صحيفة المثقف

من مثل هذه الفتاوى تمنع السماء ماءها!!

روى الكليني والطوسي صحيحاً عن أبي ولّاد الحنّاط القول: "استأجرت بغلاً إلى قصر أبن هبيرة ذهاباً وإياباً من أحدهم بسعر ما، وقد خرجت في طلب غريم لي، فلمّا صرت قرب جسر الكوفة أخبرت بأنّ غريمي قد توجّه إلى نيل الحلّة، فتوجّهت إلى هناك، ولمّا وصلت النيل أخبروني بأنّه توجّه إلى بغداد، فتبعته إلى بغداد فظفرت به، وفرّغت ما بيني وبينه، ورجعت مع البغل الذي استأجرته إلى الكوفة، وكان ذهابي وعودتي خمسة عشر يوماً، فأخبرت صاحب البغل بعذري في التأخير، وأردت أن أتحلّل منه من صنيعي وأراضيه، فبذلت له خمسة عشر درهماً فأبى أن يقبل ذلك، وتوافقنا أن نحتكم إلى أبي حنيفة فيقضي بيننا... فأخبرنا أبا حنيفة بالقصّة، فسألني: ما صنعت بالبغل؟ فأخبرته بأنّي أرجعته إلى صاحبه سليماً، فأقرّ المالك وقال: ولكن بعد خمسة عشر يوماً، فقال له أبو حنيفة: ما تريد من الرجل إذن؟ فقال له مالك البغل: أريد أن يدفع لي أجرة بغلي؛ فقد حبسه عليّ خمسة عشر يوماً، فقال له أبو حنيفة: لا أرى إن لك حقّاً عليه؛ فقد استأجر منك البغل إلى قصر أبن هبيرة، فخالف وركبه إلى الحلّة ومن ثمّ إلى بغداد، فضمن لك قيمة البغل، وسقط سعر الإجارة، ولكن: حينما ردّ إليك البغل سليماً وقبضته، لم يلزمه أن يدفع لك شيئاً من الأجرة!!!

يقول أبو ولّاد الحنّاط: فلمّا خرجنا أخذ صاحب البغل يكرّر من الاسترجاع:  (إنّا لله وإنّا إليه راجعون)، من حكم أبي حنيفة، فأعطيته مبلغاً وتحلّلت منه، وفي تلك السنة: ذهبت إلى حجّ بيت الله الحرام، والتقيت بجعفر بن محمد الصادق "ع"، فنقلت له القصّة وإفتاء أبي حنيفة فيها، فما كان من الإمام إلا أن يعلّق قائلاً:

في مثل هذا القضاء وشبهه تحبس السماء ماءها، وتمنع الأرض بركتها".

أقول: بغض النظر عن المثال والممثّل فيه في هذه الرواية، ولكنّي أتساءل ببراءة وموضوعيّة: ماذا لو كان جعفر بن محمد الصادق حاضراً بيننا، ويرى مقلّدي بعض المراجع في أوربا وبعض المناطق المحاذية لها في هذا اليوم صائمين، ويرى جميع مقلّدي هذا المرجع في عموم بلدان العالم الأخرى معيّدين، ويخبرونه: إنّ جميع مقلّدي هذا المرجع قد بدأوا صيام شهر رمضان في يوم واحد على أساس الرؤية؛ على اعتبار إن الذي فهمه هذا المرجع من الرويات التي جاءت عن طريقكم يقضي: إن لكلّ منطقة هلالها ورمضانها وليلة قدرها وعيدها الخاصّ بها!!!، ففي مثل هذه الحالة: هل سيسلّط الإمام السياط على أصحابه ومواليه ليتفقّهوا في دينهم الذي نقله لهم وبنفس قواعد الصناعة الفقهيّة المتداولة؟! أم سيصفق راحتيه مسترجعاً ليقول: في مثل هذه الفتاوى وشبهها تحبس السماء ماءها، وتمنع الأرض بركاتها، وتجعل شيعتنا حيارى يشكّكون بدين الله وشريعة رسوله؟! ولله في خلقه شؤون وشؤون.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم