حيث تدور بمجملها على محور واحد وهو (التوحيد) ، وتشكل هذه القضية المحور الرئيسي لهذه السورة، فصورت انموذجاً واقعياً في الدعوة إلى التوحيد، وحذرت من العواقب الوخيمة لعدم الانقياد لتعاليم الأنبياء بقالب قصصي يأسر القلوب. يقول سيد قطب: (ويتبع القصص في هذه السورة خط سير التاريخ، فيبدأ بنوح ثم هود ثم صالح ويلمّ بإبراهيم في الطريق إلى لوط، ثم شعيب ثم اشارة إلى موسى، لأنه يذكر التالين بمصير السالفين على التوالي بهذا الترتيب) (11) .

ونشاهد نفس العرض القرآني في سورة الأعراف، عدا مشهد إبراهيم حيث أحجمت الآيات الكريمة في هذه السورة عن التعرض لسيرة إبراهيم، والسبب في ذلك (لأنه في معرض مصارع المكذبين، وقوم إبراهيم لم يهلكوا لأن إبراهيم لم يطلب من ربه هلاكهم، بل اعتزلهم وما يدعون من دون الله، إنما تجيء قصة قوم لوط ابن اخي ابراهيم ومعاصره بما فيها من انذار وتكذيب وإهلاك، يتماشى مع ظل السياق) (12) .

كذلك يتميز القصص القرآني بحذف الجزئيات والتركيز على الدور الرئيسي المخصص للقصص القرآني، وهو الهداية وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وفي ضوء ذلك تخلو بعض المشاهد القرآنية من التفاصيل المطولة، واما سبب إحجام القرآن عن الجزئيات وعدم التعرض لها، ذلك لأنه (كتاب دعوة وهداية لا يتخطى عن صراطه ولو خطوة، وليس كتاب تاريخ ولا قصة وليست مهمته مهمة الدراسة التاريخية ولا مسلك الفن القصصي، وليس فيه هوى ذكر الأنساب ولا مقدرات الزمان والمكان، ولا مشخصات أخر لا غنى للدرس التاريخي أو القصة التخييلية عن إحصائها وتمثيلها.فأي فائدة دينية في أن ينسب إبراهيم أنه إبراهيم بن تارخ بن ناخور بن سروج بن رعو بن فالج بن عابر بن شالح بن أرفكشاذ بن سام بن نوح؟ أو أن يقال: إنه ولد في أور الكلدانيين حدود سنة ألفين تقريبا قبل الميلاد في عهد فلان الملك الذي ولد في كذا وملك كذا مدة ومات سنة كذا) (13) .

اذاَ التحديد التاريخي ليس من أهداف القصة القرآنية ولا يزيد في دلالتها شيئا، فالزمان والمكان ليس لهما دور مهم في القصص القرآني، وهذا هو السر في خلود القرآن الكريم الذي يتحرك خارج اطار الزمان والمكان، ولم يجعل القصة حكراً على قوم دون آخر، وعليه فلابد للجميع أن يغرف منها – القصة- باعتبارها معين لا ينضب.

كذلك نرى من أهم خصائص القصة القرآنية والقرآن بصورة عامة تركه مساحة للاستنباط، فاللذة العجيبة والاسلوب الأخاذ في القصص القرآني عبارة عن فرصة للقارئ أن يكتشف اسراره بنفسه، وإلا لو كانت القصص مادة علمية بحته لاختلفت عن سير الآيات القرآنية ولصارت حكرا على جماعة دون أخرى، ولا يعني هذا إلا ان يغترف كل بقدره، وإلا فإن القلوب أوعية خيرها اوعاها(14) .

فحذف الجزئيات في القصص القرآني يمكن للقارئ اطلاق سراح ذهنه والجولان في القصة ليستنبط تفاصيلها ويرسم صورتها، ففي الآية (50) من سورة يوسف، يقول(عليه السلام) للرسول الذي جاءه من عزيز مصر: { ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ }، وفي الآية التالية يستفسر الملك من النسوة عن حقيقة ماجرى بقوله: { مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ }، فمتى جاءت النساء؟ وكيف ذهب عمال الملك اليهن؟ وكيف حضرن؟ كل هذه الاسئلة عبارة عن حلقات مختزلة أعرض عنها القرآن (فمتن القصة راعى هنا مبدأ الاقتصاد الفني الذي يعد ذا أهمية قصوى في الفن القصصي) (15) ، وبهذا الصدد يقول الروائي الشهير(لوي تولستوي) : (بسبب خلو القصص القرآني من التعقيد بما يتضمنه من احاسيس متكافئة ومفهومة بالنسبة لمختلف انواع الناس حضريّهم وبدويّهم وقرويّهم سواء في اسيا او افريقيا صغاراً وكباراً كلهم قادرون على فهمها.. والمؤلف لقصة يوسف وخلافاً لما هو المألوف في عصرنا لم يجد ضرورة للتطرق إلى الجزئيات كوصف قميص يوسف الملطخ بالدم، أو مسكن يعقوب وملبسه، وشكل زليخا وثيابها، وكيف شدّت على عضده الايسر وقالت: {هيت لك}، وغيرها من التفاصيل، وذلك أن محتوى الاحساس في هذه القصة هو من القوة بحيث أن اي تفصيل زائد عن الأمور الأساسية سيكون اضافياً وحائلاً دون تحريك العواطف.

ومن هنا كانت قصة يوسف مفهومة لدى جميع الناس، وتنفذ إلى قلوبهم بغض النظر عن انتماءاتهم الطبقية والاممية والعمرية إلى يومنا هذا، وسوف تبقى خالدة لآلاف السنين) (16) .

كما أن إمساك القرآن وسكوته عن الجزئيات لم يكن شاملاً لجميع الموارد، بل ثمة موارد يهتم فيها القرآن بالجزئيات كما نشهد ذلك في قصة بلقيس مع سليمان عندما دخلت صرح سليمان وتصورته ماء فترفع ثيابها لئلا تبتل { قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ }، وبالتالي فإن حجم الاهتمام بالجزئيات أو الكليات خاضع لمدى دخلها في ايصال الهدف للقارئ. وهذه احدى اهم خصائص القصص القرآني.

ايضاً من خصائص القصص القرآني تضمين القصة في قصة أخرى، ففي طائفة من القصص، يلجأ القرآن الى إيراد قصة داخل قصة أخرى، وبهذه الطريقة يربط القارئ به، ويدعوه لمتابعة القصة الثانية ضمن متابعته للأولى، وبنفس الوقت يوفر للقارئ فرصة (ابحث) عن العلاقة بين القصتين وكيف تداخلتا ولماذا، وهذا من اسرار التشويق القرآني.

نلاحظ ذلك في سورة آل عمران حيث تتكفل القصة ببيان ولادات ثلاثة: ولادة مريم، وولادة يحيى، وولادة عيسى. (صور القرآن الكريم قصة زكريا، بعد قصة امرأة عمران وفي بداية قصة مريم، وبعبارة اخرى انه تعرض لقصة زكريا ضمن بيانه لقصة مريم وفي مطلع القصة حيث كانت مشغولة في العبادة بالمحراب، وهكذا يقطع القرآن تسلسل وقائع قصة مريم ويعود إليها بعد الاشارة الى قصة زكريا) (17) ، ونجد ذلك ايضا في سورة هود وفي سورة غافر.

من الخصائص المهمة في القصة القرآنية ظاهرة تكرار القصة الواحدة في مواضع مختلفة من القرآن، فالتكرار في القصص القرآني ظاهرة واضحة ملفتة للنظر وداعية لكثير من التساؤلات والبحث. فقد وجد أصحاب الأهواء وأعداء الإسلام مدخلا ملتويا يدخلون منه للطعن في القرآن والنيل من بلاغته وإعجازه ويشنعون على ذلك بحجج واهية وأدلة باطلة وهي أن التكرار في القرآن قد أدخل الاضطراب على أسلوبه وجعله ثقيلا على اللسان والسمع، يبعث على الملل والسآمة. وهم بذلك يخلصون إلى نتيجة وهي أن أسلوب القرآن ليس على المستوى البلاغي الرفيع الذي يجعل القرآن معجزا وأنه من السماء (18)

فهم قد رأوا أن التكرار عجزاً بيانياً وقصوراً فنياً، بل ادعى بعضهم أنها هلوسة أو اثر من آثار الأمراض النفسية التي كانت تنتاب محمدًا – حاشاه، صلى الله عليه واله- في بعض الأحيان فتخرجه عن صوابه وتجعله يردد كلمات ومقاطع قد ذكرها مرة قبل هذا، ويعيد ويزيد كما يفعل عادة المحموم المصروع (19)

ثم إن كانت القصص هي لتثبيت فؤاد النبي (صلى الله عليه واله) { وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ }، فإنه يثبت بأول مرة ترد في القصة؟ وإن كانت لإعلامه (صلى الله عليه واله) ، او لإعلام قومه { تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ }، فقد علموها من اول مرة فعلام التكرار؟

المشكلةُ عندما حاول بعض المفكرين حل هذه الإشكالية وقع في مأزق كبير، إذ يقول الدكتور محمد خلف الله: (فليس يعنيه من عناصر القصة أن تكون قائمة على أساس الحق والواقع بقدر ما يعنيه أن تكون هذه العناصر مما يستهوي النفوس ويأخذ بمجامع القلوب ويسيطر علي الأفئدة والألباب) (20) .هذه الإشكالية وإشكاليات أخرى هي التي سنقف معها مطولاً

ليس كل تكرار مذموماً، فالتكرار الوارد في القرآن يعتبر من تصريف البيان، وسحر البلاغة ومحاسن الفصاحة، كما أنه أبلغ من التأكيد، وله عدة فوائد:

1- التقرير، فالكلام إذا تكرر تقرر.

2- التأكيد، لزيادة التنبيه ونفي التهمة.

3- تجديد الكلام وإبرازه خشية تناسي الاول.

4- التعظيم والتهويل في مقام الموعظة

5- لتعدد المتعلق، فالمكرر متعلق بغير ما تعلق به الأول ويسمى (الترديد) .

والذي يهمنا هو التكرار في القصة القرآنية، ومن المعلوم أن القصص القرآني مسوق لغرضين رئيسيين:

الاول: تسلية الرسول(صلى الله عليه واله) ، وتثبيت فؤاده.

الثاني: تهديد وزجر المخالفين. وبيان مصير أمثالهم لعلهم يرتدعون ويقعلون عن غيهم.

وبما أن الرسول (صلى الله عليه واله) لم يكف عن الدعوة إلى الإسلام، وكذلك لم يكف الكفار عن الإعراض والمخالفة، استدعى مجموع هذين الامرين تكرار القصة في أكثر من موضع، وهذا التكرار يمثل بنفسه ظاهرة فنية، ودعامة تربوية لترسيخ العقائد والمبادئ الإسلامية السامية، يقول كوستاف لوبون: (التكرار يحول المكرر الى معتقد) (21) .

مع ذلك لم يكن التكرار على نمط واحد، بل هناك فروقٌ بين موضع وآخر، في الصياغة وفي المعنى وفي الاسلوب، واختلاف في الطول والقصر، وطريقة عرض الاحداث والمشاهد، فلا سبيل للسآمة والملل كما يزعم المغرضون، بل تجد في الآيات المكررة التجديد المستمر والطرافة واللذة مما يحفظ ديمومتها.

ويرى الزركشي أن سبب التكرار هو أن العرب إذا اهتمت بشيء ارادت تحقيقه وقرب وقوعه او قصدت الدعاء اليه كررته توكيداً وكأنها تقيم تكراره مقام المقسم عليه أو الاجتهاد في الدعاء بحيث تقصد الدعاء، والقرآن نزل بلسانهم فكانت مخاطباته فيما بين بعضهم وبعض، وبهذا المسلك تستحكم الحجة عليهم في عجزهم عن المعارضة(22) .

لكن مجرد التوافق في الاسلوب القرآني واسلوب العرب كون كل منهما يحتوي التكرار غير كاف على الحكم بجودة التكرار القرآني، وبيان فوائده وخصائصه.

أما الزمخشري فيقول (إن في التكرار تقريراً للمعاني في الأنفس، وتثبيتاً لها في الصدور ألا ترى أنه لا طريق إلى حفظ العلوم إلا ترديد ما يرام حفظه منها، وكلما زاد ترديده كان أمكن له في القلوب، وأرسخ له في الفهم، وأثبت للذكر، وأبعد للنسيان) (23) .

فحاجتنا الى التكرار هي لتأكيد المعاني، وإبراز العِبر، وتبشير النبي(صلى الله عليه واله) بأن الغلبة لله ولرسله كما قال تعالى: { كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}، وإنذار المكذبين وبيان أحوال من سبقهم.

فسبب التكرار يرجع إلى تعدد الاغراض في مجال الهداية والتغير، ففي كل مرة تذكر بلحاظ بما يناسب الحال والمقام الذي وردت لأجله. وأهم ما يجب ملاحظته هو فرق التكرار بين السور المكية والسور المدنية، فالتكرار في الاول كان لمعالجة جذرية تتعلق بحوادث مختلفة واجهت النبي والمسلمين، ومشاكلهم مع المشركين، فكثر في القصة القرآنية الحديث عن علائق الانبياء مع الجبارين، لأن هذا النوع من العلاقات مكرر فالتاريخ يعيد نفسه، فلزم سوق هذه النماذج والأحداث لتثبيت فؤاد النبي(صلى الله عليه واله) . وكذلك القصة في المدينة المنورة، التي تتحدث بما يناسب الطور الجديد للدعوة الاسلامية.

 

القسم الثاني: القصة القرآنية في دراسات المستشرقين والحداثويين العرب

تنوعت الاهتمامات الاستشراقية بالدراسات الاسلامية عامة، وبالدراسات القرآنية خاصة، واتخذت عدة مسارات أهمها: حفظ المخطوطات الاسلامية، وتصنيفها، إذ يذكر فؤاد سزكين[24] عدداً من المخطوطات المتعلقة بعلوم القرآن والتفسير المحفوظة في المكتبات الاوربية، كذلك اتجهت الاهتمامات الاستشراقية الى ترجمة ونشر وتحقيق كتب التفسير وعلوم القرآن، كتحقيق المستشرق الالماني (فراستاج) لاسرار التأويل للبيضاوي، وحقق المستشرق الانجليزي (ناسوليز) كشاف الزمخشري، وحقق المستشرق الالماني(برجشترسر) كتاب القراءات الشاذة في القرآن لابن خالويه. وركزوا في اهتماماتهم على إبراز الروايات الشاذة كما فعلوا في كتاب الإتقان للسيوطي، وكتاب المصاحف لابن ابي داود.وقد بيَّن عدد من المؤلفين والعلماء الأهداف المشبوهة للمستشرقين في تحقيق ونشر الكتب الإسلامية(25) .

وأهم الكتب التي كتبها المستشرقون في القصص القرآني التي تركز – على حد زعمهم – ربانية كتاب الله تعالى، وترديد مزاعمهم بالأثر اليهودي في القصص القرآني، هي:

- مصادر القصص الإسلامية في القرآن وقصص الأنبياء، لسايدر سكاي، باريس، 1932م.

- القصص الكتابي في القرآن، لسباير جريفنا، 1939م.

- قصة أهل الكهف، عام 1907م(26) .

- قصص القرآن، للمستشرق المجري بيرناتهيللر (1857 – 1943م) ، مجلة عالم الإسلام، 1994م(27) .

- ونجد مؤلفات المستشرقين في هذا المجال منثورة في المعاجم والكتب المهتمة بحصر التراث العربي والإسلامي(28) .

وقلد الحداثويون العرب المستشرقين كثيراً وإليك قائمة بأهم ما كتب عن القرآن الكريم والقصص القرآني:

- الطيب تيزيني (النص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة)

- محمد عابد الجابري (التراث والحداثة)

- هاشم صالح (القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني)

- علي حرب (نقد النص) ، (نقد الحقيقة)

- نصر حامد ابو زيد (الخطاب والتأويل) ، (مفهوم النص)

- أدونيس (الثابت والمتحول)

- رشيد الخيون (جدل التنزيل)

- رمضان بن رمضان (خصائص التعامل مع التراث)

- محمد احمد خلف الله (الفن القصصي في القرآن)

- محمد شحرور (الكتاب والقرآن قراءة معاصرة) ، (قصص القرآن)

- صادق جلال العظم (نقد الفكر الديني)

- حسن حنفي (دراسات اسلامية) ، (مفهوم النص)

- ابو القاسم حاج حمد (العالمية الاسلامية الثانية) ، (منهجية القرآن المعرفية)

- محمد اركون (مجموعة كتب)

 

شبهات المستشرقين واجترار الشرقيين

إن أهم الشبهات التي ركز عليها المستشرقون فيما يتعلق بالقصة القرآنية هي: التشابه والتكرار، والسرقة والتقليد للكتب السماوية الأخرى وهذا ما قام به: جولدتسيهر، شفالي، مرجوليوث.

فالمكرر القرآن كما يقول محمد خلف الله (قصص آدم ونوح ولوط وصالح وشعيب، وغيرهم من الرسل والانبياء؟ مع أن الوقوف على تاريخ كل واحد من هؤلاء قد يكفي فيه إيراد القصة الواحدة في الموطن الواحد، وليس يلزم أن تكرر القصة في أكثر من موطن من مواطن القرآن؟ فتكرار القصة وبخاصة حين تكون الاحداث القصصية واحدة والمواد التاريخية متشابهة والمواقف متفقة امر يحتاج إلى تعليل وإلى بيان وإلى إيضاح؟) (29) ، ثم لماذا اختلف إيراد القصة الواحدة في موطن عنه في آخر؟

وهذا ما أوقع (محمد خلف الله) في شبهة، رمزية القصص واسطوريتها، فقاس القصة القرآنية على القصة الادبية. كما سيأتي.

يرى خلف الله أن مقياس صدق القصص القرآني والضابطة الرئيسية هي اليهود والأحبار، (إن لليهود ضابطة في معرفة الصادق عن الكاذب وممن يدعون النبوة ويذكرون للناس أن الوحي ينزل عليهم من السماء فلقد كان من مقاييس هؤلاء في التفرقة بين النبي والمتنبي، من ان النبي يعلم الغيب، وأن من علوم الغيب معرفة أخبار السابقين من الرسل والأنبياء، ومن خفيت على الناس امورهم) (30) ثم يذكر حادثة النضر بن الحارث التي يذكرها النيسابوري في اسباب النزول، فيقول: (على أن القرآن نفسه أعتمد على هذا المقياس في الإيحاء بنبوة محمد عليه السلام، وصدق رسالته حين ختم بعض الاقاصيص القرآنية بآيات يستفاد منها أن الأخبار الواردة في هذه الأقاصيص من أنباء الغيب وأنها قد أوحيت الى النبي عليه السلام. قال تعالى: { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ}. وقال تعالى عقب قصة يوسف: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ}...والظاهرة التي يحسن الالتفات إليها في هذا المقام هي أن القرآن حين جعل هذه الأخبار من آيات النبوة وعلامات الرسالة جعلها ايضاً مطابقة لما في الكتب السابقة أو لما يعرفه أهل الكتاب من أخبار حتى ليخيَّل إلينا أن مقياس صدقها وصحتها من الوجهة التاريخية ومن وجهة دلالتها على النبوة والرسالة أن تكون مطابقة لما يعرفه أهل الكتاب من أخبار قال تعالى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ }(31) .

لسنا في صدد التفسير، إنما الذي ينبغي ملاحظته، أن خلف الله، جعل مواطن الاختبار لمعرفة النبي (صلى الله عليه واله) ، وصدق رسالته ما يعرفه العرب من أهل الكتاب عن التاريخ، لا ما هو الحق والواقع، فلما كان كثير من العرب يعتقدون بكبار اليهود والنصارى ويسمعون قولهم، جاء الخطاب تحدياً لهم كي يعرضوا ما شكّوا فيه على من يقرؤون الكتاب ويعرفونه،والوجه الآخر للخطاب اطمئنان للنبي (صلى الله عليه واله) ، من أن الله أيّدك بالحق، وهو الذي سيظهره على الدين كله.

ثم أن قصص الانبياء التي كان يتحدث عنها اليهود واحبارهم اصابها التحريف، والتدنيس الكبير لمقام الانبياء، مما سبب انحرافات كبيرة في الأصول والفروع، جاءت القصة القرآنية لتغير كل ذلك وتكشف عن الحقائق والوقائع بما يحفظ مقام الانبياء وجهودهم في نشر التوحيد. يقول السيد العلامة في تفسيره لقصة زكريا (عليه السلام) : (وأما ما يوجد من ذلك– القصص- عند أهل الكتاب فلا عبرة به لعدم سلامته من تحريف المحرفين كما أن كثيرا من الخصوصيات المقتصة في قصص زكريا غير موجودة في كتب العهدين على ما وصفه الله في القرآن.) (32)

ويذهب خلف الله إلى أن قصص بعض الانبياء كانت معروفة ومشهورة في الجزيرة العربية، بل منقولة بالتواتر مستشهداً بكلام الرازي في تفسيره لآية: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ }، من أن (اطلاق الرؤية ههنا على العلم، وذلك لأن أخبار عاد وثمود وفرعون كانت منقولة بالتواتر..) (33) .

وهذا كما ترى معارض بآية: { تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا}، فإن النبي (صلى الله عليه واله) ، وقومه لم يكونوا عالمين بهذه القصص من قبل، ولم يخالطوا أهل الكتاب، ولم يقرءوها في الكتب، إلا بمقدار بسيط.

أما الإشارات التاريخية في القصة فهي كما يقول:(أمر بين أمرين إما أن القرآن تعمد إبهام هذه المقومات لأن المعاصرين للنبي عليه السلام ولنزوله، كانوا يعرفون ما وراء هذا الإبهام من ثقافة تاريخية، أو الى تنحية التاريخ عن ميدان القصة القرآنية ليتجه العقل البشري منذ اللحظة الأولى الى ما هو المقصود من أقاصيص القرآن من عظة وعبرة وإرشاد وهداية وإنذار وبشارة. ويقول في مورد آخر: إن القصة التاريخية في هذا اللون – بعد أن كان يتكلم عن قصة اهل الكهف- قصة ادبية مافي ذلك شك او جدال) (34)

ثم يذكر عدة امور على ان صنيع القرآن في قصصه التاريخي ليس إلا الصنيع الأدبي، من قبيل إنطاق الاشخاص بما لم ينطقوا قال تعالى: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ}، مستشهداً بما جوزه الزمخشري من أن الله تعالى يضع الذكر الحسن مكان ذكرهم القبيح في الحكاية عنهم رفعاً لعيسى عما كانوا يذكرونه به وتعظيماً لما أرادوه. فاستبدل الله تعالى كلامهم القبيح في عيسى بالذكر الحسن له. وكذلك إسناد الأحداث لأشخاص بأعيانهم في موطن ثم اسناده الأحداث نفسها لغير الأشخاص في موطن آخر كما في سورة الاعراف: {قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ}، أما في سورة الشعراء: {قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ}، ففي سورة الاعراف، أن الملا من قوم فرعون هم الذين قالوا إن موسى ساحر عليم، بينما في سورة الشعراء، إن فرعون هو القائل، وهذا نجده كما يقول خلف الله بوضوح في قصة إبراهيم، إذ نلحظ أن البشرى بالغلام والحوار مع الملائكة والعجب من الولادة وابراهيم شيخ وإمرأته عجوز، كانت في سورة هود مع امرأة ابراهيم، وفي سورة الحجر مع إبراهيم نفسه، أما في الذاريات أن البشرى بالغلام كانت لإبراهيم، وأن الحوار مع الملائكة كان مع زوجته.

وكل هذه الظواهر تدل دلالة قاطعة على أن القرآن يعرض عن الأساليب التاريخية، وأنه يعتمد كل الاعتماد على الأساليب الأدبية، والوسائل الفنية أو البلاغية.

فاختيار القرآن من الأحداث التاريخية بعضها دون بعض إشارة الى السكوت عن اشخاص القصة، فإبهام الزمان والمكان، أحس من خلاله المفسرون بأن الفهم التاريخي للقصص القرآني لا يستقيم حتى يذهب الغموض، وحتى يذهب ما قصد إليه القرآن من إبهام للتاريخ، فلجأ المفسرون الى الإسرائيليات والفروض النظرية لعلها تنفع لرفع الغموض التاريخي الذي يلف القصص القرآني.

يسترسل خلف الله في حديثه ويسوق الأمثلة التي يفسرها بما يخدم غرضه، فحين يتحدث عن آية {كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ}، وتخلي القرآن عن التفصيلات مسرعاً إلى وصف العذاب، اشارة الى انه يريد أن يثبت في نفوس المعاصرين للنبي (صلى الله عليه واله) الخوف من العذاب، ويريد أن يريهم من الصور ما يجعل الخوف في نفوسهم قاراً، فإن قصص هذه السورة لم تزل إلا للإنذار وللتخويف من العذاب.

يحاول خلف الله ان يفصل بين مقاصد القصص والحدث التاريخي، ويؤكد على قضية أن القران ليس كتابا تاريخيا هدفه عرض التاريخ، وإنما غرضه امر آخر أبعد من ذلك، (إن اسلوب القران في عرض المواد القصصية الجزئية كان اسلوباً ادبياً يخضع لمنطق العاطفة والوجدان) ، وبمكان آخر يقول: (إن المسألة في القصة القرآنية هي بعينها مسائل الصور البيانية من مجاز وتشبيه وإستعارة، وكناية..الخ. وأنها من هنا لا توصف بتصديق ولا بتكذيب، وإنما هي العرض الأدبي الذي يهز العاطفة ويستثير الوجدان.) (35) ، وكل ذلك بدليل اختلاف القصص القرآنية التي تدور حول شخصية واحدة بالبناء والتركيب وطريقة العرض باختلاف القصد والغرض وظروف البيئة وتقلبات الزمن.

نعم، أن القرآن الكريم ليس كتاباً تاريخيا ولا هدفه التاريخ، لكن القصص الواردة فيه تتحدث عن احوال السابقين، فهي إما توصف بالصدق والحق وإما توصف بالكذب والاسطورة، وما يؤكد عليه خلف الله الثاني إذ يقول:(إن القرآن يجري في فنه الادبي البياني على أساس ماكانت العرب تعتقد وتتخيل، لا على ما هو الحقيقة العقلية، ولا على ما هو الواقع العملي) (36) . وهذا ما أكد عليه محقق الكتاب (خليل عبد الكريم) بقوله: (فإذا بالمؤلف ينحو منحى مغايراً ويقول بوجهها الفني–القصة القرآنية- وأنه قصد بها تحقيق أغراض، وترتيب نتائج، وأنها لا تعني بحال من الأحوال المعاني التاريخية) (37)

وفي القصة التمثيلية بين المصنف، أن القصص الفنية ليست بالضرورة أن يكون وراءها حق وواقع، بل يمكن إقامة القصة على العرف والخيال، إذ إن أهم ما يعتمد عليه الفن القصصي هو جمال الاسلوب، وترابط الافكار، وتفسير المفسرين للقصة القرآنية يشعرنا بأنهم يعرفون عنها أنها من القصص الفني، لربطهم بينها وبين الفن القصصي بأكثر من رباط، ليعلن وبجرأة: (إنا لا نتحرج من القول بأن القرآن أساطير) (38) .

هنا لا بد أن نضع قاعدة نسير عليها في نقدنا لهذا الاتجاه القائل بأسطورية القصص القرآني، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}، وقال تعالى: { تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ}، وقال تعالى: {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ}.

اذاً القرآن الكريم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وإنه كتاب حق من الله الحكيم الحميد، والقرآن هو الفرقان بين الحق والباطل {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}، وهو الهدى، والذكر الحكيم، يقول السيد العلامة: (فذكر تعالى أن القرآن من حيث هو ذكر لا يغلبه باطل ولا يدخل فيه حالا ولا في مستقبل الزمان لا بإبطال ولا بنسخ ولا بتغيير أو تحريف يوجب زوال ذكريته عنه) (39) ، بل إن نفس القصة القرآنية نص القرآن على حقانيتها{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ}، وقوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ}، وقوله تعالى: {نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} فكيف تكون قصصهم حقاً، وليس وراءها واقع كما يدعي خلف الله؟ وكيف يكون القرآن أكمل وهو يقص التخيلات وينسج الاوهام؟ ومن قال إن الرسم القرآني الادبي للقصة القرآنية يعني بالضرورة عدم ملاحظة الجانب التاريخي؟ بل هناك مزاوجة بين التاريخ والادب وليس مجرد فن التمثيل.

ففن التمثيل القرآني غايته التأثير بالنفوس في حبكه للعبارات وصياغاته للمفردات وتراكيبه للجمل، متجنباً الوهم والخيال، ولو وقع ذلك لكان نقص في القرآن، لأنه مهمها صيغت المفردة القرآنية يبقى تأثيرها مجرد وهم وفرض لا واقع له، فتبقى حينئذ القصة القرآنية الفاظاً أدبية فارغة، والفراغ لا يساهم في التغير مهما وضع في قوالب مزينة.

ثم ما هو الداعي الذي لا يمكن أن تكون القصص القرآنية فناً أدبياً وتاريخاً واقعاً مع وفرة التجارب، وطول الزمن؟ يقول الدكتور بلتاجي: (إن الله تعالى -وهو القادر الحق - أعظم من أن يلجأ في كتابه المنزل -الذي أنزله لهداية الخلق جميعا - لاستخدام الباطل والأكاذيب ليجتذب بها العرب من معاصري نزوله إلى الإيمان ، وهو يعلم أن هذا الكتاب سيؤمن به غيرهم في أزمنة وأمكنة أخرى ، فما هي نسبة العرب الذين عاصروا نزول القرآن -وأتى بما عندهم من أساطير وأوهام كما زعموا- إلى من أسلم ويسلم في كل عصر ومكان حتى يرث الله الأرض ومن عليها ،و هل يصح مثل هذا القول إلا بناء على عقيدة ترى أن الإسلام (دين محلي) ، نزل إلى شبه الجزيرة في القرن السابع الميلادي ، واجتذبهم إلى الإيمان بموافقته لما كان عندهم من أوهام وخيالات وأباطيل تخالف التاريخ الحق ؟ وهل يعقل أن الله تعالى لم يعلم حال من سيؤمن بالقرآن من غير هؤلاء ، ممن تتكشف لهم حقيقة هذه (الأوهام) - كما زعم أصحاب النظرية ؟! وألا يقودنا القول بذلك إلى سؤال بالغ الأهمية هو : كيف يلجأ الخالق - جل وعلا عما يقولون - إلى موافقة خيالات وأوهام العرب الجاهلين وقت نزوله ، وهو القادر - بطريق القطع - على أن يصوغ كتابه المنزل من الحقائق المتفقة مع الواقع والتاريخ، التي تحدث أثرها من الموعظة والعبرة في نفس الوقت ؟ وألا يشبه هذا الزعم الذي تتضمنه هذه النظرية أن يكون حيلة بشرية يلجأ إليها البشر الضعاف المحدودو القدرة والعلم في سبيل اجتذاب الناس إلى دعواتهم ؟ أما أن يكون هذا أسلوباً إلهياً في تنزيل آخر الكتب المنزلة، فهذا ما لا يمكن أن تتصوره العقول من كل وجه) (40)

وأين هي المادة التاريخية التي حفظت لنا التاريخ بأمانة ومن غير تحريف؟ كي تكون هي الضابطة، هل ثبوتها في المدوونات التاريخية–مثلاً- ؟ ام تخزينها في ذاكرة الشعوب؟ أم ورودها في التوراة والانجيل؟ كيف، والتحريف قد أصاب كل الكتب السابقة للقرآن حتى السماوية منها. وأما الشعوب فلم تحفظ أسماء المدن والقرى المجاورة لقراها ومدنها، فكيف تحفظ تاريخ عمره آلاف السنين من غير زيادة ونقصان؟

اذاً لا يوجد تاريخ محفوظ قبل القرآن الكريم، وإنما كان الموجود عبارة عن اقاصيص تنسى نهاية النهار، ليس لها أي دور في المجتمع، ولم تساهم إلا سلباً في تكوين عقلية خيالية تؤمن بالأساطير والخرافات. ولو وجد فقد أصابه التحريف ومسخت حقيقته بما يناسب الحكومات الجائرة.

من هنا جاءت القصة القرآنية لتبين لنا مراحل التطور البشري، وتفاعله مع الرسالات السماوية، التي بها يعلم الله الجاهل، ويعمل العاقل. وينتبه الساهي، ويتذكر اللاهي، ويتعظ اللبيب، ويعتبر الحكيم. جاءت القصة القرآنية مطوية بأسرار التاريخ، ومفاتيح العلوم، التي بها يتكامل الإنسان نحو الغاية العظمى التي من أجلها خلق، وفضل على الملائكة، وصار خليفة الله في ارضه.

سبق طه حسين في كتابه (الشعر الجاهلي) خلف الله إذ يقول: (للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل.. وللقرآن أن يحدثنا ايضاً.. ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة وبالقرآن لا يكفي للإثبات وجودهما التاريخي) ، وكذلك علي عبد الرزاق في كتابه (الاسلام واصول الحكم) . ومع التتبع نجد أن هؤلاء عيال على المستشرقين وما تلقفوه منهم ليعيدوا صياغته من جديد، فالمستشرق الالماني (هوروفيتش) صاحب الشبهات المعروف، والمستشرق الفرنسي (كازنوفا) ، أحد أهم اللبنات في تأسيس هذا الفكر المصدر.

 

محمد شحرور والقصص القرآني:

شكك شحرور في كثير من المسلمات القرآنية، ودعا الى عصرنتها، فشكك بالحدود الشرعية، ودعا الى استبدالها بما يناسب مزاجه، وأعترض على تعدد الزوجات، وأن الزواج لا يجوز إلا بالأرملة ذات الأيتام، وأباح ظهور المرأة عارية أمام محارمها، وأنكر الحجاب الشرعي، ودعا لتنصيف أرث الزوجة ..الخ

ويرى أن سنة النبي الخاتم (صلى الله عليه واله) ما هي الا اجتهاد النبي لتطبيق حدود الإسلام ضمن بيئته في الجزيرة العربية، وبالتالي فإن السنة غير ملزمة لنا بشيء.

لاشك أنّ نسبية الحقيقة هي الناظم الذي يشمل كل تلك الاطروحات بدءاً من تشكيك طه حسين في الوجود التاريخي لإبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) ، وفي واقعة بنائهما الكعبة، ومروراً بربط الدكتور حسين أحمد أمين لحد السرقة بظاهرة الأملاك المنقولة، وباعتبار الدكتور نصر حامد أبو زيد السحر والحسد والجن والشياطين ألفاظاً ذات دلالات تاريخية، وانتهاءً باعتبار الدكتور محمد شحرور جواز تأرجح الحدّ بين اجتهادين أعلى وأدنى. ولأن بحثنا في القصص القرآني فإننا نتتبع ما قاله شحرور في هذا الخصوص، لكن الذي يجب التأكيد عليه أن شحرور اخضع كل الالفاظ القرآنية للتحليل اللغوي، ولم يعتبر بالحقيقة الشرعية، ولا بالمنقولات. لهذا يرى أن شرط قراءة القصص قراءة معاصرة وواعية هي في رفع الايدلوجية عن النص، بتتبع من سار على الارض ونقب واكتشف. وبهذا الشرط يشرع شحرور من دراسته للقصة القرآنية بعدما اسس قناعاته الخاصة في فهم النص.

يقول: (إن للقصص القرآني دور كبير في إعادة تشكيل العقل الإسلامي وفق اسس علمية ومعرفية تجديدية مضموناً، ومنهجاً، وإعادة وضع القصص في موضعه الصحيح تتطلب قبل كل شيء عملية نقد لدوره السابق في المنظومة المعرفية الموروثة بغية الكشف عن البنية التفسيرية للتاريخ التي تعامل في إطارها العقل العربي مع التنزيل، وفسره وفقاً لمنهجيته وبنيته المعرفيتين.) (41) ، فأهم ما يركز عليه شحرور هو فصل السنة عن النص، بل إن أي دعوى لتجديد الفهم الديني مع الحفاظ على النظم المعرفية الموروثة والقديمة هي دعوى مضللة، لا تعد كونها اجتهاداً محكوماً بما ادعت المنظومة السلفية أنه من ثوابت الدين المعلومة منه بالضرورة، وثوابت الدين هذه لا تعد كونها إلا جسماً هلامياً من اختراع جيل التنصيص والتقعيد خارج ما نص عليه منطوق النص القرآني(42)

ويقول في موضع آخر: (فإننا نرى أنه لايمكن اعتبار القصص جزءاً من الرسالة التي بعثها الله وحياً وقصداً من عنده والتي تضمنت وصايا الله للإنسان، فحوت وصايا بتشريع معين تفاعلت مع إنسان ذلك العصر. وتبقى وظيفة القصص مقتصرة على تبيان هذا التفاعل وعلى تحقيق تصديق لهذه الرسالة أي مظنة للعبرة والادّكار الناتجين عن قراءة واعية لجدل العلاقة بين مضمون الرسالة وبين الواقع التاريخي الذي كانت فيه) (43) ، فشحرور يطوق القصص القرآني بأصحابها واشخاصها التي تدور حولهم الاحداث، وبتاريخها الذي تتحدث عنه، ولا يمكن ان تكون مصدراً للتشريع لضيق وظيفتها المناطة بها، ومنشئ هذه الشبهة مسألة تاريخية القرآن وما طرحه المستشرق تيودور نولدكه، ومحمد اركون، وعبد الكريم سروش، في الشرق.

وأهم ما يطرحه من شبهة هي: (أن القصص القرآني لا ينشئ احكاماً شرعية ملزمة على وجه التعيين تضبط السلوك الإنساني في مجال العقل العملي، وهذا ما قادنا – كما يقول- الى اخطر الاسئلة التي اعترضت وما زالت تعترض الفكر الإسلامي خلال تاريخه، وخصوصا الفترات التي نعيشها الآن، وهي: هل قوانين الشريعة وأحكامها من السنن الإلهية الثابتة؟ أم تخضع لسنن التاريخ وتطوره؟ وهل تخضع سنن التاريخ وتطوره لقوانين الشريعة؟ أم العكس هو الصحيح؟) (44)

من خلال تشكيكه بالثوابت الالهية يستطيع شحرور الدعوة إلى فكرة التجديد والتحديث في كل الثوابت، كالصلاة، والحج، والصيام، وولاية النبي وأهل بيته، والحدود، والمواريث، ليضع فهمه الخاص عليها، هذا كله مع اهمال السنة، وبالتالي ستكون النتيجة نسبية المعرفة حتماً، فكلاً يستطيع ان يضع رداءه على النص.

ومن القصة القرآنية يحاول أن يقرب فكرة مفادها من مقدمتين:

المقدمة الاولى: تحدثنا القصص عن مراحل التطور الإنساني، وتقدمه نحو التكامل في سيرورة انتقاله من الإدراك المشخص إلى الوعي المجرد. مع مساهمة الوحي في عملية التسريع.

المقدمة الثانية: تطور التشريعات الالهية من الصرامة والحدية، إلى الوعي القيمي بالضوابط الحدودية العامة، مع تنوع الشعائر وطقوسها ضمن اطار واحد عام هو الصلة بالله تعالى.

والنتيجة التي نظهر بها ويؤكد هو عليها، أن القصص القرآني ينبهنا الى مرحلة ما بعد الرسالات التي جاءت لتفعيل وإبراز العقل، وكبداية لمرحلة الرشد الانساني، التي من خلالها نُعمل العقل ونستغني عن كل شيء ما عدا النص القرآني الذي ينبغي تجديد فهمه وضرورة تحديث تفسيره بما يقوله العقل السليم، فإن مدرسة الرواية سيجت نص التنزيل بنصوص بشرية ليست من نوعه ولا بنيته ولا على منواله، ناهيك عن اختلافها عنه في المصدر والموثوقية التاريخية(45) . فلا مصدر كالقرآن. ولو سلمنا فكل مصدر غيره يحتاج الى وثوق تاريخي. ثم دعنا نتسائل ما هو الداعي بالرجوع بالتاريخ الى الوراء؟ لماذا نعطل العقل، ونرحل إلى عالم الاموات؟

أين محمد شحرور عن آية {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}، فما دامت الآية تأمرنا بالأخذ من رسول الله (صلى الله عليه واله) ، فهذا مصدر معتمد من القرآن الكريم نفسه، أما مسألة الوثاقة، فقد وضع علماء علم الرجال، وعلم الدراية قواعداً لتميز الصحيح والسقيم من الروايات، والاعراض عن السنة إعراضاً عن القرآن نفسه، فدعوة شحرور بالدقة هي فصل بين النبي بوصفه المبين والمفصح عن القرآن وبين القرآن نفسه، وهي الوجه الآخر لنظرية: حسبنا كتاب الله.

 

محمد ابو القاسم حاج حمد والقصص القرآني:

لا يختلف حاج حمد كثيراً مع محمد شحرور فهو يعلن ايضاً رفضه المطلق للسنة النبوية بكونها مختلقة وموضوعة، ويدعو للاكتفاء بالقرآن وحده، ويعتقد أن النبي (صلى الله عليه واله) نهى عن تدوين الحديث، ولا يوجد سبب لكتابة الحديث إلا لتقليد المسلمين لليهود كي يكون لهم تلمود في مقابل التلمود اليهودي(46) . لهذا انكر حاج حمد الكثير من المسلمات، وفسرها بما يناسب مزاجه، فرفض الحجاب، وانكر كل معجزات النبي (صلى الله عليه واله) ، الا القرآن. كما يعتبر تعدد القراءات من كشكشات العرب(47) .

ذهب حاج حمد في تفسيراته لقصص القرآن الى صحراء البيوضة(48) ليتيه مع الالفاظ التي البسها رداءً لايسترها، وثوباً من الغرب لا على قياسها في فهمه لألفاظ القرآن، فوقع في حيص وبيص مع معنى الخلق والجعل في قصة آدم، ونفى أن يكون لنوح (عليه السلام) ذرية، وأن ابن نوح الذي ناده بخطاب (يابني) ، ليس ابنه بل هو ابن الخطيئة من زوجته التي نص القرآن على ضلالها، بالتالي حرم التبني، وبين مساوئه، وذكر قصة يوسف فإن زليخا التي كانت قد تبنته راودته عن نفسه وهمَّا ببعضهما. وهذا ما تبناه شحرور ايضا.

أما إبراهيم (عليه السلام) ، فإن الطبيعة العقلية لإبراهيم، والتركيب الذهني له هي التي اوهمته أن الله تعالى يريد منه ذبح ولده، لما لعقليته من تعامل مباشر مع صور الاشياء، وليس مع رمزيتها، وهذا نجده واضحاً في الآيات التي تحدث بها عن الشمس والقمر وبزوغهما، فلما اعتراها النقص تخلى عنها ليكتشف الاله الواحد.

اذا يرى حاج حمد أن التراكم المعرفي لإبراهيم هو الذي اوقعه في دوامة من الشبهات، فإن رؤياه كانت منامية، والوحي لايكون الا يقظة، وهكذا حلى لحمد أن يخط عن الانبياء واحداً تلو الآخر بلا وعي ولا علم، وإنما من باب خالف تعرف.

وكي نرد على حاج حمد لابد من بيان عدة أمور:

1- رفضه السنة النبوية، اوقعه في مزالق لاتحمد عقباها.

2- عدم هضم مطالب علم الكلام وقع في القول بعدم عصمة الانبياء(عليهم السلام) .

3- جهله او تعمد الجهل بكثير من مطالب علوم القرآن، وأهم تلك المطلب هي (كيفيات الوحي) ، و(المعجزة)

الجوهر الاساسي في نقد حاج حمد هي ما بدأنا به مع شحرور وقوله تعالى: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}، فهذه الآية هي التي اعطت السنة النبوية الحجة الكبرى في قبولها والاخذ منها، فلا يمكن أن يكتفى بالقرآن وحده، لأن العقل قاصر على بيان آياته وتفسيرها. وبعد هذه الكبرى نرجع مع حاج حمد لنراه ينص بوضوح على عدم فهم عصمة الانبياء خصوصا عند كلامه عن يوسف (عليه السلام) ، لما روادتهامرأة العزيز عن نفسه، فاستعصم،فقصة يوسف من قصص الحب والغرام التي تعرض لها القرآن الكريم على نحو الستر البالغ، مع دقة الوصف، وعفة البيان. تبتدأ القصة بالمشهد التالي: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}، ولفظة (راود) تستعمل في اللسان العربي للتعبير عن الحاجة المشفوعة بإصرار شديد، وزوجة العزيز كانت مصرة على تلبية يوسف لدعوتها، لكن كيف كان هذا الاصرار؟ وما حال امرأة العزيز في ذلك اليوم؟ كل هذا وغيره أعرض عنه القرآن مراعاة لعفة البيان. ثم أن تعبير القرآن (التي هو في بيتها) كاشف عن مدى سلطة امرأة العزيز، فغلقت الابواب، واختلت بيوسف، حتى دعته لنفسها بقولها: (هيت لك) ، وهذا المشهد في قمة المشاهد العاطفية بعبارة اختصرت الكثير، وببيان طوى مشاهد الملكة الفاتنة التي سلمت نفسها ليوسف، تعالوا للنظر كيف صور السيد العلامة هذا المشهد: (كان يوسف (عليه السلام) رجلا ومن غريزة الرجال الميل إلى النساء، وكان شابا بالغا أشده وذلك أوان غليان الشهوة وثوران الشبق، وكان ذا جمال بديع يدهش العقول ويسلب الألباب والجمال والملاحة يدعو إلى الهوى والترح، وكان مستغرقا في النعمة وهنيء العيش محبورا بمثوى كريم وذلك من أقوى أسباب التهوس والإتراف، وكانت الملكة فتاة فائقة الجمال وكذلك تكون حرم الملوك والعظماء.

وكانت لا محالة متزينة بما يأخذ بمجامع كل قلب، وهي عزيزة مصر وهي عاشقة والهة تتوق إليها النفوس وتتوق نفسها إليه، وكانت لها سوابق الإكرام والإحسان والإنعام ليوسف وذلك كله مما يقطع اللسان ويصمت الإنسان، وقد تعرضت له ودعته إلى نفسها والصبر مع التعرض أصعب، وقد راودته هذه الفتانة وأتت فيها بما في مقدرتها من الغنج والدلال، وقد ألحت عليه فجذبته إلى نفسها حتى قدت قميصه والصبر معها أصعب وأشق، وكانت عزيزة لا يرد أمرها ولا يثنى رأيها، وهي ربته خصه بها العزيز، وكانا في قصر زاه من قصور الملوك ذي المناظر الرائقة التي تبهر العيون وتدعو إلى كل عيش هنيء.

وكانا في خلوة وقد غلقت الأبواب وأرخت الستور، وكان لا يأمن الشر مع الامتناع، وكان في أمن من ظهور الأمر وانهتاك الستر لأنها كانت عزيزة بيدها أسباب الستر والتعمية، ولم تكن هذه المخالطة فائتة لمرة بل كان مفتاحا لعيش هنيء طويل، وكان يمكن ليوسف أن يجعل هذه المخالطة والمعاشقة وسيلة يتوسل بها إلى كثير من آمال الحياة وأمانيها كالملك والعزة والمال.

فهذه أسباب وأمور هائلة لو توجهت إلى جبل لهدته أو أقبلت على صخرة صماءلأذابتها ولم يكن هناك مما يتوهم مانعا إلا الخوف من ظهور الأمر أو مناعة نسب يوسف أو قبح الخيانة للعزيز.

أما الخوف من ظهور الأمر فقد مر أنه كان في أمن منه.

ولو كان بدأ من ذلك شيء لكان في وسع العزيزة أن تؤوله تأويلا كما فعلت فيما ظهر من أمر مراودتها فكادت حتى أرضت نفس العزيز إرضاء فلم يؤاخذها بشيء وقلبت العقوبة ليوسف حتى سجن.

و أما مناعة النسب فلو كانت مانعة لمنعت إخوة يوسف عما هو أعظم من الزنا وأشد إثما فإنهم كانوا أبناء إبراهيم وإسحاق ويعقوب أمثال يوسف فلم تمنعهم.

شرافة النسب من أن يهموا بقتله ويلقوه في غيابت الجب ويبيعوه من السيارة بيع العبيد ويثكلوا فيه أباهم يعقوب النبي (عليه السلام) فبكى حتى ابيضت عيناه.

وأما قبح الخيانة وحرمتها فهو من القوانين الاجتماعية والقوانين الاجتماعية إنما تؤثر أثرها بما تستتبعه من التبعة على تقدير المخالفة، وذلك إنما يتم فيما إذا كان الإنسان تحت سلطة القوة المجرية والحكومة العادلة، وأما لو أغفلت القوة المجرية أو فسقت فأهملت أو خفي الجرم عن نظرها أو خرج من سلطانها فلا تأثير حينئذ لشيء من هذه القوانين كما سنتكلم فيه عن قريب.

فلم يكن عند يوسف (عليه السلام) ما يدفع به عن نفسه ويظهر به على هذه الأسباب القوية التي كانت لها عليه إلا أصل التوحيد وهو الإيمان بالله.

وإن شئت فقل المحبة الإلهية التي ملأت وجوده وشغلت قلبه فلم تترك لغيرها محلا ولا موضع إصبع) ، هذا هو يوسف، وهؤلاء هم الانبياء، الذين امتلئت قلوبهم بعشق الله عز وجل، فلا مكان الا له، وهذا بحق هو قمة التوحيد. أما يحلو لبعض المفسرين، وبعض من يعيش الفراغ العلمي الذين راحوا يتخيلون أنفسهم ويكتبون عن الانبياء الذين اصطفاهم الله تعالى، وطهرهم ونزههم.

 

تقي الحسني

.............................

(1) حنا الفافوري، الجامع في تاريخ الادب العربي، الادب الحديث: 75

(2) لسان العرب، مادة: قصص

(3) القصص: 11

(4) الكهف: 64

(5) معجم مقاييس اللغة، مادة: قص

(6) لسان العرب: مصدر سابق

(7) مفاتيح الغيب،74:8

(8) التمهيد في علوم القرآن:444،7

(9) محمد باقر الحكيم، علوم القرآن: 374

(10) شكك البعض في هذا الغرض للقصص القرآني، وأن القصة القرآنية قاصرة على اثبات الوحي، وأنها ليست من الاعجاز بشيء، كما سيأتي.

(11) في ظلال القرآن: 33،13

(12) المصدر السابق:130،8

(13) تفسير الميزان: 91،7

(14) ميزان الحكمة: 313،8

(15) في ظلال القرآن: مصدر سابق

(16) لوي تولستوي، الدور الديني للفن، ترجمة، عزت الله فولادوند، فصيلة(هنر) ، العدد 26، خريف1991، 33،32. بتصرف

(17) محمود البستاني، اسلوب القصة:163،2

(18) انظر الإعجاز في دراسات السابقين: 394 . عبد الكريم الخطيب، القصص القرآني: 230

(19) د. محمد محمود حجازي، الوحدة الموضوعية في القرآن الكريم: 319.

(20) الفن القصصي في القرآن: 248

(21) روح الاجتماع: 22

(22) البرهان في علوم القرآن: 9،3

(23) الكشاف: 385،3. بتصرف

(24) برفيسور تركي، وباحث في التاريخ العربي والاسلامي.

(25) ينظر: عبد العظيم الديب، المستشرقون والتراث، مكتبة ابن تيمية، المحرق، البحرين، ط1، 1406 – 1986م، ص26.

وينظر: عبد الستار الحلوجي، جهود المستشرقين في مجال التكشيف الإسلامي، مجلة كلية اللغة العربية والعلوم الاجتماعية، العدد 6، 1396/ 1976م، ص728 – 730. ومالك بن نبي، إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي الحديث، طبعة الرشاد، بيروت، 1969م. وعائشة عبد الرحمن، تراثنا بين ماض وحاضر، دار المعارف، مصر.

(26) ينظر: محمد حسين علي الصغير، المستشرقون والدراسات القرآنية، ص74 – 75.

(27) ينظر: محمد حسين علي الصغير، المستشرقون والدراسات القرآنية، ص75.

(28) ينظر: عبدالجبار عبدالرحمن، ذخائر التراث العربي الإسلامي، وصلاح الدين المنجد، معجم المخطوطات العربية، وكارل بروكلمان، تاريخ الأدب العربي.

(29) الفن القصصي في القرآن الكريم: ط4، 62

(30) المصدر السابق: 51

(31) المصدر السابق: 53،52

(32) تفسير الميزان: 106،3

(33) الفن القصصي في القران:69

(34) المصدر السابق: 178

(35) المصدر السابق: 169

(36) المصدر السابق: 87

(37) الفن القصصي في القرآن الكريم: 365،2.

(38) المصدر السابق: 209

(39) تفسير الميزان: 53،12

(40) مدخل إلى علم التفسير: 188

(41) القصص القرآني، قراءة معاصرة: 19

(42) القصص القرآني، قراءة معاصرة: 19. بتصرف

(43) القصص القرآني قراءة معاصرة: 22

(44) المصدر السابق.

(45) المصدر السابق: 24

(46) أبستمولوجيا المعرفة الكونية: 99

(47) منهجية القرآن المعرفية: 69

(48) وهي صحراء تقع شمال الخرطوم السودانية، نسبة الى مسقط رأسه.

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم