صحيفة المثقف

اختلاف الفكر المنهجي بين داعش والإخوان

adil amirداعش تنهل من جماعة الإخوان الإرهابية كل مصادرها الفكرية والحركية، فالإخوان في بدايتها وحتى الآن كان منهجها العنف والتكفير لكل من يخالفها الرأي أو التفكير وهكذا تنظيم داعش، ففي الوقت الحالي لم يعد البشر يتعجبون من أفعال عناصر داعش العدائية والقتالية والإرهابية بقتل أحد المواطنين ذبحا أو شنقا أو رميا بالرصاص أو من أعلى بناية، فإن مذهب وجوب قتال غير المسلمين وغزو العالم لنشر الدعوة وجواز قتل المدنيين ووجوب بيعة البغدادي وتكفير من يحكم بالقوانين الوضعية وأعوان الحاكم، هي عقيدة التنظيم الإرهابي وتتلخص في توسع التكفير والقتل بناء على ذلك أو قتل من لا يبايع دولة العراق الإسلامية. من درس أو على علم بجماعة الإخوان الإرهابية يعلم تماما أن هناك تشابهات كثيرة جمعت بين تنظيم داعش وبين جماعة الإخوان وأهمها أن أفكار الجماعة التي وضعها مؤسسها حسن البنا نهلت منها باقي التنظيمات الإرهابية بما فيها داعش وبنيت عليها معظم التنظيمات الإرهابية، بالإضافة إلى أنه بتدقيق النظر والفكر نجد أن عددا من قيادات التنظيمات الإرهابية الحالية كانوا عناصر لجماعة الإخوان وأفرادا بها.

ويوجد من يري جماعة الإخوان المسلمين بمنظارين اثنين: منظار يقوم على أن الجماعة تهديد واقعي وجاد ضد الفلسفة الغربية بثقافتها وحضارتها ودينها، ومن ذا تقوم كثير من دوائر النفوذ بتحريض السلط العربية والإسلامية ضد الجماعة لتجفيف منابع غذائها وعطائها سواء على المستوى الدولي كما وقع للقيادي الإخوانية الدولي الأبرز يوسف ندا تجفيفا لمنابع التمويل والامتداد بالعلاقات نحو أكثر ما يمكن من الدوائر الغربية أو على مستوى التشويه الإعلامي ومحاصرة القيادات ومنعهم من الدخول والخروج وغير ذلك. لا شك أن أكبر طرف يقف وراء ذلك هو الطرف الصهيوني الذي يدرك أكثر من غيره أن الجماعة تحمل في جيناتها الأولى التي غرزها فيها مؤسسها : حب فلسطين والمقاومة دونها وهو أمر وقع بالفعل وليس شعارا يرفع أو هما يفكر فيه.

ومنظار يقوم على الرصد والتحليل وأبرز ما في هذا الصدد قيام هيئة من الحكماء الدوليين مقرها سويسرا في مرات كثيرة على امتداد العقود المنصرمة على استنباط نتيجة قوامها أن حركة الإخوان المسلمين في مصر خاصة وفي العالم العربي والإسلامي بصفة عامة رقم سياسي واجتماعي وشعبي واستراتيجي لا يمكن شطبه من المعادلة بيسر وسهولة وأن أجدى شيء لتخفيف العبء على تلك الأنظمة التي تواجه الاحتقان ضدها هو الاعتراف بالجماعة ومختلف مكوناتها بسبب أنها معتدلة نسبيا ويمكن التحاور معها. بث ذلك مرات ومرات إلى الحكومة المصرية في عهد المخلوع مبارك ولكن كما قال الشاعر : لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي.

اتهمت داعش الظواهري بالكفر العلني لقبوله الديمقراطية عمليا وإقراره الثورات العربية ونهجها السلمي في التغيير وهو نهج الإخوان الذي استنكره داعش، واعتبر داعش وقوف الظواهري إلى جانب الرئيس المصري السابق محمد مرسي الذي قبل بالديمقراطية شرًا، بل وتقديمه العزاء في سقوط حكمه حتى بعد إعلان محمد مرسي عزمه العمل مع الشيخ عمر عبد الرحمن واستعادته من سجون أمريكا، حتى أقر البغدادي بأن الإخوان شر من العلمانيين، وأن القاعدة لا تكفر من وجب تكفيره من المسلمين في رد البغدادي على تهمة القاعدة له بأنه يكفر المسلمين ويقتلهم لأنهم خالفوه في بعض الأمور الاجتهادية أو لأسباب تافهة، واتهم أبو بكر تنظيم القاعدة باحترام معاهدة سايكس بيكو وأن التنظيم كان يريد إبعاده من العراق، وأنه لا يحترم هذه الحدود وأراد فقط لجم البغدادي وإبقاءه تحت السيطرة.

وكان تراث سيد قطب مرجعية جامعة لكل أفكار الجماعة في تلك الفترة، خاصة مع دعوته للقطع مع “الأنظمة السياسية القائمة”، وانتشر فكر سيد قطب بسبب الرغبة في الحشد وعدم الاختلاف بالإضافة لكون عبد الله عزام إخواني الأصل ويقابل بفكره التيار الوهابي شريكه الثاني في الجهاد الأفغاني، فكان تراث سيد قطب المنتمي تنظيميا للإخوان المسلمين قابلًا للتأويل ويؤكد على الجهاد كغاية، رغم كل الخلافات التي شغلت الساحة الأفغانية الجهادية. خصائص التصور الإسلامي لسيد قطب ومقوماته وتحولها إلى دعائم للجماعات المتطرفة في تكفير المجتمعات الإسلامية وقتالها، كانت جلية فيما أصل له عبر أدبياته حول الحاكمية والجاهلية، فجاء في كتابه "في ظلال القرآن"(4/2122) إنه ليس على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله والفقه الإسلامي". وقال في الظلال (3/1634): "إن المسلمين الآن لا يجاهدون! ذلك أن المسلمين اليوم لا يوجدون! إن قضية وجود الإسلام ووجود المسلمين هي التي تحتاج اليوم إلى علاج". وتابع في الظلال أيضا (2/1057) : "لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين إلى البشرية بلا إله إلا الله، فقد ارتدت البشرية إلى عبادة العباد وإلى جور الأديان ونكصت عن لا إله إلا الله، وإن ظل فريق منها يردد على المآذن لا إله إلا الله".

 وأضاف: "إن هذا المجتمع الجاهلي الذي نعيش فيه ليس هو المجتمع المسلم". القرضاوي كان قد وصف "قطب" بتكفيره للمجتمعات الإسلامية، قائلا في كتابه "أولويات الحركة الإسلامية"، صفحة 110: "في هذه المرحلة ظهرت كتب سيد قطب التي تمثل المرحلة الأخيرة من تفكيره بتكفير المجتمع وإعلان الجهاد الهجومي على الناس كافة". وعن سيد قطب، كتب فريد عبدالخالق عضو الهيئة التأسيسية لجماعة الإخوان المسلمين في كتابه "الإخوان المسلمين في ميزان الحق"، صفحة 115:

"إن نشأة فكرة التكفير بدأت بين بعض الشباب الإخوان في سجن القناطر في أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات، وهم تأثروا بفكر سيد قطب وكتاباته وأخذوا منها أن المجتمع في جاهلية، وأنه (قطب) قد كفر حكامه الذين تنكروا لحاكمية الله بعدم الحكم بما أنزل الله ومحكوميهم إذا رضوا بذلك".داعش ترفع العلم الذي كان الرسول محمد (ص) يرفعه في معاركه الحربية . والإخوان شعارهم سيف وتحته القرآن وآية من القرآن ” واعدوا لهم. واستكمالها ” ما استطعتم من قوة ورباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم” . شعار يتضمن دعوة للحرب وليس السلام .. الإخوان يرددون في مظاهراتهم واحتفالاتهم “الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا”. وهي نفسها الشعارات التي ترفعها داعش. فإنَّ البحث عن العلاقة بين الإخوان وداعش ليس بحثاً في علاقة تنظيميّة واضحة المعالم بقدر ما هو بحث عن الأسس الفكريّة لتجمَّع التشكيليِّين خُصُوصاً بعد الحُصُول على مصادر تذهب إلى انتماء البغداديّ لتنظيم الإخوان المُسلِمين في العراق خلال وُجُوده في الجامعة بمرحلة الماجستير، وعن طريق عمِّه إسماعيل البدريّ، وإن كان تنظيم الإخوان المُسلِمين في العراق اختلف عن مثيله في مصر وبعض الدول. فالأوَّل ركـَّز على البُعد الإرشاديِّ والدعويِّ، والتحرُّك داخل النظام وليس الحرب على النظام، وهذا -أيضاً- شمل السلفيِّين ولاسيَّما عقب حرب الخليج الثانية 1991 الذين فضَّلوا مُهادَنة النظام، أو إنَّ النظام استخدمهم كورقة .

كـُتـُبُ الإخوان المُسلِمين –بلا شك- صنعت، وساهمت في شخصيّة البغداديّ خُصُوصاً تلك القواعد التي مزجت بين الإخوان والسلفيّة، وفلسفة (العدوّ القريب والعدوّ البعيد، ودار الكفر وغيرها)، لكن سرعان ما تحوَّل إلى السلفيّة بشكل بارز، وإن كانت الخطوط في العراق غير واضحة التمييز بين السلفيّة والإخوان حاله حال الكثير من أعضاء الإخوان المُسلِمين في العراق الذين انتقلوا إلى السلفيّة، وشاركوا في ظاهرة الأفغان العرب مثل محمد حردان الذي أصبح فيما بعدُ قائد ما يُسمّى جيش المُجاهِدين السلفيّ في العراق، ورُبَّما يرى البغدادي أنَّ الإخوان في العراق هم جماعة للتنظيرات لا الأفعال؛ ومن أجل ذلك جرت تحوُّلاته الفكريّة؛ لذا أهمّـيّة هذا الموضوع تفرض القيام بالعديد من الدراسات العلميّة لفهم طبيعة مَن نُحارب، إذ لا يُمكِن أن نحارب عدوّاً لا نعرفه.

 

الدكتور عادل عامر

دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم