صحيفة المثقف

أسئلة الوعي البصري عند المواطن العربي بين أزمة التشخيصية وحلم التجريد

(إنني أريدك أن تعلم أنه إذا كان ثمة شيء جدير بالتقدير أو الاعتبار فيما أنا بصدد إنتاجه فإن هذا الشيء ليس وليد الصدفة أو الاتفاق وإنما هو ثمرة لقصد حقيقي.) .. الفنان الهولندي فان غوغ

مع الأسف الشديد يستمر الوعي البصري للمواطن العربي بالاذعان للأعمال التشكيلية المحاكاتية لنماذج من الطبيعة كزرقة المياه والزهور والأشجار والجبال... وكذلك هو الشأن بالنسبة لرسومات البورتريهات وعمليات نسخ نماذج تشخيصية من تمارين معاهد الفنون الجميلة الخاصة بالطبيعة الميتة. أو نماذج أخرى تتجذر في عمق الهوية العربية كالتعبير عن المرأة البدوية في صيغ مختلفة على حسب البلدان التي ينتمي إليها الفنان، أو التعبير أيضاً عن أجواء احتفالية لمناسبة من المناسبات كالدينية والوطنية أو لموسم من المواسم التي تمتاز بها منطقة من المناطق أو جهة من جهات الوطن العربي والأمثلة هنا مختلفة ومتباينة بحسب الثقافة السائدة.

والملاحظ أيضاً أن هذا العائق الإبستيمولوجي ظل لسنوات من الزمن يهيمن على جل الأعمال التشكيلية لدى الفنانين، ولا سيما تلك الفئة التي باعت منتوجاتها "الإبداعية" بثمن بخس خدمة للبورجوازية التي صارت تقدم لهم موضوعات وتيمات أعمالهم الفنية، حيث اقتصرت وظيفة هؤلاء على النسخ والتصوير وكأنّهم آلة فوتوغرافية.

وظل السؤال الجوهري يسكن هاجس نقاد الفن وذلك بالموازاة مع محطات تحوُّلِ الفن التشكيلي عند الغرب ونظيره ببلادنا: لماذا لم نرقى بذوق المواطن العربي نحو عتبة مقبولة – لا أقول حسنة أو جيدة – لفهم الفن ومحاولة للصعود به في سلم التذوق؟ لماذا ظل الفن التجريدي غائبا في وعي البصري عند المواطن العربي؟

الحقيقة أن عملية تشكيل الوعي ببلادنا أضحت متمركزة حول الوعي الحسي والمادي، بينما الوعي الذهني التجريدي فقد ظل غائبا تماماً في عملية تلقي الأشكال والأنواع الفنية، ولا سيما منها تلك التي تبتغي طرح قضايا وتساؤلات من صميم المفكر فيه وكذلك اللامفكر فيه بمرجعية فلسفية تقوم على تصحيح المحسوس المادي وتأصيل المعقول التشكيلي.

لقد بقي إلى اليوم هذا السؤال يسكن أدمغة المبدعين من التشكيليين العرب وغيرهم من الذين ساروا على درب الإبداع بخطى ثابتة بهاجس أساس مؤداه هدم بادئ الرأي التشكيلي الذي ارتبط بتلك النماذج التي ذكرناها آنفا والتي ظلت للأسف لصيقة بوعي المواطن العربي حتى ظن بعض.هم أنها جوهر الفن التشكيلي .

فهل استطاع الفنان العربي التعبير عن ثقافته بغض النظر عن تاريخ تطور الفن عند العرب في شقه الديني المانع للرسم والتصوير ..؟ وهل استطاع الفنان العربي خلق فن تشكيلي يراعي مقومات الهوية والبنى الإجتماعية المكونة للثقافة العربية ؟ أم إنه سجين تصورات غربية تؤطر فكره وأفق تصور الفني كمحاولات لإستنساج ما أنتجه الغرب وعكسه بمسلاط نحو الذات العربية المجتمع العربي معتمدا على معيار المماثلة لخلق أشباه ونظائر؟

ما هو معيار الحكم الجمالي عند المواطن العربي في تلقيه للعمل التشكيلي؟   وهل استطاع أن يرقى بذوق هذا المواطن نحو فهم حقيقة الفن وجوهره ؟

 

(*) فنان تشكيلي مغربي وباحث في النقد الفلسفي للفن

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم